بعد 37 يومًا من العدوان، لم ينجح جيش الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق إنجاز عسكري فعلي يمكن أن يعود به إلى تل أبيب، معلنًا النصر على المقاومة الفلسطينية.
إذ تشن قوات الاحتلال حربًا جويةً وبريةً وبحريةً، دمرت خلالها أحياءً سكنيةً كاملة على رؤوس ساكنيها، وقتلت 11078 فلسطينيًا بينهم 4506 أطفال و3027 سيدةً و678 مسنًا، وأصابت 27490 بجراح مختلفة، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.
ولم يتمكن الاحتلال خلال المعركة من الوصول إلى أهم الشخصيات المطاردة كزعيم حماس في غزة يحيى السنوار أو القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، فضلًا عن تحقيق هدفه المنشود من العدوان المتمثل في القضاء على الحركة الإسلامية.
المقاومة متماسكة
في تحليل على قناة الجزيرة، قال الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري: “المقاومة متماسكة، حتى اللحظة، لا توجد إنجازات كبيرة تحققت خاصة خلال الأيام الأخيرة”.
وأضاف الدويري في 11 نوفمبر/تشرين الثاني أن معظم الإنجازات كانت في الأيام الأولى “في مناطق خالية وغير مأهولة بالسكان، لذلك كان من السهل أن يتقدم العدو ويصل إلى الأطراف الشمالية من قطاع غزة”.
لكنه يعتقد أن وصول الآليات العسكرية إلى المناطق المأهولة بالأبنية والسكان غيّر شكل الإنجاز، حيث يواجه الاحتلال صعوبة في الوصول إلى مستشفى الشفاء بفعل القتال الكبير في محيطها.
وخلال الأيام الماضية، حدد جيش الاحتلال لنفسه نقطة انتصار وهمية وهي الوصول إلى مستشفى الشفاء وسط مدينة غزة، الذي يروج أن قادة المقاومة يحتمون داخل أنفاق أسفله.
وتابع الدويري في هذا السياق “حتى الآن وبعد أكثر من 30 ساعة في محيطه، لم يستطع الاحتلال السيطرة على مسافة 600 متر بين مستشفى الشفاء وشارع البحر، لوجود معارك ضارية في تلك المنطقة”.
وأردف “استخدم الاحتلال وسط المناطق المأهولة بالسكان كل أنواع القنابل، الإسنفجية والخارقة والفسفورية والصاروخية، ومع ذلك فالمقاومة متماسكة وتدير المعركة بنجاح وقادرة على إيلام العدو”.
وقادت المقاومة الفلسطينية عدة معارك سابقة فرضت عليها، لم تخرج خاسرة بأي منها وقد فرضت شروطها على الدوام، لذلك يرى مراقبون أن المقاومة لن تخرج منهزمة، خاصة أنها من بدأت هذه الجولة القتالية وقد تجهزت لها وأعدت خطتها وجهزت عتادها لها.
منظومات جديدة
في هذه المعركة، أدخلت كتائب القسام عدة تقنيات وأسلحة جديدة إلى الخدمة، تميزت فيها عن الحروب السابقة، فعلى سبيل المثال، نفذ مقاتو القسام هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول المباغت عبر التسلل بالمظلات بحرًا وجوًا إلى مستوطنات غلاف غزة، معلنة لأول مرة عن وحدة المظليين التي أطلقت عليها اسم “سرب صقر”.
كما أطلقت أكثر من 5 آلاف صاروخ من قطاع غزة عبر منظومة “رجوم” وهي صواريخ قصيرة المدى من عيار 114 مليمترًا، هدفها تأمين غطاء ناري للمقاومين، واستخدمت هذه المنظومة في بداية العملية لعبور المقاومين إلى مستوطنات الغلاف والمواقع العسكرية الإسرائيلية.
كما استعان عناصر المقاومة بطائرات عمودية لتدمير الرشاش المعروف باسم “يرى ويطلق” شرقيّ غزة، فيما دمروا عبر المسيرات الانتحارية عدة دبابات إسرائيلية واستهدفوا جنودًا، وفق ما أظهرت صور ومقاطع فيديو.
https://www.youtube.com/watch?v=5kojt4-NgiE
وفي العملية العسكرية، ظهرت صواريخ “كورنيت” التي استخدمت في تدمير مدرعة “النمر المدولبة” الإسرائيلية، كما ظهرت صواريخ “الياسين 105” لتدمير الدبابات والآليات.
وفي تقدم عسكري ملحوظ، شاركت كذلك منظومة الدفاع الجوي “متبّر” في عمليات استهداف الطائرات الإسرائيلية، وهي عبارة عن صواريخ أرض-جو محلية الصنع.
وللاقتحام عبر البحر، بالإضافة إلى قوات “الضفادع البشرية”، أدخلت كتائب القسام إلى الخدمة طوربيد العاصف الذي يحمل متفجرات ويستهدف الزوارق الحربية الإسرائيلية.
فشل سابق
يمنح هذا التطور العسكري وفشل الاحتلال في تحقيق أي من أهدافه خلال الجولات القتالية التالية، الأمل في صمود المقاومة وخروج القوات المتوغلة دون إنجاز عسكري.
وعلى سبيل المثال، كان أحد أهداف العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008-2009 الوصول إلى المكان الذي كانت المقاومة تأسر فيه الجندي جلعاد شاليط، لكنها لم تتمكن من الوصول إليه حتى بادلته حماس عام 2011 بأكثر من ألف أسير بعضهم من المحكوميات العالية، فيما عرف باسم صفقة “وفاء الأحرار”.
وفي عام 2012 أطلقت قوات الاحتلال عملية “عمود السحاب” باغتيال أحمد الجعبري نائب قائد كتائب القسام محمد الضيف، واستمرت 8 أيام بهدف تدمير المواقع التي تخزن فيها حركات المقاومة صواريخها.
وفي عام 2014 أطلقت عملية “الجرف الصامد” واستمرت 51 يومًا وكان من أهدافها تدمير شبكة الأنفاق التي بنتها المقاومة تحت الأرض في غزة، وامتد بعضها تحت الغلاف الحدودي، وفق ما صرح وقتها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
حصلت بعدها جولات عديدة كان أبرزها في مايو/أيار وأطلقت عليها المقاومة اسم “سيف القدس” ولم تحقق أيضًا أهداف الاحتلال المتكررة بتدمير الأنفاق وتحييد القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية، وهي مؤشرات تشير جميعها إلى ما يمكن أن تسفر عنه المعركة الحاليّة من نتائج.
محاولات يائسة
يقول المحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري: “حكومة نتنياهو هُزمت هزيمة ساحقة في عملية طوفان الأقصى، لذا تحاول بشراكة أمريكية بريطانية كاملة، وبدعم أوروبي وغربي شامل، وعبر تشكيل حكومة الطوارئ، أن تحوّل الهزيمة إلى نصر”.
وتابع في مقال نشره موقع مركز مسارات للدراسات الإستراتيجية: “فهزيمة إسرائيل من فصيل صغير أظهرها بوصفها طرفًا ضعيفًا، ووضعها خطر، ومستقبلها غير مضمون، وتلجأ من أجل ذلك إلى الغير لمساعدتها، وإلى شن حرب إبادة جماعية، وتدمير شامل، وإحكام الحصار الكامل”.
وبين أن عدم استطاعة الاحتلال تحقيق إنجاز عسكري دفعه لاستهداف المدنيين وتنفيذ مجازر واسعة ومسح أحياء سكنية كاملة وتدمير مقومات الحياة والاتجاه لعمليات تهجير واسعة.
تقول صحيفة هآرتس العبرية إن ما يحدث في غزة وحتى الآن “أشبه بمحاولة يائسة لملاحقة عدو أشعل النار (في 7 أكتوبر) بالفعل ويتقدم بسرعة”.
وأوضحت أن الأهداف الرسمية لـ”إسرائيل” المتمثلة في القضاء على خطر حماس هي مجرد “طموحات”، والقدرة على تحقيقها تعتمد على ثلاثة عوامل: القوة العسكرية الفعالة، وتحديد الوقت الكافي، والقدرة على العمل في جنوب قطاع غزة.
وذكرت أن “الانتصار في الحرب يتحقق عندما يتوقف أحد الأطراف، سواء بالاستسلام التام أم بانهيار أنظمته، ومع ذلك، تبدو حماس بعيدة كل البعد عن ذلك في الوقت الراهن”، خاصة أنها تمتلك ورقة قوة تتمثل في 200-250 أسيرًا.