لم يسلم اللاجئ السوري من المناوشات والصراع الحاصل على حدود لبنان الجنوبية، قصف وغارات متكررة منذ أكثر من شهر.
ومع احتدام المعارك نزح أهالي القرى الحدودية مرورًا بالقطاع الأوسط في بنت جبيل، وتخطى عدد اللبنانيين النازحين إلى الداخل اللبناني 100 ألف مواطن، وتوزعوا في المدن الرئيسية؛ صور وصيدا وبيروت وسائر مدن الشمال.
تتجه الأنظار نحو نزوح اللاجئين السوريين الذين يفضّل أغلبهم البقاء في لبنان، رغم كل الاشتباكات الدائرة في الجنوب، أو المشاكل الاقتصادية وما يعانونه من تضييق، إن كان على مستوى إقاماتهم أو تأمين معيشتهم.
وعلى خطى النزوح الحاصل مع اللبناني الذي ترك منزله في الجنوب، ينزح اللاجئ السوري اليوم هو أيضًا من بيته الذي أمضى سنوات يعيش فيه، لكن الفارق أن اللاجئين السوريين ينتظرهم مصير مجهول، إذ يصعب على جُلّهم العودة إلى بلادهم، ولا يعرفون مكانًا آمنًا يأويهم، فهم منذ عقد يسكنون الجنوب، في المقابل لم تفتح لهم مدارس أو مراكز إيواء ولا توجد مساعدات حتى الساعة.
ورغم هذه الأوضاع الصعبة فُرض عليهم النزوح من قبل “حزب الله”، فمن اختار البقاء مع وجود القصف الإسرائيلي طلب منه الحزب المغادرة فورًا “لدواعٍ أمنية”.
نازحون سوريون تحت قصف “إسرائيل”
سليم هو رجل سوري يعيش مع زوجته وأطفاله الأربعة في بلدة شبعا الحدودية، حيث لجأ إليها من محافظة إدلب السورية منذ أكثر من 7 سنوات، يقول إن أطفاله يعيشون في ذعر وفزع نتيجة الغارات الإسرائيلية المتكررة على أطراف البلدة، والتي تشتد في المساء.
يغلق أطفاله آذانهم في الليل ولا ينامون من الفزع، حتى أن الغارات أصابت يومًا أحد البيوت داخل البلدة وقتلت من في داخله، ويضيف: “كأننا ننتظر الموت ولا مكان نذهب إليه، والبلدة أصبحت شبه فارغة، هذا هو حالنا منذ شهر وأكثر”.
يبلغ عدد السوريين القاطنين في القرى الحدودية نحو 200 ألف سوري، حوالي 60 ألفًا منهم مسجّل، يعيش الكثير منهم حالة من الخوف والرعب نتيجة التصعيد والحرب الحاصلة على الحدود، الكثير منهم لا يستطيع العودة إلى سوريا ولا يوجد مكان يأويهم، يعمل أغلبهم إما في قطاف الزيتون وإما في أعمال البناء والصيانة، يدرس أبناؤهم في المدارس الجنوبية، لكن اليوم مع إغلاق المدارس ونزوح الأهالي، أصبحت المنطقة بأكملها نقطة حرب ولا مكان آمن فيها.
يعاني الكثير منهم في ظل القصف الإسرائيلي، لكن المشكلة أنهم غائبون عن المشهد اللبناني تمامًا في الوضع الراهن، وفكرة إقامة مخيم لهم غير واردة إطلاقًا بسبب انعدام الإمكانات، ناهيك عن الصراع القائم بين “حزب الله” و”إسرائيل”.
“حزب الله” يطلب إخلاء الجنوب من السوريين
ظنَّ البعض أن النزوح السوري طوعي، لكن المشكلة أكثر تعقيدًا، فحسب القاطنين هناك ومصادر إخبارية، طلب “حزب الله” المسيطر على المنطقة والمشترك في الحرب مغادرة السوريين جميعًا مناطق الجنوب الحدودية، أما البقاء هو طوعي للبناني فقط.
ويلاحظ أن بعض السوريين في الجنوب، ولصعوبات معيشية، فضّلوا البقاء هناك طالما أن رقعة الصراع لا تتوسع، ولا يوجد لهم مراكز إيواء ولا حتى مساعدات وتعويضات.
لكن الوضع اختلف في الأيام الأخيرة، فبعد أن سقط للحزب الكثير من الضحايا، يقول إن المنطقة باتت خطرة ومراقبة، بعدها في خطوة مريبة طلب من جميع السوريين في القرى المحاذية للشريط الحدودي مغادرة المنطقة فورًا لـ”اعتبارات أمنية”، متذرّعًا بقيام عدد من السوريين بأخذ صور في المنطقة قد تكون لدواعٍ فضولية أو غيرها.
ورجّحت مصادر بحسب ما ذكر موقع جنوبية اللبناني، أن يكون الحزب قد اتخذ قرارًا بإفراغ المنطقة من الوجود السوري تمامًا، على أن يبقي من يريده منهم لاعتبارات عملانية أو لوجستية، تتعلق بعمالة البناء أو لأسباب عسكرية وأمنية.
انقطعت بالسوريين القاطنين في الجنوب السبل، حيث يعدّ طلب إخلائهم الجنوب سابقة غريبة من “حزب الله”، فالكثير من السوريين تتأخّر عليهم المساعدات الأممية، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية الخانقة، ويجد نفسه السوري اليوم محاصرًا بين بؤس الطرد من الجنوب وجحيم العودة إلى أرض الوطن، الذي بات حلمًا بعيدًا في ظل وجود نظام الأسد.
نزوح على لجوء
نزح أبو صبحي من قرية بنت جبيل إلى دار ابن عمه الكائن في مدينة صور، بعد أن وجد نفسه وعائلته بلا مأوى، فاستقبله ابن عمه الذي يعمل مع الصيّادين في مدينة صور، يقول إنه محظوظ لأنه وجد من يستقبله، فالكثير حسب قوله ليس لديهم أقارب في لبنان.
وشدد أن همّ النزوح يلاحقهم من بلد إلى آخر، وأنه هرب ولجأ من الرقة إلى لبنان، وها هو يجد نفسه نازحًا بعد مرور السنين مرة أخرى، يجلس وأبناؤه في بيت صغير، يحاول البحث عن عمل ليعيل أولاده بعد أن أصبح عاطلًا وأولاده بلا مدارس.
رفضت المؤسسات الرسمية اللبنانية التعاطي مباشرة مع النازحين السوريين، بسبب ضعف إمكاناتها والاكتفاء بالطلب منهم تسوية أوضاعهم في الأمن العام، فيما تقف مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان (UNHCR) حائرة بخصوص مستجدات ملف السوريين النازحين، لجهة صعوبة تأمين بيوت لهم مع ارتفاع أسعار إيجارات البيوت أضعافًا عمّا كانت عليه قبل الأزمة.
النزوح السوري ليس مشابهًا لنزوح أهالي الجنوب، فاللبنانيون قد يكون بمقدورهم استئجار المنازل، وحتى نزوحهم مؤقت، وسيعودون إلى مناطقهم عند استقرار الوضع، فيما أحوال النازحين السوريين قد لا تسمح بالتوجُّه نحو خيار الاستئجار، ناهيك ألّا أقارب لهم هنا ولا أصدقاء.
اختار البعض العودة إلى سوريا، وهذا لاستحالة عيشهم في لبنان، فكان هذا بالنسبة إليهم الخيار الوحيد المتاح، على الرغم من الأوضاع الصعبة التي تمرّ بها بلادهم والمخاطرة الأمنية العالية.
ويعيش السوريون بشكل عام في لبنان تحت تهديدات حملات الترحيل المتكررة والممنهجة بين الحين والآخر، برعاية بعض أحزاب اليمين المسيحي والطبقة الحاكمة، وتذكر مصادر أن هذه الحملات تزداد مع عدم قدرة الدولة اقتطاع “خوة” من المساعدات التي تصلهم من الأمم، لأنها ببساطة لا تمرّ اليوم من خلالها، فتحكم الدولة اللبنانية في المقابل عليهم الخناق وحتى البلديات، من ناحية الأوراق والإقامات وحتى التنقل.
أوضاع مأساوية وصعبة للغاية يعيشها اللاجئون السوريون في الجنوب اللبناني بشكل خاص وفي لبنان بشكل عام، فالدولة اللبنانية عاجزة أمام أزمتهم المستجدة، والمنظمات الدولية والجمعيات صمّت آذانها عن سماع صوتهم، ما جعل هذه العائلات السورية تعيش موجة نزوح جديدة تحمل معها معاناة جديدة تضاف إلى سجلّ معاناتها الطويل.