تقترب قوات “الدعم السريع” من الاستحواذ على كامل أراضي إقليم دارفور غربي السودان، بعد أن نجحت خلال أسابيع في إحكام السيطرة على مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور الإستراتيجية، التي تعد ثاني أكبر مدنية في السودان بعد الخرطوم، وبعد نيالا سيطرت الدعم السريع على مدينة زالنجي عاصمة وسط دارفور، فضلًا عن مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.
وفي الوقت الحاليّ تحاصر “الدعم السريع” مدينة الفاشر عاصمة إقليم شمال دارفور، التي إن سقطت في يد قوات حميدتي فإنها تكون بذلك أكملت السيطرة على الإقليم الإستراتيجي، وفتحت لنفسها طرق إمداد قد لا يستطيع الجيش السوداني التعامل معها.
قناة الجزيرة نقلت عن خبراء وناشطين قولهم إن المزيد من الفظائع الجماعية يمكن أن تحدث على أيدي القوة شبه العسكرية، المتهمة بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، بمجرد احتلالها ما تبقى من الإقليم الذي تعادل مساحته دولة بحجم فرنسا.
وفي الأسبوعين الماضيين، تمكنت الدعم السريع من الاستيلاء على عشرات المناطق جنوب وغرب ووسط دارفور، وتستعد الآن للسيطرة على الشمال، حيث نزح مئات الآلاف داخليًا.
الدعم السريع ترتكب مجازر في غرب دارفور
استضافت مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور العديد من سكان الإقليم منذ اشتباك الجيش مع الدعم السريع في أبريل/نيسان، لينضموا إلى مئات آلاف النازحين بالفعل بسبب حرب دارفور عام 2003.
وتعد معركة الفاشر “مفترق الطرق” بالنسبة للحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام، لأن المدينة معقل الحركات ولا مجال للأخيرة بالمراوغة واتخاذ “المنطقة الرمادية” من الصراع بحجة الحياد إذا هاجمت الدعم السريع المدينة.
لكن القوات شبه العسكرية والمليشيات التابعة لها تورطت في ارتكاب مذابح واسعة النطاق في غرب دارفور مطلع الشهر الحاليّ، وتحديدًا في بلدة “أردمتا”، حيث قدّرت منظمات حقوقية عدد الضحايا بنحو 1300 شخص كلهم من قبيلة “المساليت”.
🔴 شهادات لاجئين سودانيين في تشاد ناجيين من مجزرة اردمتا التي ارتكبتها قوات الدعم السريع. pic.twitter.com/0EGZl9pusC
— Nasser (@itsnasserr) November 12, 2023
وقد أدان ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيف بوريل فظائع “أردمتا” ووصفها بأنها “جزء من حملة تطهير عرقي أوسع نطاقًا نفذتها قوات الدعم السريع بهدف القضاء على مجتمع المساليت غير العربي في غرب دارفور”، مشيرًا إلى أن الموجة الكبيرة الأولى من العنف كانت في يونيو/حزيران الماضي.
كما أدانت قيادات لجنتي العلاقات الخارجية والشؤون الخارجية في مجلسي الشيوخ والنواب من الحزبين “الديمقراطي والجمهوري”،مجازر الدعم السريع في دارفور، معربين في بيان شديد اللهجة عن غضبهم الشديد من “الوضع المستمر في السودان والهجمات الفظيعة على المدنيين في دارفور والتي تحمل بصمات التطهير العرقي”.
.@HouseForeign Ranking Member @RepGregoryMeeks and Chairman @RepMcCaul, and @SFRCdems Chairman @SenatorCardin and @SenateForeign Ranking Member @SenatorRisch statement on the latest news of horrific violence in Sudan ⬇️ pic.twitter.com/25QqRGl06p
— House Foreign Affairs Committee Dems (@HouseForeign) November 9, 2023
الدعم الإماراتي لعب دورًا في اجتياح الدعم السريع لمدن دارفور
عن أسباب سقوط مدن نيالا والجنينة وزالنجي، استطلع “نون بوست” رأي مصدر عسكري رفيع بالقوات المسلحة السودانية، الذي أوضح أن الدعم السريع كانت تسيطر بالفعل على تلك المدن الثلاثة، عدا القواعد العسكرية التابعة للجيش السوداني، لافتًا إلى أن حجم قوات الدعم السريع في الإقليم أكبر بكثير من الجيش.
غير أن المصدر – الذي رفض ذكر اسمه – استدرك قائلًا: “كان من الممكن أن تصمد الفرقة 16 مشاة بنيالا، وعندما وصل قائدها اللواء جودات إلى قاعدة وادي سيدنا بعد الانسحاب، أبلغ رفاقه أن الذخيرة نفدت منهم وأنه اتخذ قرار الانسحاب بجنوده قبل أن تهاجمهم الدعم السريع”،
وأبدى محدثنا استغرابه من نفاد الذخيرة من الفرقة 16 مشاة، موضحًا أنها قد تفهم بأنها عملية تسليم للوحدة العسكرية إلى الدعم السريع.
ولفت المصدر العسكري إلى أنه خلال الفترة بين يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين تمكنت الدعم السريع من إدخال ترسانة أسلحة جديدة تتضمن مركبات وطائرات مسيرة عبر دارفور من الحدود التشادية، موضحًا أن تلك الأسلحة والذخائر لعبت دورًا كبيرًا في اجتياح الدعم السريع لمدن دارفور وتقدمها في الخرطوم، رغم الجهود التي بذلتها الاستخبارات العسكرية لتحييد الأسلحة، وهو ما أكدته بيانات للقوات المسلحة من بينها إعلانها تدمير آليات قتالية للدعم السريع بالقرب من مدينة بارا بولاية شمال كردفان في 10 يوليو/تموز الماضي كانت في طريقها لقوات حميدتي.
ومما يجدر ذكره أن شحنات السلاح الإماراتية جاءت تحت ستار “الجهود الإنسانية”، حيث نشرت صحيفتا “وول ستريت جورنال” و”نيويورك تايمز” الأمريكيتان تحقيقين منفصلين في وقت سابق أكدا ما شك فيه كثيرون، وهو أن شحنات الأسلحة من الإمارات تم إرسالها على أنها مساعدات إنسانية للاجئين السودانيين في تشاد المجاورة.
الجيش والدعم السريع يتبادلان الاتهامات بشأن جسر شمبات
فيما يتعلق بمعركة الخرطوم، كان الحدث الأبرز في الأيام الماضية التدمير الجزئي لجسر شمبات الحيوي الذي يربط بين مدينتي الخرطوم بحري وأم درمان.
🔴كبري شمبات صباح اليوم
عبر @hassan_adilll pic.twitter.com/eah4yTxb17
— هاشتاق السودان 🇸🇩 (@hash_sudan) November 11, 2023
ففي صباح السبت 11 نوفمبر/تشرين الثاني تبادلت كل من القوات المسلحة السودانية والدعم السريع الاتهامات باستهداف الجسر، “في إطار مشروعها التدميري لمقدرات البلاد.. قامت المليشيا المتمردة فجر اليوم السبت بتدمير كبري شمبات الرابط بين مدينتي أم درمان وبحري”، كما جاء في بيان القوات المسلحة.
فيما قال بيان الدعم السريع: “مؤيدو النظام المعزول ظلوا يطالبون قائد الجيش بتدمير جسر شمبات وإنه لبّى اليوم مطالبهم، بدلًا من اعتقال قادتهم الذين أطلق سراحهم من السجون لقيادة حرب الـ15 من أبريل التي أشعلوها من أجل العودة إلى الحكم”.
برزت الأهمية العسكرية لجسر شمبات خلال الحرب، حيث يعد أحد أهم الجسور التسع في الخرطوم، كونه يربط مدينتي أم درمان والخرطوم بحري، واستولت عليه قوات الدعم السريع في الأيام الأولى من الحرب، بعد أن بسطت سيطرتها على معظم أرجاء ولاية الخرطوم وكانت تستخدمه لنقل الإمداد من دارفور وكردفان، إضافة إلى تحريك عناصر القوة من بحري إلى أم درمان والعكس.
يعتقد خبير إدارة الأزمات والكوارث بمركز البحوث الإستراتيجية السوداني، اللواء أمين إسماعيل مجذوب، أن قوات الدعم السريع تورطت في قصف جسر شمبات، لعدة عوامل منها أنها تحاول الانسحاب من الخرطوم بعد تخريبها، وإجراء عملية ما تسمى بـ”حرق الأرض” وتدمير كل شيء يستفيد منه الجيش والمواطن، بجانب الخوف من خروج بعض مكونات الدعم السريع بعيدًا عن مناطق المعارك إلى أم درمان ومن ثم إلى الجهة الغربية، والخوف أيضًا من استيلاء الجيش على الجسر وتأمين منطقة الخرطوم بحري، كما توقع أن تكون عملية القصف قد نفذها أفراد من الدعم السريع دون علم القيادة.
وأضاف مجذوب في حديث لصحيفة الراكوبة الإلكترونية أن هناك مشكلة في القيادة والسيطرة لدى للدعم السريع، وأنها تعاني كثيرًا من الضربات التي وجهت إليها في الخرطوم، بحسب تعبيره.
غير أن المدون البارز الذي يتابع الصراع في السودان، ياسر مصطفى، يجزم لـ”نون بوست” بأن الجهة التي نفذّت عملية جسر شمبات لم تكن جهة سودانية، مشيرًا إلى أن لا الجيش ولا الدعم السريع لديهما إمكانية تنفيذ تلك “العملية المتقنة” التي أدت إلى تحييد الجسر من دون تدميره نهائيًا.
ويضيف مصطفى أن الصور المتداولة للجسر بعد العملية تستبعد احتمالية القصف الجوي أو المدفعي، مستشهدًا بأن التدمير طال دعامتين من الأسفل في منتصف الجسر، ويرجح أن الجهة الأجنبية “لم يسمها” أرسلت غواصين زرعوا متفجرات بشكل محسوب للغاية بحيث لا يتم تدمير الجسر كليًا.
الجيش السوداني المستفيد الأول من تحييد الجسر
يؤكد ياسر مصطفى في حديثه لنون بوست أن الجيش السوداني هو المستفيد الأول من تدمير جسر شمبات، لأنه الجسر الواقع تحت سيطرة الدعم السريع من ناحيتي أم درمان والخرطوم بحري، ويستخدم في إيصال الإمدادات للدعم السريع.
الدبلوماسي الأمريكي السابق، كاميرون هدسون، يتفق مع مصطفى في أن مَن استهدف الجسر ليس الجيش أو الدعم السريع، إذ كتب هدسون على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “إكس” منشورًا ساخرًا يقول فيه: “إذا كنت تعتقد أن القوات المسلحة السودانية (أو قوات الدعم السريع) نفذت مثل هذه الضربة الجراحية، فلديّ جسر أود بيعه لك😂.. في نهاية المطاف، لا يتعلق السؤال بمن نفذها، لكن كيف ستستفيد القوات المسلحة السودانية من أهم لحظاتها لاستعادة اليد العليا وكيف سترد قوات الدعم السريع”.
If you think that the SAF (or RSF) carried out such a surgical strike, then I have a bridge I’d like to sell you😂
Ultimately, the question isn’t who carried it out, but how the SAF will capitalize on their most significant moment to retake the upper hand and how RSF will respond https://t.co/GtwOkmuxtD
— Cameron Hudson (@_hudsonc) November 11, 2023
يختتم مصطفى إفاداته لنون بوست قائلًا إنه يتوقع أن تكثف “الدعم السريع” هجماتها على منطقة “جبل أولياء” جنوب الخرطوم لفتح خط إمداد بعد تحييد جسر شمبات، موضحًا أن معبر جبل أولياء الذي تسيطر عليه القوات المسلحة يمكن أن يكون خط الإمداد البديل للدعم السريع.
ويحذر من سيطرة قوات حميدتي عليه، قائلًا إن ذلك يعني خسارة الجيش معركة الخرطوم، لكنه يردف مستطردًا أنه في حالة تمكنت القوات المسلحة من الاحتفاظ بقاعدة جبل أولياء، يمكنها فتح الطريق بين القيادة العامة وسلاح المهندسين وجبل أولياء وسلاح المدرعات، ما يمهد لانتشار كبير للجيش ومحاصرة الدعم السريع في الخرطوم.