يبدو أن موجة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي باتت في تصاعد مؤخرًا، ففي زيارة تطبيعية مرفوضة أشعلت موجة غضب أردنية، خاصة أنها جاءت في وقت يخوض فيه الأسرى بالمعتقلات الإسرائيلية إضرابا عن الطعام، التقى وفد من بعض شيوخ عشائر أردنية الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين في الكيان المحتل.
الغريب أن الزيارة جاءت بالتزامن مع ذكرى نكبة فلسطين التاسعة والستين، وبعد أيام من قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي، بقتل المواطن الأردني محمد عبد الله الكسجي البالغ من العمر 57 عاما، الذي نفذ عملية طعن لأحد الجنود الإسرائيليين في القدس المحتلة.
إثر ذلك، شن مواطنون هجوما على الشخصيات العشائرية المشار إليها، معتبرين أن ما قاموا به لا يمثل الشعب الأردني، في الوقت الذي استعاد فيه عدد كبير من نشطاء فيسبوك، تاريخ شهداء العشائر في فلسطين وعلى رأسهم الشهيد الشيخ كايد مفلح العبيدات.
الرئيس الاسرائيلي رؤفين روبلين يستقبل شيوخ العشائر الاردنية ..
عاشت فلسطين حرة عربية pic.twitter.com/wAciL2Uhcm
— ☄sami?? (@salamalrqe2) May 19, 2017
في حين أطلق ناشطون وسما عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تحت عنوان “#لا يمثلون_إلا_أنفسهم”، في إشارة إلى براءة العشائر من هذه الزيارة التي قام بها أربعة من شيوخ العشائر بشكل فردي. والشيوخ الذين قاموا بالزيارة هم سلمان البدول الحويطات، وأنور الخزاعلة بني حسن، ومرشد الخوالدة بني حسن، وسلمان العزازمة.
بعد التطبيع الرسمي.. محاولات تطبيع شعبي
ووفقا لوزارة الخارجية الإسرائيلية، شكر شيوخ العشائر الرئيس الإسرائيلي على “حسن الضيافة”، قائلين “نحن نأتيك من بلاد بطل السلام الملك الحسين، بلاد الصلح والتعاون والعطاء، بلاد السلام والتسامح، لقد جئنا إلى إسرائيل تطبيقا لعملية السلام، ومن أجل القيادة الهاشمية في بلادنا، إننا نؤمن أن السلام سيعمّ المنطقة وسنعيش جميعا بسلام ومحبة”.
من ناحيتها، استنكرت وشجبت عشيرة الخزاعلة بني حسن “قيام أحد الأشخاص ويدعى أنور محمد ركاد، بتعريف نفسه شيخا للعشيرة أمام الجهات الرسمية والسفارات والجمعيات الخيرية، دون علم أو صفة رسمية للتفويض بذلك”.
شيوخ العشائر الاردنيه هي الي احتضنت اخوانا الفلسطينيين في فتره الحروب مش هذول الي راحوا يسلموا على اليهود
— يونس الخشمان (@khosh_man) May 18, 2017
وطالبت العشيرة عبر بيان صدر عنها “بمحاسبة كل من يتقمص هذا الدور، وتسمية نفسه كما يحلو له تحقيقا لوحدة العشيرة”، متمنين في الوقت ذاته من عشائر البدول والعزازمة والشطناوي أن “تتبرأ من بقية من ظهروا في الصورة التي انتشرت مؤخرا حول زيارتهم للاحتلال كممثلين لعشائر أردنية”.
وحسب رئيس لجنة مقاومة التطبيع النقابية المهندس ياسر أبو سنينة، فإن مظاهر التطبيع مع الكيان الصهيوني نشطت مؤخرا تحت لافتات، التجارة والبيئة والرياضة والتعليم والمجالس البلدية، وحديثا ما أطلق عليه العشائرية.
وقال الناشط النقابي إن “الحكومات تحاول الترويج لهذه الفعاليات التطبيعية وتبريرها لإعطائها نوعا من الشرعية، إلا أن التطبيع الشعبي ما زال محدودا وضيقا ويقتصر على حالات فردية”.
ولفت أبو سنينة إلى أن “الحكومات اكتشفت أن طريق الترويج للتطبيع الشعبي مسدودا، لذلك اضطرت إلى دفع المواطنين وزجهم في عملية التطبيع الإجباري”، مشددا على أن “كل جهود التطبيع الرسمية، لم تتمكن من إحداث اختراق حقيقي في المجتمع الأردني”.
“شيوخ بعباءات رخيصة”
في السياق، أكدت لجنة حماية الوطن ومقاومة التطبيع، على أن “الأردنيين الذين قاموا بزيارة الكيان الصهيوني ومقابلة رئيس الكيان لا يمثلون إلا أنفسهم، وأن العشائر الأردنية التي تطاول برأسها عنان السماء فخرا وعزا بدماء أبنائها الشهداء في القدس واللطرون وباب الواد وكل فلسطين، هي أنقى وأطهر من أن تدنس ثوب عزها أفعال مشينة مدانة، من أفراد باعوا تاريخهم وركضوا خلف فتات يرميه السيد للعبد، وعشائرنا الأردنية سادة من أبناء سادة”.
وقالت اللجنة في بيان صادر عنها إننا “نريد أن نذكر هؤلاء النفر، أن العباءة الأردنية على مر تاريخ فلسطين، كانت كفناً للشهداء ويستسقى الشرف والفخر من بين خيوطها، ولم تكن ولن تكون في يوم من الأيام ممراً للتطبيع مع الكيان الغاصب، متسائلين كيف يمكن لوجوهكم أن تقابل وجوه شهداء الجيش العربي المصطفوي وماذا ستقول لهم؟”.
وأضافت اللجنة أن “أفضل الرد على مثل هذه الأفعال، هو التحية الدائمة والموصولة للجهد الأردني الذي يقاوم الدولة المغتصبة، الموصول برسالة عز وافتخار للتاريخ الذي تصنعه الأمعاء الخاوية في زنازين الدولة الغاصبة، وهو العهد والوعد أن تظل رسالتنا أن فلسطين ليست للتنازل أو البيع أو الهبة، وهي أرض محتلة مغتصبة تحتاج إلى جهد كل شريف وحر في جميع أنحاء العالم لتعود حرة إلى أهلها”.
من جهته، قال الكاتب الصحفي إبراهيم قبيلات معلقا على الزيارة “سيجلس الإسرائيلي اليوم راصداً تفاصيل المشهد الأردني، الغاضب من زيارة بهلوانية نفذها أربعة وخامسهم خلف المسرح يتخفى، وسيقول نعم، أحدثنا شرخاً واختراقاً جديداً في قلب العشيرة الأردنية، التي ظلت على الدوام لا تخفي انحيازها للمقاومة الفلسطينية، وتعمل على مدها بأسباب النصر ومناخاته”.
الإعلام الصهيوني ينشر فيديو وصور للقاء من أسموهم شيوخ عشائر أردنية مع رئيس الكيان الصهيوني!
لا يمثلون إلا أنفسهم ومن هم على شاكلتهم بالخيانة
— Rebel Heart (@Noble_Knight5) May 18, 2017
وأضاف قبيلات في مقال تحت عنوان “شيوخ بعباءات رخيصة”: “إسرائيل تعي تماماً ماذا يعني أن يزورها شيخ، ويظهر على شاشتها إلى جانب الرئيس ريفلين، مرتدياً ثوباُ وعباءة مذهبة ويمسك بيده عصا، هي لغم يود الإسرائيلي لو يقذف به إلى حضن العشيرة الجارة، فيفجرها بعد أن يضمن أسباب تمزيقها وتشويهها وإضعافها”.
وأردف قبيلات متسائلا بقوله “على أية حال، ماذا ينفع إسرائيل فقاعة شيوخ أمام حالة متجذرة بالمجتمع الأردني، وضع ركائزها الشهيد كايد مفلح العبيدات وفراس العجلوني؛ ليواصل جيل الكسجي والقاضي رائد زعيتر التضحية بأرواحهم في سبيل فلسطين”.
كما رحب المنسق العام لحملة “ذبحتونا” الدكتور فاخر دعاس؛ بهبة الأردنيين المناهضة لزيارة “العار”، وكتب على صفحته في فسبوك قائلا “اليوم وللمرة المليون، يثبت الشعب الأردني للكيان الصهيوني وأذنابه في الأردن، أنه عصي على التطبيع برغم كافة المحاولات الرسمية لفرضه، اليوم يفشل الكيان الصهيوني بإحداث اختراق على المستوى الشعبي فيما يتعلق بالتطبيع”.
مراكز “بحثية” مشبوهة في عمّان
على صعيد ذي صلة، أثار افتتاح مركز علمي بحثي بالأردن ضم في عضويته دولة الاحتلال الإسرائيلي، حفيظة نشطاء مقاومة التطبيع وكثير من المواطنين، لكون أن “إسرائيل” تشكل عدوا لدودا للأردن، لم تكف عن مهاجمته في كثير من المناسبات والمحطات.
ونظر المواطنون ونشطاء مقاومة التطبيع إلى المركز نظرة مشبوهة، باعتباره محاولة لفرض مشاريع تطبيعية لتسويق الكيان المحتل لدى الشعب الأردني، الذي يرفض التطبيع بكل أشكاله وصوره بل ويحاربها.
مبروك ل#الأردن على مشروع #سيسامي ولكل الدول المشتركة والمانحة بما فيها #اسرائیل ! https://t.co/Sp6QfKIwmW
— ?? Reuven Azar (@ReuvenAzar) May 16, 2017
عضوية “إسرائيل” في المركز استفزت مشاعر المواطنين التي عبروا عنها في مواقع التواصل الاجتماعي، في حين استهجنوا هذه الخطوة مبدين ردود فعل غاضبة، متسائلين في الوقت ذاته حول حجم التطبيع ومحاولات اختراق بمشاريع تطبيعية سواء على الصعيد العلمي أو الطلابي أو السياحي.
وكان الديوان الملكي ذكر أن الملك عبد الله الثاني افتتح “المركز الدولي لضوء السنكروترون للعلوم التجريبية وتطبيقاتها في الشرق الأوسط”، والمعروف اختصارا باسم “سيسامي”، ليكون أول مركز أبحاث عالمي من نوعه في المنطقة.
ويقع مركز “سيسامي”، وهو مشروع للمسارعات الضوئية من الجيل الثالث، بمنطقة علان في محافظة البلقاء، ويهدف بحسب القائمين عليه “للمساهمة في دفع عجلة التقدم والنهوض بالأبحاث العلمية، بمجالات الطب والصيدلة والفيزياء والكيمياء والأحياء وعلوم المواد وغيرها”.
3 CERN DGs, 2 UN DGs, 1 King, 1 Princess, all in 1 pic. #SESAME opening ceremony highlights role of Science 4 a more peaceful world #SciDip pic.twitter.com/RVzvJEsK5f
— Sandro Scandolo (@SandroScandolo) May 16, 2017
وأعلن البيان ما وصفه بأن “المشروع يجمع علماء من عدد من الدول الأعضاء في المركز وهي قبرص ومصر وإيران و”إسرائيل” والأردن وباكستان وفلسطين وتركيا، إلى جانب دول مراقبة”.
وتجاوزت كلفة بناء المركز 100 مليون دولار، وهو المبلغ الذي أمنته الدول الأعضاء، إضافة إلى دعم الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا.
هل فُتح باب التطبيع الشعبي على مصراعيه؟
تعليقا على الموضوع، أشار أستاذ العلوم السياسية الدكتور أحمد سعيد نوفل إلى أن الأردن و”إسرائيل” يرتبطان باتفاقيات عدة، أبرزها اتفاقية السلام التي وقعت في وادي عربة عام 1994، ومن بعدها تلاحقت الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية بين الجانبين، ومنذ إعلانها تواجه رفضا شعبيا ونقابيا ونيابيا، إذ يعتبر كل تقرب من الكيان أمر محظور ومرفوض.
وحول صور التطبيع ومجالاته، قال نوفل لـ”أردن الإخبارية” إن “من صور التطبيع بين الأردن و”إسرائيل”، توفير فرص عمل للأردنيين في دولة الكيان، أو برامج التبادل الثقافي والأكاديمي بين الطلبة في كلا البلدين، وسبق ذلك أيضا مشاركة فريق كرة سلة أردني ببطولة “الصداقة” في “إسرائيل”، وزيارة رؤساء بلديات أردنية ووفود طلابية إلى “إسرائيل”.
#تطبيع #سياحة #سرقة #تراث #آثار #حضارة #حب_الاردن #العدو_الصهيوني #الشعب_يحاكم#وادي_عربة pic.twitter.com/XwNNiXuU3k
— FD (@FDilawany) September 8, 2015
وتابع نوفل بقوله: “كما كان من الصور التطبيعية الترويج لفعالية سياحية في الأردن يقوم بها إسرائيليون إلى وادي رم، وسبقها الإعلان عن إقامة العازف الإسرائيلي نداف داغون حفلة كان من المقرر إقامتها في وادي رم، لكن تم إلغاؤها بعد مذكرة تقدم بها نواب لمنع إقامة الحفل”.
ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن “المناطق الصناعية المؤهلة أبرز نتائج اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية، وتتضمن إنشاء مصانع في الأردن غالبها للمنسوجات، حيث بلغ عدد تلك المصانع في البداية 117 مصنعا”.
وتطرق نوفل إلى أن “أبرز خطوات التطبيع الرسمي مؤخرا، كان بمشاركة أحد الطلبة الإسرائيليين في مؤتمر تحت رعاية الأمم المتحدة بالجامعة الأردنية، فيما أقر مجلس النواب بالسماح للشركات الإسرائيلية بالمشاركة في مشاريع البنية التحتية بالمملكة، وذلك عبر صندوق الاستثمار والصناديق العربية السيادية”.
المصدر: أردن الإخبارية