كل الطرق تؤدي إلى مدريد، وكل شيء يشير إلى هناك بعد موسم طويل، موسم جنون الدقائق الأخيرة، موسم من السعي والمثابرة، من الحلم ومطاردته، من صفعات مؤلمة وأرقام قياسية، كتيبة الزيزو على موعد مع حلم الدوري الإسباني، وفرحة تغزو قلاع البيرنابيو الأبيض وتعلن عودة عهد زعيم أوروبا ملكًا وحاكمًا.
خطوة واحدة تفصل المدرب الفرنسي ذو الجذور الصحراوية عن حلم ابتعد عن مدريد طول أربع سنوات، عائق أندلسي واحد ويعود لمدريد التاج المفقود بعد سنوات القحط في العاصمة الإسبانية.
لا أحد يستطيع نكران أن ما فعله الزيزو هذا الموسم يوازي السحر في رهبته، حيث استطاع أسطورة العشب الأخضر أنْ يقود الريال لوضع يكون فيه على مقربة من تحقيق ثنائية ألقاب خيالية، لقب الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا.
منافستان تعتبران من أرقى وأجمل المنافسات الكروية اليوم، وحصدهما يرفع الزيزو ويُلبسه تاج عراقة وعظمة، ويجعله أول مدرب يحصد لقب التشامبيونز العظيم بنسخته الجديدة مرتين متتاليتين في أولى سنوات تدريبه، والثاني بصورة عامة بعد الإيطالي أريغو ساكي الذي حصده عامي 1989 و1990 مع الميلان.
استطاع زيدان أن يجعل ريال مدريد يخطو بثبات نحو حلم الليغا بعد 4 سنوات قاحلة، كانت المرة الأخيرة التي توج بها الأبيض الملكي بلقب الدوري الإسباني تحت إشراف الفريد من نوعه جوزيه مورينيو في موسم 2011-2012، وبعد فشل الإيطالي كارلو أنشيلوتي الذي استطاع تحقيق حلم العاشرة في أوروبا وأخفق في الحصول على لقب الدوري الإسباني.
ما جعل موسم الريال هذا عظيمًا، حتى لو لم يحصد في ضربة بؤس ولعنة خيالية أي لقب، قدرة المدرب اليافع على اللعب بتشكيلات متعددة وكثيرة والدمج بين روح الفريق الشابة وكبار نجومها المُخضرمين
إذ إن هذا الموسم كان جنونيًا بكل المعايير، مع كثير من المباريات التي حُسمت بدقائقها الأخيرة، وبرغم ما خلفه الكلاسيكو من دمار في الكتيبة الملكية وحرق لكل الأوراق، نجح زيدان في جعل لاعبيه يتخطون هذه الخسارة المؤلمة في عقر دارهم بسهولة، ويكملون طريقهم بثبات ويحصدون الانتصارات نحو اللقب المرجو.
4 سنوات قاحلات في مدريد، لا رائحة فيهن للقب الدوري الإسباني رغم كون الميرنغي مُتربعًا على عرشه، بعدما توج كبطله 32 مرة، الأكثر في تاريخ الفرق الإسبانية التي تتنافس فيه، ليليه غريمه الكتالوني بِـ24 مرة.
يحق القول إن ما جعل موسم الريال هذا عظيمًا، حتى لو لم يحصد في ضربة بؤس ولعنة خيالية أي لقب، قدرة المدرب اليافع على اللعب بتشكيلات متعددة وكثيرة والدمج بين روح الفريق الشابة وكبار نجومها المُخضرمين.
موسم لم يصنعه الظاهرة البرتغالي كريستيانو رونالدو وحده، بل ساهمت فيه دكة البدلاء العميقة بكل من فيها، موسم تميز به صغار مدريد مثل كارفخال وفاران في الدفاع، كاسيميرو وكوفاتشيتش في الوسط، فاسكيز وأسينسيو وموراتا وإيسكو في الهجوم، ولمع فيه القائد الأندلسي قلب الدفاع سيرجيو راموس، الذي قلب موازين مباريات كثيرة برأسه المبارك.
كيف راهنت الصحافة على ريال مدريد وجلدتهم بعد موقعة الكلاسيكو، كيف جعلت من الزيزو مُخفقًا وراسبًا في امتحان المباريات الكبيرة، وكيف أنها اليوم، بعد شهر تقريبًا، تعي جيدًا أن هذه الخسارة صنعت فارقًا وأوقدت حربًا ضروسًا مثيرة
وبرز فيه لاعبٌ يبلغ من العمر 27 عامًا، لم يراهن عليه أحد، يُدعى ناتشو فيرنانديز، قدم موسمًا خياليًا من أروع ما يكون بوظائفه الدفاعية المُختلفة، إضافة إلى إبداع ودهاء خط الوسط وسحر الكرواتي لوكا مودريتيش والدينمو الألماني توني كروس.
موسم استطاع فيه زيدان أن يتدبر اكتظاظ جدول مباريات فريقه وتعدد منافساته، بحنكة رياضية وثقة بكل لاعبيه، ودهاء تشكيلات متعددة تمنح نجومه قسطًا من الراحة وتسمح بسطوع نجوم أخرى ما زالت حديثة في سماء عالم المستديرة، موسم عملاق ساهم في صنعه صغار مدريد وصبيتها موازٍ تمامًا لجهد كِبار نجومها.
أذكر جيدًا كيف راهنت الصحافة على ريال مدريد وجلدتهم بعد موقعة الكلاسيكو، كيف جعلت من الزيزو مُخفقًا وراسبًا في امتحان المباريات الكبيرة، وكيف أنها اليوم، بعد شهر تقريبًا، تعي جيدًا أن هذه الخسارة صنعت فارقًا وأوقدت حربًا ضروسًا مثيرة، حربًا أزلية بين العاصمة مدريد وإقليم كتالونيا، يتصارع فيها عملاقان من عمالقة القارة الأوروبية، بل عالم الكرة أجمع، على لقب دوري ظنه الجميع قد حُسم.
إن عظمة ريال مدريد تكمن بكونه استطاع تدارك مأساوية نهاية معركة الكلاسيكو، وعاد للميدان محاربًا شرسًا لا يرى أمامه سوى نصر لشِعاره وانتصار لإرادته.
اليوم يصل الفريق الملكي إلى عاصمة شاطئ الشمس وأرض الأندلس في الجنوب الإسباني ليخوض آخر معاركه وأشرسها على العشب الأخضر لملعب اللا روزاليدا، يصل لمجابهة خصمه الأندلسي، الذي على الرغم من وجوده في المكان الحادي عشر لترتيب الدوري الإسباني، يأتي بعد ثمانِ مباريات لم يخسر فيها، بل وتغلب فيها على فرق محاربة مثل برشلونة وإشبيلية وسيلتا فيغو وفالنسيا في بيته.
معطى يثبت صلابة القِلاع الأندلسية وصعوبة ما ينتظر ريال مدريد بمحطته الأخيرة في رحلة الدوري الإسباني، امتحان أخير للريال مدريد ولخيارات زين الدين زيدان، امتحان فاصل، على الريال تجاوزه بفوزِ أو اكتفائه بتعادل يجني منه نقطة ثمينة، تجعل العيون تتوهج فرحًا في العاصمة المدريدية وأخرى تنام باكية في الشمال الإسباني بموسم من أبأس ما يكون للإقليم الكتالوني.
90 دقيقة تفصلنا عن حُلم السنوات العصي، على بُعد خطوة واحدة إما من فرحٍ جارف يعود لغزو قلاع العاصمة المدريدية، ويتوج الأبيض المدريدي – في مكانه الطبيعي – ملِكًا ويسطر نهاية جُزئيةً سعيدة لقصة أبطال مدريد، أو سيناريو لا تصل فيه الفرحة للعاصمة
مع ذلك، كل أساطير هذا الزمان تؤكد، كل فرق الدوري مُجتمعة ما بوسعها أن تُوقف الشغف للنصر والجوع للقب، نُقطة واحد تفصل كتيبة الزيزو عن حُلم الدوري، نُقطة واحدة تروي ظمأ السنين العِجاف وتردي أمل الكتلان قتيلًا.
مباراة واحدة أمام كرمل الأندلُس مالقة، تعادلٌ أو انتصار، ويسطر التاريخ عهدًا جديدًا وحقبة جديدة من الزمن يكون فيها زعيم وعِملاق أوروبا ملكًا للمُستديرة على شِبه الجزيرة الإيْبِيرِية أيضًا، في موسم بوسعه أن يكون خياليًا يليقُ بأسطورة الزيزو، موسم صنعته شراسة المعارك وحدة انعطافات السباق الأخيرة وسطره جنون النهايات، موسمٌ من أعذب ما يكون!
90 دقيقة تفصلنا عن حُلم السنوات العصي، على بعد خطوة واحدة إما من فرحٍ جارف يعود لغزو قلاع العاصمة المدريدية، ويتوج الأبيض المدريدي – في مكانه الطبيعي – ملِكًا ويسطر نهاية جُزئيةً سعيدة لقصة أبطال مدريد، أو سيناريو لا تصل فيه الفرحة للعاصمة، سيناريو لا يصدقه سوى المجانين.