هل بات حسم مسألة التدخل الأردني في جنوب سوريا أمر قريب جدا، وهل هذا التدخل على الأرض هو دراسة دقيقة وتنفيذ فعلي ضمن التفاهم الأمريكي الروسي، في سياق إقليمي دولي باتجاه الدفع لحل سياسي مستدام للأزمة السورية؟
وما هي دوافع ومبررات الأردن في التدخل بالاشتراك مع الأمريكيين والبريطانيين في جنوب سوريا، المنطقة الأكثر سخونة وتعقيدا في الإقليم، وهل من الممكن للأردن استثمار حدث ما على الحدود المشتركة لتبرير التدخل بشكل غير مباشر.
هل ستعلن عمان عن أن هدف أو حجة مكافحة الإرهاب، أو تنظيف المنطقة من تنظيمي داعش والنصرة وما شاكلها من ميلشيات حزب الله، وتسليم المنطقة لمعتدلين من الثوار، هو ما ستنطلق منه بمشاركتها العسكرية في الجنوب السوري؟
وقد كان الناطق باسم الحكومة الدكتور محمد المومني، هدد بعمل عسكري داخل سوريا في حال اضطرار بلاده لحماية حدودها، مشددا على أن الأردن سيتخذ كافة الإجراءات الدبلوماسية وغيرها على صعيد الدفاع في العمق السوري من أجل حماية حدودها، بحسب تعبيره.
وقال المومني في مقابلة تلفزيونية إن “ما يعني الأردن هو وقف التصعيد ووقف إطلاق النار في كافة أرجاء سوريا، وبالتحديد في المناطق القريبة من الحدود الأردنية، وكذلك أن تستعيد الدولة السورية قدرتها على ضبط حدودها”؟
تدخل مباشر أم حرب بالوكالة؟
ولمزيد من التوضيح، اتصلت “أردن الإخبارية” بالناطق الإعلامي للحصول على تصريحات جديدة حول الموضوع ، لكن لم يتسن لها ذلك لعدم الرد على الهاتف. وردا على تصريحات المومني، اعتبر وزير الخارجية السوري وليد المعلم، أن “تصريح المومني بعيد عن الواقع، وأنه سيتم التعامل مع القوات الأردنية على أنها معادية، في حال تخطيها الحدود دون تنسيق مع النظام، وأنها ستدفع الثمن غالياً، وستكون أهدافاً جراء استباحتهم الأرض السورية”.
الدويري: “الحدود الأردنية السورية لن تشهد اجتياحا كما يسوق لذلك الإعلام الإيراني والسوري”
في السياق، اتهم الإعلام السوري والإيراني، الأردن بالتحضير لدخول سوريا بالتعاون مع أمريكا وبريطاني، في الوقت الذي أعلن فيه الإعلام الحربي السوري، عن أنه رصد حشودا عسكرية غير مسبوقة في الأراضي الأردنية قرب الحدود السورية. كما نقل مدير مكتب قناة “العالم” الإيرانية، عن مصادر وصفها بالمطلعة في سوريا، تأكيدها على متابعة دمشق وحلفاؤها عن كثب لهذه التحركات قرب الحدود الأردنية.
لكن حسب الخبير العسكري اللواء المتقاعد الدكتور فايز الدويري، فإن الحدود الأردنية السورية لن تشهد اجتياحا كما يسوق لذلك الإعلام الإيراني والسوري، منوها إلى أن الأمر قد لا يتجاوز “عمليات محدودة وخاطفة، تحت مظلة دولية هدفها ضرب التنظيمات المتطرفة”.
وقال الدويري إن “المتتبع لتصريحات رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق الركن محمود فريحات، في أواخر كانون الأول/ديسمبر الماضي، يجد أنه نفى وجود خطط أردنية للتدخل أو لاجتياح الجنوب السوري”.
الدويري حذّر من سيطرة إيران وحلفاؤها على بادية الشام، الأمر الذي سيعمل على توسيع نوفذها في المنطقة، داعيا إلى قطع الطريق على إيران وميليشياتها في البادية
ورأى الخبير العسكري أنه “إذا سيطر الأردن على منطقة جنوب سوريا فستكون شبيهة بمنطقة الشمال التي تسيطر عليها تركيا، وأنها ستقع ضمن مناطق خفض التصعيد والمناطق الآمنة التي أعلن عنها في أستانة”.
وأفاد الدويري، بأن “الأردن في حال تدخل في الجنوب السوري عبر ما يعرف بالدفاع بالعمق، فإن ذلك سيكون عبر الحلفاء المتمثلين بجيش سورية الجديدة، أو جيش العشائر أو ما تبقى من عناصر الجيش الحر”.
وحذّر الدويري في نهاية حديثه من “سيطرة إيران وحلفاؤها على بادية الشام، الأمر الذي سيعمل على توسيع النفوذ الإيراني في المنطقة، داعيا إلى قطع الطريق على إيران وميليشياتها في البادية”.
الحلول الإقليمية والتقلب في المواقف
إزاء ذلك، يمر الأردن فيما يبدو بأدق ظرف والأكثر حساسية على الإطلاق في الفترة الأخيرة، فالمراقب للموقف الأردني يلمس التردد وتقلب المزاج السياسي من الأزمة السورية وفق المتغيرات على الأرض والقرارات المتزامنة في عواصم القرار، وما يرافقها من توافقات معلنة ومخفية وضغوط، ربما كانت أخفها تهديدات دمشق الأخيرة.
وقد لخص الملك عبد الله الثاني موقف المملكة حيال الأزمة السورية، قائلا “لن نسمح للتطورات على الساحة السورية وجنوب سوريا بتهديد الأردن، ونحن مستمرون بسياستنا في الدفاع في العمق من دون الحاجة لدور للجيش الأردني داخل سوريا، والهدف هو العصابات الإرهابية وعلى رأسها داعش”.
لا تستطيع عمّان أن ترفض حلولا وإجراءات يقررها حلفاؤها الإقليميون الخليجيون والدوليون، وإن كانت سياسة التملص قد أفادتها كثيرا من الوقوع في مستنقع الحرب الدائرة
فالثابت أن الأردن الذي يدعو إلى ضرورة الحل السياسي، لا يملك أن يفرض إيقاعه في ظل تصارع الإرادات بين الفرقاء الإقليميين والدوليين، في حين يصر على عدم التدخل المباشر في ما يحدث خلف حدوده، على رغم أن شظايا الاقتتال الدائر هناك تصيب قراه ومدنه الحدودية من وقت إلى آخر.
بعبارة أخرى، لا تستطيع عمّان أن ترفض حلولا وإجراءات يقررها حلفاؤها الإقليميون الخليجيون والدوليون، وإن كانت سياسة التملص قد أفادتها كثيرا من الوقوع في مستنقع الحرب الدائرة.
ومن وجهة النظر السورية، فإن أي تدخل أردني في الأراضي السورية الجنوبية هو احتلال واجتياح تحت عنوان محاربة داعش، التي ليس لها أي وجود في الجنوب السوري”. ويرى النظام السوري -في بيان صدر عنه ونشرته سبوتنيك الروسية- أن “التدخل الأردني مع قوات متنوعة من أمريكيين وغربيين وعرب، بهدف تحقيق مشروع الحزام الأمني كالأحزمة الأمنية حول سوريا، التي لا تعد كونها مشاريع احتلال”.
لماذا التدخل العسكري الآن؟
في إجابة على التساؤل الذي يتم تداوله حاليا، وهو لماذا الآن بات الحديث عن تدخل أردني في الجنوب السوري؟ أجاب الباحث في الشؤون الاستراتيجية الدكتور عامر السبايلة بقوله إن “لدى الأردن رغبة بمواجهه التنظيمات العسكرية الإرهابية في الجنوب السوري التي تهدد أمنه واستقراره قبل انتقال خطرها إلى الأردن”.
السبايلة: “الاستفزاز الإيراني ارتفع منسوبه بعد التصريحات الأردنية الأخيرة، التي تساوي بين داعش وطهران في تهديد أمن المنطقة”
وقال السبايلة لـ”أردن الإخبارية” إن “خطر انتقال الجماعات الإرهابية إلى المملكة يزداد بشكل كبير، لذلك فالأردن معني بتحريك أدواته وحلفائه في الجانب السوري، لكي يكونوا حاجزا ومانعا من الوصول إلى حدوده وتهديد أمنه واستقراره، لأن المطلوب أن لا يضطر الجنود الأردنيون إلى الدخول برا إلى سوريا، وهذا يفسر الدعم اللوجستي الأردني لبعض الفصائل لتقوم بهذا الدور”.
وأشار السبايلة إلى أن “طهران منزعجة من الدور الأردني في ضوء إثارة الملك عبد الله الثاني باستمرار لمخاوفه من تخطيط إيران للهيمنة على سوريا”، لافتا إلى أن “الاستفزاز الإيراني ارتفع منسوبه بعد التصريحات الأردنية الأخيرة، التي تساوي بين داعش وطهران في تهديد أمن المنطقة”.
ووفقا للسبايلة، فإن “إيران وحزب الله يعتقدان أن التدخل الأردني المحتمل والمدعوم من قوات أميركية وبريطانية، يتسق مع استراتيجية واشنطن في إخراج النفوذ الإيراني من سوريا، كمقدمة لأي تسويات للصراع في هذا البلد”.
حذر السبايلة من وجود “خلايا نائمة لحزب الله أو إيران على الأراضي الأردنية، قادرة على زعزعة الاستقرار”
وحول التهديدات التي أطلقها النظام السوري وحزب الله تجاه الأردن، وقدرته على تنفيذها حال التدخل في سوريا، حذر السبايلة من “وجود خلايا نائمة لحزب الله أو إيران على الأراضي الأردنية، قادرة على زعزعة الاستقرار”، منوها في الوقت ذاته إلى “ضرورة الحذر والانتباه من قبل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية لتفادي أي اختراق أو تهديد محتمل ضد الأمن الوطني”.
الأردنيون يفضلون حربًا من الجو إن لزم الأمر
إلى ذلك أظهرت نتائج استطلاع أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية مؤخرا، حيال الطريقة الأفضل لمواجهة التهديد العسكري المحتمل من قبل التنظيمات الإرهابية، أن “38% من مستجيبي العينة الوطنية و36% من مستجيبي عينة قادة الرأي، يرونها من خلال توجيه ضربات جوية في مناطق تتواجد بها التنظيمات الإرهابية”.
فيما يراها 29% من مستجيبي العينة الوطنية و34% من مستجيبي عينة قادة الرأي، من خلال “القيام بعمليات خاصة في مناطق تتواجد بها التنظيمات الإرهابية”.
في حال كان هنالك ضرورة لدخول المملكة في حرب برية، أفاد 40% من مستجيبي العينة الوطنية و22% من أفراد عينة قادة الرأي أن “على الأردن القيام بذلك بالتعاون مع تحالف عربي”
ويرى 13% من أفراد العينة الوطنية و4% من أفراد عينة قادة الرأي “ضرورة دخول الأردن في حرب برية في مناطق محددة تتواجد بها تنظيمات إرهابية لمواجهة التهديد العسكري”.
وفي حال كان هنالك ضرورة لدخول المملكة في حرب برية، أفاد 40% من مستجيبي العينة الوطنية و22% من أفراد عينة قادة الرأي أن “على الأردن القيام بذلك بالتعاون مع تحالف عربي، و37% من أفراد العينة الوطنية و49% من أفراد عينة قادة الرأي يرون ضرورة قيام الأردن بذلك “بالتعاون مع تحالف دولي”؟
المصدر: أردن الإخبارية