منذ سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الـPYD على مدينة عفرين وريفها في منتصف عام 2012 والحزب يعزز سلطته على المدينة من خلال قوانين لتنظيم شؤون المدنيين. إلا أن تلك القوانين شكلت عبئًا على السكان وبالأخص المعارضين لسياسته والنازحين الهاربين من قصف النظام في المناطق المجاورة لعفرين، حتى وصفها البعض بأن توفير أوراق الإقامة في المدينة أصعب من دول أخرى.
شروط تعجيزية
تقع مدينة عفرين في شمالي غربي سوريا وتتبع إداريا لحلب حيث تبعد عن مدينة حلب مسافة 63 كيلومترًا، وتتشارك بحدود واسعة مع الأراضي التركية، وتعد من أهم المدن الكردية في سوريا، ويبلغ عدد سكانها نحو 50 ألف نسمة، وتحتوي مدينة عفرين على سبع نواحي وهي، شيخ الحديد، وراجو، ومعبطي، وبلبل، والمركز، وشران، وجنديرس، أما منطقة عفرين فتضم 366 قرية ويبلغ عدد سكان المنطقة مع المدينة نحو نصف مليون نسمة.
بعد اندلاع الثورة السورية شارك أهالي عفرين كغيرهم من المدن الكردية بقوة في الثورة السورية وخرجوا بمظاهرات كبيرة دعت إلى الحرية وإسقاط النظام ونيل الكرد كامل حقوقهم المشروعة. إلا أن حزب الاتحاد الديمقراطي PYD كان يقمع تلك المظاهرات بقوة ويمنع خروجها، ويرى مراقبون أن هذا القمع كان ينم عن دلالات واضحة بأن هناك تنسيق كامل بين الحزب والنظام السوري لمنع خروج المظاهرات وقمعها.
شترط مكتب الإقامات في عفرين أن يكون الشخص المتقدم والراغب بالإقامة في عفرين غير مصاب بمرض مزمن، أو مرض وبائي، وأن يكون كامل الأهلية العقلية وأن لا يكون منتسبًا أو مؤيدًا لتنظيم مصنف إرهابي
وقد استقبلت عفرين ضعف عدد سكانها من مناطق مختلفة من سوريا، أبرزها شمال حلب وإدلب، وبلغ عدد من نزحوا إليها نحو نصف مليون نسمة عاشوا في المخيمات وكثير منهم عاش خارجها في بيوت استأجروها من الأهالي، وبعد سيطرة قوات الحزب على المدينة أفرزت العديد من الإشكاليات للسكان والنازحين إذ فرضت عليهم شروط مجحفة للغاية مقابل بقاءهم فيها.
إذ فرضت ما تسمى بـ”الإدارة الذاتية” في المدينة من خلال “مكتب الإقامات” شروط أقرب ما يمكن يُقال عنها أنها تعجيزية بحق النازحين أو الراغبين بالدخول إلى المدينة، حيث اشترط المكتب على النازح أو الراغب في الإقامة داخل عفرين، تأمين عقد إيجار قديم في المناطق التي تسيطر عليها “الوحدات” الكردية، أو تأمين كفيل من أهالي عفرين يرافق النازح، أو السماح له بالدخول إلى عفرين والعودة بذات اليوم كزائر بعد إيداع هويته على الحاجز، وفي حال لم يعد يضع نفسه أمام المسائلة، كونه خالف قرار “الإدارة الذاتية.
ويشترط على الكفيل أن يكون من أبناء عفرين وأن يكون قيد سجله المدني مسجل في دائرة نفوس عفرين، وألا يحمل سجلا جنائيًا وغير محكوم أو معتقل سابقًا، وأن يكون حسن السلوك والسمعة ويمتلك على الأقل عقارًا واحدًا ضمن المدينة، وأن يعرف الكفيل المتقدم بطلب الكفالة بشكل شخصي وإلا يُغرّم بمبلغ 100 ألف ليرة سورية ويعتقل مدة شهر واحد إن كان لا يعرفه وقبل أن يكفله وتسحب الكفالة من الشخص المكفول.
فرضت الإدارة الذاتية دفع ضرائب مالية على كل من يريد إدخال بضائع تجارية، أو غذائية إلى منطقة عفرين، أو نقلها إلى ريف حلب الغربي عبر المرور من عفرين كـ”ترانزيت”
وذهب المكتب إلى أبعد من هذا، إذ اشترط أن يكون الشخص المتقدم والراغب بالإقامة في عفرين غير مصاب بمرض مزمن، أو مرض وبائي، وأن يكون كامل الأهلية العقلية وأن لا يكون منتسبًا أو مؤيدًا لتنظيم مصنف محليًا أو إقليميًا أو دليًا “تنظيم إرهابي”، وقد رُفضت طلبات من نازحين هناك بسبب كون أحد أبنائهم منتمين إلى الجيش السوري الحر.
وبعد تقديم الطلب تبدأ “هيئة الداخلية” التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي”PYD” التحقيقات والدراسة الأمنية التي تدوم قرابة شهر، وبعدها إما أن يأتي القرار بقبول الطلب، أو رفضه، ويتوجب حينها على الوافد دفع رسوم الإقامة التي تقدر بين 3 ألاف و 5 آلاف ليرة سورية، ثم يتسلم بطاقة إقامة مؤقتة مدتها 3 أشهر تكون بمثابة فترة اختبار للوافد ثم يتم تمديدها بعد انتهائها. ويحصل الوافد على شهادة تسمى “حسن سلوك” وعندما يرفض طلب الإقامة يمنح المتقدم بالطلب مهلة شهر واحد لمغادرة المدينة وإن لم يرضخ، يتم اعتقاله ويغرمه مكتب الإقامة بمبلغًا قدره 50 ألف ليرة سورية.
وثيقة الكفالة الصادرة عن الإدارة الذاتية في المنطقة الكردية
كما فرضت الإدارة الذاتية دفع ضرائب مالية على كل من يريد إدخال بضائع تجارية، أو غذائية إلى منطقة عفرين، أو نقلها إلى ريف حلب الغربي عبر المرور من عفرين كـ”ترانزيت”، وعلى سبيل المثال اشترطت دفع 1000 ليرة سورية على كل برميل مازوت، ودفع بين 12000 و 20000 ليرة سورية على كل سيارة شحن حسب المواد التي تحملها إسمنت أو مواد غذائية..إلخ. وعلى كل علبة كرتون تزن 5 كيلو غرام 200 ليرة سورية.
وأصدرت “هيئة التجارة والاقتصاد” التابعة للحزب قرارات تفرض على جميع التجار وأصحاب الأملاك والمحال التجارية في مدينة عفرين ضرائب سنوية و تبرعات قسرية من وقت لآخر، كما أصدرت قرارًا يفرض على جميع تجار الزيت والحبوب في مدينة عفرين وريفها شمال حلب الانضمام إلى المجلس المشكل ضمن الهيئة.
يؤكد الأفراد الذين كان لهم تجربة مع “الإدارة الذاتية” من خلال مكاتبها المنتشرة في عفرين أن الشروط والإجراءات التي تفرضها على المواطنين النازحين تفوق ما تفرضه بعض الدول على اللاجئين من شروط لإعطائهم إقامة مؤقتة أو دائمة، فالسوريين اللاجئين الذين خرجوا خارج سوريا إلى بلدان اللجوء في أوروبا وأمريكا تعرضوا لصنوف المعاملات، ولم يرووا هذا التعجيز في الشروط، كما أن آخر أمر كان يمكن أن يتوقعه السوري أن يُعامل بهذه المعاملة في أرضه ووطنه، بأن يقدم طلب إقامة في بلده.