ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد سنتين من القتال في اليمن، يواجه التحالف العسكري العربي بقيادة السعودية أزمة خطيرة. في الأسبوع الماضي، أعلن عيدروس الزبيدي، وهو محافظ عدن الذي عيّنه سابقا الرئيس عبد ربه منصور هادي وفصله مؤخرا، عن تشكيل هيئة مستقلة ممثلة دوليا تحكم جنوب اليمن، وهو ما أثار حفيظة جميع الأطراف المشاركة في الصراع اليمني.
إذا قرر المجلس الانتقالي الجنوبي الطعن في شرعية هادي، فإن التحالف بين المؤيدين الرئيسيين للقوى المناهضة للحوثيين، والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، سيكون أول الخاسرين. وفي هذا الإطار، كشفت كل التحركات التي تقوم بها منطقة جنوب اليمن أن السعوديين يفتقرون إلى خطة عسكرية واضحة تمكنهم من إنهاء حملتهم العسكرية في اليمن. والأهم من ذلك تشير هذه التطورات إلى أن السعودية تتوخى مسارا تصادميا مع الإمارات العربية المتحدة.
منذ آذار/ مارس سنة 2015، كانت العمليات العسكرية، التي تقودها السعودية، تقصف المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون لتمهد الطريق أمام إعادة الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي إلى سدة الحكم. وخلال سنة 2014، أطاحت ميليشيات الحوثي بالرئيس هادي، بعد أن تمرّد جنود من الحرس الجمهوري في الجيش اليمني، الذي يقوده أحمد علي عبد الله صالح، الابن الأكبر للرئيس السابق علي عبد الله صالح، لصالح جماعة الحوثي.
ما لم يبرز بعد هو تعمق الخلافات الإماراتية السعودية في اليمن، بسبب العديد من القضايا الإقليمية العالقة
بعد مرور سنتين، لا يزال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في المنفى، فضلا عن أن الحوثيون مازالوا يسيطرون على العاصمة صنعاء، فضلا عن تفاقم الأزمة الإنسانية، وسير العملية السياسية نحو طريق مسدود. ومن بين الأسباب التي تفسر تباطؤ نسق المحادثات بين الأطراف المتنازعة معارضة مجلس التعاون الخليجي وهادي إعلان الزبيدي تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي.
ولكن، ما لم يبرز بعد هو تعمق الخلافات الإماراتية السعودية في اليمن، بسبب العديد من القضايا الإقليمية العالقة. وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من كل الخلافات التي بدأت تطفو على سطح العلاقات بين هذين البلدين، إلا أن كلا منهما لا يزال يدعيان علنا تقاسمهما لنفس الرؤى المتعلقة بعدة مسائل.
على مسار تصادمي
يُعتقد أن المجلس الانتقالي الجنوبي، تسيطر عليه مجموعة من السياسيين اليمنيين، الذين يملكون علاقات طويلة الأمد مع الإمارات العربية المتحدة وبعض المتطوعين المدعومين من قبل الإمارات، والذين يقاتلون في صف التحالف العسكري الذي تقوده السعودية. فضلا عن ذلك، يملك علي عبد الله صالح، الذي حكم البلاد حتى سنة 2012، نفوذا وسلطة كبيرة داخل هذه المجموعة من السياسيين الجنوبيين.
وبعد وقت قصير من إعلان الزبيدي، برزت شائعات بأن دولة الإمارات العربية المتحدة قد خففت القيود المفروضة على أحمد علي عبد الله صالح، الذي كان قائدا للحرس الجمهوري، قبل تعيينه مبعوثا لليمن في الإمارات خلال شهر مايو/ أيار من سنة 2013. وفي غضون أيام من بداية الحملة، التي قادتها السعودية ضد الحوثيين سنة 2015، جرد هادي مهام صالح من مواقعه العسكرية والدبلوماسية، إلا أن صالح في تلك الأثناء كان قد تمكن من تأسيس عدة شركات في الإمارات العربية المتحدة.
عملت المملكة العربية السعودية على تقليص الدور الذي تضطلع به الإمارات في حرب اليمن. ونتيجة لذلك، أوضحت وسائل الإعلام الإماراتية أن قيادة البلاد تؤيد قيام دولة ذات سيادة موحدة
وخلال تلك الفترة، عملت المملكة العربية السعودية على تقليص الدور الذي تضطلع به الإمارات في حرب اليمن. ونتيجة لذلك، أوضحت وسائل الإعلام الإماراتية أن قيادة البلاد تؤيد قيام دولة ذات سيادة موحدة. وبالتالي، يبدو أنه مع إعلان المجلس الجنوبي، يقترب الحلفاء من مسار تصادمي في اليمن، الذي من المحتمل أن يكون له تداعيات أوسع على العديد من القضايا الإقليمية.
التنافس المفتوح
لا يعتبر التنافس الإماراتي مع المملكة العربية السعودية سرا، ولا حديث العهد، فمع تزايد نفوذها العسكري والمالي في المنطقة، تطمح دولة الإمارات العربية المتحدة إلى أن تكون لها مكانة خاصة بها في المنطقة من خلال وضع ترتيبات ثنائية مع عدد أكبر من البلدان.
وفي شأن ذي صلة، التقى ولي العهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، يوم الاثنين، بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن، حيث قام الزعيمان بتحديث اتفاق الدفاع الأمريكي مع دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي سوف يحل محل اتفاقية الأمن لسنة 1994. وخلال ذلك الاجتماع، وضع الطرفين اللمسات الأخيرة على صفقة بيع صواريخ باتريوت، التي تصل قيمتها إلى 2 مليار دولار.
وقبل أسبوع واحد من زيارة ترامب الخارجية الأولى، التي سوف تأخذه لحضور القمة السعودية التي نظمها الملك سلمان، كان اجتماع الزعيم الإماراتي محاولة واضحة لجعل استدعاء القيادة السعودية للعالم العربي والإسلامي موضع شك بالنسبة لترامب.
يرى السعوديون أنه من مصلحتهم أن تضطر ميليشيات الحوثيين في نهاية المطاف إلى أن تصبح جزءا من الجيش الوطني اليمني، بدلا من السماح لهم بتكوين سلطة منفردة، على غرار حزب الله اللبناني
أما في ليبيا، تختلف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حول العديد من المسائل. ولعل هذا ما يفسر متابعة دولة الإمارات العربية المتحدة، جنبا إلى جنب مع مصر، تقديم الدعم العسكري العدواني للجنرال خليفة حفتر، في حين كان السعوديون أكثر تأييدا للحكومة التي يقودها التحالف ودعموا المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة في ليبيا. ومع تعمق فجوة الخلاف بين المملكة العربية السعودية ومصر، اغتنمت الإمارات الفرصة لتقديم الدعم المالي للرئيس عبد الفتاح السيسي.
أما في اليمن، فضل السعوديون عدم خوض الحرب لوحدهم لذلك سعوا إلى تشكيل تحالف إقليمي حتى وإن كان ضعيفا وهشا. فضلا عن ذلك، يرى السعوديون أنه من مصلحتهم أن تضطر ميليشيات الحوثيين في نهاية المطاف إلى أن تصبح جزءا من الجيش الوطني اليمني، بدلا من السماح لهم بتكوين سلطة منفردة، على غرار حزب الله اللبناني.
تدريجيا خلال الحرب، تخلى الحوثيون عن علي عبد الله صالح، الذي فرض عليه مجلس الأمن الدولي عدة عقوبات. في المقابل، أرسلت الإيماءات الناعمة الإماراتية تجاه أسرته إشارات خاطئة لكل من الحوثيين والسعوديين. في الواقع، يكمن السبب الرئيسي وراء التوتر الحقيقي القائم بين الإمارات والسعودية في مستقبل الترتيبات الأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي.
يعزى سبب قلق أبوظبي من مخطط السعودية إلى استقطاب الرياض لعدد كبير من الدول العربية والإسلامية؛ بما في ذلك باكستان، وإندونيسيا، وتركيا، وبنغلادش، الذين أكدوا بدورهم على حضور القمة العربية الإسلامية الأمريكية
وفي السياق نفسه، كانت العملية اليمنية إشارة واضحة من السعوديين بأن المملكة، على الرغم من قوتها العسكرية، تفضل اتباع آلية إقليمية لينة ومتعددة الأطراف لوضع إستراتيجية الأمن الإقليمي، التي تهدف بالأساس إلى احتواء النفوذ الإيراني.
في المقابل، من المحتمل أن لا تروق التدابير التي تتخذها المملكة العربية السعودية بشأن أمن الخليج لدولة الإمارات العربية المتحدة. ويعزى سبب قلق أبوظبي من مخطط السعودية إلى استقطاب الرياض لعدد كبير من الدول العربية والإسلامية؛ بما في ذلك باكستان، وإندونيسيا، وتركيا، وبنغلادش، الذين أكدوا بدورهم على حضور القمة العربية الإسلامية الأمريكية.
السيناريو الليبي في اليمن
في الحقيقة، سوف يواجه مؤيدو إعلان مجلس الجنوب الانتقالي العديد من التحديات خاصة إذا كانوا ينوون استخدام هذا الإعلان للمساومة إما من أجل تأسيس ولاية جنوبية مستقلة، أو مقاطعة ذات امتيازات خاصة. أولا، تنص قرارات مجلس الأمن الدولي بوضوح على السلامة الإقليمية لليمن، وعزل علي عبد الله صالح وأسرته من المناصب السيادية، فضلا عن ضرورة الاعتراف بهادي كرئيس شرعي لليمن.
وتجدر الإشارة إلى أن عودة صالح إلى المشهد السياسي اليمني من شأنها أن تزيد نسق عملية السلام الجارية تعقيدا. فضلا عن ذلك، يمكن للحوثيين دون مشاركة صالح الحصول على صفقة ترضي أطماعهم. وفي كلتا الحالتين، سوف يُحكم على أي حل سياسي يتجاهل وجود الحوثيين بالفشل. ثانيا، في حين لا تتجنب المملكة العربية السعودية رجوع علي عبد الله صالح للساحة السياسية مهما كلف الأمر، تفضل التعامل مع الحوثيين.
كلما سارع هادي في الوصول إلى تسوية سياسية مع الحوثيين، تجنبت السعودية إمكانية تكرر نفس السيناريو الليبي في اليمن
أما ثالثا، إذا سُمح للمجلس الانتقالي الجنوبي بالمضي قدما والانفصال، فإن التحالف العسكري العربي بقيادة السعودية سيواجه مشكلة خطيرة خاصة في حال قرر أي بلد يملك جيشا قويا، مثل مصر وباكستان، دعم هذا المجلس الانتقالي.
وبناء على المعطيات المذكورة آنفا، يبدو جليا أن الهجمات المذهلة التي شنها “هادي” ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، بسبب تدخلها في شؤون اليمن السيادية، قد كشفت عن حدود العمليات العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن. لذلك، كلما سارع هادي في الوصول إلى تسوية سياسية مع الحوثيين، تجنبت السعودية إمكانية تكرر نفس السيناريو الليبي في اليمن.
المصدر: ميدل إيست آي