تتطلع شعوب المنطقة لقمة الرياض، وكلها أمل بإيجاد حلول لمشاكل المنطقة بعد أن قاربت أن تصل تلك الشعوب إلى مرحلة اليأس بسبب حالة الجمود التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط.
وفي الوقت الذي كانت الولايات المتحدة بسياستها التي اتبعتها في المنطقة، السبب الرئيسي في معظم المشاكل التي تعاني منها حاليًا، إلا أن الأنظار ما زالت ترنو إليها من قبل شعوب المنطقة لوضع حد لتداعيات المشاكل المستحكمة فيها، وعلى ما يبدو أن هذا الحال سيبقى مستمرًا على النحو الذي نراه، ما دامت شعوب المنطقة لا تمتلك إرادتها السياسية المستقلة، وما دامت باقية ترزح تحت نير الأنظمة الاستبدادية الحالية.
السعودية تدعو لاجتماع تاريخي
وجهت المملكة العربية السعودية الدعوة لسبع عشرة دولة عربية وإسلامية لحضور قمة الرياض والتي وصفت بالحدث التاريخي الكبير، ليس بسبب حجم وأهمية الدول التي ستحضر، إنما للقرارات المتوقع اتخاذها خلال هذه القمة، والتي في حقيقة أمرها عبارة عن ثلاث قمم، تبدأ بقمة تجمع ترامب والملك سلمان، ثم قمة أخرى لترامب مع قادة دول الخليج، بالنهاية قمة تجمع الجميع بالإضافة للدول العربية والإسلامية الأخرى.
ستحضر القمة فضلاً عن الولايات المتحدة والمملكة السعودية، تركيا باعتبارها أقوى البلاد بالمنطقة عسكريًا واقتصاديًا، ومصر كونها أكبر بلد عربي، وباكستان الدولة النووية الإسلامية الوحيدة، بالإضافة لبعض الدول ذات الخصوصية الكبيرة مثل الأردن الذي تحيط به بلدان تشتعل فيها نيران الحروب الطائفية، والعراق الذي يعيش الحرب منذ أربع عشرة سنة
من الدول الفاعلة التي ستحضر القمة فضلاً عن الولايات المتحدة والمملكة السعودية، تركيا باعتبارها أقوى البلاد بالمنطقة عسكريًا واقتصاديًا، ومصر كونها أكبر بلد عربي، وباكستان الدولة النووية الإسلامية الوحيدة، بالإضافة لبعض الدول ذات الخصوصية الكبيرة مثل الأردن الذي تحيط به بلدان تشتعل فيها نيران الحروب الطائفية، والعراق الذي يعيش الحرب منذ أربع عشرة سنة، والذي يرجح أن يكون ساحة لحرب جديدة بين النفوذ الأمريكي العربي الإسلامي من جهة، والنفوذ الإيراني من جهة أخرى.
ماذا تمثل القمة للولايات المتحدة؟
تعتبر هذه القمة بالنسبة للولايات المتحدة، أو بمعنى أدق بالنسبة للرئيس ترامب، تحقيقًا لوعوده الانتخابية حين قال إن أمريكا أولًا، فهو سيستفيد من المليارات الخليجية المعروضة عليه بسخاء، وسيُعيد نفوذ أمريكا في العراق بالأموال العربية، وسيقاتل إيران ويحجّم نفوذها بجنود المنطقة من عربها وأكرادها، كما أنه سيُدير صراعه مع الروس في المنطقة، من خلال تحالفاته الجديدة القديمة.
سوف لا ينسى ترامب أن تكون لربيبته إسرائيل، نصيبًا من هذه الغنيمة، فالمأمول أن تتمخض قمم الرياض الثلاثة عن خطة تسويةٍ تاريخية، ينتزع بها ترامب من العرب والمسلمين هذه المرة، تنازلات مهمة أخرى لصالح إسرائيل
وبالتأكيد سوف لا ينسى ترامب أن تكون لربيبته إسرائيل، نصيبًا من هذه الغنيمة، فالمأمول أن تتمخض قمم الرياض الثلاثة عن خطة تسويةٍ تاريخية، ينتزع بها ترامب من العرب والمسلمين هذه المرة، تنازلات مهمة أخرى لصالح إسرائيل، على اعتبار أن العدو المشترك للجميع هو عدو واحد، أما إسرائيل فهي كعادتها إذا ما أرادت تسقيط سمعة بلدٍ ما، فإنها تدعي أنها على علاقة بها، لإسقاط تلك الأنظمة بنظر شعوبها.
وعند سؤاله عن تأسيس تحالف مع السعودية ضد إيران في الشرق الأوسط، قال نتنياهو: “لا حاجة لنا لإنشاء هذا التحالف فهو موجود بالفعل”، في إشارة خبيثة منه، لرفع الهالة التي تحيط المملكة بنظر شعوب المنطقة، والتي ترى فيها الأمل الأخير المتبقي لها ضد الهجمة الفارسية التي تقودها إيران.
ماذا تمثل القمة بالنسبة للباقين؟
تمثل هذه القمة بالنسبة للسعوديين، طوق النجاة الذي يرميه ترامب لهم بعد أن كاد يغرقهم سلفه “أوباما” حينما باعهم بثمن رخيص للنظام الإيراني، بل إنهم يعتبرون أنفسهم قد ربحوا الجولة مرة أخرى في كسب من يقاتل من أجلهم بقليل أو كثير من دولارات النفط، وأن الثور الجامح المدعو “ترامب” لا يختلف عن غيره، وبالإمكان ترويضه بالأموال.
بينما ستمثل هذه القمة بالنسبة لدولة الإمارات، تحديًا خطيرًا لأجندتها التي تريد أن تعمل بها في المنطقة، فالضوء الأخضر الذي أخذته من أوباما ربما سيتغير لونه عند ترامب، والتسريبات التي تتحدث عن المقررات التي يتوقع أن تصدر عن هذه القمة ربما ستكون في غير صالحها، مما جعل ابن زايد، يطير على عجل تجاه واشنطن لكي يبين لترامب موقفه، ويحاول بكل جهده تحويل مسار الولايات المتحدة في خططها للشرق الأوسط، إلى الوجه الذي يخدم مصالحه أولًا، ويخدم مصالح النظام الإيراني ثانيًا، حتى لو اقتضى الأمر منه أن يزيد السعر المعروض على ترامب من قبل السعوديين، فالإمارات الآن تمضي في طريق معاكس للتوجهات السعودية، وإن لم يظهر ذلك علنًا على مستوى التصريحات بين قادة البلدين.
الحكومة العراقية فهي الأخرى تتوجس خيفة من هذا المؤتمر، وتعرف أن العملية السياسية في العراق والتي تم توجيهها بالكامل لصالح إيران، ستكون أولى ضحايا هذا التحالف الأمريكي العربي الإسلامي
أما الحكومة العراقية فهي الأخرى تتوجس خيفة من هذا المؤتمر، وتعرف أن العملية السياسية في العراق والتي تم توجيهها بالكامل لصالح إيران، ستكون أولى ضحايا هذا التحالف الأمريكي العربي الإسلامي، خصوصًا أن المملكة لم توجه دعوة “للعبادي” بحضور القمة، وإنما اكتفت بتوجيه الدعوة إلى الرئيس فؤاد معصوم الذي لا يمثل دورًا سياسيًا مهمًا حسب الدستور العراقي، بل هو منصب فخري فقط، ليس له من أمر توجيه السياسة العراقية شيء يذكر، وهي رسالة من السعودية تفيد أنها قد نفضت يدها من العبادي بعد أن قامت بالفترة الأخيرة بمحاولة استمالته ليكون بصفها ضد النفوذ الإيراني بالعراق، لكن العبادي آثر ما عند إيران على ما عند السعودية.
وعلى ما يبدو أن المملكة قد أوكلت هذه المهمة لترامب الذي سيتعامل مع العبادي التعامل الذي يليق به، كونه رئيس وزراء دولةٍ لا تزال تحت الاحتلال الأمريكي عمليًا، ولها الحق بإصدار الأوامر إليه إذا اقتضت الحاجة بذلك.
تلك المخاوف جعلت حلفاء إيران وأتباعها يبدون ردود فعل متشنجة ضد هذا المؤتمر، من خلال حثّهم للعبادي بوجوب التحرك على مستوى الخارجية العراقية لتجري اتصالاتها مع الأمريكان ودول كبرى أخرى، لشرح وجهة النظر العراقية، بوجوب أن يراعي المجتمعون بالرياض مصلحة العراق التي تتمثل بأن يكون لاعبًا مهمًا في التهدئة ونزع فتيل التوتر بين إيران والولايات المتحدة، وبين إيران والسعودية، وتفعيل الحوار الخليجي مع إيران، وإلا فإن العراق ينأى بنفسه عن المشاركة في قمم وتحالفات، تجعله طرفًا مباشرًا في الحرب ضد دوٍلة إقليمية جارة، خصوصًا إيران التي وقفت الى جانب العراق في مواجهة داعش (حسب تعبيرهم).
ما ستمثله القمة لإيران
أما بالنسبة لإيران، فهي على يقين أن كل الجهود التي تبذلها الدول التي ستجتمع في الرياض، هي ضدها وتستهدفها، وبالتالي فإنها تراقب تلك القمة عن كثب، رغم انشغالها بالانتخابات الرئاسية، وتتهيأ للانحناء أمام هذه العاصفة كعادتها، وتبحث عن أي الساحات التي ستتخلى عنها لكي تتقي بطش هذا التحالف الذي يستهدفها، وبالتأكيد إيران لن تتخلى قطعًا عن العراق وسوريا، وهي التي قطعت أشواطًا بعيدة في تعزيز نفوذها هناك.
والحال على هذا فلم يتبق لها إلا التضحية بالحوثيين في اليمن أو المعارضين البحرانيين، وسيغري هذا العرض الإيراني الخليجيين بالتأكيد، ما دام أن النار التي تضرمها إيران ستكون بعيدة عنها، كما كان موقفها بالضبط حين كانت النار تشتعل في العراق ثم سوريا ولم تتحرك لإطفائها أو حتى الاهتمام لها، إلا بعد أن وصلت تلك النيران إلى حدودها.
ما يتداوله الناس عن تعزيز الولايات المتحدة من وجودها العسكري سواء في العراق أو سوريا، فهو ناتج عن خطط أمريكية بحتة لا علاقة بما تنوي الولايات المتحدة الاتفاق مع العرب بخصوصه
أما ما يتداوله الناس عن تعزيز الولايات المتحدة من وجودها العسكري سواء في العراق أو سوريا، فهو ناتج عن خطط أمريكية بحتة لا علاقة بما تنوي الولايات المتحدة الاتفاق مع العرب بخصوصه، على الرغم من حرصها أن تستلم فاتورة انتشارها في الدولتين من الأموال الخليجية، ومن غير المستبعد أن تحاول إيران تجربة لعبتها القديمة مع الأمريكان، والتوصل لاتفاقات معهم تقضي بتقاسم النفوذ بينهما على حساب شعوب المنطقة، كما فعلت ذلك مع رئيسين أمريكيين سابقين بما يتعلق بالعراق.
ومن يطَّلع على تاريخ العلاقات الأمريكية الإيرانية، سيجد أنها مرت بمراحل من التوتر، لكنها سرعان ما تزول، وكان الضابط لهذه العلاقة دائمًا، هو مدى التزام الإيرانيين بالدور الذي تريد منها الإدارات الأمريكية المتعاقبة أن تلعبه في أمن الخليج.
وإذا كان هذا الحال سيجري وفق ما نتوقعه، فمالذي سيفعله السنَّة في العراق أو سوريا؟ وهم يرون أن مستقبلهم يتم المساومة عليه، سواء من قبل العرب أو الأمريكان أو الإيرانيين، ومالذي سيفعله الأتراك وهم يرَوَنَ رياح الدول العربية والأمريكية تجري بما لا تشتهي سفنهم.
إن الحل الأمثل لتركيا للحفاظ على أمنها القومي وتعزيز دورها في المنطقة بالأخص في العراق وسوريا، والتي ترتبط معهما بحدود مشتركة تمتد لآلاف الكيلومترات، هو تعزيز علاقتها مع شعبي البلدين وتشكيل حلف من نوع جديد، هدفه الحفاظ على أمن تركيا من جانب، وحق العرب السنَّة في سوريا والعراق في الوجود على أرضهم وإفشال الخطط الإيرانية التي تستهدف وجودهم من جانب آخر.