ترجمة حفصة جودة
تعد منطقة داونينغتاون سادس أكبر منطقة تعليمية في ولاية بنسلفانيا، التي تزعم أنها منطقة القرن الحادي والعشرين وتتمع بدفء مثالي وسحر المدينة الصغيرة، يقول برنامج التنوع والعدالة والشمول للمنطقة إنه يعمل على خلق ثقافة يشعر فيها كل فرد بالاحتواء والازدهار، لكن هذه المنطقة التعليمية الشاملة حجرت على حريتي في التعبير.
إليكم القصة؛ في مارس/آذار الماضي تواصلت المنطقة معي لتقديم حدث افتراضي يدعم برنامج التنوع والعدالة والشمول، في البداية، طُلب مني تقديم برنامج عن العرب الأمريكيين، لكن في مايو/أيار اقترحت المنطقة تغيير الموضوع والتركيز على دعم الطلاب اللاجئين وعائلاتهم.
هذا الموضوع قدمته من قبل بالفعل وهو الأقرب إلى قلبي لأن عائلتي شاركت لفترة طويلة في جوانب مختلفة لتوطين اللاجئين، اتفقنا على التفاصيل وأرسلت لهم صورتي وسيرتي الذاتية وبدأت المنطقة بالإعلان عن الحدث بالفعل على موقعهم الرسمي منذ الأول من نوفمبر/تشرين الثاني.
لكنهم بعد 6 أيام ألغوا الحدث، والسبب الذي أخبروني به هو “الصراع في الشرق الأوسط”، رغم أن المنطقة التعليمية اعترفت أنهم تعاقدوا معي للتحدث في موضوع مختلف، تعلم المنطقة أن البرنامج لا يتعلق بالصراع في الشرق الأوسط، إلا أن رسالتهم الإلكترونية تقول: “يرجع قرار الإلغاء بشكل أساسي إلى الصراعات الجارية في الخارج ووصول عدد كبير من الرسائل التي تعبر عن قلقها بشأن التوقيت”.
حسنًا، لقد رأيت مثل هذه الرسائل من قبل، وهي في الحقيقة تمثل انتهاكًا مضللًا وشنيعًا لشخصي، كل ذلك بسبب دعمي للفلسطينيين في وجه الانتهاكات الإسرائيلية الوحشية المتطرفة في غزة التي قتلت فيها ما يزيد على 11 ألف فلسطيني.
زعم أحد الآباء أنه وجد لي منشورات متطرفة معادية للسامية وخطاب كراهية تحدثت به مؤخرًا في العلن.
إذا كنت فلسطينيًا أو عربيًا أو مسلمًا في أمريكا اليوم، أو داعمًا لأي منهم، فإن خطابك يتعرض لرقابة شديدة ويقيد حقك في التعبير وربما تُمنع منه تمامًا
معذرة، ما هذا؟ لم يقدم كاتب الرسالة أي دليل على تلك المزاعم البذيئة لأنه غير موجود، فمن آخر المنشورات التي كتبتها على منصة X وحظيت بمشاهدات عالية، كان منشور عن جرافيتي معاد لليهود في برونكس.
يقول المنشور: “الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وتحرير أنفسنا هو مواجهة كل أشكال التعصب بما في ذلك معاداة السامية”، إنه خطاب كراهية حقًا!
بالطبع انتقدت “إسرائيل” (دعوني أذكركم مرة أخرى أن الحدث المقرر لم يكن عن “إسرائيل”)، والكثير من الناس ينتقدون “إسرائيل”، لأنها إذا كانت دولة من ضمن الدول فعليها أن تتحمل النقد مثل أي دولة أخرى.
إن وصم جميع منتقدي “إسرائيل” بمعاداة السامية – وهو ما يحدث بالفعل – يعد محاولة لإعفاء “إسرائيل” من مسؤوليتها، والطعن في شخص المنتقدين وصرف الانتباه عن الأفعال المعادية للسامية بالفعل، ما يعرض اليهود للخطر.
منذ الإلغاء المفاجئ لخطابي، أرسل الكثير من الآباء والطلاب حديثي التخرج رسائل خاصة يعبرون فيها عن غضبهم، يقول أحدهم: “أشعر بخيبة أمل لأن المنطقة تواصل التخلي عن حقنا كمسلمين في التمثيل”، بينما قال آخر: “إننا لا ندعم إلغاء الحدث”، وقال أحد الآباء: “نعلم أن هذا مثال آخر على إسكات الأصوات العربية والمسلمة”.
هذا هو مغزى الأمر، إذا كنت فلسطينيًا أو عربيًا أو مسلمًا في أمريكا اليوم، أو داعمًا لأي منهم، فإن خطابك يتعرض لرقابة شديدة ويقيد حقك في التعبير وربما تُمنع منه تمامًا.
أصدرت رابطة مكافحة التشهير “Anti-Defamation League” ومركز “Louis D Brandeis” لحقوق الإنسان في القانون خطابًا مفتوحًا يطالبون فيه رؤوساء الجامعات بالتحقيق مع المجموعات الطلابية المناصرة للفلسطينيين، ما دفع اتحاد الحريات المدنية الأمريكي للرد عليهم بخطاب يحث الجامعات على رفض دعوات التحقيق تلك أو معاقبة وحل المجموعات الطلابية المناصرة للفلسطينيين لمجرد أنهم يمارسون حقهم في التعبير.
الحل لمواجهة الخطاب الذي لا يعجبك أن ترد عليه بخطاب آخر وليس بنشر الأكاذيب وأنصاف الحقائق والتشويه المتعمد لمنع خطاب الطرف الآخر
ألغت كلية بارنارد هذا الشهر حدثًا للكاتب الفلسطيني محمد الكرد في اللحظة الأخيرة، بينما أصبحت جامعة برانديز أول جامعة خاصة تحظر المجموعة الطلابية “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”، وهو ما وصفته منظمة “Fire” لحرية التعبير بالعنصرية المقيتة.
أما جامعة كولومبيا فعلقت فرعيها لمجموعة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” ومجموعة “الصوت اليهودي من أجل السلام” حتى نهاية الفصل الدراسي، وزعمت أن هاتين المجموعتين انتهكتا بشكل متكرر سياسات الجامعة المتعلقة بإقامة فعاليات في حرم الجامعة.
صوّت مجلس النواب الأمريكي لإدانة نائبة الكونغرس عن ولاية ميشيغان رشيدة طليب في محاولة واضحة لترهيب وإسكات الصوت الفلسطيني الأمريكي الوحيد في المجلس، يجب أن يقرأ الناس قرار المجلس هذا بأنفسهم، فهو يعج بالتشويه وأنصاف الحقائق، فقد زعم على سبيل المثال أن طليب دافعت عن هجوم حماس على “إسرائيل” في خطابها يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول، وهو أمر غير صحيح تمامًا.
في الوقت نفسه، لم يواجه ممثل أوهايو ماكس ميلر أي عواقب عندما قال إن فلسطين منطقة سنتخلص منها قريبًا لأنها ستتحول إلى ساحة انتظار للسيارات.
قد يبدو غير مناسب الحديث عن حرية التعبير، بينما يتعرض الفلسطينيون في غزة للقصف الإسرائيلي المتواصل، لكنها ظاهرة مرتبطة بالحدث، فكلاهما يعتمد على تجريد الآخر من إنسانيته، وأسهل طريقة لتجريد الشخص من إنسانيته منعه من التعبير عن نفسه.
سيكون هناك بالطبع خطابات مرفوضة في كل مكان، لكن الحل لمواجهة الخطاب الذي لا يعجبك أن ترد عليه بخطاب آخر وليس بنشر الأكاذيب وأنصاف الحقائق والتشويه المتعمد لمنع خطاب الطرف الآخر.
إن الفلسطينيين والعرب والمسلمين يتعرضون للإسكات والتجريد من الإنسانية اليوم بسهولة، سواء في الكونغرس أم الحرم الجامعي أم حتى فعاليات على الإنترنت، لكن هؤلاء الأشخاص الذين يحاولون منعنا من الحديث لا يمكنهم الحكم ببساطة على ماهية الخطاب المقبول، والأهم من ذلك أنني لست بحاجة لإثبات إنسانيتي لهؤلاء الذين يحاولون نزعها عني، ولن أفعل ذلك ولو كنت في مدينة صغيرة ساحرة.
المصدر: الغارديان