في يوم الخميس 11 من مايو 2017، أعلن عيدروس الزبيدي رجل الإمارات في اليمني تشكيل المجلس السياسي الانتقالي الجنوبي (تهيئة لانفصال الجنوب عن اليمن) مكون من 26 اسمًا هم رجال الإمارات في البلد الذي يعاني غالبية سكانه من الجوع والمرض نتيجة الحرب الدائرة منذ ما يزيد على عامين بسبب السلطة.
إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي بعد 15 يومًا من إقالة الرئيس اليمني عبد ربه منصور لعيدروس الزبيدي والسلفي هاني بن بريك وهما من أهم الشخصيات الأمنية والسياسية في جنوب اليمن ولديهما شعبية لا بأس بها تنادي بالانفصال بعد أن استطاعت الإمارات العربية وإيران إقناعهم بأهمية تجزئة اليمن
جاء إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي بعد 15 يومًا من إقالة الرئيس اليمني عبد ربه منصور لعيدروس الزبيدي والسلفي هاني بن بريك وهما من أهم الشخصيات الأمنية والسياسية في جنوب اليمن ولديهما شعبية لا بأس بها تنادي بالانفصال بعد أن استطاعت الإمارات العربية وإيران إقناعهم بأهمية تجزئة اليمن، وأن يكون لهم قرار سياسي منفرد كونهم يمتلكون الثروات بحسب ما يُخيل لهم.
البيان الذي تلاه الزبيدي وأذاعته قناتا “الغد المشرق” و”سكاي نيوز عربية” أعلن في مادته الأولى هيئة رئاسة المجلس برئاسته على أن ينوب عنه الوزير السابق هاني بن بريك وعضوية 24 شخصية جنوبية من محافظين ووزراء في الحكومة المدعومة من الرياض التي يمثلها الرئيس هادي، إضافة إلى أكاديميين وعسكريين ومشايخ وشخصيات وطنية، كما حوت المادة (2) من القرار على مهام واختصاصات هيئة رئاسة المجلس.
بيان عيدروس الزبيدي
وأشارت المادة الثالثة من القرار إلى استمرار الشراكة مع التحالف العربي ضد ما وصفه بالمد الإيراني في المنطقة، والشراكة مع المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب، دون أن يشير إلى اليمن أو إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي بالسلب أو الإيجاب.
حاول الزبيدي في البيان أن يتلاعب بألفاظ كلمات البيان حينما قال إنه شريك مع التحالف العربي لصد المد الإيراني في المنطقة، ولمحاربة الإرهاب، وهو غير محق في ذلك كون إيران متغلغلة فيما يسمى “الحراك الجنوبي”، إضافة إلى أن القاعدة في عدن تنشط حينما يريد الانفصاليون إرسال رسالة معينة إلى الحكومة أو التحالف.
جاء بيان الزبيدي بعد يوم واحد أيضًا من مغادرة محافظ عدن الجديد عبد العزيز المفلحي الذي تلقى تهديدات أمنية بمغادرة المنطقة، والذي قيل له لا مكان لمن يرفع علم الجمهورية اليمنية في عدن.
وبالنظر إلى زاوية أخرى من البيان، فإن قناتي “الغد المشرق” ذات الطاقم الإعلامي اليمني والدعم المالي الإماراتي، و”سكاي نيوز الإماراتية” بثتا البيان في توقيت واحد، وهو ما يعني أن هناك تنسيق مشترك ودعم من قبل الإمارات العربية المتحدة لتفتيت اليمن، وإلا لما استطاع الزبيدي وتلك القيادات أن تتمرد على الرئيس هادي في وقت تقود المملكة العربية السعودية حربًا على اليمن نتيجة تمرد مشابه في شمال اليمن.
البيان لم يعقبه إجراءات عسكرية أو إعلان الخطوات المقبلة لاستكمال انفصال اليمن، إلا أنه فضل في المادة الثانية من القرار أن يسند للهيئة المعلنة مهام واختصاصات، كاستكمال إجراءات تأسيس “هيئات المجلس الانتقالي الجنوبي”، وهو ما يتوقع أن يتم إعلانه نهاية الشهر الحالي.
موقف دول الخليج
موقف دول الخليج لم يكن مشرفًا لليمنيين أو حازمًا تجاه هذا الإعلان، لكنها اكتفت بعد يومين من إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي بنشربيان على موقع دول مجلس التعاون الخليجي الإلكتروني، وعلى لسان الأمين العام للمجلس عبد اللطيف الزياني والذي قال إن دول المجلس تدعو جميع مكونات الشعب اليمني الشقيق في هذه المرحلة الدقيقة إلى نبذ دعوات الفرقة والانفصال والالتفاف حول الشرعية، لبسط سلطة الدولة واستعادة الأمن والاستقرار بأنحاء اليمن.
بيان مجلس التعاون الخليج هزيل، ولم يرق للمستوى المأمول شعبيًا بأن يكون هناك موقفًا خليجيًا حاسمًا على تهديد وحدة واستقلال اليمن، غير أن قراءته تشير إلى أن هناك برود خليجي وربما رضا لما يحصل لتفتيت اليمن.
البيان قال إن دول الخليج تدعو مكونات الشعب اليمني في هذه “المرحلة الدقيقة”، أي أن المملكة العربية السعودية لا تريد الانفصال في هذا الوقت المبكر لأن ذلك إفشال لعملية عاصفة الحزم التي بدأت في 26 من مارس 2015 لإعادة عبد ربه منصور هادي إلى القصر الجمهوري في صنعاء لكنها فشلت حتى الآن.
السعودية
صحيح أن الرياض وعدت القيادات الجنوبية بتحقيق مطالب الانفصال لهم بعد أن تنتهي عاصفة الحزم، الذين قاتلوا معًا الحوثيين وقوات صالح، وتم بناء مقرات سياسية وعسكرية بعلمها هي والإمارات العربية المتحدة ورفعت عليها أعلام الانفصال، إلا أن الإعلان المبكر في ذلك يحرج المملكة العربية السعودية أمام الرأي العالمي والأمم المتحدة التي تؤكد في كل قراراتها أهمية وحدة واستقلال اليمن، وهو أيضًا ما يعني فشل العمليات العسكرية في اليمن والقرارات الدولية المتعلقة في البلاد.
وتأييد الرياض لهذا القرار في الوقت الحالي يعني انتهاء عمليات التحالف العسكرية الجوية والبرية والبحرية نتيجة عدم تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2216، وفشل دول التحالف بقيادة السعودية في تنفيذ هذا القرار، إضافة إلى أن ذلك يعني انتهاء الدولة “الشرعية” التي تقاتل الرياض من أجل إعادته إلى القصر الجمهوري في صنعاء.
المملكة لا تريد أن تفشل كل جهودها في هذه “المرحلة الدقيقة”، استدعت الزبيدي وبن بريك إلى الرياض، وطالبتهما بتأجيل أو حل المجلس السياسي الانتقالي الجنوبي ولو مؤقتًا، لكن رجال الإمارات في موقف لا يحسد عليهم، فهم إذا أحلوا مجلسهم، فإنهم سيواجهون رجال الإمارات وما أكثرهم على الأرض
إعلان الانفصال يعزز من مصداقية الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في تحذيره لليمنيين وحديثه لهم أن هدف الرياض ما هو إلا تفتيت اليمن، وتدخلها من أجل حماية الانفصال، وهذا قد يخدمه في العمليات العسكرية على الأرض، وسيحظى بتأييد شعبي كبير في شمال اليمن وجنوبه وشرقه وغربه، وقد يليه تأييد دولي، والرياض لا تريد ذلك.
ولأن المملكة لا تريد أن تفشل كل جهودها في هذه “المرحلة الدقيقة”، استدعت الزبيدي وبن بريك إلى الرياض، وطالبتهما بتأجيل أو حل المجلس السياسي الانتقالي الجنوبي ولو مؤقتًا، لكن رجال الإمارات بموقف لا يحسد عليهم، فهم إذا أحلوا مجلسهم، فإنهم سيواجهون رجال الإمارات وما أكثرهم على الأرض، وقد يتم حرقهم أمام شعبيتهم، بل وربما انهيار مستقبلهم السياسي تمامًا إذا تراجعوا عن هذا الموقف.
مقر القيادة السياسية للجنوب تم بناؤه تحت إشراف الإمارات
لكن سيكون رد الزبيدي وبن بريك على ضغوط الرياض بنوع من العقلانية، من خلال دعوات إلى مظاهرات جديدة في الجنوب اليمني من خلاله سيتم الحديث عن قرارات جديدة وربما تأجيل إعلان المراحل التصعيدية لحين انتهاء عاصفة الحزم، لكن هذا يتعلق بتحركات الإمارات الداعية للانفصال وما إن كانت قد أثارت الموضوع أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتطالبه بدعم الانفصال، تحت مسمى احترام حرية الشعوب وتقرير مصيرهم.
في المقابل هناك سيناريوهات ربما تدرسها الرياض تجاه هذا التصعيد السياسي الجديد في جنوب اليمن، وهي:
أولاً: ستعمل المملكة العربية السعودية على محاولة إغراء القيادات الجنوبية بالمال للقفز من قارب المجلس الانتقالي لكي يفشل من البداية، لكن ذلك يمثل خطورة كبيرة على أعضاء المركز، والذي قد يتهم من قبل أنصارهم بالخيانة وستحرق أوراقهم سياسيًا.
ثانيًا: قد تفرض المملكة الإقامة الجبرية على عيدروس الزبيدي وهاني بن بريك، وقيادات أخرى توجد في أراضيها، وتجبرهم على حل المجلس، لكن ذلك محفوف بالمخاطر.
فإذا علم أبناء الجنوب أو أنصار الرجلين الذين يقاتلون مع الرياض في جنوبها، أو مع قوات التحالف في المخا والمحافظات الجنوبية، والذين وعدتهم قبل ذلك بتحقيق أهدافهم بفصل اليمن، فإنهم قد ينسحبون من المعارك، وهو ما يعني التفريط فيما تم تحقيقه منذ عامين، وهذا سيسبب إزعاج للرياض.
الإمارات
الإمارات العربية المتحدة ستستمر بتصعيد موقفها السياسي والعسكري تجاه حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في ظل عجز الرياض عن إيقاف الإمارات من العبث في اليمن، مستغلة التفوق العسكري الموجود على الأرض، وستعمل على دعم المجلس الانتقالي وربما ستبحث عن المزيد أو البديل عن الزبيدي في ظل سقوطهما أو احتجازه في الرياض.
الإمارات درَّبت أكثر من 11 ألف جندي يمني من حضرموت، و14 ألفًا من عدن وثلاث محافظات، وتدفع لهم أجورهم، وفقًا لمسؤولين إماراتيين، وهو ما يعني أن الإمارات لا يمكن أن تقبل أي هزيمة سياسية، وستمضي قدمًا نحو تحقيق هدف الانفصال والتخلص من هادي سترد بتصعيد آخر
لن تهدأ الإمارات طالما الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أزعجها وعمل على قص أجنحتها وكشف مآربها مبكرًا في اليمن، منذ رفضه تجديد عقد مواني عدن لها، وهي عازمة على إنهاء دور الرئيس هادي السياسي من خلال مبادرة سياسية تحدد مصيره السياسي، أو على تفتيت اليمن إلى دويلات تكون هي المسيطر الأول والأخير على صناعة الملوك في البلد المنكوب.
فالإمارات درَّبت أكثر من 11 ألف جندي يمني من حضرموت، و14 ألفًا من عدن وثلاث محافظات، وتدفع لهم أجورهم، وفقًا لمسؤولين إماراتيين، وهو ما يعني أن الإمارات لا يمكن أن تقبل أي هزيمة سياسية، وستمضي قدمًا نحو تحقيق هدف الانفصال والتخلص من هادي سترد بتصعيد آخر، أقلها زعزعة الاستقرار الأمني في محافظة عدن.
ففي الجانب الأمني ستوعز وكلاءها لبث الرعب في عدن، وإحداث تفجيرات واغتيالات في المحافظة التي تعاني من أزمات أمنية متلاحقة، ربما قد يصل ذلك إلى اغتيال مسؤولين كبار يدينون بالولاء لهادي أو المملكة العربية السعودية.
وحتى يكبح الرئيس هادي دور الإمارات العربية المتحدة في اليمن، يمكنه أن يصدر قرارًا ويعتبرها تخدم أجندة تحالف الحوثي وصالح، وأن خدماتها ليست مرغوبة ويطردها من عدن، بتأييد سعودي، لكن ذلك لا يبدو أنه مطروح على طاولة الرئيس هادي لعلمه أن مخطط الانفصال يتم تأسيسه بعناية ودعم الرياض ذاتها، وإن كانت ترغب بتأجيل هذا.
ماذا يعني انفصال اليمن؟
إعلان الانفصال سيؤدي إلى حالة عدم استقرار وحروب طاحنة هنا وهناك ستشمل كل مناطق اليمن، وهو بداية لتحقيق ما سمي بخارطة الشرق الأوسط الجديد، وهو ما يعني انهيار دول التحالف بقيادة السعودية، الأمر الذي سوف يؤدي إلى تغيير الخارطة السياسية لدول مجلس التعاون الخليجي، وسيطرة إيران على المنطقة سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وعسكريًا.
وفي حال نجاح المجلس الانتقالي السياسي الجنوبي وأعلن الانفصال، فإن دول التحالف بقيادة السعودية ستكون مطالبة من قبل الشعب اليمني والعالم وعبر الهيئات والمحاكم الدولية بدفع ما تم تدميره خلال فترة الحرب بسبب فشلها الذريع في إدارة هذه الحرب بحجة ارتكابها جرائم حرب، وتسببها بتفتيت اليمن.
من صنع الانفصال؟
منذ أن اقتحم الحوثيون عدن، عملت المملكة العربية السعودية على دعم ما يسمى حينها المقاومة الشعبية الجنوبية بالمال والسلاح عبر الإنزال الجوي، وعملت الإمارات على تدريب أعداد كبيرة من المقاتلين الذين تم اختيارهم بعناية شديدة والتي كانت تشترط فيهم عدم الانتماء للجمهورية اليمنية، وأن يكون لديهم النزعة الانفصالية والعنصرية ضد أبناء الشمال.
منذ أن بدأت الإمارات العربية المتحدة غزوها لعدن تحت مسمى تحريرها من “الانقلابيين” لإعادتها للرئيس اليمني، كانت أعلام الانفصال ترفرف على الدبابات التي تقودها الإمارات، وتم بناء مقرات سياسية للجنوب، ورفعت الأعلام الانفصالية على كل مؤسسات الدولة تحت حماية الإمارات
نجح التحالف العربي وخصوصًا الإمارات العربية المتحدة في تكوين هذا الجيش والذي مثّل أرضية طاردة للحوثيين، بل وأبناء الشمال من الجنوب، ومنذ أن بدأت الإمارات العربية المتحدة غزوها لعدن تحت مسمى تحريرها من “الانقلابيين” لإعادتها للرئيس اليمني، كانت إعلام الانفصال ترفرف على الدبابات التي تقودها الإمارات، وتم بناء مقرات سياسية للجنوب، ورفعت الإعلام الانفصالية على كل مؤسسات الدولة تحت حماية الإمارات.
إذًا من صنع الزبيدي وبن بريد والقيادات الجنوبية، هي دول التحالف التي وعدتهم بالانفصال، لكنهم تسرعوا في العملية نتيجة للقرارات التي أصدرها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
الخلاصة
كان من الأفضل أن يكون الإعلان عن كيان سياسي يتحدث عن قضايا الجنوب ومطالب الجنوبيين، لكن إنشاء المجلس الانتقالي يشير إلى أن هناك تعبيد للطريق أمام انفصال الجنوب عن الشمال، وتمزيق اليمن، والانقضاض على السلطة في عدن، وهو ما سيؤلب عليه قوى عديدة داخلية وخارجية، وربما يفشل حتمًا، إذا كانت بالفعل المملكة العربية لا تدعم هذا الانفصال.