بعد نحو 979 يومًا قضاها الرئيس التركي أردوغان بعيدًا عن حزب العدالة والتنمية الذي أسسه بصحبة رفاق دربه، يعود اليوم الرئيس لرئاسة الحزب بعد حضوره اليوم الثلاثاء اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية بمقر الحزب في أنقرة حيث تقام مراسم عودته للحزب مجددًا إثر تقديم استقالته منه في 10 من أغسطس/آب 2014 بعد توليه رئاسة البلاد.
جاء اليوم الذي سيتم فيه تنصيب أدروغان رئيسًا للحزب مجددًا في اجتماع استثنائي للحزب لانتخاب الرئيس الجديد الذي يُقام في ملعب رياضي ليتسع لقائمة المدعوين الكبيرة، حيث تم دعوة 1470 مندوبًا للحزب من جميع أنحاء تركيا، بالإضافة إلى توافد نحو 60 ألف عضو للمشاركة في المؤتمر الاستثنائي الثالث من نوعه، علمًا أن عدد أعضاء حزب العدالة والتنمية يبلغ 8.5 مليون بينهم 3.5 مليون امرأة.
عودة أردوغان رئيسًا للحزب
يعود الرئيس أردوغان إلى صفوف حزبه بفضل التعديلات الدستورية التي تم تمريرها في 16 من أبريل/نيسان الماضي، وفي أول ردود فعله صرح أردوغان: “أعود اليوم إلى حزبي، إلى عشي، إلى حبي”، وقال في حفل تنصيبه بالمؤتمر “ها نحن معًا مجددًا بعد 3 أعوام، حيث نبدأ بداية جديدة لعمل دؤوب أكثر من أجل أهداف أكبر”.
أما بن علي يلدريم الذي من المتوقع أن يُعلن توليه نائب رئيس الحزب قال: “اليوم لا نعقد مؤتمرنا الاستثنائي فقط بل نجمع بين قائد التغيير وحزب الأمة مرة أخرى”، كما رفع المؤتمر الاستثنائي شعار “مرحلة جديدة: ديمقراطية، وتغيير وإصلاح”، في إشارة إلى التعديل الحكومي والتغيير في قيادة الحزب المرتقب في الأسابيع والأشهر المقبلة.
أردوغان ينصب رئيسًا عامًا لحزب العدالة والتنمية بعد استقالته منه منذ انتخابه رئيسًا للجمهورية
سبق هذا المؤتمر اجتماعات اللجنة المركزية للحزب والذي أعقبها مؤتمرًا صحفيًا ذكر فيه المتحدث باسم الحزب ياسين أكتاي: “لقد كان محور الاجتماع تقييم ومناقشة الأوضاع الحقوقية والسياسة التي نتجت بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وكون الرئيس أحد مؤسسي الحزب وأحد قادته، واستجابة للدعوة التي أرسلت له من أجل العودة إلى الحزب، فقد اتخذ قرار بإجماع اللجنة المركزية للحزب بعودة الرئيس لعضويته”.
ستسمح عودة أردوغان إلى رئاسة الحزب بإنهاء الخلافات الداخلية، وسترفع همة المناضلين والمسؤولين فيه، والإعداد للانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة المقررة في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وتعد هذه هي المرة الأولى التي يتولى فيها رئيس للجمهورية التركية، رئاسة حزب في الوقت نفسه منذ نهاية الولاية الرئاسية لعصمت إينونو، الذراع الأيمن لمؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال وخلفه.
ستسمح عودة أردوغان إلى رئاسة الحزب بإنهاء الخلافات الداخلية، وسترفع همة المناضلين والمسؤولين فيه، والإعداد للانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة
وسيشهد الحزب أيضًا انتخاب أعضاء المجلس الأعلى الجديد لقيادة الحزب والمكون من 52 شخصية في المؤتمر العام وهذا المجلس يمثل أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لتركيا فهو صانع القرار الجماعي للحزب الذي يدير الجمهورية.
شغل ترشح أردوغان لرئاسة الحزب وحيدًا بصفته مرشح بالإجماع وكيفية مواجهته للتحديات الداخلية التي عصفت بالحزب فضلاً عن خطوات الرئيس المستقبلية على صعيد الحزب والبلاد على السواء، الكثيرين في الفترة الماضية.
مخاوف وتحديات
غاب عن الاجتماع شخصية مهمة هي عبد الله غُل، إذ أعلن أنه لن يشارك في المؤتمر الاستثنائي الثالث لحزب العدالة والتنمية، دون ذكر أي تفاصيل، وعبد الله غُل هو الرئيس الأول لحكومة حزب العدالة والتنمية في عام 2002 وبعد عام تنازل عن رئاسة الحكومة لأردوغان وتولى حقيبة الخارجية ومن ثم استقال من الحزب بعد توليه منصب رئاسة تركيا في الفترة بين 2007 و2014.
إلا أن العلاقة بينه وبين الحزب وبينه وبين الرئيس لم تكن على ما يرام، إذ بيّن الكتاب توتر علاقة غُل بأردوغان في السنوات الثلاثة الماضية، وكشف عن تقييد الحكومة لغُل في السياسة الخارجية واعتراضه على سياسات الحكومة في ملفي مصر وسوريا، وكشف أيضًا انتقاد غُل لسلوك العدالة والتنمية وسياساته، وسعيه سابقًا إلى العودة للحزب وقيادته بعد انتخاب أردوغان رئيسًا، وحزنه البالغ بعدما أوصد أردوغان الباب أمام عودته، وتنصيبه داود أوغلو رئيسًا للحزب الحاكم.
تعديلات ستجرى داخل الحزب وفي الحكومة بعد تولي أردوغان لرئاسة العدالة والتنمية ويمكن أن يشمل التعديل في الحكومة بين ثمانية وعشرة وزراء
وينقل كاتب الكتاب وهو الصحفي أحمد سفار، قلق عبد الله غُل على مستقبل الحزب الذي تغير كثيرًا حتى بات غريبًا لا يعرفه ولا يعرف كوادره، وأن عودة غُل للحزب سيكون ثمنها تقليص علاقة أردوغان بالحزب لأن غُل يرفض تنازع الصلاحيات أو الإدارة برأسين كما يذكر الكتاب.
من جانب آخر هناك أحمد داوود أوغلو وتياره، الذي اختلف مع الرئيس أردوغان سابقًا على طرح مشروع النظام الرئاسي في البرلمان، فخلال فترة حكمه التي انتهت باستقالته وتولي بن علي يلدريم رئاسة الوزراء عوضًا عنه، لم يكن دوواد أوغلو مصرًا على طرح مشروع النظام الرئاسي على البرلمان إذا لم يكن إقراره ممكنًا في مجلس النواب بسبب عدم توفر الأصوات المؤيدة الكافية لتمريره، ويُذكر أن أحمد داوود أغلو حضر في المؤتمر اليوم.
عبد الله غُل أعلن عدم مشاركته في المؤتمر الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية
يخشى الكثيرون من تحول تركيا إلى دولة “حكم شمولي” بحكم أن أدوغان في منصب الرئاسة ونجاحه في تمرير التعديلات الدستورية التي شكلت انعطافة مهمة في تاريخ تركيا بتحولها إلى النظام الرئاسي الذي يجمع السلطات في يد الرئيس، ومن ثم عودته لرئاسة الحزب.
إلا أن مراقبين رأوا أن تلك المناصب لا تنفصل عن شخصية أردوغان كزعيم تاريخي ومؤسس ذي كاريزما، يصعب منافستها بالأخص أنه حقق نجاحات كبيرة خلال فترة توليه الحكومة، والمجتمع التركي بطبيعته يعلي من قيمة هكذا شخصيات تتمتع بالقيادة والفردية، وهو ما رآه كوادر في العدالة والتنمية، في أن عودة أردوغان إلى صفوف الحزب ستعيد إحياء الحزب من جديد الذي واجه أزمات في السنوات الأخيرة، وبالأخص بعد التعديلات الأخيرة التي كشفت عن ضعف إقبال قطاع الشباب على التصويت وتراجع الحزب في مواقع بارزة كان يتقدم بها وأبرزها إسطنبول وأنقرة، وهذا ما جعل البعض يعتقد أن أردوغان وحده القادر على إعادة اللحمة للحزب وإنهاء الاستقطاب الداخلي الذي يعاني منه.
المناصب التي جمعها أردوغان بيده لا تنفصل عن شخصيته كزعيم تاريخي ومؤسس ذي كاريزما يصعب منافسته
بينما لا يُخفي البعض أن هذه العودة بوصفها استمرار لجمع السلطات بيد الرئيس وتحطيم الروابط مع الرفاق المؤسسين للحزب مثل عبد الله غُل وبولنت آرنتش وأحمد داوود أوغلو وعلي باباجان وبشير آتلاي وغيرهم، إذ غابت هذه الشخصيات في الفترة الماضية عن الواجهة، ويتوقع مراقبون أن تفضي عودة أردوغان لرئاسة الحزب إلى تحركات في صفوفه وتراجع أدوار قادة الحزب القدامة نظرًا لما يملكه أدروغان من نفوذ وتأثير داخل الحزب ومؤسساته ومراكزه المختلفة، إذ أعلن أردوغان في المؤتمر أن الهدف الحالي هوتجديد كواد الحزب بسرعة حتى نهاية العام الحالي، وسيتم إعلان هارطة طريق مدتها 6 شهور للعلن.
حضور أحمد داوود أوغلو المؤتمر الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية
على العموم فتراجع قيادات الجيل القديم يفتح الباب أمام ظهور قيادات شابة في الحزب ستتبلور خلال السنوات المقبلة، ويرجح خبراء أن القيادات كافة ستتراجع أدوارها في الحزب بما فيها أردوغان نفسه بعد العمل بالتعديلات الدستورية 2019 نظرًا لأن النظام الرئاسي يزيد من قوة المؤسسة ودورها على حساب أدوار القيادات.
على صعيد آخر، لم يحضر المؤتمر أحد من حزب الشعب الجمهوري على الرغم من توجيه رئيس الحكومة يلدريم دعوة رسمية للحزب، وحسبما أعلن الناطق باسم الحزب، بولنت تزجان، فإن مشاركة الرئيس أردوغان في المؤتمر الاستثنائي للعدالة والتنمية، ونيته إلقاء كلمة هناك، تعد “انتهاكًا للدستور التركي“.
أهم ما في تولي أردوغان رئاسة البلاد ورئاسة الحزب أنه سيتحكم في النواب، الذين يفترض أنهم يراقبون عمل الحكومة ولهم سلطة عزل الرئيس عند الضرورة
ويرى أحد النواب السابقين في حزب الشعب الجمهوري المعارض، أنه عندما يصبح أردوغان رئيسًا للحزب ستكون سلطته في اختيار المرشحين رسمية، ويضيف “أهم ما في تولي أردوغان رئاسة البلاد ورئاسة الحزب أنه سيتحكم في النواب، الذين يفترض أنهم يراقبون عمل الحكومة، ولهم سلطة عزل الرئيس عند الضرورة”، فأردوغان كما يرى مراقبون “كان له رأي غير مباشر في اختيار مرشحي العدالة والتنمية للانتخابات البرلمانية، حتى بعدما غادر الحزب عام 2014.”
الملفات المقبلة
من بين الملفات ذات الأولوية على طاولة رئيس الحزب الجديد أردوغان، سيكون إنهاء حالة الاستقطاب داخل الحزب واستعادة دفء العلاقة مع الشارع التركي وحاضنته الشعبية الذي فقد الحزب جزءًا كبيرًا منها خلال الفترة القريبة الماضية، وهذا لن يتم إلا من خلال استكمال مشروع النهضة الذي بدأه الحزب في العقد الماضي والذي واجه العديد من العقبات أدت لانتكاسته.
وكان أردوغان أعلن مؤخرًا انطلاقة جديدة في مجالي الاقتصاد والديمقراطية وأوضح أن الأمور لن تسير كما في السابق، وذكر الرئيس أنه ما إن أعلنت نتائج الاستفتاء حتى بدأنا على الفور بالبحث عن أسواق جديدة في الخارج، حيث وقعت تركيا مع الكويت مشاريع بقيمة 4.5 مليارات دولار وتبعها زيارة كل من الهند وروسيا والصين وأمريكا شهدت عقد اتفاقيات تجارية مهمة.
وشدد الرئيس خلال الاجتماع الاستشاري لجمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك “توسياد”على ضرورة تأمين ما يقرب من مليون فرصة عمل سنويًا في تركيا، فالتطورات لعام 2017 تشير إلى أنّ متوسط معدل الصادرات لن ينخفض إلى ما دون الـ10%، وبهذا نكون قد رفعنا حجم دعم الصادرات إلى أعلى مستوى يمكن تحقيقه، بحسب وصف أردوغان.
وذكر الرئيس أن الحكومة اتخذت التدابير اللازمة لزيادة سرعة النمو، وأن المجالات التي توليها أولوية في التطوير والضمان هي “الطاقة والتكنولوجيا“، ومن بين الملفات التي سيهتم بها أدروغان في المرحلة المقبلة استعادة مشروع السلام مع الأكراد والذي وصل إلى طريق مسدود في العام 2012، والتأكيد على استعداد تركيا للتحرك في الملفات الخارجية دون الحاجة للتنسيق والتشارك مع أطراف أخرى.
ويوحي الشعار الذي رُفع في المؤتمر “مرحلة جديدة تبدأ: ديموقراطية، تغيير، إصلاح” بأن تعديلات ستجرى داخل الحزب وفي الحكومة، وحسب صحيفة حرييت فإن التعديل في الحكومة يمكن أن يشمل بين ثمانية وعشرة وزراء، علمًا أن صحفًا تركية كانت قد كشفت مسبقًا أن هناك تعديلات سيتم اتخاذها في الحكومة التركية والحديث يدور عن إعادة وزير الاقتصاد التركي السابق ونائب رئيس الوزارء السابق علي باباجان إلى الحكومة، حيث عُرف باباجان بـ”مهندس النهضة التركية” في البلاد، وفي حال تم هذا بالفعل فإن أردوغان يهدف إلى إعادة هندسة الاقتصاد التركي من جديد لضمان استكمال النهضة والمشروع الكبير الذي تأمل تركيا في الوصول إليه في الأعوام المقبلة.
من بين الملفات التي سيهتم بها أدروغان في المرحلة المقبلة استعادة مشروع السلام مع الأكراد والذي وصل إلى طريق مسدود في العام 2012
فعودة باباجان للإمساك بالحقيبة الاقتصادية في هذه الظروف المتأزمة سواء محليًا وإقليميًا ودوليًا، سيضيف رصيدًا مهمًا إلى الحكومة ويرفع من ثقة المستثمرين بالبلاد حيث يعرف الرجل بصيت إيجابي بين رجال الأعمال والمستثمرين المحليين والأجانب، بسبب خبرته الكبيرة في التعامل مع الأزمات وأحد أصحاب الفضل في نهضة تركيا في العقد الماضي.
إلى جانب ذلك هناك ملف الاتحاد الأوروبي الذي تواجه فيه تركيا عقبات كبيرة قد تؤدي لإجهاضه، إلا أن أردوغان وفي أثناء خطابه ذكر أنه على الرغم من كل الأمور التي حصلت مع الاتحاد فإن تركيا ماضية في إكمال الطريق مع الاتحاد الأوروبي والقرار بخصوص هذا يعود للاتحاد، مع تركيزه على وفاء الاتحاد بوعوده لتركيا من المساعدات المالية للائجين وإعفاء الأتراك من تأشيرة الدخول إلى الاتحاد الأوروبي وإلا فليمض كل في طريقه حسب تعبيره، ويُذكر أن أردوغان سيجتمع مع قادة الاتحاد الأوروبي على هامش قمة حلف شمال الأطلسي الناتو في 25 من مايو/أيار الحاليّ أي بعد أربعة أيام من اليوم.