لا تزال التقارير الدولية تتوالى حول مصير آلاف المعتقلين في السجون السورية فبعد التقرير الأخير الذي أصدرته منظمة العفو الدولية بعنوان “المسلخ البشري” حول سجن صيدنايا العسكري في فبراير/شباط الماضي والذي ذكر أن النظام السوري قتل نحو 13 ألف معتقل سوري شنقًا بعد الثورة، عاودت أمريكا والأمم المتحدة لنشر تقارير أخرى من ذات السجن حول أوضاع المعتقلين هناك وصنوف العذاب التي يتعرضون لها.
ممارسات وحشية
أكدت الأمم المتحدة في جلستها أمس الثلاثاء، أن لديها أسباب للاعتقاد بأن المعتقلين في سوريا يتعرضون بشكل منهجي لمعاملة قاسية ولا إنسانية ومهينة بينها التعذيب والعنف الجنسي، وقال استيفان دوغريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أن “هيئات الأمم المتحدة، وعلى مدار السنوات الماضية، وثقت بانتظام، وأبلغت عن انتهاكات لحقوق الإنسان في السجون ومراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري”.
ولكن ما أعلنت عنه واشنطن قبل أيام كان أكثر التقارير وحيشة على الإطلاق لدرجة شبهه البعض بـ”الهولوكوست”، ووزعت الخارجية الأمريكية، صورًا ومعلومات لمعتقل “صيدنايا”، وبينها صورة بناية داخل المعتقل، رجحت أنها تستخدم في حرق جثامين، الذين يتم إعدامهم.
إذ أعلن مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، ستيوارت جونز، أن واشنطن “لديها أدلة حول إحراق نظام بشار الأسد جثامين معتقلين في بناء داخل سجن صيدنايا العسكري بعد قتلهم”. يأتي هذا بعد البيان الأمريكي الصادر عن المندوبة الأمريكية الدائمة في الأمم المتحدة نيكي هيلي التي أفادت فيه بمعلومات تفيد بإقامة النظام السوري محرقة للجثث في سجن صيدنايا العسكري لإخفاء أثر الجثث. وأكدت أن “نظام الأسد يمارس الإرهاب ضد شعبه بشكل وحشي وممنهج”.
وزعت الخارجية الأمريكية، صورًا ومعلومات لمعتقل “صيدنايا”، وبينها صورة بناية داخل المعتقل، رجحت أنها تستخدم في حرق جثامين، الذين يتم إعدامهم.
وقالت نيكي في جلسة بمجلس الأمن إن “المجازر الجماعية التي يرتكبها نظام بشار الأسد في المحرقة بسجن صيدنايا، في ريف دمشق، تذّكرنا بأكبر الجرائم ضد الإنسانية في القرن العشرين”. أما النظام السورى فقد نفي الاتهامات الأمريكية بوجود محرقة للسجناء في سجن صيدنايا وقال أنها حلقة من حلقات هوليوود الأمريكية، علمًا أن هذا النفي معتاد من قبل النظام السوري على كافة التقارير الإنسانية الصادرة من المنظمات والمؤسسات الدولية.
ولفتت نيكي أن “روسيا وإيران قدمتا الدعم لنظام الأسد في عمليات الخطف والتعذيب، والإعدام دون محاكمة، إلى جانب غاراته الجوية وهجماته بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية”. وشددت أن “الأسد يتحمل مسؤولية تلك الوحشية، كما أن روسيا وإيران يحملون جزءًا من تلك الهمجية”، وأشارات هيلي إلى أن “العالم بأسره مدرك لوحشية النظام السوري، وقد حان وقت أن تنضم روسيا لنا”.
صور معتقلين سوريين في سجون النظام السوري
يُذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة، صادقت في ديسمبر/كانون أول الماضي، على قرار قدّمته قطر وليختنشتاين ينص على تشكيل فريق عمل خاص لـ”جمع الأدلة وتعزيزها والحفاظ عليها وتحليلها والإعداد لقضايا بشأن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت خلال الصراع في سوريا”.
إلى ذلك جدّد الرئيس الأميركي ترامب قبل أسبوع، العقوبات المفروضة على نظام الأسد، منذ عهد سلفه باراك أوباما، مدينًا استخدامه “للعنف الوحشي وانتهاكاته لحقوق الإنسان”. وقال ترامب في رسالة بعث بها إلى كل من رئيسي مجلسي النواب والشيوخ، أن “الحرب الوحشية” التي يشنها نظام الأسد ضد الشعب السوري لا تشكل خطراً على الشعب السوري فحسب، بل تولد اضطرابات في المنطقة. وندد ترامب في رسالته بتصرفات نظام الأسد، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، ودعم “المنظمات الإرهابية”، وكونه خطرًا غير طبيعي على الأمن القومي والسياسة الخارجية واقتصاد الولايات المتحدة.
فرنسا و”إسرائيل” مرعوبة
أعلنت فرنسا، أمس الثلاثاء، أنها تلقت المعلومات الأمريكية حول الاتهامات لحكومة دمشق بحرق جثامين معتقلين في أحد سجون هذا البلد بـ”قلق ورعب”، مطالبة بـ”فتح تحقيق دولي في أقرب وقت ممكن”. واعتبر المتحدث باسم الخارجية الفرنسية، رومان نادال، أمس، في تصريحات له أن الاتهامات الأمريكية تعتبر في “منتهى الخطورة”. وأضاف أن النظام السوري “يجر وراءه رصيدا ثقيلا من الرعب”، لافتا إلى أن بلاده “تطالب بفتح تحقيق دولي حول سجن صيدنايا السوري في أقرب وقت ممكن”.
تلقت فرنسا المعلومات الأمريكية حول الاتهامات لحكومة دمشق بحرق جثامين معتقلين في أحد سجون هذا البلد بـ”قلق ورعب”
حتى “إسرائيل” التي نُقل عن أحد الضباط الإسرائيليين المتقاعدين قوله “لا مكان للأسد في هذا العالم”، و قال أن واقع الحال في سوريا هو أنهم يعدمون الناس، ويستخدمون الأسلحة الكيميائية في هجمات مباشرة ضدهم، والتطرف الأخير كان إحراق جثثهم، وهو أمر لم نره منذ 70 عاما، في إشارة إلى “المحرقة النازية”. وأشار الضابط المتقاعد أن أفعال الأسد في سوريا تصل إلى حد “الإبادة الجماعية حيث تم قتل مئات الآلاف”. ودعى إلى اغتيال الأسد وأنه هذا سيكون بمثابة “قطع ذيل الثعبان”، وأضاف “بعد ذلك ينبغي التفرغ للرأس وهو طهران”.
كثفت الولايات المتحدة من تقاريرها في الفترة الماضية حول التقارير التي تهتم بالجانب الإنساني في الأزمة السورية والممارسات الوحشية التي يمارسها النظام السوري ضد المعتقلين في سجون النظام وأبرزها سجن صيدنايا، إلا أن أيًا من تلك التقارير لم يؤدي إلى خطوات عملية لمحاسبة الجاني – النظام السوري- على أفعاله وإيقافه عن ارتكاب المزيد من الجرائم بحق المعتقلين لديه. من جانب آخر تأتي هذه التقارير كدلالة على التصعيد الأمريكي ضد الأسد وأن رؤيتها للحل منفصلة عن الحل الروسي للأزمة السورية وهو ما أكده عدم قناعة واشنطن بمفاوضات أستانة 4 ومخرجاتها.