جاء اليوم الذي يتقابل فيه الرئيس التركي أردوغان مع الرئيس الأمريكي ترامب، حيث قال أردوغان إن القرارات النهائية لأنقرة ستتخذ عقب لقائه بالرئيس الأمريكي ترامب في واشنطن، سيكون هذا اليوم تصفية للحسابات بين البلدين بخصوص العديد من الملفات المهمة وعلى رأسها الملف السوري وتسليح الأكراد، وكذلك ملف العراق وتسليم فتح الله غولن.
رزمة خلافات في اجتماع أردوغان بترامب
يجلس الرئيس التركي أردوغان إلى جانب ترامب اليوم واضعًا نصب عينيه ما قاله قبل أيام من أنه لا يمكن اتخاذ أي قرار في الشرق الأوسط دون العودة لتركيا، وإن قام أحدهم باتخاذ قرار دون العودة لها فإن ثمن ذلك سيكون باهظًا سواء على المستوى الاقتصادي أم على المستوى الإنساني.
لقاء زعيمي البلدين حافل بالعديد من الخلافات على مر السنوات الماضية، ولعل أبرز تلك الخلافات وأحدثها على الإطلاق قرار البيت الأبيض بتسليح المليشيات الكردية في سوريا التي تصنفها أنقرة على أنها إرهابية.
سقف التوقعات والمطالب التركية في الزيارة انخفض بشكل كبير، وانطباع يسود أن إدارة ترامب لا تقدم قيمة إضافية عن الإدارة السابقة بالنسبة لأنقرة
التصريحات التركية ما قبل الزيارة تُنبئ عن غضب تركي من القرار الأمريكي، وأن أردوغان سيحسم هذا الأمر في لقائه بترامب اليوم، فرئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، قال إن تسليح الأكراد قد يكون له “عواقب” على الولايات المتحدة، ونتيجة سلبية، وكذلك وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، قال: “كل سلاح يذهب إلى المقاتلين الأكراد في سوريا يُشكل تهديدًا على تركيا”، وجاءت تصريحات أردوغان لتؤكد المسار التركي حيال هذه القضية، بأنه لا مجال للتفاوض بشأن هذه المسألة وعلى واشنطن أن تتراجع، إذ قال أردوغان قبل الزيارة إنه يأمل أن يتراجع ترامب عن هذا القرار في أقرب وقت ممكن.
مدرعات أمريكية ترافق المليشيات الكردية في سوريا
بينما علق وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس على المخاوف التركية قائلاً: “تباحثنا بصراحة مع الأتراك وسنأخذ ما يقلقهم بعين الاعتبار”، إلا أن هذا الرد لم يقنع الرئيس التركي الذي قال: “أمر لا يصدق أن تقوم دول حليفة لنا في حلف شمال الأطلسي بالتعاون مع قوات الاتحاد الديمقراطي، إن هذا أمر لا يمكن قبوله، فنحن شركاؤهم في حلف الأطلسي، وليس المنظمات الإرهابية”، وأضاف أردوغان أنه سيثير هذا الأمر من الألف إلى الياء خلال قمة الأطلسي المقبلة، وكذلك خلال الزيارة المقررة للولايات المتحدة.
لذا سيكون هناك “قرارًا نهائيًا” سيتم اتخاذه بناءً على لقاء أردوغان مع ترامب، وما كانت اللقاءات التي أجرتها اللجنة التركية الرفيعة المستوى إلا تحضيرًا للزيارة ولقاءات أولية مع الأمريكان، ويُذكر أن الوفد التركي ضم كل من رئيس الأركان خلوصي أكار، ورئيس الاستخبارات هاكان فيدان، وإبراهيم كالن المتحدث باسم الرئاسة.
أردوغان سيلتقي ترامب ورسالة واشنطن إليه واضحة، أن أمريكا حسمت أمرها في التعاون مع الأكراد وعلى أنقرة تجاوز هذا الأمر
مسارات هذا الحسم لا تبدو مرضية بالنسبة لأنقرة التي لا تقبل تمرير هكذا قرار، خصوصًا أن مراقبين رأوا أن سقف التوقعات والمطالب التركية في الزيارة انخفض بشكل كبير، وانطباع يسود أن الإدارة الحالية لا تقدم قيمة إضافية عن الإدارة السابقة بالنسبة لأنقرة وحل الملفات الشائكة معها، كما أن اللجنة التركية التي زارت واشنطن قبل زيارة الرئيس نقلت له إشارات سلبية حيال إمكانية تغيير البيت الأبيض لسياساته فيما يخص قوات الاتحاد الديمقراطي وكذلك بشأن إمكانية تغيير خطط وزارة الدفاع الأمريكية الخاصة بالقضاء على داعش في مدينة الرقة اعتمادًا على المليشيات الكردية.
نقطة خلافية أخرى وهي المناطق الآمنة في سوريا والتي يطالب بها الأتراك منذ زمن، وعلى إثر ذلك وافقت على مقررات أستانة 4 التي أقرت مناطق خفض التوتر بضمانة من قبل كل من روسيا وتركيا وإيران، مع إدراك تركيا أن هذه المناطق لن تتم إلا بتوافق بين موسكو وواشنطن التي أبدت تحفظها من اتفاق أستانة 4 وانتقدته، فخطط واشنطن الآن موجهة نحو القضاء على داعش بالمرحلة الأولى والتوصل إلى تسوية مع موسكو تفضي إلى إخراج إيران ومليشياتها خارج سوريا، والتوافق على مرحلة انتقالية بين الجميع تؤدي إلى رحيل الأسد.
أما فيما يخص تدخل القوات التركية بحملة عسكرية في سنجار شمال العراق، فلا يزال هو الآخر يلقى خلافًا من الطرف الأمريكي، فإدارة ترامب لا يمكنها الموافقة بشكل صريح على شن حملة تركية في الأراضي العراقية، لحماية علاقاتها مع الحليف الكردي العراقي وحكومة بغداد التي ترفض مثل هذا التدخل، بينما قد يسعى أردوغان للضغط في هذا الجانب للحصول على الضوء الأخضر لشن حملة عسكرية على غرار درع الفرات في العراق، ضد حزب العمال الكردستاني، حسب صحف أمريكية.
المحادثات بين أنقرة وواشنطن في لقاء ترامب بأردوغان قد تفضي إلى انفراجة في ملف تسليم فتح الله غولن لأنقرة
إذ كانت القوات التركية بدأت استعداداتها اللوجستية لشن حملة عسكرية بهدف تطهير الحدود العراقية التركية من قوات “بي كا كا” التي باتت تسيطر على مناطق واسعة تمتد من منطقة سنجار العراقية انتهاءً عند سيلوبي التركية، بالإضافة إلى مناطق أخرى حدودية بين تركيا والعراق وسوريا، كما صرح أردوغان سابقًا عن التحضير لعمليات عسكرية على غرار درع الفرات تستهدف التنظيمات الإرهابية التي تشكل خطرًا على تركيا، مشيرًا أنّ العمليات ليست محصورة في سوريا بل تشمل العراق أيضًا.
رسالة واشنطن وحدود المساومة
يرى مراقبون أن أردوغان سيلتقي ترامب ورسالة واشنطن بالنسبة له واضحة، أن أمريكا حسمت أمرها في التعاون مع الأكراد أعداء أنقرة وعلى الأخيرة تجاوز هذا الأمر، مع إبقاء باب المساومة مفتوح، فالرئيس الأمريكي كان من أوائل المهنئين للرئيس التركي في الاستفتاء الأخير لتعديل الدستور، وتغاضت واشنطن ولو نسبيًا عن الضربات الجوية التركية على حلفائها الأكراد في سوريا، وتم توجيه دعوة لأردوغان لزيارة واشنطن.
على الرغم من إشارة تقارير كثيرة أن القرار النهائي بشأن تسليح الأكراد من عدمه سيحسم في لقاء الزعيمين اليوم، فإنه من غير المتوقع أن يتراجع ترامب عن قرار دعم وتسليح الأكراد الذي اتخذه قبل أيام، مع علم الإدارة الأمريكية مسبقًا أن التسليم بهذا القرار يعني إغضاب شريكتها في حلف شمال الأطلسي ورد الرئيس التركي خائبًا، والشراكة المهمة لتركيا بالنسبة لواشنطن ولا يمكن إغضابها لا سيما بعد التقارب بين روسيا وتركيا في الفترة الأخيرة، وما قد يسفر عن هذا التقارب من نتائج تنعكس على الحرب ضد داعش في سوريا والعراق.
لذا الحديث يدور حول جائزة الترضية التي سيقدمها ترامب لتركيا، حيث لم تقدم إدارة ترامب لأنقرة حتى الآن أي شيء سوى الوعود التي قدمت منها إدارة أوباما الكثير، مراقبون يرون أن المحادثات بين أنقرة وواشنطن في هذا الجانب المعقد قد تفضي إلى انفراجة في ملف تسليم فتح الله غولن المتهم من قبل أنقرة بمحاولة الانقلاب الفاشلة منتصف يوليو/ تموز 2016 وتطلب أنقرة من واشنطن تسليمه.
إرسال إشارة للشركات الأمريكية الكبرى للاستثمار في تركيا يعد بادرة جيدة قد تبني عليها تركيا في تصحيح علاقاتها مع أمريكا
يرى باكير في هذه المسألة أنه من الناحية النظرية يمكن للأمريكيين اتخاد إجراءات بحق غولن أو حتى تسليمه لتركيا، ومن الناحية العملية، إذا أصبحت الإرادة موجودة، سيكون هناك حاجة ربما إلى وقت، نظرًا للعراقيل البيروقراطية، لكن إذا ما قررت إدارة ترمب المضي قدمًا في ذلك، فسينظر الجانب التركي على الأرجح إلى هذا القرار على أنه خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، ويضيف باكير أنه وعلى الرغم من أن قرار تسليم غولن إلى تركيا لن يكون ثمنًا كافيًا مقابل قرار تسليح المليشيات الكردية، فقد يحقق حال حصوله مكاسب كثيرة لحزب العدالة والتنمية والسلطات التركية.
ترامب رجل أعمال، ويعرف أن الاقتصاد التركي يمر بمرحلة صعبة نسبيًا، وتحتاج الحكومة التركية لدفع معدلات النمو للصعود مجددًا في السنوات المقبلة، لذا فإن الورقة الاقتصادية تعد مغرية بالنسبة لها، وإرسال إشارة للشركات الأمريكية الكبرى للاستثمار في تركيا يعد بادرة جيدة قد تبني عليها تركيا في تصحيح علاقاتها مع أمريكا.
فتركيا بحاجة لتدفق الاستثمارات الأجنبية إليها للقيام بمشاريع حيوية وكبيرة، وتعديل الخسائر التي لحقت بالليرة التركية والمؤشرات الاقتصادية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة وما لحقها من أحداث دامية مرت بها تركيا أثرت على الاقتصاد بشكل واضح.
أما من الناحية العسكرية فأنقرة ستستمر بحربها ضد الوحدات الكردية في سوريا والعراق، ولن تقبل بوجود قوات تابعة للعمال الكردستاني على حدودها في سوريا، وهو ما سيؤكده أردوغان على ترامب اليوم.
على الرغم من التطمينات الأمريكية “الفاشلة” من تبعات القرار الأمريكي على الأمن القومي التركي، إذ أكدت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية دانا وايت، أن الولايات المتحدة تدعم بشكل كامل عودة مدينة الرقة لحكم سكانها المحليين من العرب، وأضافت أن واشنطن لا تتصور وجودًا طويل الأمد لقوات الاتحاد الديمقراطي، مشيرةً إلى أن الحكم في المدينة سيكون مقبولاً أو متفقًا عليه من خلال رغبات السكان المحليين، وهذا لا يبدو مقنعًا لأنقرة التي عهدت مثل هذه الوعود مسبقًا، والتي لم يتم تحقيقها في وقت سابق في أثناء سيطرة قوات “الاتحاد الديمقراطي” على كل من مدينة تل أبيض ومنبج السوريتين.
قد تكون التسوية في جانب الحملة التركية على العراق تقتضي السماح لها بشن المزيد من الضربات الجوية على أهداف معينة ضد عدوها في سنجار شمال العراق
وفيما يخص الحملة التركية على شمال العراق فمن الممكن أن يكون هناك تسوية ترضي الطرفين ولا تسبب القطيعة بينهما، فلطالما أبدت واشنطن قلقها من الضربات التركية على الأكراد في العراق ولكن لم تعمل على إيقافها، وقد تكون التسوية في هذا الجانب السماح لتركيا بشن المزيد من الضربات الجوية على أهداف معينة ضد عدوها في سنجار شمال العراق، وفي حال حصل هذا ستكون أمريكا سمحت بضرب حليفها في العراق في الوقت الذي تدعمه في سوريا لقتال داعش.
في النهاية يدرك كلا البلدين أنه لا غنى لهما عن الآخر، فالتقارب الواضح بين تركيا وروسيا لا يغني أنقرة عن علاقتها بواشنطن الحليف الاستراتيجي في حلف شمال الأطلسي، وسيحاول الطرف الأمريكي ألا يدخل العلاقات مع تركيا في نفق مظلم محاولاً استرضاء أنقرة بشتى الوسائل للحفاظ على علاقاتها الجيدة معها.