العلم أحد أهم عوامل التقدم، وهو كذلك واحد من مجالات الصراع الأممي الذي تتداخل فيه المصالح حتى على مستوى الأفراد والشركات، فهو مجال تنافس لا ينتهي، لكن عندما يتعلق الأمر بالتقدم التكنولوجي والعسكري لا بد أن يأخذ شكل الصدام، ليصبح ميدان صراع.
لطالما كان العلماء هدفًا ثمينًا، حيث يسعى كل طرف من الأطراف المتحاربة للنيل من علماء ومخترعي عدوه، فشهد العالم ومنذ القدم العديد من حوادث اغتيال العلماء، لكن حديثي هنا عن العلماء العرب الذين كان كل ذنبهم أنهم ولدوا ونشأوا في الزمان والمكان الخطأ، حيث لا مستقبل لهم في دولهم، ولا مجال لتحويل إنجازاتهم واختراعاتهم إلى واقع عملي.
“إسرائيل” وكجزء من حربها ضد العرب، أدركت مبكرًا خطورة امتلاكهم للتكنولوجيا الحديثة، خاصة تلك المتعلقة بالذرة، فتكاد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي نظمت عمليات الاغتيال بإطار مؤسساتي، حيث أنشأت رئيسة وزرائها “غولدا مائير” جهازًا خاصًا بعمليات الاغتيال أطلق عليه اسم “المجموعة إكس” وألحقت به وحدة مختصة بالاغتيالات من جهاز الموساد، ليصبح لديها لاحقًا شعبتان تتبع إحداهما الجيش والأخرى الموساد، وذلك بهدف التحري وجمع المعلومات عن العلماء العرب خاصة علماء الذرة.
“إسرائيل” اغتالت العديد من علماء الذرة العراقيين، ودمرت مفاعل تموز العراقي، وبمناسبة الحديث عن العراق فإن إيران وبعد الاحتلال الأمريكي الذي مكنها من وضع يدها على العراق، قامت أيضًا بتصفية المئات من العلماء والطيارين ورجال الدين والسياسيين
تصفية “إسرائيل” للعلماء والخبراء لم يقتصر على العرب، فقد نفذت عمليات اغتيال طالت علماء كنديين وألمان، وأجبرت الحكومة الألمانية على دفع تعويضات للتكفير عن جرائم النازية بحق اليهود، فلجأت لاختطاف “هاينر كروغ” مدير مكتب إنترا، إحدى الشركات التي كانت تزود مصر بقطع الصواريخ، ليعثر عليه لاحقًا مقتولاً في سيارته، كما أصيبت سكرتيرته “ولفغانغ بليتسر” بالعمى بعد انفجار طرد أدى لمقتل خمسة مصريين كانوا معها، وكذلك أرسلت تهديدات للعاملين في مجال صناعة الصواريخ، واغتالت العالم الكندي “جيرالد بول” أمام منزله في بروكسل بتاريخ 23\3\1990 للاشتباه بعمله لصالح العراق، ونفذت الاغتيال وحدة كيدرون.
“إسرائيل” اغتالت العديد من علماء الذرة العراقيين، ودمرت مفاعل تموز العراقي، وبمناسبة الحديث عن العراق فإن إيران وبعد الاحتلال الأمريكي الذي مكنها من وضع يدها على العراق، قامت أيضًا بتصفية المئات من العلماء والطيارين ورجال الدين والسياسيين، بدافع الانتقام أولًا وتجهيل المجتمع العراقي ثانيًا، وهو ما مكنها من إحكام قبضتها على هذه الدولة العربية، وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإن “إسرائيل” قامت أيضًا باغتيال علماء ذرة إيرانيين.
التاريخ الحديث يروي العديد من قصص الاغتيال، فمنذ بدايات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، سلسلة طويلة من العلماء الذين تمت تصفيتهم بطرق متعددة بعضهم ضباط عسكريين والبعض الآخر باحثي أدب وتاريخ، وفي حالات أخرى كان الضحايا أطباء ومهندسين
“إسرائيل” تقوم بتصفية كل من تشعر بأنه يمثل خطرًا عليها، فمن “يحيى عياش” إلى “خليل الوزير” إلى “محمود المبحوح” وصولاً لـ “ياسر عرفات”، هي لا توفر أحدًا، حتى سورية الغارقة في الحرب المأساوية منذ ستة أعوام لم يسلم علماؤها من الاغتيال، حيث أقدمت بتاريخ 10\10\2014 على استهداف حافلة في منطقة برزة في العاصمة دمشق تقل علماء وخبراء في مجال الذرة، مما أدى لمقتل خمسة منهم.
التاريخ الحديث يروي العديد من قصص الاغتيال، فمنذ بدايات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، سلسلة طويلة من العلماء الذين تمت تصفيتهم بطرق متعددة بعضهم ضباط عسكريين والبعض الآخر باحثي أدب وتاريخ، وفي حالات أخرى كان الضحايا أطباء ومهندسين، ومن الأمثلة على هؤلاء:
– مهندس الطيران التونسي محمد الزواري، أحد رواد مشروع طائرات الأبابيل الذي اغتيل أمام منزله بتاريخ 16\12\2016 والذي كان يعكف على تصميم غواصة مسيرة عن بعد ويحضر في نفس الوقت لنيل شهادة الدكتوراة.
– المهندس المصري رفعت همام، المتخصص في مجال الكهروميكانيك، وهو صاحب عدة اختراعات منها جهاز توليد الكهرباء عن طريق الجاذبية، وجهاز تحلية مياه البحر بقوة الأمواج، وجهاز تلقيح الحيوانات صناعيًا، والأهم جهاز إنذار مبكر ضد الصواريخ، وقد سرب أنه كان يساعد حماس على تطوير مدى صواريخها، حيث اغتيل في لبنان في الشهر السادس من العام 2014.
– الدكتور المصري مصطفى مشرفة، أول مصري يحصل على درجة دكتوراة العلوم من إنجلترا عام 1923 وهو من القلائل الذين عرفوا سر تفتيت الذرة، وأحد العلماء الذين ناهضوا استخدامها في صنع أسلحة في الحروب، وتُقدر أبحاثه المتميزة في نظريات الكم والذرة والإشعاع والميكانيكا بنحو 15 بحثًا، وقد بلغت مسودات أبحاثه العلمية قبل وفاته نحو 200 مسودة، عثر عليه مسمومًا في منزله بتاريخ 15\1\1950.
– الدكتورة سميرة مصطفى العالمة في مجال التواصل الحراري للغازات والإشعاع النووي، والحاصلة على الدكتوراة في الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة، اغتليت في أمريكا بتاريخ 15\8\1952 بعد زيارتها لأحد المفاعلات النووية الأمريكية، ورفضها لعروض بالبقاء في الولايات المتحدة.
– عالم الذرة الدكتور سمير نجيب، الأستاذ المساعد في جامعة ديترويت، الذي رفض عروض البقاء في الولايات المتحدة بعد نكسة 1967 وصمم على العودة إلى مصر ليلقى حتفه بحادث سير مدبر بتاريخ 12\8\1967.
– يحيى المشد، عالم الذرة والأستاذ الجامعي المتخصص في هندسة المفاعلات النووية، دَرّسَ وعمل وأبدع في العراق بالجامعة التكنولوجية قسم الهندسة الكهربائية، اغتيل في باريس بتاريخ 13\6\1980.
– العالم سعيد السيد بدير، المتخصص في مجال الهندسة التكنولوجية الخاصة بالصواريخ والاتصال بالأقمار الصناعية والمركبات الفضائية خارج الغلاف الجوي، عاد من ألمانيا إلى مصر، فتمت تصفيته بتاريخ 14\7\1989.
– حسن كامل الصباح، رمال حسن، إسماعيل أحمد موسى، عبير عياش، سلوى حبيب، جمال حمدان، أحمد فليفل، نبيل القيلني، سامية ميمني وغيرهم، ليسوا سوى عينة صغيرة من العلماء العرب الذين تمت تصفيتهم.
حقيقة الأمر ليست “إسرائيل” وإيران ومافيات التجارة الدولية المتنافسة، وحدها من يغتال علماءنا
لكن حقيقة الأمر ليست “إسرائيل” وإيران ومافيات التجارة الدولية المتنافسة، وحدها من يغتال علماءنا، فالظروف المعيشية وغياب العدالة الاجتماعية، وسوء توزيع الثروات، وعدم الاهتمام بالتصنيع والبحث العلمي، إضافة للبيروقراطية والفساد وسرقة المال العام ونهب الثروات وتجميعها في بنوك الغرب، وكذلك حالة عدم الاستقرار السياسي وعدم وجود حكومات ديمقراطية منتخبة، وترك هؤلاء العلماء دون حماية شخصية، كل هذا أدى إما لهروب الكفاءات العلمية العربية إلى الغرب، أو اغتيالها على يد “إسرائيل” وغيرها.
إنها المجتمعات وأنظمة الحكم المستبدة اللاشرعية من قام باغتيال علمائنا قبل أن يغتالهم عدونا!