استهدف طيران التحالف الدولي أمس الخميس 18 مايو/أيار رتلا عسكريًا للنظام السوري على طريق دمشق – بغداد الدولي في البادية السورية، كان يحاول التقدم باتجاه معبر “التنف” الحدودي مع العراق أسفر عن تدمير آليات ومقتل وجرح العديد من العناصر بينهم جنسيات أجنبية موالية للنظام السوري، ويتألف الرتل من أربع دبابات وعربة شيلكا و12 شاحنة بعضها محمل بمضادات طيران، وكان يسعى للتقدم نحو منطقة التنف فجاءت الضربة لتحمل طابعا تحذيريا شديد اللهجة لقوات الأسد لتنبيهها بعدم محاولة التقدم نحو التنف التي تشهد تواجدًا للجيش الحر المدعوم من التحالف الدولي، إذ قدرت المسافة التي ضرب فيها الرتل العسكري عن قاعدة التنف نحو 27 كيلومترً.
ويقع معبر التنف الحدودي بين سوريا والعراق وملاصق للحدود الأردنية ويقابل المعبر من الجهة العراقية معبر الوليد الذي يقع تحت سيطرة “داعش”، وتتبع بلدة التنف لناحية تدمر الواقعة ضمن محافظة حمص. وكان “جيش سوريا الجديد” المدعوم من قبل غرفة العمليات العسكرية في الأردن تمكن من السيطرة على المعبر في مارس/آذار من العام الماضي.
ضربة تحذيرية وموسكو تندد
تعد هذه المرة الثانية التي تضرب بها الولايات المتحدة قوات النظام السوري بشكل مباشر بعد الضربة الأولى على مطار الشعيرات العسكري في مارس/آذار الماضي، وعلى عكس ضربة الشعيرات فإن هذه الضربة جاءت لحماية القوات الأمريكية المتمركزة في قاعدة عسكرية على الحدود الأردنية تقوم بتدريب قوات سورية لقتال داعش. وجاءت الضربة حسب مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية لوقف تقدم الميليشيات الموالية للنظام السوري اتجاه بلدة ومعبر التنف، كما أن تلك القوات اجتازت منطقة متفاهم عليها مسبقًا لعدم التعارض بين كل من القوات الروسية والأمريكية.
وبحسب البيان الصادر عن التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد داعش، فإن الغارة الجوية جاءت “بعد محاولات روسية عدة، باءت بالفشل، لثني النظام السوري وميليشياته في الجنوب بالتوجه نحو منطقة التنف، كما تم إطلاق طلقات تحذيرية من قبل التحالف الدولي على الرتل العسكري” وتعد هذه المرة الأولى التي تعلن فيها أمريكا وجود قوات لها في منطقة التنف بسوريا. إذ تقوم مجموعة أمريكية من القوات الخاصة الخامسة بتدريب وتوجيه فصائل من الجيش السوري الحر أبرزها “مغاوير الثورة” في قاعدة عسكرية في “تنف” كجزء من الحملة المناهضة ضد داعش، وتعد هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها القوة الجوية الأمريكية ضد قوات النظام السوري وميليشياته لدعم القوات الأمريكية وحلفائها.
وسائل إعلام سورية رأت أن مناورات الأسد المتأهب في الأردن هي جزء من مخطط أمريكي بريطاني للتدخل الأردني في الأراضي السورية من ناحية الجنوب
فيما ذكر وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، أن الولايات المتحدة لا تنخرط بشكل أكبر في سوريا بعد غارة التحالف الدولي على رتل النظام العسكري، وحسب قوله لوكالة فرانس برس ” نحن لا نزيد من دورنا في الحرب الأهلية السورية لكننا سندافع عن قواتنا”. وهو ما رأوه خبراء أن الضربة جاءت تحذيرية للنظام وإيران من الاقتراب نحو أي منطقة تتواجد فيها القوات الأمريكية وحلفاءها. بالنسبة للنظام السوري وإيران فقد اعتبرت أن التقدم باجاه التنف هو جس نبض لأمريكا وحلفاءها فيما إذا ستسمح لها بالمررو أم لا، وكيفية الرد الذي سترد به.
الضربة الأمريكية على مطار الشعيرات العسكري
لذا فالرسالة الأمريكية والتي تتضمنها رسالة حليفتها الأردن كونها المعنية في المثلث الحدودي مع كل من سوريا والعراق، لطهران ودمشق أن التواجد أو التقدم في هذه المنطقة من الخطوط الحمراء، ويستدعي الرد بشكل سريع.
بالنسبة لموسكو فإن الغارة الجوية لطيران التحالف الدولي على الرتل العسكري التابع للنظام السوري لم يرق لها، إذ وجهت انتقاد لقوات التحالف على الفور ودعا رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي فيكتور أوزيروف، اليوم الجمعة لبحث القضية في مفاوضات جنيف السورية التي تعقد في هذه الأثناء بجولتها السادسة.
بل ذهب البعض لاعتبار الضربة على القافلة العسكرية أن الأمور قد خرجت عن السيطرة في سوريا بشكل كامل بسبب تصرفات التحالف الدولي، كما ذكر النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي، وهي إشارة مبطنة إلى الولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي، والتي لم تتفق مع موسكو حتى اللحظة على أية مبادئ للحل في سوريا، كما أبدت واشنطن امتعاضًا عن اتفاق أستانة 4 الذي خرج بـ”مناطق خفض التصعيد” بضمان كل من روسيا وتركيا وإيران.
ستكون بوابة البادية السورية مسرحًا إقليميًا ودوليًا لرسم ملامح المنطقة الجديدة في سوريا على حساب تنظيم الدولة الإسلامية داعش
وفيما إذا كانت هذه الضربة بالخطأ اعتبرت قاعدة حميميم الروسية في سوريا والموجودة في محافظة اللاذقية أنه “لا يمكن اعتبار الغارة الجوية الأمريكية على رتل عسكري للقوات الحكومية السورية حدثت بالخطأ”. تأتي هذه الضربة بعد زيارة لافروف الأخيرة إلى واشنطن والتي كانت من المتوقع أن تقرب وجهات النظر حول الحل في سوريا وأخذ دعم واشنطن لصالح اتفاق أستانة 4، إلا أن الضربة أزالت أي حديث عن تطور ملحوظ في العلاقات الأمريكية الروسية في سوريا، وهو ما أكده المتحدث باسم الكرملين ذكر بعد الزيارة أنه “من المبكر جدًا التوصل إلى استنتجات لإبداء انطباع تحسن في العلاقات الأمريكية الروسية”.
ملامح جديدة في سوريا
تقدم قوات النظام السوري بتجاه معبر التنف يعد محاولة أولية للسيطرة على إحدى النقاط المركزية في الطريق الواصل بين سوريا والعراق، والتي تسعى طهران من خلاله تأمين طريق بري لها تربط به الأراضي الإيرانية بالعراقية والسورية ومن ثم لبنان إلى مياه البحر المتوسط، وهو طريق استراتيجي مهم بالنسبة لإيران، وهذا ما يفسر قول وزير الخارجية السوري حليف طهران الرئيسي، قبل أيام أن “للبادية أولوية في معارك الميدان” وأن الهدف الأساسي الآن هو التوجه للوصول إلى دير الزور، علمًا أن طهران حولت طريقها البري بين طهران ودمشق إلى بيروت ومياه البحر المتوسط عبر البادية السورية من خلال المرور عبر السخنة في تدمر والميادين في دير الزور.
الولايات المتحدة تضرب للمرة الثانية قوات النظام السوري بشكل مباشر بعد الضربة الأولى على مطار الشعيرات العسكري في مارس/آذار الماضي
وذكرت مصادر عسكرية أن النظام السوري استقدم تعزيزات عسكرية كبيرة إلى البادية لينقل المعركة إلى دير الزور، مستفيدًا من اتفاق “خفض التصعيد”، ويتذرع النظام السوري باستتقدام تلك التعزيزات بأنه يريد تأمين مطار “السين” في المنطقة وتأمين اتوستراد دمشق – بغداد والسيطرة على معبر التنف الحدودي وتأمين دخول الميليشيات الشيعية من العراق إلى سوريا، فضلا عن الضغط على القلمون الشرقي الذي يقع تحت سيطرة المعارضة. حيث تقدمت قوات النظام السوري عشرات الكيلومترات على طريق دمشق – بغداد متمركزة عند منطقة السبع بيار التي تبعد 120 كيلو مترًا شرق دمشق ونحو 70 كيلو مترًا عن الحدود الأردنية.
مناورات الأسد المتأهب التي شاركت فيها قات من 20 دولة
إلا أن الرغبة الإيرانية تصطدم مع أحد الفواعل الإقليميين، وهو الأردن، الذي سبق وزيرخارجيته أبلغ الولايات المتحدة عن رفض الأردن القاطع لوجود إيران وميليشياتها على حدودها، وتستعد الأردن في سبيل هذه الغاية الدخول في الصراع الدولي على البادية السورية لتأمين حدودها بالدرجة الأولى ومنع تواجد إيران وميليشيات شيعية من جهة أخرى، وبعد ضربة التحالف الأخيرة على الرتل العسكري بينت أن اللجهة الأردنية جدية في هذا، ورأى مراقبون أن الضربة وضّحت جدية التصريحات الأردنية في التدخل العسكري في سوريا في المرحلة المقبلة.
الدول المتدخلة في سوريا تسعى إلى فرض أمر واقع على واشنطن من خلال تثبيت مناطق نفوذها في البادية
لذا من المتوقع أن تكون بوابة البادية السورية مسرحًا إقليميًا ودوليًا لرسم ملامح المنطقة الجديدة في سوريا على حساب تنظيم الدولة الإسلامية داعش، علمًا أن البادية غير مدرجة في اتفاق أستانة 4 القاضي بتخفيف التصعيد الأمر الذي يجعل المنطقة مفتوحة على العديد من السيناريوهات.
محللون رأوا أن الدول المتدخلة في سوريا تسعى إلى فرض أمر واقع على واشنطن من خلال تثبيت مناطق نفوذها في البادية، فما تم الاتفاق عليه بين روسيا وإيران والنظام يتضمن مساندة الروس لإيران والنظام للسيطرة على طريق دمشق – بغداد لتأمين خط بيروت دمشق، وبغداد طهران، في المقابل تقدم روسي من تدمر إلى السخنة والوصول إلى دير الزور ووصاية روسية على دير الزور مقابل النفط والغاز وقطع الطريق على الأمريكيين بين الرقة والموصل.
قوات من السعودية ودول أخرى تشارك في مناورات الأسد المتأهب في الأردن
يُذكر أن الأردن أنهت أمس الخميس مناورات الأسد المتأهب التي جرت في منطقة قريبة من الحدود الأردنية العراقية السورية شارك فيها نحو 7200 جندي من أكثر من 20 دولة بينها الولايات المتحدة وحلفاء عرب، وترى وسائل الإعلام الموالية للنظام السوري أن المناورات هي جزء من مخطط أمريكي بريطاني للتدخل الأردني في الأراضي السورية من ناحية الجنوب على الرغم من نفي الأردن لهذه الأخبار.
رفض الأردن لتكون أيًا من إيران أو الميليشيات الشيعية التي تأتمر بأمر إيران جارة لها، سيؤدي إلى تدخل عسكري للأردن في سوريا على أن شكل هذا التدخل سيقتصر على قيادة دفة المعركة وتقديم الدعم اللوجستي والعسكري فيما ستتولى فصائل المعارضة السورية مهمة القتال، ومن جهة أخرى سيؤدي دخول الأردن إلى جانب اقتراب القضاء على داعش في الرقة السورية إلى ظهور مناطق نفوذ للدول المتدخلة في سوريا كروسيا وإيران وأمريكا.