ترجمة حفصة جودة
من بين الانتقادات المستمرة لوادي السيلكون أنه لم يعد يعمل على الأفكار الكبيرة التي تغير العالم، فكل عدة أشهر تظهر فكرة جديدة غبية – آخرها بيع عصارة بمبلغ 700 دولار – وسوف يبدأ الناس خارج صناعة التكنولوجيا بغناء “لقد أخبرتك من قبل يا سوس”.
لا تنخدع بالعصارة المكلفة، فالفكرة التي تقول بأن وادي السيلكون لم يعد يدعم الأشياء الكبيرة، ليست فقط فكرة خاطئة لكنها خطيرة أيضًا، انظروا إلى السيارات والصواريخ والطائرات الشراعية وبالونات الإنترنت والطائرات دون طيار وأجهزة الواقع الافتراضي وهذا التغير في الذكاء الاصطناعي والذي نواجهه في الخيال العلمي، شركات التكنولوجيا لا تدعم فقط الأفكار الكبيرة، لكنها تدعم أفكار تغير العالم، إنهم ينفقون على أفكار – بعد عدة سنوات من الآن – سننظر إليها على أنها أفكار غيرت الحياة على سطح الكوكب.
في الوقت نفسه تراجع تمويل الحكومة الأمريكية للأشياء الكبيرة مثل البحث العلمي وبرامج التكنولوجيا والبنية التحتية المذهلة، وقد تتراجع أكثر تحت حكم ترامب، هذا التراجع له مضاعفات خطيرة تلوح في الأفق، فعمالقة التكنولوجيا – وليس الحكومة – سيقومون ببناء مستقبل الذكاء الاصطناعي وإذا لم تقم الحكومة بزيادة إنفاقها على هذه الأبحاث التكنولوجية، فإن الشركات وحدها ستقرر كيفية نشر هذه التكنولوجيا.
بالنظر إلى جوجل، ففي يوم الأربعاء أطلق مؤتمرها السنوي للمطورين قرب المقر الرئيسي للشركة في ماونتن فيو – كاليفورنيا، أظهرت الشركة العديد من التحسينات في خدمة المساعد الصوتي وفي نظام تشغيل هاتفها المحمول، من بين هذه التحسينات يمكنك أن توجه هاتفك نحو أي شيء في العالم الحقيقي مثل وردة أو إشارة بلغة أخرى أو خيمة لحفلة موسيقى الروك، وحينها سيمنحك الهاتف الكثير من المعلومات عن هذا الشيء (فمثلاً قد يظهر لك زر لشراء تذاكر هذا الحفل).
بعض من هذه الأمور كان لطيفًا والقليل منها مبدعًا بحق، وهو أمر لا يثير الدهشة، فنحن في فترة حرجة من صناعة التكنولوجيا تتميز بتحسنات تدريجية في التكنولوجيا التي نعتقد أنها مملة، وبعض الوعود المثيرة عن التكنولوجيا البعيدة التي ليست جاهزة بعد.
التقدم الحقيقي لجوجل كان في الفئة الثانية، ففي عرض العام الماضي افتتح سوندر بيشاب – المدير التنفيذي لجوجل – ما أسماه بالعصر الجديد لجوجل، فشركة البحث من الآن وصاعدًا سوف تصبح شركة “A.I.-first” وهذا يعني أن جميع التحسينات ستقوم بها تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ستلعب التكنولوجيا دورًا مهمًا في المنتجات الاستهلاكية مثل ترجمة جوجل الفورية أو تطبيق الصور والذي يستطيع أن يتعرف على المصطلحات البشرية الفريدة (فيمكنه أنه يعثر على صور “عناق” على سبيل المثال)، لكن “A.I.” يخبرنا عن خطط جوجل الأكثر طموحًا، فالشركة سوف تستخدم الذكاء الاصطناعي لتعليم أجهزة الحاسب كيف تفهم اللغة وترى وتسمع وتشخص الأمراض وربما تبدع الفنون أيضًا.
الكثير من تلك الخطط سوف تفشل، لكن جوجل لا تصنع رهانات كبيرة وطويلة المدى تقوم على الإيثار، فالشركة تفهم جيدًا أن المشاريع المعتمدة على الذكاء الاصطناعي قد يسبب نجاحها تغييرًا كبيرًا، فقد تغير الصناعات القائمة وتخلق صناعات جديدة ضخمة، بما في ذلك مجموعة من الأعمال الجديدة التي قد تستفيد منها جوجل.
لكن جوجل ليست وحدها في سعيها لبناء مستقبل من الذكاء الاصطناعي، فشركتها الأم “ألفابيت” تنفق المليارات لإدخال ذكاء الآلة في الكثير من الاقتصاد العالمي بداية من السيارات ذاتية القيادة وحتى الرعاية الصحية.
هناك أيضًا الأعضاء الآخرين لـ”المرعبين الخمسة” – أمازون وآبل وفيسبوك ومايكروسوفت – والذين ينفقون الكثير من المال على المستقبل الذكي، بشكل جماعي فهؤلاء الخمس من بين أكبر المستثمرين في البحث والتطوير على سطح الكوكب، ووفقًا لتقارير أرباحهم فهم في طريقهم لإنفاق أكثر من 60 مليار دولار على البحث والتطوير هذا العام، مقارنة بذلك وفي عام 2015 أنفقت حكومة الولايات المتحدة 67 مليار دولار على جميع الأبحاث العلمية غير العسكرية.
هناك طريقتان للرد على استثمارات صناعة التكنولوجيا الضخمة في المستقبل الذكي، من الناحية الأولى يمكنك استقبال هذه الأخبار بالتفاؤل والامتنان، فالتكنولوجيا التي تعمل عليها جوجل وغيرها من الشركات العملاقة لها تأثير كبير على المجتمع، فسيارات القيادة الذاتية يمكنها أن تنقذ آلاف الأرواح كل عام، كما أن طرق الحاسوب لتشخيص الأمراض وعلاجها قد يعمل على تحسين الصحة وتخفيض تكلفة الرعاية الصحية.
الأكثر من ذلك أن الخبراء في هذا المجال يقولون إن العديد من عمالقة التكنولوجيا يقتربون من الذكاء الاصطناعي بروح أكاديمية، فهم ينشرون بانتظام أبحاث عن نتائجهم، ومن خلال شركات “الكلاود سيرفر” يسمحون لشركات الطرف الثالث بالوصول إلى بعض من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم، لكن هذه الاستثمارات التكنولوجية في الذكاء الاصطناعي قد تكون مثيرة للقلق، فليس هناك أي توازن بين استثماراتها واستثمارات الحكومة في هذا المجال.
في الأيام الأخيرة لإدارة أوباما نشر البيت الأبيض تقريرًا يشرح الطرق التي سيغير بها الذكاء الاصطناعي العالم، وقال التقرير إن الحكومة الفيدرالية أنفقت مليار دولار فقط على بحث ذكاء اصطناعي غير مصنف عام 2015، وناقش التقرير زيادة الإنفاق على أبحاث الذكاء الاصطناعي عدة مرات، ومع زيادة الإنفاق يستطيع الباحثون التركيز بشكل أكبر على الأبحاث الأساسية – غير القابلة للتطبيق الفوري في الذكاء الاصطناعي – ومن خلال ذلك سيكون للحكومة رأي أكبر في كيفية تطور التكنولوجيا.
يقول جريج بروكمان مؤسس ورئيس قسم التكنولوجيا في شركة “OpenAI” – شركة أبحاث الذكاء الاصطناعي -: “لقد أنشأنا هذه الشركة لأن الصناعة تستثمر مبالغ هائلة في أبحاث الذكاء الاصطناعي، هذه الكيانات التجارية والخاصة في طريقها لإنشاء نظام ذكاء اصطناعي قوي، هذه الكيانات لا تمتلك آليات مدمجة لضمان استفادة الجميع من هذا التقدم”.
يلفت بوركمان النظر إلى أن أحد أسباب نجاح الإنترنت إنشاؤه بتمويل حكومي مما جعله متاحًا للجميع، لكن لو كانت شركة خاصة قد قامت بإنشائه فربما كان انتهى به الأمر كشبكة الهاتف مفيدة في بعض المهام لكنها ليست محركًا واسعًا للفرص الاقتصادية.
يقول بروكمان: “وبالمثل، عندما تصبح أنظمة الذكاء الاصطناعي متاحة على الإنترنت، سوف تكون نية ودوافع مطوريها عاملاً قويًا في تحديد تأثيرها، فإذا كانت تطوير الذكاء الاصطناعي لصالح الشركان الربحية فسوف ينتشر هذا النظام لصالح منظمة واحدة وفئة معينة من الناس”.
الأمر المثير للاهتمام أن العديد من صناع التكنولوجيا يتفقون مع الحاجة لمزيد من التمويل الفيدرالي، فشركة “OpenAI” أنشأها إيلون ماسك والعديد من نجوم التكنولوجيا وقد حصلت على تمويل من مايكروسوفت وأمازون وواي كومبيناتور.
تفضل جوجل أيضًا التمويل الفيدرالي للبحث التقني، ففي شهر مايو كان إيريك شميدت المدير التنفيذي لـ”ألفابيت” أحد مؤلفي مقال منشور في واشنطون بوست والذي قال فيه إن التمويل الفيدرالي للعلوم والتكنولوجيا خلق “معجزة الآلة”، مضيفًا : “الشراكة بين القطاعين العام والخاص أدت إلى ظهور العشرات من الصناعات الجديدة على مدى عقود كثيرة”.
وأضاف شميدت قائلاً: “إذا لم نغير من مسارنا ونستثمر في البحث العلمي فسنخاطر بفقدان واحدة من أكثر الأشياء التي تميز أمريكا”، بعبارة أخرى “يحتاج عمالقة التكنولوجيا بعض المساعدة لبناء المستقبل، لذا من الحكمة أن نساعدهم في ذلك أو نسمح لهم بقيادة المستقبل بأنفسهم”.
المصدر: نيويورك تايمز