لا تنفك المظاهرات والاحتجاجات تهدأ في مدينة الحسيمة المغربية حتى تشتعل أخرى أكثر حدّة في إشارة إلى تواصل معاناة الجهة وتواصل تجاهل مطالبها التي ينادي بها المحتجون منذ فترة طويلة.
استئناف التظاهر
في أحدث تحرّك احتجاجي، خرج الآلاف من سكان مدينة الحسيمة شمال شرق المغرب أمس الخميس، تلبية لدعوات الاحتجاج من أجل الكرامة والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، التي أطلقها نشطاء الحراك الشعبي بمنطقة الريف. ورفع المحتجون في المسيرة التي جابت شوارع المدينة احتجاجا على ما اعتبروه تجاهلا وتهميشا من الدولة والحكومة المغربية لهم، شعارات تطالب الحكومة بالوفاء بوعودها في مجالات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وإلغاء عسكرة منطقة الريف، ومساواتها بباقي المناطق بالمملكة.
مظاهرة الخميس عرفت استجابة كبيرة وتمت في أجواء سلمية، وهذا رغم الانزال الأمني الكثيف الذي سبق التظاهرة في الحسيمة وضواحيها، والذي رأى فيه ناشطون انها محاولة لترهيب السكان وتخويفهم للعدول عن المشاركة.
لسنا انفصاليين
خلال هذه المسيرة الاحتجاجية، أكّد المحتجون على سلمية فعالياتهم وأنهم ليسوا انفصاليين كما وصفهم مؤخرا بعض قياديي الأحزاب المشكلة للحكومة، جاء ذلك ردا على اتهام رئيس حكومة المملكة سعد الدين العثماني إلى جانب قادة الأحزاب المشاركة معه في الحكومة، المحتجين في الحسيمة النزعات الانفصالية في بلادهم، واتهم القائمين على المظاهرات هناك بأن لهم علاقة بأطراف خارجية.
عرفت منطقة الريف التي خضعت للاستعمار الإسباني بعض الاحتجاجات الاجتماعية خاصة في فترة العاهل الراحل الملك الحسن الثاني
وتشهد الحسيمة بمنطقة الريف منذ شهور سلسلة من الاحتجاجات والمظاهرات المنتظمة بدأت منذ مقتل بائع سمك الشاب محسن فكري داخل شاحنة نفايات عندما أقدمت السلطات المحلية نهاية أكتوبر من العام الماضي على مصادرة بضاعته ووضعتها في شاحنة النفايات فحاول إثناءهم عن ذلك بالقفز داخل الشاحنة لمحاولة جمع السمك المصادر، إلا أن أحدهم شغل محرك الشاحنة، فاشتغلت آلة الشفط التي ابتلعت الشاب وسحقت عظامه حتى الموت.
ارتفاع نسق المظاهرات في المدينة رغم دعوات التهدئة الحكومية
وأدى مقتل فكري إلى أحد أكبر الاحتجاجات على مستوى المملكة المغربية منذ عام 2011 عندما نظمت حركة 20 من فبراير مظاهرات تطالب بالإصلاح الديمقراطي مستلهمة انتفاضات الربيع العربي التي اندلعت في مختلف أرجاء المنطقة، وأصدرت الغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف بالحسيمة، نهاية الشهر، أحكامًا وزعت بين البراءة والسجن النافذ في حق 11 متابعًا في ملف ما عرف بـ “بائع السمك”.
وعرفت منطقة الريف التي خضعت للاستعمار الإسباني بعض الاحتجاجات الاجتماعية خاصة في فترة العاهل الراحل الملك الحسن الثاني الذي قمع بشدة ثورة في الريف في عام 1958 وكان آنذاك وليا للعهد. كما انتفضت المنطقة في احتجاجات اجتماعية عام 1984 إلى جانب عدد من مناطق المغرب.
الائتلاف الحاكم يتراجع
بعد تحذير رئيس الحكومة المغربية وقادة الأحزاب المشاركة معه في الحكومة مما أطلقوا عليه النزعات الانفصالية في بلادهم، في تصريحات لهم عقب اجتماع مع وير الداخلية، في إشارة لاحتجاج الحسيمة في ريف المملكة، تراجع هؤلاء عن هذه التصريحات التي أثارت ضجة واسعة، ومن هذه التصريحات ما قاله الوزير رشيد الطالبي العلمي، عن حزب التجمع الوطني للأحرار، بأن الاحتجاجات عرفت “بعض الانحرافات قادتها مجموعة مسخرة من الخارج لم يفلح معها الحوار”، وأن “كل العناصر تثبت أن أفراد هذه المجموعة منخرطين في مسلسل التمويل من الخارج من قبل خصوم الوحدة الترابية“.
تحدث البلاغ عن أن المسار الذي قطعه المغرب في بنائه الديمقراطي “يشكّل مصدر فخر واعتزاز لجميع المغاربة”
وجاء في بلاغ توضيحي أصدرته الأحزاب الستة المشكّلة للحكومة المغربية، تأكيد هذه الأحزاب على أهمية التعامل مع الاحتجاجات الاجتماعية بما يحقق حاجيات الساكنة والتنمية والعيش الكريم، مذكرة بالأوراش التنموية بالشمال، ومن ذلك برنامج التنمية المجالية لإقليم الحسيمة الذي أعطى العاهل المغربي انطلاقته أكتوبر/تشرين الأول 2015.
الحكومة المغربية تؤكّد تفهم مطالب المحتجبن
كما تحدث البلاغ عن أن المسار الذي قطعه المغرب في بنائه الديمقراطي “يشكّل مصدر فخر واعتزاز لجميع المغاربة”، وأن حق التجمعات مكفول لجميع الأفراد والجماعات وفق القانون، شرط عدم تحولها إلى أعمال تمس بأمن المواطنين أو تؤدي إلى تخريب المملكات العامة، كما أن التعبير عن المطالب الاجتماعية أمر مشروع، لكن أحزاب الأغلبية ترفض أي محاولة تستهدف الأمن والاستقرار ومصالح الوطن.
من جهتها أكدت الحكومة المغربية تفهمها للمطالب المشروعة لساكني الحسيمة، وحرص الدولة المغربية على حفظ الأمن والاستقرار بالمنطقة، يوازيه وعي كامل بمسؤوليتها في توفير شروط العيش الكريم للمواطنين، والوفاء بجميع التزامات التنمية التي أخذتها على عاتقها لصالح السكان.