اختصرت المرأة الموريتانية حياتها وطموحاتها ضمن تقاليد القبيلة والعادات الاجتماعية، إلا أن بعضهن حاولن كسر هذه الأعراف ليحققن أهدافهن، ولا شك أنهن تحملن ثمن هذه الجرأة إن صح التعبير.
تفيد تقارير دولية أن المرأة الموريتانية وخاصة الريفية عانت من التهميش والتغييب في مجالات الحياة المختلفة وذلك إرضاءً وانصياعًا للمجتمع الموريتاني، وبما أن دوام الحال من المحال فقد استطاعت أن تبرز حضورها بمحاولات شجاعة في عدة مجالات رغم تصدي وتدقيق الأطراف القبلية التقليدية في هذه البلد لمشاركاتها وفعالياتها.
تقول وزيرة الشؤون الاجتماعية والأسرة في الحكومة الموريتانية، ميمونة التقي: “المجتمع الموريتاني يتقبل حضور المرأة ومشاركتها في عدة مجالات وهناك جهات داعمة لوجودها وتمكينها”، وأضافت أن المجتمع الموريتاني الحضري يقبل بشكل عام مشاركة المرأة في جميع النواحي إلا أن التحدي يكمن في المناطق التي تعاني من الفقر والأمية.
أحد الأمثلة على المحاولات الشجاعة للمرأة الموريتانية “مي مصطفى إخو” التي حاربت العقلية المجتمعية التقليدية، وحوربت بالمقابل.
أول مخرجة موريتانية
عرفها العالم أولاً من جرأتها ومن ثم أعمالها في عالم الإخراج السينمائي عام 2012، ويذكر أيضًا أنها عملت كممثلة ومصورة فوتوغرافية ومساعد مخرج ومخرجة مستقلة.
نشأت مي مصطفى في ليبيا وبعد وفاة أمها عادت إلى بلدها الأم موريتانيا، في بادئ الأمر واجهت مي مصطفى عواقب معنوية ومادية كعدم توفر الأدوات اللازمة لعملها وقلة اهتمام المجتمع بالتصوير وانتقاده لهذا المجال بقسوة وتطرف.
سرعان ما زادت التحديات والانتقادات لها، حيث قالت المخرجة الشابة في بيان صحفي: “تم اتهامي بالكفر والإلحاد وإنتاج الأفلام الإباحية نظرًا لمهنتي التي أمارسها بشكل طبيعي، إلا أن هذه المهنة تتعارض مع البيئة المجتمعية التي نشأت فيها”.
“المجتمع يخيف الضعفاء، ولو امتلكت المرأة في المجتمعات الذكورية الشجاعة والقوة لتحديد ما تريد ما كنا الآن نعيش في مهزلة تدخل المجتمع في أتفه الأشياء مثل حق الإنسان أن يرتدي ما يريد”.
في هذا السياق يذكر أن المخرجة السينمائية رفعت دعوى قضائية ضد داعية قام بقذفها وتهديدها، وفي هذا الخصوص أضافت مي مصطفى “هذا الاتهام يسيء لي شخصيًا ولعملي، وتجاهل هؤلاء ضعفاء العقول من المتطرفين سيعطيهم الضوء الأخضر للتدخل في حياتي الشخصية والمهنية”.
واجهت المخرجة إخو كل أشكال الرفض والانتقاد، ومؤخرًا حدث جدل كبير بشأن طريقة لباسها في مقابلة تليفزيونية مع قناة بي سي سي وذلك بسبب تخليها عن اللباس التقليدي الخاص بالمرأة الموريتانية “الملحفة”، إذ عليها التمسك به وتجنبها للأزياء المعاصرة التي لا تمثل المرأة في موريتانيا.
بعد أن زادت حملة التخوين والتكفير تجاه المخرجة التي وجدت أن موجة الغضب والحنق هذه لا تنتهي صرحت إخو: “أنا لست في حرب مع أحد ولكنني لن أسمح للمجتمع أن يخبرني كيف أعيش حياتي وماذا ألبس أو أفكر أو أقول”، وأكملت “الملابس حرية شخصية وباختصار كسرت الصنم الذي يقف عائقًا أمام الكثيرات ويفتقدن الشجاعة لكسره”.
أضافت “المجتمع يخيف الضعفاء، ولو امتلكت المرأة في المجتمعات الذكورية الشجاعة والقوة لتحديد ما تريد ما كنا الآن نعيش في مهزلة تدخل المجتمع في أتفه الأشياء مثل حق الإنسان أن يرتدي ما يريد”.
على الرغم من الردود الشجاعة التي نشرتها المخرجة على صفحات التواصل الاجتماعي، فإن الهجوم بقي مستمرًا بسبب عدم ارتدائها الزي التقليدي في المحافل والمهرجانات الدولية.
تم قبول بعض من أعمالها بمتحف فيلاديلفيا للفنون عام 2013 في الولايات المتحدة الأمريكية.
حققت المخرجة إخو سجلاً في عالم السينما ومن أهم أعمالها الفنية فيلم “رائحة الماضي” و”الصندوق الأول” و”النهاية”، ولا بد من ذكر أن فيلمها عشتار وازيس الذي يناقش قضية اغتصاب المرأة فاز بالجائزة الأولى في مهرجان نواكشوط الدولي للأفلام عام 2015.
اتخذت إخو من أفلامها منصة لعرض القضايا التي تؤمن بها كالقضايا التي تهتم بشؤون المرأة مثل التعليم والتحرش، بجانب قضايا اجتماعية تهدف من خلالها إلى تغيير نظرة المجتمع للمرأة ومطالبة الرجل أن يكون رفيقها لا عدوًا لها.
إضافة إلى ذلك، حصلت المخرجة إخو على تكريمين الأول في تونس (الصالون الدولي السابع للصورة الفوتوغرافية بالمنستير) والتكريم الثاني في المعرض الدولي للصور الفوتوغرافية في تونس أيضًا، وتم قبول بعض من أعمالها بمتحف فيلاديلفيا للفنون عام 2013 في الولايات المتحدة الأمريكية.
الطموح المستقبلية
في مقابلة صحفية أكدت إخو تعلقها الشديد بالتصوير، وشددت على عدم التراجع عن هذا النشاط، خاصة أنها تؤمن بأن بلادها تزخر بالمواهب المماثلة وأن هناك طاقات فكرية لا حصر لها وما يلزم فقط توفير بيئة مناسبة لتفهم وصقل هذه المواهب ومتابعتها حتى تتطور ويصبح منها فائدة على أرض الواقع.
لا يخفى أن المخرجة إخو تطالب المجتمعات المحافظة بأن تتخلص من الخلفيات الفكرية البالية التي تحصر المرأة في إطار يمنعها من التعبير عن نفسها وتمثيل ذاتها بالصورة والمهنة الأفضل لإمكانياتها وطموحاتها.