ترجمة وتحرير نون بوست
في 7 فبراير كانت سراييفو تستعد للاحتفال بمرور ثلاثين عاما على دورة الألعاب الشتوية التي استضافتها عام 1984، ومع ذلك، وبدلا من الاحتفال بالشعلة الأولمبية، أشعل البوسنيون مبان حكومية بينها قصر الرئاسة ومبان للحكومات المحلية.
لقد تجمع المواطنون في سراييفو أمام مقرات الحكومة المحلية ليعلنوا تضامنهم مع العمال والشباب في مدينة توزلا، الذين خرجوا للاحتجاج على عمليات الخصخصة الفاسدة وفصل الموظفين من الشركات التي كانت ملكا للدولة. وفي كل أنحاء البوسنة والهرسك تجمع المواطنون أمام مقرات الحكومة للمطالبة بالإصلاح.
من الذين يحتجون؟ ولماذا؟
بدأت الاحتجاجات في مدينة توزلا ونظمها عمال من شركات كانت سابقا مملوكة للدولة، قبل أن تتم خصخصتها في عمليات شابها الكثير من الفساد. هذه المجموعات من العمال أعلنوا عن مظالمهم قبل قرابة شهر وطالبوا باستقالة مسؤولين حكوميين وإحداث تغييرات أوسع في النظام الاقتصادي والاجتماعي، لكن الزخم الحقيقي للاحتجاجات ظهر في 4 فبراير عندما انضمت لهم مجموعات وشرائح اجتماعية أخرى مثل الشباب والمحاربين القدامى والمتقاعدين والعمال أيضا في شوارع سراييفو، موستار، زينيكا ومدن أخرى للتعبير عن تضامنهم وتبنيهم لنفس المطالب.
الأحداث التي يُشار إليها أحيانا باسم “ربيع البوسنة” ضمت شرائح مختلفة من الناس غير المنتمية إلى أحزاب أو المنتظمة في تنظيمات مركزية. إضافة إلى ذلك، فإن الاحتجاجات نُظمت من قبل مجموعات غير رسمية وجمعيات أهلية وحركات عمالية وشبابية وكلهم يتبنون نفس المطالب تقريبا: استقالة الحكومة، تقليص رواتب المسؤولين الحكوميين، تحسين الرعاية الصحية المجانية وغيرها.
اختطاف الحركة الاحتجاجية
على الرغم من أن من قاد الاحتجاجات كانت الجماعات غير المسيسة، لكن الأحزاب السياسية في البوسنة ومنذ الأيام الأولى للاحتجاجات حاولت اختطاف الاحتجاجات عبر إلقاء اللوم على “الآخرين” وتحميلهم مسؤولية العلل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في البلاد.
فمثلا قال بكر عزت بيغوفيتش الرئيس البوسني أنه لا يتحمل مسؤولية الاحتجاجات، وأن النظام الذي يتظاهر المواطنون ضده يحتاج لتغيير بالفعل، وبالمثل فعلت أحزاب سياسية أخرى مشاركة في الحكومة أو في المجلس الرئاسي حيث حاولت التهرب من المسؤولية بإلقاء اللائمة على بقية الأطراف.
و جدير بالذكر أن النظام الرئاسي في البوسني يُعد نظاما فريدا من نوعه، حيث يحكم البوسنة والهرسك مجلس الرئاسة وهو نظام رئاسة دوريّة يضمّ ثلاثة رؤساء يمثلون المجموعات الإثنية والدينيّة المختلفة في البوسنة والهرسك، ويتناوب الرؤساء الثلاثة، المنتخبون، على رئاسة مجلس الرئاسة كل ثمانية أشهر. والرؤساء هم كرواتي (منتخب من فيدرالية البوسنة والهرسك) وصربي (منتخب من جمهورية سربسكا) وبوسني.
المتظاهرون من جانبهم يصرون أن التظاهرات اندلعت وتستمر بدون دعم أي حزب سياسي في البلاد.
وأثناء الاحتجاجات حدث تدمير لممتلكات عامة وأعمال عنف وشغب، لكن الإعلام البوسني تجاهل تماما أن مثيري الشغب هؤلاء هم من المواطنين الذين يعانون من حالة الفوضى الدستورية وفي مؤسسات الدولة والفساد وخطاب الكراهية واليأس، وكلها تركت عواقبها النفسية عليهم وعلى المجتمع ككل.
ومنذ التسعينات، لم تظهر الحكومات المتعاقبة على أي مستوى إداري أي اهتمام أو حساسية تجاه المعاناة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، خاصة الشباب والفئات الاجتماعية المهمشة، وبعد 20 سنة من الفترة الانتقالية بعد الحرب، لم يحدث شيء سوى المزيد من الفقر والفساد والإهمال، الذي انفجر لاحقا في “أعمال الشغب” التي حدثت في الاحتجاجات الأخيرة.
المطالب والدوافع
العمال وجمعيات المواطنين والنقابات والمتقاعدين وقدامى المحاربين والطبقة الوسطى التي على وشك أن تختفي لديهم نفس المطالب!
وفي حين أن متوسط الرواتب في البوسنة هو 400 يورو شهريا، فإن المسؤولين الحكوميين يتلقون أكثر من 3000 يورو! هذه الحالة من عدم المساواة وغياب العدالة الاجتماعية بالإضافة إلى الفقر غير المُحتمل كانت الأسباب الرئيسية في الاحتجاجات.
وفي بيان أصدره المحتجون في المدينة الأم للتظاهرات، طالب المواطنون باستقالة الحكومة، تقليص رواتب السياسيين، مراجعة الميزانية وتنقيحها، إنشاء لجنة مستقلة لمكافحة الفساد، الرعاية الصحية المجانية وتوفير فرص عمل للشباب ونقاط عديدة أخرى. إنهم يطالبون كذلك بحظر الأحزاب على أساس ديني أو قومي، وإعادة هيكلة البلاد المقسمة فيدراليا وإلغاء الكانتونات للحد من التكاليف الباهظة لهذا النظام. في عام 2010 فقط أنفقت البوسنة أكثر من 500 مليون يورو للحفاظ على البيروقراطية، ما يعني أكثر من 150 يورو في الثانية الواحدة!
حتى الآن استقالت حكومات ثلاث كانتونات، هي توزلا وزينيكا وسراييفو، ورئيس الوزراء نرمين نيكسيك أعلن أنه إذا طُلب منه الاستقالة فسيرضخ لطلب الجماهير.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية