في أحدث تسريبات ضمن ما أصبح يعرف بـ”وثائق بنما”، كشفت صحيفة “لوموند” الفرنسية، في أعدادها الأخيرة هذا الأسبوع في إطار عمل الاتحاد العالمي للصحافيين الاستقصائيين، ورود عديد من الأسماء الجزائرية التي لجأت إلى خدمات مكتب “موساك فونسيكا“ في بنما من أجل تبييض الأموال، من بينهم اسم وزير الخزينة الأسبق علي بن نواري، ورئيس منتدى رؤساء المؤسسات (أكبر تكتل لرجال الأعمال) في الجزائر علي حداد.
وزير أسبق في القائمة
لم يكد الشارع الجزائري ينسى فضائح ما يعرف بـ”وثائق بنما“، حتى بدأ الاتحاد العالمي للصحافيين الاستقصائيين بتسريب الجزء الثاني من هذه الوثائق التي شملت العديد من الأسماء البارزة في الساحة الاقتصادية والسياسية في البلاد.
في أبريل 2016، نشر الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، الجزء الأول من أكثر من 11.5 مليون وثيقة تم تسريبها من شركة “موساك فونسيكا” للمحاماة
أول أسماء هذه الشخصيات كان وزير الخزينة السابق علي بن نواري، فحسب صحيفة “لوموند” الفرنسية، أنشأ ابن نواري، شركة “أوف شور” سنة 2000، استعملت من أجل استكمال بيع الأسهم التي يمتلكها في بنك “سوسيتيه جنرال” الفرنسي (فرع الجزائر) والبالغة 29% لصالح آل خلفية بنك، الذي كان مملوكًا لرجل الأعمال رفيق خليفة الموجود في السجن (أعلن البنك إفلاسه في 2004)، ليقرر ابن نواري سحب اسمه من مسيري الشركة بعد عام ونصف العام من تأسيسها.
كشفت الوثائق عن العديد من الأسماء الجزائرية
وذكرت الصحيفة أن الوزير الجزائري السابق، طلب من مكتب المحاماة موساك فونسيكا تأسيس شركة “أوفشور” في بنما، تحمل اسم “بيغول جروب” في الجزر العذراء البريطانية، لتكون الواجهة القانونية التي قام عن طريقها ببيع حصته من الأسهم في “سوسيتي جنرال”.
وفي أبريل 2016، نشر الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، الجزء الأول من أكثر من 11.5 مليون وثيقة تم تسريبها من شركة “موساك فونسيكا” للمحاماة – ومقرها بنما – احتوت على بيانات مالية لأكثر من 214 ألف شركة فيما وراء البحار، في أكثر من مئتي دولة ومنطقة حول العالم.
وأظهرت تلك الوثائق تورط عدد كبير من الشخصيات العالمية – بينها 12 رئيس دولة، و143 سياسيًا – بأعمال غير قانونية مثل التهرب الضريبي وتبييض أموال عبر شركات عابرة للحدود.
تأكيد ونفي وتسيس للقضية
لئن أكّد الوزير الجزائري الأسبق علي بن نواري، تأسيسه شركات “أوفشور” بقوله في تصريح لوسائل إعلام محلية: “بالفعل أسست عشرات الشركات “أوفشور” في لوكسمبورغ وبنما”، إلا أنه نفى أن تكون واحدة من هذه الشركات قد تأسست لتكون واجهة لعملية التنازل عن أسهمه في “سوسيتي جنرال” لصالح مجمع الخليفة.
سبق لعلي بن واري أن شغل منصب وزير الخزينة سنة 1992، وفي سنة 2014، أبدى نيته الترشح في انتخابات الرئاسة الماضية
وأكّد ابن نوري أنه ليس في حاجة إلى “وثائق بنما” لتقول إنه أسس شركات “أوفشور”، لكنه خلافًا للآخرين لم يتهرب من الضرائب ولم يهرب أمواله، لأنه مقيم في سويسرا منذ سنوات، ومن حقه أن يؤسس مثل هذه الشركات، حسب قوله.
واتهم الوزير السابق السلطات الجزائرية بالوقوف وراء هذه الاتهامات، وقال إن الأمر يتعلق بمؤامرة يقف وراءها النظام الجزائري، مؤكدًا أنه العدو رقم واحد للنظام، واعتبر هذه الاتهامات محاولة لإسكات صوته الذي لم يتوقف عن شجب الفساد منذ العام 1991، مشددًا أنه سيرفع دعوى قضائية بتهمة القذف ضد صحيفة “لوموند الفرنسية” التي كشفت عن الوثائق، حسب قوله.
علي بن نواري وزير الخزينة الأسبق
وسبق لعلي بن نواري أن شغل منصب وزير الخزينة سنة 1992، وفي سنة 2014، أبدى نيته الترشح في انتخابات الرئاسة الماضية، لكنه فشل في الحصول على عدد التوقيعات التي تمكنه من الترشح، قبل أن يقرر مساندة المرشح علي بن فليس.
التسريبات طالت أكبر رجال الأعمال
الجزء الثاني من “وثائق بنما” لم يقتصر على الوزير الأسبق علي بن نواري، بل طال العديد من الشخصيات الأخرى، حيث كشفت جريدة “لوموند” الفرنسية عن تورط رجل الأعمال الجزائري ورئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد، في فضيحة “وثائق بنما”.
وذكرت الصحيفة الفرنسية أن رجل الأعمال الجزائري علي حداد طلب خدمات مكتب المحاماة موساك فونسيكا لإنشاء “شركة وهمية” في الجزر العذراء البريطانية، سنة 2004، باسم “كنغستون غروب كوربورايشن” مختصة في الاستثمار العقاري، وعهد إلى المسير “غي فايت” (كان يشرف على تسيير مصالح وزير الصناعة الحالي عبد السلام بوشوارب، الذي سبق ذكر اسمه في فضيحة وثائق بنما العام الماضي) الإشراف على تسيير الشركة.
يُعرف رجل الأعمال علي حداد في الجزائر باسم “رجل الزفت” نسبة لاحتكاره مشاريع إنشاء الطرقات الكبرى
وحسب الصحيفة الفرنسية، فإن الشركة المملوكة لرجل الأعمال علي حداد كانت قد فتحت حسابًا بنكيًا في بنك “إتش. إس بي. سي” البريطاني في لندن، مشيرة إلى أن الشركة أودعت 67 ألف جنيه إسترليني، أي ما يعادل حوالي 88 ألف يورو عند افتتاح الحساب، قبل أن يرتفع الرقم بعد 12 شهرًا إلى 2.43 مليون جنيه إسترليني.
ويُعرف رجل الأعمال علي حداد في الجزائر باسم “رجل الزفت” نسبة لاحتكاره مشاريع إنشاء الطرقات الكبرى، وعرفه الجزائريون عام 2003، بعد فوزه بصفقة إنجاز “الطريق السيار شرق – غرب” بطول 1720 كيلومترًا، بمشاركة شركة “كوجال” اليابانية و”سيتيك” الصينية، بالإضافة إلى صفقات أخرى لإنجاز طرق سريعة ومشاريع أخرى في مختلف محافظات الجزائر.
علي حداد
ويرجع العديد من المراقبين الصعود “السريع لعلي حداد إلى قربه من العديد من الشخصيات البارزة في الجزائر التي ساعدته على الظفر بالعديد من القروض البنكية ومكنته من أخذ الصفقات العامة، ومن بينها إنشاء ملعب بمحافظة “تيزي وزو”، ويملك حداد مجمع “وقت الجزائر” الذي تصدر عنه جريدة “وقت الجزائر” باللغة العربية والفرنسية بالإضافة إلى قناتي “دزاير” و”دزاير نيوز”.
نجل الرئيس التنفيذي السابق لشركة النفط سوناطراك، أحد المتهمين
أسماء أخرى كشفت عنها التسريبات الأخير الذي حصلت عليه صحيفة “لوموند الفرنسية”، حيث كشفت الصحيفة أن ابن الرئيس التنفيذي السابق لشركة النفط سوناطراك، محمد رضا مزيان، حول مبالغ من الأموال إلى بنوك سويسرية، وحسب الصحيفة فقد فتح مزيان في ديسمبر من سنة 2008 حسابًا بنكيًا في مصرف “كريدي سويس” في جنيف، عن طريق شركة محاماة سويسرية “جي. إم. إل. بي” متخصصة في الدفاع عن مصالح عملاء البنوك السويسرية في الداخل والخارج، وحسب معلومات منبثقة عن الوكالة السويسرية، يملك العميل مزيان حسابًا تحت رقم “153729”.
حكم القضاء الجزائري، في فبراير 2016، على نجل المدير العام السابق لسوناطراك، محمد رضا مزيان، الشريك في المجمع الجزائري الألماني “كونتال فونكويرك”، بست سنوات
ووفقًا للوثائق فإن الوكالة التي تدير الحساب، لجأت إلى خدمات “موسك فونسيكا” لإخفاء الحساب في الجزر العذراء، تحت غطاء شركة وهمية تسمى “جاكسيا أسوشيتد المحدودة”، والتي تمت تصفيتها أيام وجود صاحب الحساب في الحبس الاحتياطي في 2010.
وحكم القضاء الجزائري، في فبراير 2016، على نجل المدير العام السابق لسوناطراك، محمد رضا مزيان، الشريك في المجمع الجزائري الألماني “كونتال فونكويرك”، بست سنوات وغرامة مليوني دينار وحجز شقتين له في الجزائر وباريس، واعتبرت النيابة أن المجمع الجزائري الألماني وشركات أجنبية أخرى حصلت على صفقات بقيمة 110 ملايين يورو لتزويد مواقع نفطية بنظام حماية إلكترونية وبصرية، بطرق غير قانونية، وباستخدام نفوذ نجل رئيس مجلس الإدارة لدى والده وبتقديم رشاوى في شكل أموال وعقارات وسيارات.
وسبق أن كشفت “وثائق بنما” في جزئها الأول عن تورط مسؤولين جزائريين عديدين في تأسيس شركات “أوفشور”، من بينهم وزير الصناعة الحالي عبد السلام بوشوارب، بالإضافة إلى أسماء أخرى مثل فريد بجاوي ابن شقيق وزير الخارجية الأسبق محمد بجاوي، ووزير الطاقة الأسبق شكيب خليل.