مع تنامي شعبية كرة القدم وارتفاع مستوى منافساتها وتزايد عدد أنديتها ومسابقاتها، بات لاعب كرة القدم المحترف مطالبًا بخوض نحو 50 مباراةً في الموسم الواحد على الأقل، وهو رقمٌ قابلٌ للارتفاع لدى الأندية الكبرى التي تبلغ عادةً الأدوار المتقدمة في المنافسات القارية، مما يجعل لاعبيها مضطرين لخوض عدد مباريات قد يصل إلى 70 في الموسم الواحد!
وأمام هذا الكم الهائل من المباريات، برزت أهمية عامل اللياقة البدنية في تحديد وجهة البطولات الكبرى، خاصة تلك التي تستمر على طول الموسم الكروي، كمسابقات الدوري المحلية ودوري أبطال أوروبا، التي لاحظ الجميع السمة المميزة التي تجمع طرفي نهائيها المنتظر في الموسم الحالي، وهي احتفاظ معظم لاعبي فريقي ريال مدريد الإسباني ويوفنتوس الإيطالي بمستوى بدني ولياقي مرتفع، سمح لهم بالاستمرار في المنافسة حتى النهاية على الصعيدين المحلي والقاري، حيث يتصدر الفريقان دوريي بلادهما في مراحله الأخيرة، وهما قريبان جدًا من التتويج.
قد يصل عدد المباريات التي يخوضها لاعبو كرة القدم المحترفون إلى 70 مباراةً في الموسم الواحد
ذلك النجاح يعزوه البعض إلى اللاعبين، والبعض الآخر إلى المدربين، دون أن يتم التطرق إلى الجنود المجهولين الذين يقفون خلف وصول اللاعبين إلى هذه المرحلة من الموسم وهم بكامل قواهم البدنية والذهنية، ألا وهم أعضاء الأطقم الطبية والبدنية في أندية كرة القدم، وهم من سنسلط الضوء عليهم في التقرير التالي:
يشترك لاعبو طرفي نهائي الشامبيونز ليغ بارتفاع مستوى اللياقة البدنية
مخطئٌ من يعتقد أن المدرب يعمل وحيدًا على تسيير أمور لاعبيه في النادي، فهناك العديد من الأطقم المساعدة التي تعين المدرب الرئيسي وتسهل أموره، وهو وإن كان المسؤول الأول والمشرف العام على جميع من حوله، إلا أن لكل عضو في تلك الأطقم دوره في الفريق، بدءًا بالمدير الرياضي المختص بتسيير الأمور الإدارية والبروتوكولية للنادي، بمساعدة أعضاء الطاقم الإداري من مهندسي الصفقات وكشافة النادي والمسؤولين الإعلاميين، ومرورًا بالطاقم الفني الذين يعمل مع المدرب على الأرض، وفي مقدمتهم المدرب المساعد الذي يتولى الأمور التكتيكية ومدرب حراس المرمى ومدرب اللياقة البدنية، وانتهاءً بالطاقم الطبي الذي يرأسه طبيب الفريق، ويعاونه مجموعةٌ من المعالجين الفيزيائيين والمدلكين وأخصائيي العلاج النفسي والتغذية.
يعمل على مساعدة مدرب الفريق عددٌ من الأطقم الإدارية والفنية والطبية المساعدة
ويُعتبر طبيب النادي المسؤول الأول عن الجانب الصحي لدى اللاعبين، إضافةً لاعتباره مسؤول مشترك عن الجانب البدني واللياقي لديهم، إذ تشمل مهامه الاطلاع على طرق التدريب البدني، وبيان مدى مواءمتها لحالة اللاعبين الصحية في كل فترة من فترات الموسم، إضافةً إلى دوره الرئيسي في إجراء الفحوصات الطبية الدورية للاعبين، وتشخيص إصاباتهم حين حدوثها، ومتابعة حالاتهم حتى عودتهم إلى التدريبات، إضافةً إلى الإشراف على كل ما يتعلق بنوعية غذائهم وطرق علاجهم من الأمراض السارية، ومراقبة أنواع العقاقير التي يتعاطونها للتأكد من خلوها من المواد المحظورة أو المؤذية، ومراقبة نوعية الألبسة والأحذية والضمادات الواقية التي يستعملها اللاعبون.
جوزيه مورينو اصطدم بطبيبة نادي تشيلسي إيفا كارنييرو
ويكون طبيب النادي عادةً من حملة الإجازة في اختصاص الطب الرياضي، الذي أصبح يُدرس في معظم جامعات العالم، وفي حال عدم وجود ذلك الاختصاص في بعض البلدان، يكون الطبيب غالبًا من أصحاب الاختصاصات العظمية أو العصبية، ولا يُشترط عادةً إلمام الطبيب بقوانين لعبة كرة القدم، ولو أن معظم المدربين يفضلون توفر تلك الميزة في أطبائهم، وكلنا نذكر الحادثة الشهيرة التي كان بطلها مدرب فريق تشيلسي الأسبق جوزيه مورينو، الذي اصطدم بطبيبة الفريق إيفا كارنييرو، ونعتها علنًا بالجهل في كرة القدم، بعد دخولها إلى الملعب لعلاج أحد اللاعبين دون إذنه، مما تسبب في طردها من عملها في النادي اللندني.
يُعتبر طبيب النادي المسؤول الأول عن الجانب الصحي للاعبين، ويكون عادةً من خريجي اختصاص الطب الرياضي
ويعاون الطبيب في عمله مجموعةٌ من الفنيين والخبراء، يأتي على رأسهم أخصائيو العلاج الفيزيائي، الذين يحمل معظمهم مؤهلات أكاديمية وشهادات خبرة في مجال العلاج الطبيعي، ويتمحور دورهم في مساعدة اللاعبين على الاستشفاء وإزالة آثار الإرهاق إثر التدريبات والمباريات، عبر إجراء عدد من طرق العلاج الفيزيائي الطبيعي، كالتدليك وحمامات الساونا وغرف البخار والتبريد وغيرها، إضافةً إلى دورهم في معاونة الطبيب على إجراء الإسعافات الأولية اللازمة للاعبين المصابين، ومن ثم متابعتهم في أثناء فترة علاجهم وتأهيلهم للعودة إلى الملاعب.
كما يتضمن الطاقم الطبي في معظم الأندية الكبرى، عددًا من خبراء التغذية الذين يشرفون على اختيار الأطعمة المناسبة، إضافةً إلى وجود طبيب نفسي، مهمته تعزيز الروح المعنوية لدى اللاعبين، ومساعدتهم على تجنب آثار الإحباط الناتجة عن الهزائم أو الإصابات أو الانتقادات أو أي ظروف أخرى.
جانبٌ من تدريبات لاعبي ريال مدريد في صالة الألعاب الرياضية
ورغم عدم تبعيتهم للطاقم الطبي بشكل مباشر، يُعد مدربو اللياقة البدنية معنيين بشكل مباشر في موضوع إصابات اللاعبين، حيث يُعتبر برنامج الإعداد البدني السليم، الوقاية الأهم للاعب من خطر الإصابات، والضمانة الأولى لمدرب الفريق لإتمام الموسم دون مشاكل بدنية في الفريق، إضافةً إلى دور تمارين الإحماء قبيل المباريات في تجهيز اللاعبين، والحد من إمكانية تعرضهم للإصابات.
يشرف مدربو اللياقة البدنية على إجراء تدريبات جماعية كالجري والقفز، وأخرى فردية تجري داخل صالة الألعاب الرياضية
وتُعتبر مرونة عضلات اللاعب وقوتها وقدرتها على التحمل، إضافةً إلى عوامل الرشاقة والسرعة والتركيز الذهني والتوافق العضلي العصبي، أبرز العوامل التي يعمل مدربو اللياقة البدنية على تطويرها لدى لاعبيهم، ويتبعون في سبيل ذلك عددًا من التمارين البدنية الجماعية، كالجري دون كرة لمسافات قصيرة ومتوسطة، والجري مع الكرة داخل الملعب مع أداء التمريرات السريعة والتسديدات، مما يساعد على تحسين عاملي التركيز الذهني والتوافق العضلي العصبي لديهم، كما توجد تمارين خاصةٌ بالقفز، والجلوس في وضعية القرفصاء، وفرد الساقين وثنيهما، وغيرها من الحركات التي من شأنها رفع مرونة العضلات ولدانتها.
وإضافةً إلى التدريبات الجماعية، هناك تدريباتٌ خاصةٌ تُراعى فيها الفروقات الفردية بين لاعب وآخر، هي تلك تجري داخل صالة الألعاب الرياضية التابعة للنادي، والتي تتضمن عددًا من أجهزة الجيم المزودة بمقاييس إلكترونية متطورة، يجري على أساسها تدريب اللاعبين ومراقبة لياقتهم البدنية، ومساعدتهم في عملية إعادة التأهيل بعد العودة من الإصابات.
جانبٌ من إجراءات الفحص الطبي الشامل للاعبين
وأخيرًا، نتطرق إلى أحد أهم إجراءات الطب الرياضي، الذي اكتسى أهميةً مضاعفةً في وقتنا الحالي، نظرًا لدوره في حماية اللاعبين والأندية على حد سواء، وأقصد بكلامي الفحص الطبي الشامل للاعبين قبيل انتقالهم للأندية، والذي يُعد مصيريًا لدى اللاعبين في تنبيهم إلى الأخطار التي من الممكن أن تحدق بهم، والتي قد تصل إلى الموت المفاجئ، إضافةً إلى أهميته لدى الأندية، بوصفه الخطوة الأخيرة التي تسبق توقيع العقد مع اللاعب.
تشمل إجراءات الفحص الطبي للاعبين اختبارات للقلب والأعضاء، وأخرى للجهاز العضلي، إضافةً لاختبارات اللياقة البدنية
وتُجرى تلك الفحوصات تحت إشراف الطاقم الطبي والبدني للنادي، داخل مراكز الكشف الطبي والعيادات الموجودة في معظم الأندية، وتستمر نحو 6 ساعات ممتدة على يوم واحد أو يومين، وتتضمن الاختبارات التالية:
– اختبارات القلب والأعضاء: التي تتضمن فحوصات القلب والأوعية الدموية، عبر أجهزة التخطيط المعروفة، إضافةً لإجراء فحوصات خاصة بالكبد والمعدة والكليتين والرئتين والعينين، وسائر أعضاء اللاعب.
– اختبارات الجهاز العضلي: وتتضمن الكشف عن العضلات والهيكل العظمي للاعب، عبر إجراء تصوير بأجهزة المسح الضوئي والرنين المغناطيسي، للتأكد من خلوها من أي إصابات أو تشوهات، إضافةً إلى تحديد الأماكن الأكثر عرضةً للإصابة فيها.
– اختبارات اللياقة البدنية: التي تشمل اختبارات الجهد البدني والسرعة وقوة التحمل وغيرها من الفحوصات، التي تُجرى عبر أجهزة إلكترونية ذات تقنيات متطورة، أبرزها جهاز “الدينامو متر” الذي يقيس قوة التسديدات وسرعة رد الفعل لدى اللاعب.