في خطوة لم تعهدها المملكة المغربية من قبل، كان أول تصريح لسعد الدين العثماني مباشرة بعد تكليفه بمنصب رئيس الحكومة المغربية خلفًا لعبد الإله بنكيران الذي أعفاه الملك محمد السادس بعد أشهر من المفاوضات الحكومية، باللغة الأمازيغية، في إشارة منه لأهمية هذه الفئة المجتمعية التي ينتمي إليها، وإعلانًا منه بفتح صفحة جديدة من العلاقة بين السلطة والأمازيغ، تبلورت في تعيين 5 وزراء في الحكومة الجديدة، مما أثار غضب الفاسيين.
العثماني.. كُوّة أمَل
للمرة الأولى في تاريخ المغرب منذ استقلاله، تشغل شخصية من أصل أمازيغي منصب رئيس الحكومة في المملكة، ويمثل تعيين سعد الدين العثماني رئيس الحكومة الجديد المنحدر من منطقة إنزكان، جهة سوس جنوب المملكة، في هذا المنصب، انتصارًا للأمازيغيين.
كتب العثماني “من حق الأمازيغ أن يطمحوا لتكون لغتهم في المستوى الذي تستحقه، وتكون لغة الحياة والمعرفة وتسمو إلى مصاف اللغات العالمية”
وخلّف تعيين العثماني ارتياحًا لدى الأوساط الأمازيغية، نظرًا لمواقفه السابقة منها، فالأمازيغية بالنسبة للعثماني قضية وهي كلغة مهدد بالانقراض وعلى مؤسسات الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في حمايتها، وسبق أن طالب العثماني وهو في منصب وزير الخارجية في اجتماعين لوزراء خارجية الدول المغاربية بتغيير تسمية “المغرب العربي” وتعويضها بـ”المغرب الكبير”، نظرًا للحضور القوي للبعد الأمازيغي في المنطقة المغاربية، حسب قوله.
وفي وقت سابق كتب العثماني “من حق الأمازيغ أن يطمحوا لتكون لغتهم في المستوى الذي تستحقه، وأن تكون لغة الحياة والمعرفة وتسمو إلى مصاف اللغات العالمية، وإن كان عدم وجود مقتضيات دستورية وقانونية في السابق جعلت المسؤولين في حِل من الالتزام بأي برامج جادة في هذا المجال، وقد ظهر فعلاً أنه على الرغم من الخطابات والتعهدات المقدمة، هناك من لم يهتم بإنجاح ورش تعليم الأمازيغية، واعتبره عبئًا لا واجبًا وطنيًا، أما اليوم فإن الدولة ملزمة بالتدخل لإعطاء الأمازيغية المكانة اللائقة بها في المدرسة والإعلام والإدارة وغيرها”.
بهذه المواقف السابقة مثّل العثماني، أمل الأمازيغ في العودة إلى الواجهة، خاصة أن علاقة الأمازيغ مع الحكومة السابقة برئاسة بنكيران قد سادها توتر كبير، حيث اتهمت الحركة الأمازيغية بنكيران، في أكثر من مرّة، بالتلكؤ في تفعيل مقتضيات الدستور فيما يتعلق بترسيم اللغة الأمازيغية، بعدَ تأخّر الحكومة في إخراج القانونين التنظيميين المتعلقين بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإنشاء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.
الأمازيغ في الحكومة والمعارضة
منذ فترة قصيرة، بدأت العائلات ذات الأصول الأمازيغية تزحف على المشهد السياسي في المغرب، إذ باتت عديد من الشخصيات الأمازيغية، تتبوأ أعلى المناصب في الحكومة والمعارضة، بخلاف ما كان رائجًا في سنوات مضت عندما كانت تسيطر عائلات ذات أصول عربية وفاسية بالخصوص على العمل السياسي في المملكة.
لا يقتصر الحضور الأمازيغي على الحكومة وقيادة الأحزاب الداعمة لها فقط، بل يمتدّ أيضًا إلى أحزاب المعارضة
وتضمّ الحكومة الحالية، إضافة إلى رئيسها سعد الدين العثماني، 5 وزراء أمازيغ وهم عزيز أخنوش وزير (التجمع الوطني للأحرار) الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، ولد أخنوش في دوار أكَرض أوضاض بتافراوت في ضواحي مدينة أكادير في الجنوب المغربي، محمد ساجد (الاتحاد الدستوري) وزير السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، ولد ساجد بمدينة سطات من أبوين أمازيغيين ينحدران من قبيلة إندوزان بتارودانت الشمالية بالمغرب.
العثماني يتوسط أحزاب المؤلفة للحكومة
كما نجد عبد الوافي لفتيت (مستقل) وزير الداخلية، وينحدر لفتيت وهو من مواليد عام 1967، من منطقة تافريست في الريف المغربي، وأحمد التوفيق (وزير مستقل) وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، الذي ولد بإيماريغن بمنطقة الأطلس الكبير الغربي، وأخيرًا محمد حصاد (الحركة الشعبية)، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، من مواليد منطقة تافراوت الموجودة في سوس المغربية.
إضافة إلى ذلك يقود الأمازيغي إدريس لشكر، حزب الاتحاد الاشتراكي، ويقود الأمازيغي الآخر محند العنصر، الحركة الشعبية، ولا يقتصر الحضور الأمازيغي على الحكومة وقيادة الأحزاب الداعمة لها فقط، بل يمتدّ إلى أحزاب المعارضة أيضًا، حيث يتصدّر إلياس العماري من أمازيغ الريف حزب “الأصالة والمعاصرة“ المعارض.
هل هي بداية تراجع الفاسيين؟
منذ بداية القرن العشرين، تمكنت العائلات الفاسية الثرية من بسط نفوذها والتوسع في المملكة المغربية وحكمها عن طريق “حزب الاستقلال”، الذي لُقب “بحزب الفاسيين”، واحتكار مناصب عُليا في الإدارات الكبرى والبنوك والشركات الصناعية والتجارية، الأمر الذي أدى إلى سيطرة هؤلاء الأفراد على جزء مهم من مختلف القطاعات الاقتصادية الرئيسية في المغرب، حتّى أصبح جلّ الوزراء قادمون من فاس.
بدأت الشخصيات الأمازيغية تفرض هيمنتها تدريجيًا في المشهد السياسي الحزبي والحكومي للمملكة
إلا أن الحكومة الجديدة برئاسة العثماني، أظهرت أن المعطيات صارت تسير نحو التغيير في المغرب، باعتبار أن الشخصيات الأمازيغية التي كانت إلى حد وقت قريب تفضل العمل في مجال المال والأعمال وتنأى بنفسها عن السياسة والسلطة، بدأت تفرض هيمنتها تدريجيًا على المشهد السياسي الحزبي والحكومي للمملكة.
ويرى مراقبون أن إمساك شخصيات أمازيغية بمفاتيح السياسة والأحزاب في المغرب في الفترة الأخيرة، يمكن إجماله في عدة دلالات رئيسية، الأولى أن هناك حركية وحيوية ملحوظة أصبح يعيشها المغرب فيما يتعلق بالمسألة الثقافية لا سيما الأمازيغية منها، والثانية ازدياد نفوذ هذه الفئة المجتمعية في المملكة المغربية، والثالثة إعادة تشكّل الخارطة السياسية في المملكة.
اهتمام بالأمازيغية
شهدت المملكة المغربية في السنوات الأخيرة اهتمامًا متزايدًا بالأمازيغية، حيث تم إدراج الأمازيغية كلغة رسمية للمملكة فضلًا عن العربية، في دستور سنة 2011، وينصّ الفصل الخامس من دستور المغربي الجديد على: “الأمازيغية تعد لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيد مشترك لجميع المغاربة دون استثناء، ويحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفية إدماجها في مجال التعليم ومجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلاً بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية”.
وفي نفس السنة أصدر الملك مرسوم إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2011، وبعد سنتين قام بإلقاء خطاب في أجدير، أعلن فيه إدماج الأمازيغية في المنظومة التربوية.
ارتفاع مطالب الأمازيغ في السنوات الأخيرة
ويطالب الأمازيغ بـ”منح اللغة الأمازيغية الوضعية القانونية المتكافئة مع اللغة العربية، الكفيلة بإلزام جميع الهيئات العمومية باستعمالها في مرافقها ومختلف خدماتها، والتنصيص على شمولية إدماجها في القطاعات كافة”.
ولا توجد أرقام رسمية بشأن عدد الناطقين بالأمازيغية كلغة أم في المغرب، غير أنهم يتوزعون على ثلاث مناطق جغرافية هي منطقة الشمال والشرق ومنطقة الأطلس المتوسط، ومناطق سوس في جبال الأطلس، إضافة إلى عدد من مدن مغربية كبرى، فضلاً عن وجودهم في الواحات الصحراوية الصغيرة.