“أطلقنا اليوم مبادرة صناع الأمل، للاحتفاء بصُناع الخير وصُناع الأمل، وصُناع الحضارة في عالمنا العربي هم النجوم الحقيقيون”
كانت تلك تغريدة من حساب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، على حسابه الرسمي على تويتر، مُعلنًا مبادرة “صُناع الأمل”، وهي عبارة عن مشروع يهدف إلى تشجيع المبادرات التي تخدم المجتمعات العربية، أيّاً كان اختصاصها سواء في العمل التطوعي، في مجال التعليم، في مجال الإعلام، الصحة وغيرها من المجالات المختلفة، كما أنها لا تفرق بين عُمر أو جنس أو جنسية القائمين على تلك المبادرات مادامت تخدم المجتمع.
يقول الشيخ محمد بن راشد على حسابه على تويتر وقت إعلان المبادرة بأننا نعيش حالة من اليأس في الوطن العربي، فنحن أمة لم تيأس ولن تيأس، وهناك موجة إحباط وتشاؤم في عالمنا العربي يجب علينا محاربتها، حيث تهدف المبادرة بحسب كلام “بن راشد” إلى تسليط الضوء على بوادر الأمل ودعمه ماديًا ومعنويًا، حيث خصص جائزة قدرها مليون درهم للفائزين.
كانت شروط المشاركة تتمحور حول كون المشارك صانع أمل، وهو ما يعني أن يكون المشارك صاحب فكرة مؤثرة وملهمة وأثرت إيجابيًا في المجتمع المحيط، وأن يكون ذلك الأثر محسوسًا حتى ولو بسيط، ليكون قد وافق شرط العطاء بدون مقابل من أجل ترك ذلك الأثر.
إعلان المبادرة
“الحظ لا يصنع الرجال، الرجال يصنعون الحظ، وفي صُنّاع الأمل الرجال والنساء هم الذين يصنعون الحظ والأمل، والتغيير الإيجابي والبنَّاء. هؤلاء هم الأبطال الجدد، هم النماذج الملهمة”
من بين 65 ألف مشارك من 22 دولة عربية مختلفة، أعلنت المبادرة الإماراتية “صُناع الأمل” مساء أمس أسماء الفائزين الخمسة بمبلغ مليون درهم، ولقب صانع الأمل، ولكن لنلقي نظرة سريعة على ما فعله الفائزون لينالوا تلك الجائزة.
قررنا منح جميع المتأهلين الخمسة جائزة مساوية لجائزة المركز الأول .. مليون درهم لكل منهم .. وصناع الأمل هي رسالة خير من بلاد زايد الخير pic.twitter.com/EeTbNpCuqx
— HH Sheikh Mohammed (@HHShkMohd) May 18, 2017
نالت “نوال الصوفي” المركز الأول في المبادرة، وهي مهاجرة مغربية، تقيم في جزيرة صقلية بإيطاليا، تُلقب بـ “ملاك اللاجئين”، كونها تسعى دائمًا لتقديم يد العون لمئات المشردين والمهاجرين واللاجئين القادمين من بؤر التوتر في العالم، خاصة القادمين من سوريا والعراق.
أما عن المركز الثاني فكان السوري “رائد الصالح”، مؤسس فريق “الخوذات البيضاء” (White Helmets)، والذي يعمل على إنقاذ حياة المدنيين فى المناطق المنكوبة من القصف والقتل اليومي، الذي يتعرض له المواطنين السوريين.
حصل “هشام الذهبي” من العراق على المركز الثالث، وهو باحث نفسي، حاصل على درجة الماجستير في علم النفس، ويتكفل بـ 33 يتيمًا في بيته، يرعاهم ويقدم لهم ما يلزمهم في حياتهم اليومية، ويضحي بوقته لأجلهم.
أما من مصر فكانت “ماجدة جبران” الحاصلة على المركز الرابع، والتي تُعرف بـ “ماما ماجي”، بعد أن كانت أستاذة جامعية سابقة، سخرت حياتها لأطفال الشوارع والمشردين.
أما المركز الخامس والأخير، فكان من نصيب “معالي العسعوسي” من الكويت، مؤسسة مبادرة “تمكين”، لدعم الوضع الإنساني في اليمن، من خلال إنشاء المشاريع التنموية بلا أهداف ربحية، كما السابقين كرست “معالي” حياتها للعمل التطوعي لضحايا الحروب والحصار في اليمن.
لماذا لا يجب علينا شكر الإمارات على ذلك؟
على الرغم من الحفاوة والسعادة التي غمرت حفل التكريم بدبي أمس، والحفاوة بالدولة الراعية للتكريم “الإمارات”، بكونها تعمل على دعم خدمة المجتمع العربي، وتدعم الأفكار الهادفة ماديًا ومعنويًا، إلا أن الحفل أمس لم يلحظ شيئًا شديد الأهمية، ألا وهو التناقض الشديد للحكومة الإماراتية، وكيف يمكنها أن تحيي الأمل في مكان، وتقتله في مكان آخر.
حصلت على المركز الأول فتاة تُلقب بـ “ملاك اللاجئين”، وهو ما زاد موقف الإمارات غموضًا بالنسبة للثورة السورية، التي اتخذت موقفًا غامضًا وإنما داعمًا لبشار الأسد بشكل غير مباشر، وداعمًا للتدخل الروسي العسكري في سوريا ضمنيًا، بعد أن اعتبرت القصف الروسي على داعش هو قصف لعدو مشترك، مما سيعقد الأمل ويطيل من بقاء نظام الأسد، حتى أن الإمارات نفسها رفضت استقبال اللاجئين السوريين رفضًا قاطعًا.
الحفل أمس لم يلحظ شيئًا شديد الأهمية، ألا وهو التناقض الشديد للحكومة الإماراتية، وكيف يمكنها أن تحيي الأمل في مكان، وتقتله في مكان آخر.
الإمارات وإجهاض ثورات الربيع العربي
كان أكثر عدد مشاركين في مبادرة “صناع الأمل” من جمهورية مصر العربية، وهذا ما يشير إلى رغبة الإمارات الغامضة في دعم الأمل وفتح الباب أمام مشاركين من بلاد تعمل في نفس الوقت على قتل الأمل فيها، حيث كانت الإمارات من أكثر الدول التي تبنت الثورات المضادة وفكرها، كان أهمها الثورة المضادة في مصر منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، حتى الآن بدعمها للانقلاب العسكري بقوة سياسية ومالية منقطعة النظير، وقبل ذلك أصبحت الإمارات ملجأ لرموز الأنظمة العربية التي أطاحت بها الثورات، و ملجأ للفارين من العدالة مثل أحمد شفيق، و دحلان وأسرة بشار وغيرهم من أنصار وأقارب القذافي والمخلوع صالح وغيرهم.
كان أكثر عدد مشاركين في مبادرة “صناع الأمل” من جمهورية مصر العربية، وهذا ما يشير إلى رغبة الإمارات الغامضة في دعم الأمل وفتح الباب أمام مشاركين من بلاد تعمل في نفس الوقت على قتل الأمل فيها
تحارب الإمارات الإسلام السياسي في المنطقة العربية، وأنفقت في سبيل ذلك المليارات، ولهذا شنت حربًا مضادة مستخدمة فيها المال والإعلام لمحاربة هذا التيار وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وكذلك لمنع حزب النهضة من الوصول للحكم في تونس، حيث كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، عن أن دولة الإمارات ضخت كثيرًا من الأموال، في إطار جهودها الهادفة إلى إجهاض الربيع العربي، وتهميش دور الإسلام السياسي في المنطقة.
وأضافت الصحيفة في تقرير لديها تحت عنوان “الإمارات تضخ أموالًا لتهميش دور الإسلام السياسي في المنطقة”، أن أحد أسوأ الأدوار التي تقوم بها دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تتمثل بمحاربة الإسلام السياسي في الحياة العامة في البلاد العربية، لا سيما تلك التي حط فيها قطار ثورات الربيع العربي هي ضخ الكثير من المال لتهميش الإسلاميين، حتى أن هذه الحرب راح ضحيتها المئات والآلاف من هذه الشعوب كما حدث في مصر مصر واليمن وليبيا.
أضاف التقرير أن الدلائل تورط الإمارات في مخطط إسقاط الثورة اليمنية، منذ اندلاع الربيع العربي وحتى دعمها العسكري الواضح في عاصفة الحزم، وحتى الآن، بعد أن سيطرت على العديد من المناطق اليمينة، حيث يشير تقرير على موقع “الإمارات71” بإحكام سيطرة أبوظبي على عدن منذ أواخر العام الماضي، والتي بدأت بطرد وتهجير أبناء مدن الشمال وخاصة أبناء تعز.
أخذت تتجه قبضة أبوظبي الجديدة على محافظة سقطرى ذات الموقع الاستراتيجي بغطاء من “العمل الخيري والإغاثي” والذي سرعان ما أثار انتباه أبناء اليمن، فأخذوا يصفون دور الإمارات في اليمن بأن أبوظبي اشترت الجزيرة وسيطرت عليها، نافين أن يكون ما تقوم به مجرد عمل خيري أو إغاثي.
وفي النظر إلى نوعية وحجم الأدوار التي تقوم بها أبوظبي وتوالي وصول القوات المدعومة والمدربة والممولة إماراتيًا والموالية لأبوظبي يعزز هذه الاتهامات لدى أبناء اليمن الذين يعتبرون أنهم لم يتحرروا سوى جزئيا من احتلال الحوثي ودخلوا في احتلال من نوع آخر، كما يقولون.
أما في ليبيا، فتحاول الإمارات تنفيذ أجندتها السياسية الإقليمية هناك عبر تزويد بعض الميليشيات المسلحة في البلاد بالأسلحة والدعم اللوجيستي، من أجل السيطرة على مزيد من الأراضي الليبية لتقليص قوة قوات فجر ليبيا على الأرض التي تتشكل غالبيتها من التيارات الإسلامية الليبية التي قاتلت ضد القذافي، ويتم ذلك في إطار سياسة الإمارات المعادية للثورات العربية، كما هو الحال في مصر وتونس.
سبق وأن كشفت بعض الأطراف اليبية كذلك عن دورها في دعم حفتر، حيث نشرت غرفة ثوار ليبيا على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي، يوم 16 فبراير 2014، تفاصيل تؤكد التدخل الإماراتي في الشأن الليبي والعمل على إجهاض الثورة الليبية.
وأما تونس، راج حديث في كواليس الساحة السياسية عن تمويل مشبوه من قبل الإمارات لقهر الإسلام السياسي متمثلًا في النهضة، كان سببًا في صعود حزب نداء تونس الجديد، بعدما استطاعت الإمارات استخدام مالها السياسي في السيطرة إعلاميًا للترويج ضد الجماعات الإسلامية في سبيل صعود السبسي مع حزبه الجديد.
يرى مراقبون أن الإمارات سعت في السنوات الأخيرة، إلى تسويق نفسها لدى واشنطن ولندن والأمم المتحدة كشريك أساسي في مواجهة الإرهاب وداعش، ودعمت الانقلاب المصري ونظام السيسي والانقلاب في ليبيا، بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لتسويق نفسها لدى الغرب بقدرتها على إعادة رسم التوازنات الإقليمية وخارطتها السياسية، بما يخدم المصالح الغربية الدولية، تحت شعار محاربتها للإسلام السياسي المعتدل.
تعد السيطرة على الوعي الجماعي ووسائل الإعلام المحلية أحد أبرز أدوات الإمارات في التغلغل، للهيمنة على الرأي العام الداخلي والحشد ضد الإسلاميين وشيطنتهم، ودعم قوى الثورة المضادة، حيث كشف تقرير نشره موقع “الإمارات 71″، أنه لم يكن الاتهام الذي وجهه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي لأبوظبي مطلع عام 2016، من سيطرتها على جزء كبير المؤسسات المصرية، مثل جامعات ومراكز بحوث و وسائل إعلام وإعلاميين، اتهامًا يتيمًا أو سياسة مصادفة، وإنما هو نهج يقوم به جهاز أمن الدولة للسيطرة على الإعلام العربي عامة، وإعلام بلاد ثورات الربيع العربي خاصة.
على الرغم من أن مبادرة “صناع الأمل” تعد فكرة رائعة لتشجيع ودعم المشاريع الشبابية الحرة، والتي أظهرت كم الفرص المضيئة في العالم العربي والتي وصفهم حاكم دبي بأنهم النجوم الحقيقيون، إلا أن النظر إلى مشاريع الفائزين، و ما يفعله الدور الإماراتي من إجهاض للمشاريع الديموقراطية، لكانت المبادرة أكثر واقعية لو كانت من دولة أخرى غير الإمارات.