ترجمة وتحرير نون بوست
كانت ريبيكا تحاول الفرار مع مجموعة من جيرانها، عبر أحد طرقات منطقة ياي، إلا أن جيش حكومة جنوب السودان، الذي ينتمي غالبية عناصره إلى قبيلة الدينكا، قطعوا طريقهم ومنعوهم من المضي قدما. وبمجرد إلقاء القبض عليهم، شرع الجنود في تعرية النساء، وذلك من خلال تمزيق ملابسهن بالخناجر. وفي الأثناء، اكتشف الجنود أن إحدى جارات ريبيكا حامل، فقاموا مباشرة بإطلاق النار على بطنها. وقد أورد الجندي الذي أقدم على قتل المرأة الحامل، قائلا: “نحن لسنا في حاجة إلى أن يولد متمرد آخر في هذه المنطقة”.
وعقب ذلك، قام الجنود باغتصاب النساء، الواحدة تلو الأخرى، بما في ذلك ريبيكا. وفي هذا السياق، قالت ريبيكا: “أنا متأكدة أنني حامل الآن… لكنني لا أرغب أن أنجب طفلا له جذور من الدينكا”. عموما، تعد شهادة هذه المرأة ومشاعرها التي دونتها أحد المنظمات الإنسانية، خير دليل على عمليات التطهير العرقي في جنوب السودان.
وفي السياق نفسه، أفاد أحد شهود العيان من مدينة واو في جنوب السودان أنه، وأثناء اختبائه تحت السرير في منزله، ترامت إلى مسامعه أوامر قيادات الجيش من الخارج، حيث صرخوا قائلين: “اقتلوا الأمهات! اقتلوا الأطفال! احرقوا كل شيء!”. إثر ذلك، انتشرت المليشيات الحكومية للبحث عن المدنيين، الذين أصبحوا أهدافا سهلة بالنسبة لهم، في كل ركن من المدينة. وقد شهدت هذه المنطقة انتقاما وحشيا ضد المدنيين يوم الاثنين الماضي، من قبل القوات الحكومية.
من جانب آخر، أوضح المصدر ذاته، الذي فضل عدم الكشف عن هويته خوفا من أن يتعرض للقتل، أن “حوالي ثلاثة آلاف شخص فروا فور سماعهم لطلقات نارية، ولجأوا إلى الكنيسة. في حين اتجه حوالي ألفي مواطن آخرين إلى قاعدة تابعة لأصحاب القبعات الزرقاء، التي تقع على مقربة من مدينة واو. وفي الأثناء، لم يجد باقي سكان المنطقة سوى النباتات والأشجار للاختباء بينها”.
في الوقت نفسه، قامت المليشيات الحكومية بوضع حواجز على الطريق، وذلك بغية منع قوات الأمم المتحدة من التدخل في الوقت المناسب. وقد وقعت كل هذه التجاوزات في وضح النهار، وفي كنف انفلات أمني تام، ودون أن يتدخل أي أحد من أجل التصدي للممارسات الوحشية التي ترتكبها المليشيات في حق المدنيين. بالإضافة إلى ذلك، ارتفع عدد القتلى في هذه المنطقة بشكل مفزع. وفي الإطار ذاته، أعلنت الأمم المتحدة أنها عثرت على 16 جثة في أحد المستشفيات، إلى جانب عشرة جرحى على إثر إصابتهم بطلقات نارية.
من جهة أخرى، أورد شهود عيان أنه وفي الوقت الذي كانت فيه الميليشيات بصدد ارتكاب مجزرة شنيعة بحق المدنيين، كانت هناك “دوريتين أمنيتين” تجوبان المدينة، وتتجولان في أرجائها. في الحقيقة، يتمثل دور هذه القوات في التنقل في المنطقة جيئة وذهابا، حتى لا تتفطن قوات أصحاب القبعات الزرقاء إلى الأمر وتأتي لمواجهة القوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها.
وعلى الرغم من إعلان رئيس جنوب السودان، سالفا كير، في وقت لاحق، أنه “سيتم معاقبة المذنبين”، إلا أن هذه التصريحات تفتقر للجدية والالتزام بمحتواها. وأمام هذه الوعود الواهية، تكررت التجاوزات عينها وشهدت كامل أنحاء البلاد هجمات مشابهة في حين تواصلت أعمال التطهير العرقي.
من جهته، أشار مسؤول سام تابع للأمم المتحدة، الذي يعمل في جنوب السودان، عبر رسالة إلكترونية إلى أنه “ليس من السهل الجزم بأن ما يحدث في حق المدنيين في البلاد هو تطهير عرقي، لأن مفهوم التطهير العرقي يرتبط غالبا بارتكاب العديد من المجازر في الوقت نفسه. في المقابل، قد لا تكون الهجمات الوحشية التي نفذتها حكومة جنوب السودان في حق المدنيين ممنهجة، إلا أنها ستحاول القيام بذلك في المستقبل. ومن المرجح أن تتواتر مثل هذه الانتهاكات الممنهجة خلال موسم الأمطار، حيث يصبح من الصعب المرور عبر الطرقات التي يغرق فيها كل شيء. وفي هذه الحالة، سيعجز المواطنون عن التنقل أو الهروب وإيجاد ملجأ”.
وفي شأن ذي صلة، اتهمت بريطانيا، التي كانت السودان فيما مضى ترزح تحت سيطرتها، حكومة جنوب السودان بعرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى مختلف مناطق البلاد. فضلا عن ذلك، أشارت بريطانيا إلى أن الانتهاكات والفظائع التي تشهدها البلاد شبيهة بعمليات “الإبادة الجماعية”.
في الثالث من نيسان/ أبريل الماضي، ارتكب جيش جنوب السودان مجزرة أخرى في حق المدنيين في قرية باجوك. وخلال هذه العملية، قامت القوات الحكومية بمحاصرة المنطقة قبل الساعة الثامنة صباحا. وفي مرحلة موالية، أطلقت هذه القوات النار على كل شخص يغادر منزله. وقد أكدت مصادر مطلعة أن هذه المجموعة تنتمي إلى نخبة من جنود جنوب السودان.
وفي هذا الصدد، صرح أحد المدرسين في هذه القرية، والبالغ من العمر 31 سنة، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه بالكامل، لفائدة وكالة فرانس برس أن “جيش جنوب السودان يقوم، في الغالب، باقتحام المنازل بعد أن يهشم أبوابها، ثم يشرع في نهب كل شيء تطاله يديه. منذ البداية، كنا نعلم أننا لن نواجه هجوما عاديا، بل سنكون عرضة لعملية بشعة للغاية”. وتجدر الإشارة إلى أنه، وخلال هذه المجزرة الأخيرة، قتل الجنود حوالي 85 شخصا، في حين تركوا جثثهم متناثرة على الأرصفة وفي الشوارع.
في الوقت الذي تنامت فيه وتيرة الجرائم والمجازر ضد المدنيين، ارتفع مؤشر العداوة بين الحكومة والمتمردين. وفي هذا السياق، وثقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” حالات الإعدام سحقا تحت سلاسل الدبابات، والتعذيب حتى الموت، وحرق المدنيين أحياء داخل منازلهم. ووفقا للمصدر ذاته، تتمثل مهمة بعض الكتائب في جيش جنوب السودان، في اغتصاب النساء، علما وأن هؤلاء الجنود، ينفذون التعليمات بناء على أوامر رؤسائهم في العمل. وقد قضى عناصر هذه المجموعة 11 شهرا دون تلقي أي راتب، في حين تمثلت مكافأتهم الوحيدة في اغتصاب النساء والظفر بالغنائم التي يقومون بنهبها.
من ناحية أخرى، دمرت مناطق بأكملها في جنوب السودان. ففي منطقة ياي، التي تعتبر واحدة من المناطق المركزية على خارطة الحرب الأهلية في البلاد، أحرق الجيش حوالي 18 ألف منزلا، وذلك حسب ما نقلته صور الأقمار الصناعية. بالإضافة إلى ذلك، وثقت العديد من الصور انتهاكات بشعة للغاية على غرار تكدس جثث العديد من المدنيين في منازلهم، بعد أن أحرقوا أحياء داخلها.
خلافا لذلك، أقال الرئيس سلفا كير رئيس أركان الجيش، بول مالونج، الذي ينتمي إلى قبيلة الدينكا، والذي يعتبر العقل المدبر وراء العديد من المجازر في جنوب السودان منذ سنة 2013. ومن المحتمل أن يتمرد مالونج، مجرم الحرب، ضد رئيسه بعد أن ضمن مساندة العديد من العناصر له. وفي ظل هذه الظروف، يعتزم رئيس جنوب السودان نقل عاصمة البلاد من جوبا، التي أصبح يشعر فيها بعدم الأمان، إلى لانكين، التي ينتمي غالبية السكان فيها إلى قبيلة الدينكا. ومن المتوقع أن يحظى الرئيس كير بدعم أكبر في العاصمة الجديدة. في المقابل، دفع هذا القرار المجموعات المعارضة، للوقوف في وجه الرئيس ومحاولة التصدي له.
في الوقت الذي تنتهك فيه حقوق المدنيين، تمنع السلطات العاملين في المجال الإنساني من مد يد المساعدة لضحايا الحرب، مما يزيد الوضع تعقيدا ويعمق الهوة بين الحكومة والمدنيين. بالإضافة إلى ذلك، تمتد جبهات القتال لفترات طويلة، حيث من الممكن أن تستغرق المواجهات شهورا عدة نظرا لأن طرفي النزاع، الحكومة والمعارضة، لا يمتلكان أسلحة متطورة.
في الأثناء، أصبحت الحرب الوحشية التي تشهدها البلاد، أكثر ضراوة وأشد وقعا على المواطنين العزل. وعلى الرغم من أن طرفا النزاع لا يمتلكان أسلحة متطورة أو أسلحة كيميائية، إلا أن الأسلحة التي بحوزتهما كفيلة بالتسبب في العديد من المجازر وإبادة جماعية، حسب ما أكدته مصادر في جبهات قتال أخرى، على غرار رواندا. وتتمثل هذه الأسلحة أساسا في الخناجر، والفؤوس وجملة من الأسلحة الصغيرة الأخرى. من جانب آخر، تتزامن هذه المجازر التي اكتسحت هذه البلاد المشهورة بتلالها، مع ذكرى مجازر التوتسي، التي مزقت البلاد منذ 23 سنة. وفي هذا السياق، حذرت الأمم المتحدة، خلال الأشهر القليلة الماضية، من إمكانية حدوث إبادة جماعية في جنوب السودان، مثل التي عرفتها رواندا.
في المقابل، يوجد عدد قليل من الصحفيين على أرض الواقع لتدوين وتوثيق حالات العنف والقتل والحرق. أما بالنسبة للصحفيين الذين يعملون فعلا في جنوب السودان، فيعدون من الموالين لحكومة الرئيس كير، في ظل فرار العديد من الصحفيين المحليين بسبب المراقبة المسلطة عليهم من قبل عناصر من الأمن الوطني الذين يشبهون إلى حد ما قوات “الكي جي بي” الروسية، لكن على الطريقة الأفريقية. وغالبا ما تكون حجة حكومة جنوب السودان إثر طرد الصحفيين أو عدم السماح لهم بالعمل في البلاد، أنها “ليست راضية عن التقارير التي يكتبها هؤلاء الصحفيين”.
وفي الأثناء، تفاقمت حالات المجاعة في مناطق مثل أويل، التي أصبح سكانها يتغذون على أوراق الأشجار حتى يسدوا رمقهم ويبقوا على قيد الحياة. في الوقت ذاته، أصبح خمسة ملايين شخص معرضين إلى خطر الموت جوعا. في المقابل، لم تتوان حكومة جنوب السودان عن قطع الطرقات أمام المساعدات الإنسانية، لمزيد تضييق الخناق على المدنيين.
المصدر: الموندو الإسبانية