يوم 7 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أطل القائد العام لكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، محمد الضيف، بصوتٍ حازمٍ وصورة مظلمة من جانب واحد، معلنًا بدء عملية “طوفان الأقصى”، ردًا على جرائم الاحتلال الإسرائيلي المتراكمة.
أعلن القائد القسامي حينها استهداف مواقع الاحتلال الإسرائيلي ومطاراته وتحصيناته العسكرية بأكثر من 5 آلاف صاروخ وقذيفة في الدقائق الأولى من العملية بالتزامن مع تسلل مقاومين فلسطينيين إلى مستوطنات غلاف غزة.
أعاد ذلك الإعلان اسم “محمد الضيف” إلى دائرة الضوء، فجميعنا يريد أن يعرف أكثر عن “صاحب الظل الجليل” كما يلقبه شباب فلسطين على شبكات التواصل.
فن ومقاومة
اسمه الحقيقي محمد دياب إبراهيم المصري، وُلد عام 1965 في مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة، لأسرة فلسطينية لاجئة، هُجرت عام 1948 من قرية كوكبا إلى غزة بعد النكبة الفلسطينية، ونشأ في المخيم وعاش فيه عقودًا طويلة من حياته.
نتيجة تخفيه المتواصل، لقب بـ”الضيف”، فهو اختار عدم الاستقرار في مكان واحد لأكثر من ليلة، حيث يحل ضيفًا لدى مضيفيه لليلة واحدة كإجراء احترازي أمني، فيما تقول تقارير أخرى إن لقب الضيف منح له لوجوده المستمر في الضفة الغربية.
يُلقب الضيف أيضًا بـ”أبو خالد”، عمل مبكرًا في مهن عدة – قبل أن ينخرط في المقاومة – كما درس العلوم في الجامعة الإسلامية بغزة، وخلال تلك الفترة برز طالبًا نشيطًا في العمل الدعوي والطلابي والإغاثي وفي مجال المسرح كذلك.
ساهم محمد الضيف بدعم من الشيخ أحمد ياسين في تأسيس أول فرقة فنية إسلامية بفلسطين تسمى “العائدون”، وانطلقت هذه الفرقة بالعمل من مخيم خان يونس عام 1979، وركزت على المسرح خاصة المسرح الشعبي لتنتج مجموعة مهمة من الأعمال والاسكتشات المسرحية والأعمال الهادفة.
طلبت قوات الاحتلال الصهيوني من المحتجين الفلسطينيين عدم ذكر اسم محمد الضيف في المظاهرات
خلال دراسته الجامعية، انضم الضيف إلى جماعة الإخوان المسلمين، وكان من أبرز ناشطي الكتلة الإسلامية، وما إن تأسست حركة سنة 1987 حتى انضم إليها وعُدّ فيما بعد من أبرز رجالها الميدانيين، ما جعله محل متابعة من الكيان الإسرائيلي.
بعد سنتين من انضمامه لحماس، اعتُقل وقضى 16 شهرًا في سجون الاحتلال الصهيوني، وبقي موقوفًا دون محاكمة بتهمة العمل في الجهاز العسكري لحماس (المجاهدون الفلسطينيون)، وعلى إثر خروجه من السجن انتقل إلى الضفة الغربية.
تزامن هذا الأمر مع بداية ظهور كتائب الشهيد عز الدين القسام بشكل بارز على ساحة المقاومة الفلسطينية، وقد استغل الضيف مكوثه في الضفة ليشرف على تأسيس فرع لكتائب القسام هناك، وبرز بصفته قائد الكتائب القسامية بعد اغتيال عماد عقل عام 1993.
ضربات قوية للإسرائيليين
لم تكن عملية “طوفان الأقصى” العملية العسكرية الأولى التي يشرف عليها الضيف ضد الكيان الإسرائيلي الغاشم، ففي سنة 2021 أشرف على عملية “سيف القدس” التي أوقعت العديد من الخسائر البشرية والمادية في صفوف الاحتلال الإسرائيلي.
ويتهم الكيان الإسرائيلي الضيف بالوقوف وراء عدد من العمليات العسكرية الكبرى ضد أهداف إسرائيلية، التي أدت إلى مقتل وجرح مئات الإسرائيليين، ومن بين العمليات التي أشرف عليها الضيف أسر الجندي الإسرائيلي نخشون فاكسمان من لواء جولاني في أكتوبر/تشرين الأول 1994.
في 5 يناير/كانون الثاني 1996، اغتال الاحتلال الإسرائيلي الشهيد القسامي يحيى عياش، الذي يعد أحد أبرز رموز المقاومة الفلسطينية، وهو ما دفع صديقه الضيف للتخطيط لسلسلة عمليات فدائية ثأرًا له نتج عنها وقوع أكثر من 50 قتيلًا إسرائيليًا.
وتقول العديد من التقارير الإسرائيلية والدولية إن للضيف دورًا بارزًا في تطوير أسلحة حركة حماس، وهو ما جعلها تصل إلى هذا المستوى المتقدم الذي فاجأ الاحتلال، إذ تمكنت عناصر المقاومة من قتل العديد من الصهاينة.
اسمه يرعب الإسرائيليين
عملياته العسكرية ضدهم واستهدافه المتواصل لهم، ونشاطه السري ونجاحه في التخفي، جعل الإسرائيليين يخشون سماع اسمه، فاسم الضيف يرعبهم ويبث في قلوبهم المريضة الخوف والرعب، وقد عاينا ذلك في مواضع عديدة.
في مايو/أيار 2021، هتف المقدسيون باسم محمد الضيف داخل المسجد الأقصى، وفي مناطق أخرى من البلدة القديمة لمدينة القدس المحتلة، في أثناء محاولات الاعتداء على الأقصى الشريف، وهو ما أزعج الإسرائيليين وجنودهم.
يعتبر محمد الضيف أحد أهم المطلوبين للتصفية من الاحتلال الإسرائيلي
في تلك الأيام، أصبح شعار “إحنا رجال محمد ضيف” من أكثر الشعارات ترديدًا في مظاهرات الشباب المقدسيين، وعادة لا يهتف الفلسطينيون بالمسجد الأقصى لأي شخصية سياسية، سواء كانت فلسطينية أم عربية أم إسلامية.
نتيجة خشيتهم من سماع اسمه، طلبت قوات الاحتلال الصهيوني من المحتجين الفلسطينيين عدم ذكر اسم محمد الضيف في المظاهرات، حتى لا يقمع الاحتلال مظاهرات المقدسيين، لكن الشباب أصروا على ترديد اسم قائد هيئة أركان كتائب القسام.
إثر ذلك، خصّ الضيف سكان الشيخ جراح بالقدس الشريف، بأول إطلالة بعد سنوات من الغياب الإعلامي، وتوجه فيها بالتحية إلى الصامدين في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، وأكد أن قيادة المقاومة والقسام ترقب ما يجري عن كثب، وبعد ذلك شنت المقاومة عملية “سيف القدس”.
وإلى الآن، تهتف الجماهير من غزة إلى نابلس وفي القدس الشريف والمسجد الأقصى باسمه وفي كل شوارع المدن الفلسطينية، وتردد الجماهير “نحن شعب محمد الضيف”، فهو يمثل بالنسبة للشباب رمزًا للصمود والكبرياء الوطني.
ملاحقة متواصلة من السلطة والإسرائيليين
يعد محمد الضيف أحد أهم المطلوبين على لوائح الاحتلال، إذ ما فتئت أجهزة المخابرات الإسرائيلية تتعقبه ليلًا ونهارًا وتتصيد الفرصة للإيقاع به منذ سنة 1992، لكنها لم تنجح في الوصول إليه حتى الآن.
في مايو/أيار 2000، تمكنت أجهزة السلطة الفلسطينية من اعتقال محمد الضيف بهدف تسليمه إلى جيش الاحتلال، لكنه تمكن من الهروب خلال اندلاع انتفاضة الأقصى (الانتفاضة الفلسطينية الثانية)، التي كانت علامة فارقة في تطور المقاومة الفلسطينية.
يمتلك القائد القسامي ملكات فريدة في التخفي، وفق شهادة رفقائه في الجهاد وشهادة الإسرائيليين أيضًا، حيث سبق أن أقرت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، حسب وسائل إعلام عبرية، أنها بذلت جهودًا مضنية في مطاردته، لكن دون فائدة.
مواصلة ملاحقته منذ عقود جعلته كالشبح، إذ أصبح قائد كتائب القسام يتعامل مع كل من حوله بحيطة وحذر، فلا يستعمل أجهزة الهاتف المحمول ولا الأجهزة التكنولوجية الحديثة، ويحذر في كل تحركاته حتى لا يتم الوصول إليه.
من شدة حذره لا نعلم عنه الكثير، حتى الصور المتداولة له قليلة، إذ ثمة 3 صور للضيف متوافرة؛ الأولى قديمة جدًا، والثانية تُظهره ملثمًا، والثالثة تعرض ظله فقط، ولا يظهر الضيف أبدًا على شاشات التلفزة، وكل ما يعرف عنه هو تصريحاته المكتوبة أو المسجلة، نتيجة ذلك يجد الاحتلال صعوبات كبيرة في الوصول إليه وتحديد مكانه الحقيقي.
محاولات اغتياله
حاولت المخابرات الإسرائيلية في مناسبات عدة اغتيال القائد محمد الضيف، إلا أنها فشلت في ذلك، وبررت فشلها بأنه هدف يتمتع بقدرة بقاء غير عادية، ويحيط به الغموض، ولديه حرص شديد على الابتعاد عن الأنظار.
نجح الضيف في البقاء حيًا خلال السنوات الماضية، وخلالها تعرض إلى 7 محاولات اغتيال وكان قريبًا من الموت في أغلبها، هذه المحاولات تمت في الأعوام 2001 و2002 و2003 و2006 و2014 ومحاولتين عام 2021، في أثناء العدوان على قطاع غزة.
سنة 2002، قال الكيان الإسرائيلي إنه قتل الضيف في قصف مروحي لسيارات في حي الشيخ رضوان بغزة، لكنه تراجع بعد ذلك وقال إنه نجا بأعجوبة، وأصيب الضيف في هذا القصف إصابة مباشرة جعلته مشلولًا يجلس على كرسي متحرك.
آخر محاولات اغتيال الضيف تمت في مايو/أيار 2021، حين حاول الجيش الإسرائيلي خلال حربه ضد غزة في تلك الفترة اغتياله دون جدوى، وحاول الاحتلال من عدة زوايا وبأسلحة مختلفة من الجو مهاجمة موقع سري وعميق تحت الأرض حيث تواجد الضيف دون أن يتمكن من تحقيق هدفه، وفق الإعلام الإسرائيلي.