ترجمة وتحرير: نون بوست
في 20 من آذار/ مارس، وتحديدا على الساعة الثالثة والربع، اقتحم قرابة 12 ضابط أمن شقة في دبي، كان يقطنها الناشط الإماراتي في مجال حقوق الإنسان، أحمد منصور. وفي الأثناء، بادر الضباط بإجراء عمليات بحث مطوّلة ودقيقة في كل أرجاء منزل عائلة أحمد منصور، ليقوموا فيما بعد بمصادرة أجهزة إلكترونية، ونقل منصور إلى سجن لم يكشف عن اسمه. ولكن لسائل أن يسأل، ما هي جريمته؟ وما هي التهمة الموجهة له؟ الإجابة بسيطة للغاية، لقد أقدم منصور على انتقاد حكومته على مواقع التواصل الاجتماعي.
في الواقع، تعد عملية التفتيش المفاجئة واعتقال أحمد منصور مثالا بسيطا يجسد مدى تدهور المناخ العام لحقوق الإنسان في دول مجلس التعاون الخليجي. والجدير بالذكر أنه من المقرر أن يجتمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع ولي عهد أبوظبي في البيت الأبيض، يوم الاثنين، فضلا عن أنه سيلتقي مع القادة السعوديين، في الرياض، يوم 19 أيار / مايو. وفي هذا الإطار، أورد بعض الخبراء أنه ينبغي على ترامب أن يستغل هذه الاجتماعات للضغط على حلفائه لإجراء إصلاحات عميقة في مجال حقوق الإنسان.
في المقابل، لا يمكن إنكار حقيقة أن كلا من إدارة أوباما وترامب تعتبران مسؤولتان جزئيا عن حالة القمع التي تعيشه شعوب بلدان مجلس التعاون الخليجي. ومن المثير للاهتمام أن دول مجلس التعاون الخليجي كانوا حلفاء عسكريين للولايات المتحدة منذ عقود. وقد ارتكز هذا التحالف خاصة على حجم المبيعات الضخمة للأسلحة التي أمنتها الولايات المتحدة لدعم أنظمة الدفاع في دول الخليج، وذلك من أجل طمأنتهم فيما يتعلق بأي هجوم إيراني محتمل.
اعتبرت دول الخليج أن سياسة توريد الأسلحة مقابل تعزيز الأمن الوطني والاقتصاد الأمريكي، بمثابة إشعار بأن الولايات المتحدة ستغض الطرف عن الممارسات القمعية التي تتبعها
من ناحية أخرى، ساعدت مبيعات الأسلحة على تنمية الاقتصاد الأمريكي من خلال خلق المزيد من فرص العمل. في الوقت نفسه، زودت دول الخليج الولايات المتحدة بالنفط وكانت بمثابة منصات في إطار “حرب واشنطن على الإرهاب”. وفي الأثناء، تعتبر البحرين موطن الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، فضلا عن أن واشنطن تحظى تستخدم القواعد الجوية في كل من الإمارات العربية المتحدة، وقطر في خضم معركتها ضد تنظيم الدولة.
خلال السنوات الخمس الأولى من فترة رئاسته، عزز أوباما هذه العلاقة، حيث أبرم جملة من الصفقات الرسمية التي تنص على بيع أسلحة للأنظمة الخليجية بقيمة 64 مليار دولار. وقد اعتبرت دول الخليج أن سياسة توريد الأسلحة مقابل تعزيز الأمن الوطني والاقتصاد الأمريكي، بمثابة إشعار بأن الولايات المتحدة ستغض الطرف عن الممارسات القمعية التي تتبعها.
إرسال إشارات مزدوجة
في مطلع سنة 2011، احتج عشرات الآلاف من البحرينيين سلميا ضد الحكم الاستبدادي لعائلة آل خليفة التي كانت تستأثر بالسلطة. وقد دعوا إلى احترام حقوق الإنسان، وطالبوا بإجراء إصلاحات اقتصادية وقانونية وسياسية بعيدة المدى. في المقابل، استجابت الحكومة لمطالب الشعب من خلال اعتماد القوة وقمع الاحتجاجات بطريقة دموية.
في الأثناء، وبالتعاون مع الجيش السعودي والإماراتي، أقدمت قوات الأمن البحرينية على قتل المئات وتعذيب الكثير من المحتجين حتى الموت باستخدام عربات “الهامفي”، التي اشترتها من الولايات المتحدة الأمريكية. من جهته، أدان أوباما الممارسات القمعية التي سلطتها الحكومة البحرينية على شعبها، وهدد بتعليق مبيعات الأسلحة. في المقابل، تعهدت الحكومة البحرينية بإجراء تحقيق شامل بخصوص الانتهاكات المزعومة وسنّ إصلاحات، من خلال بعث اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، خلال شهر حزيران/يونيو سنة 2011.
على الرغم من تواصل الانتهاكات والحملة القمعية الممنهجة في البحرين، إلا أن أوباما اسْتأنف عملية تصدير الأسلحة جزئيا للبحرين في سنة 2012. وقد ارتفعت المبيعات في سنة 2015، من خلال التهرب من القوانين الأمريكية ومراقبة الكونغرس لحيثيات هذه العملية. وخلال الشهر الأخير له في البيت الأبيض، اشترط أوباما على البحرين اقتناء طائرات مقاتلة من طراز إف- 16 بقيمة 2.8 مليار دولار، وذلك إثر اعتقال الناشط البارز في مجال حقوق الإنسان نبيل رجب في سنة 2016، وحلّ الحكومة البحرينية لجمعية الوفاق الوطني، التي تمثل المعارضة الشيعية الرئيسية في البلاد.
من جهة أخرى، ازداد الوضع سوءا منذ فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية. ففي مطلع كانون الثاني / يناير، نفذّت الحكومة البحرينية أول عملية قتل خارج نطاق القضاء، منذ سنة 2010. فقد أقدم بعض عناصر الشرطة على إطلاق النار على ثلاثة شبان وقتلهم. فضلا عن ذلك، سمحت البحرين “لجهاز الأمن الوطني” باستعادة مهامه من جديد كما منحته صلاحيات احتجاز واعتقال الأفراد المشتبه بهم في عمليات إرهابية.
لم تتوان السلطات البحرينية عن تكبيل المئات من المعتقلين والسجناء بالسلاسل، فضلا عن استهداف أسرة الناشط في مجال حقوق الإنسان في المنفى، سيد الوداعي، واعتماد سياسة التشفي
في وقت لاحق، قامت السلطات البحرينية بتعديل الدستور للسماح للمحاكم العسكرية بمحاكمة المدنيين (وقد سبق أن أحالوا أول قضية مدنية للبت فيه من قبل هذه المحاكم). في الوقت ذاته، لم تتوان السلطات البحرينية عن تكبيل المئات من المعتقلين والسجناء بالسلاسل، فضلا عن استهداف أسرة الناشط في مجال حقوق الإنسان في المنفى، سيد الوداعي، واعتماد سياسة التشفي. خلال شهر مارس / آذار، أعلنت إدارة ترامب أنها تستعد للمُضي قُدُمًا في صفقة مبيعات طائرات مقاتلة من طراز إف-16، التي تصل قيمتها إلى 2.8 مليار دولار؛ مشيرة إلى ضرورة الفصل بين الشّروط السّياسية والتّعاون العسكري في علاقتها بالبحرين وغيرها من الحلفاء الخليجيين.
غض الطرف عن دولة الإمارات العربية المتحدة
انتهج أوباما سياسة الصمت فيما يتعلق بالانتهاكات التي تمارسها الإمارات العربية المتحدة في حق المدنيين. ففي واقع الأمر، تمثل الحكومة الإماراتية أكبر مورد للأسلحة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث وصل حجم الصفقات التي أبرمتها مع واشنطن إلى 63 بالمائة، منذ سنة 2009.
طفل صغير يقف فوق الأنقاض بعد هجوم شنه التحالف الذي تقوده السعودية، على صنعاء، خلال شهر شباط / فبراير سنة 2016
منذ سنتين، اختطفت السلطات الإماراتية شخصين يحملان جنسية مزدوجة في سنة 2014. وقد تعرض الرجلان للتعذيب طيلة فترة احتجازهما إلا أن تم الإفراج عنهما، وذلك وفقا لما أفادت به الأمم المتحدة، ومجموعات ناشطة في مجال حقوق الإنسان فضلا عن أفراد أسرة الضحايا. وخلال شهر أغسطس / آب من سنة 2015، اعتقلت الحكومة الأستاذ الإماراتي ناصر بن غيث، وتم إيداعه السجن الانفرادي. وقد أكّد بن غيث أنه قد تعرّض للتعذيب طيلة فترة اعتقاله.
في شهر مارس / آذار، أصدرت السلطات الإماراتية في حق بن غيث حكما بالسجن لمدة عشر سنوات بموجب قانون جرائم الإنترنت الصارم، وذلك على خلفية التعليقات التي نشرها على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”. وتجدر الإشارة إلى أن بن غيث دخل في إضراب جوع احتجاجا على سجنه غير القانوني.
أفاد مسؤولون إماراتيون لصالح وزارة الخارجية الأمريكية أنهم قد أدرجوني ضمن “القائمة السوداء”، التي يمنع بموجبها مرور المطلوبين أمنياً إلى دول مجلس التعاون الخليجي. وقد عللوا هذا القرار لأسباب “تتعلق بالأمن الوطني”
من جانب آخر، عززت الإمارات العربية المتحدة قدراتها الإلكترونية بغية التجسس على المواطنين والباحثين الأجانب. وخير دليل على ذلك، هو “أنا”، “كريستينا بوغوس”، فقد درست الماجستير في جامعة جورج تاون، في واشنطن. وفي السنة الماضية، تم اختراق البريد الإلكتروني الخاص بي من قبل وكلاء أعتقد أنهم ينتمون إلى أمن دولة أبوظبي.
علاوة على ذلك، أفاد مسؤولون إماراتيون لصالح وزارة الخارجية الأمريكية أنهم قد أدرجوني ضمن “القائمة السوداء”، التي يمنع بموجبها مرور المطلوبين أمنياً إلى دول مجلس التعاون الخليجي. وقد عللوا هذا القرار لأسباب “تتعلق بالأمن الوطني”. من جهتي، أنا موقنة بأن هذا القرار جاء على خلفية البحث الذي أقوم به حول قضايا حقوق الإنسان في المنطقة.
حقوق الإنسان مطلب باهظ الثمن
في المملكة العربية السعودية، واصلت الحكومة اعتماد قوانين مكافحة الإرهاب لتجريم أي ممارسات في نطاق حرية التعبير. وقد انتقدت الأمم المتحدة هذه السياسة، وبقسوة، في تقريرها الخاص المعني بمكافحة الإرهاب الذي أصدرته خلال هذا الشهر. من جانب آخر، أسفرت الحرب التي تقودها السعودية في اليمن للإطاحة بالحوثيين، الذين تدعمهم إيران جزئيا، عن مقتل ما لا يقل عن 4773 شخص وإصابة 8272 آخرين، وذلك منذ انطلاق النزاع في شهر آذار/مارس سنة 2015. عموما، لم تتوان السعودية عن انتهاك قوانين الحرب، حيث قصفت قواتها بالإضافة إلى شركائها الخليجيين، المدارس والمستشفيات، والمآتم في هجمات عشوائية.
في عهد أوباما، كانت المملكة العربية السعودية أحد أكبر الموردين للأسلحة الأمريكية، حيث بلغت قيمة صفقات الأسلحة حوالي 115 مليار دولار. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المبلغ يعد الأضخم في تاريخ التحالف الأمريكي السعودي، الذي تمتد جذوره إلى ما لا يقل عن 71 سنة. وفي الفترة الأخيرة، كشفت منظمة هيومن رايتس ووتش عن تورّط الولايات المتحدة في الجرائم التي ارتكبها التحالف الذي تقوده السعودية بحق المدنيين في اليمن. فقد أكدت المنظمة وجود حطام أسلحة أمريكية الصنع، فيما لا يقل عن 23 موقع استهدفته الهجمات غير القانونية للتحالف.
في وقت سابق خلال هذا الشهر، أعلن وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الضغط أكثر على الحكومات الأجنبية فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، مما يعطي ترامب الضوء الأخضر لتسريع تنفيذ صفقات الأسلحة التي أبرمها سلفه أوباما.
على الرغم من أن موجات القمع قد وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في البلدان الخليجية في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة، إلا أن أوباما يتحمل جزءا من المسؤولية فيما يتعلق بتفاقم الممارسات القمعية حقوق الإنسان في هذه البلدان
إثر إتمامها لصفقة أسلحة مع البحرين، وافقت إدارة ترامب للتو على بيع صواريخ بقيمة 2 مليار دولار لحكومة الإمارات العربية المتحدة، في 11 أيار/مايو. وفي الوقت الراهن، تستعد واشنطن لإبرام صفقة أسلحة بقيمة 100 مليار دولار مع السعوديين، التي تشمل بيع الذخائر الدقيقة والقنابل الموجهة بالليزر، والتي تصل كلفتها إلى واحد مليار دولار. وتجدر الإشارة إلى أن أوباما قد منع تنفيذ هذه الصفقة، في الأشهر الأخيرة من فترة رئاسته. ومن المتوقع أن تتجاوز قيمة هذه المبيعات 300 مليار دولار أمريكي على مدى عقد من الزمن.
على الرغم من أن موجات القمع قد وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في البلدان الخليجية في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة، إلا أن أوباما يتحمل جزءا من المسؤولية فيما يتعلق بتفاقم الممارسات القمعية حقوق الإنسان في هذه البلدان. وقد شجعت سياسة واشنطن طويلة الأمد، القائمة بالأساس على تعزيز المصالح الوطنية الأمريكية، الدول الخليجية على ارتكاب المزيد من الجرائم وانتهاك حقوق الإنسان دون الخوف من التعرض للمساءلة والعقاب. ولكن، في حال مضت الولايات المتحدة قدما في هذا النهج، فسيتأزم الوضع أكثر في البلدان الخليجية.
المصدر: ميدل إيست آي