فقط من يتحدى هو من يعيش؛ فاقبل التحديات كي تستشعر نشوة النصر، ولا تستسلم في منتصف الطريق؛ عليك أن تتابع وتركيزك منصبٌ على النجاح. لا تضع احتمالات الفشل كمصير حتمي، استثمر الفشل قنطرة تنقلك لنجاحك. سأكون صريح معك لأبعد الحدود، أنا لا أعلم ما قد مررت به من عقبات، ولست على أدنى درايةٍ بما يجيش في صدرك من ذكرياتٍ مؤلمة الآن؛ لكنني على يقين بأنك أكبر من كل ما يعترض طريقك من مآزق ومضايقات تحجزك عن هدفك. لِم لا تضع نصب عينيك أن الضربات القوية تهشِم الزجاج، وهي بعينها التي تصقل الحديد، وإذا كان بلوغ النجاح هو هدفك؛ فعليك أن تدفع الثمن، ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل.
إذا كنت كصديقي الذي يجلس إلى جواري وهو يتمتم: أنا أحمل همومًا أكبرُ من همومِ أمريكا اللاتينية، ولست أدري على وجه التحديد ما يقصده! فإن كنت تحمل نفس همومه، أم أن أحزان هذا الكون من أحزانك “على حد قول نزار قباني” لكن دعني أنتقل بك -ومعنا صديقي صاحب هموم أمريكا اللاتينية- إلى هذا الأعرابي؛ واسمع حكمة رده على مثل ما يعتمل في صدرك وفي صدر كل مكتئبٍ ومحبطٍ ويائس، قيل بحضرة هذا الأعرابي الأريب: أشدُ الوجعِ وجعُ الضِرس! فقال الأعرابي: كل وجعٍ أشدُ الوجع.
لخص هذا الأعرابي كل ما يدور على ألسنة الغالب الأعم من الناس في تاريخ الكرة الأرضية، فكلُ واحدٍ يرى أن همومه ومشاكله وأحزانه وأتراحه هي بؤرة الكون التي لا فكاك منها ولا حل لها على الإطلاق؛ فيظل المرء يجتر هذه المشاعر السلبية ويحفر قبرَ نجاحه بيده. وقد تراه بعد ذلك أكرم الخلق في نشر الهزيمة والسلبية بين أفراد المجتمع؛ ليتحول إلى فيروس يدمر الهمم والعزائم ويشرع في تخريب العقول.
أنا في حربٍ ضروس مع اليأس، لا أستلطفه ولا يبشُ لرؤيتي! ولذلك فإنني لا اسمح له باختراق مجال تواجدي
قبل أن تُكْمِل هذا المقال، اسمح لي أن أذيع عليك سرًا؛ فأنا نيتي مُعلنة ولا أخجل من ذلك قيد أُنمُلة، هذا السر مفاده أنني: رجلٌ في حربٍ ضروس مع اليأس، لا أستلطفه ولا يبشُ لرؤيتي! ولذلك فإنني لا اسمح له باختراق مجال تواجدي، وإن كنت تسعى للنجاح في أيٍ من أمورالحياة؛ فكن على ثقة من أن اليأس هو عدوك الأول في بلوغ هدفك، ولا تحاول إيهام نفسك أنك ضعيفٌ أمام سطوة الظروف وصولتها؛ وتذكر جيدًا: أنت أقوى من الأيام، هذه حقيقة وليست مبالغة -كمبالغة صديقي صاحب هموم أمريكا اللاتينية- ويجب السعي بموجبها؛ لتصل للنجاح الذي تتوق إليه نفسك.
ولأقطع عليك هاجس العودة لكهف السلبيات، ولأنقلك سريعًا لأهمية أن تقاتل لتحقق الفوز في معركة الحياة، سأطوف معك حول العالم في جولة تتعرف من خلالها على قوتك التي تغض طرفك عنها بطيبِ خاطر، ولنرى إن كنت قادرًا على الفوز أم أنك غير جدير بذلك. ولنفترض أن فكرةً سلبيةً واحدة تمثلُ خلية بكتيرية، والبكتريا كما هو معلوم سريعة التكاثر، وعليه فإن حجم الأفكار السلبية التي تسيطر على الإنسان قد تدمره في لحظات، ويكفي أن نقول هنا بأن حجم البكتريا على جسم الإنسان يفوق حجم البشر على سطح الأرض!! الأفكار السلبية كالبكتريا الضارة، ويجب مقاومتها فورًا ودون تراخي، وتجمُّع الأفكار السلبية مع بعضها البعض يضاهي تجمُّع البكتريا في مستعمرات كبيرة تُسمى الأغشية الحيوية Biofilms وخطورة الأغشية الحيوية يأتي من قدرتها على مقاومة المطهرات الكيميائية والمضادات الحيوية. انتبه للفكرة السلبية؛ فإن تجمعت عليك فكرة سلبية بعد أخرى أدى ذلك لتكوين حائط منيع من الأفكار السلبية يسعى لحجزك في دائرة اليأس والضياع، وباستطاعتك دحر الفكرة السلبية بمجرد وصولها إليك وعدم السماح لها بالتلاعب بك.
هل أنت أقل إرادةً وحزمًا من الطحالب؟! لا تحاول إقناعي بذلك تحت أي منطلق؛ تسعى البكتريا لتدمير نفسية الطحالب والقضاء عليها، والطحالب لا تعرف الاستسلام ولا تقبل العبث بمستقبلها، فهل تكون أنت أقل إصرارًا من طحلب؟
يمثل أحد أجناس الطحالب الحمراء والمعروفة بالأعشاب البحرية الحمراء من جنس ديليسيا واسمه العلمى Delisea pulchra نموذجًا لفهم قوة الإرادة والإصرار على المعيشة رغم وجود العقبات القوية؛ فتنتج الطحالب مواد كيميائية تدعى “فيورانونات Furanones” تعمل كمضادات طبيعية للبكتريا الضارة. تقوم الطحالب الحمراء بتمرير الفيورانونات إلى سطح الماء بمعدل يسمح بالتحكم في تواجد المستعمرات البكتيرية؛ مما يجعل من تلك المواد كوابح للبكتريا والأغشية الحيوية. لذا عليك المثابرة وعدم الرضوخ للأفكار السلبية مهما ارتفعت أصواتها، فأنت أقوى من الأفكار السلبية، ولا تظن أن الطريق المجرَّب السهل هو الأفضل دائمًا.
الإنسان أقوى من الظروف، وأقوى من الظلم والاستبداد وكافة صنوف التفكير السلبي
ولنخرج من أعماق البحار والمحيطات، ولننطلق إلى معسكرات الاعتقال النازية لتقف بنفسك على أهمية أن تمتلك أفكارًا إيجابية، وضرورة أن تغرِس في نفوس كُلِّ من حولِك أفكارًا إيجابية. قد تصرخ في وجهي: تمهل!! دلفتُ معك لأعماق البحار وقلتُ لنفسي: هي مغامرة شيقة! ولكن أن تأخذني من يدي إلى معسكرات الاعتقال، أجُنِنت يا هذا؟ حسنًا؛ لنمر سريعًا على هذا المكان واعقد مقارنة بين مآلات الأفكار السلبية وبين منارات الأفكار الإيجابية، وهي أيضًا مغامرة شيقة. في معسكرات الاعتقال النازية سنمر على شخصيتين؛ ومن مفارقات القدر التي لا تنقضي أنهما طبيبان، ومع ذلك يختلف تَّوَجُّه الرجلين بكل ما تحمله اللفظة من دلالات.
الطبيب الأول يدعى جوزيف مينجل Josef Mengele واشتُهِر لاحقًا بملك الموت أذ كان يُجري تجاربه على السجناء بما فيهم الأطفال دون شفقةٍ أو رأفة وربما تلذذ بتعذيبهم، كان يرسم خطوطًا على الحائط ويأمر السجناء بالوقوف تحته، ومن يصل ارتفاعه للخط كان مصيره الموت حرقًا. وفي أحد الأيام نقل له الجنود خبر تفشي القُمّل في عنبر السجينات، فأمر بإعدام السجينات وعددهن 750 امرأة. كان مينجل يرسل الأعداد الغفيرة لغرف الغاز للإعدام دون هوادة، لقد دمر مينجل أرواح الكثيرين ولم يأبه بذلك.
على النقيض كان الطبيب الثاني والمتواجد في معكسرات الاعتقال والإبادة النازية واسمه فيكتور فرانكل الطبيب النفسي الذي تتلمذ على يد سيجموند فرويد، وقد أودِع المعسكر لأصوله اليهودية وذاق بها الأمرين، وبينما كان مينجل يمتلك القرار بإزهاق الأرواح؛ فإن فرانكل لم يكن له من الأمر شيء ومع ذلك قرر فرانكل أن يضع حدًا للسلبية التي تسيطر على المكان، رأى فرانكل العديد من المعتقلين يطلقون سيقانهم للريح، ليرتمي أحدهم على الأسلام الشائكة المكهربة حول المعسكر، كانوا يهرولون نحوها هربًا من بشاعة المعتقل وشدة التعذيب، لقد كانت مشاهد يذوب لها وجه الإنسانية خجلًا، ولكن هل استسلم فرانكل؟
ليس هناك متعة في القتال، وإنما المتعة كلها في الفوز؛ ولتفوز في الحياة يجب عليك امتلاك مقومات الفوز. مقومات الفوز والنجاح توجد في عقلك
أدرك فرانكل أن الإنسان أقوى من الظروف، وأقوى من الظلم والاستبداد وكافة صنوف التفكير السلبي. وبمهارته كطبيب نفسي وجد أن إقدام المعتقلين على الاستسلام للموت طواعيةً يعود لفكرة أو مجموعة أفكار سلبية سيطرت عليهم، وأنه مهما كانت بشاعة الموقف إلا أن التَّوَجُّه الذهني الإيجابي قادرٌ على محقِ هذه الأفكار ودحضها. لقد أنقذ فرانكل شخصين من براثن الاستسلام لليأس والانتحار، ثم خرج من المعتقل ليواصل انتشال اليائسين في معركة الحياة، وقد سطَّر ذلك في كتابه “الإنسان يبحث عن معنى”. أسمعُك تقول: هل أنت جاد؟ أنقذ فرانكل شخصين؟ شخصين من بين كم نفسٍ في هذا المعتقل؟ وأنا أقول لك: وما هي الظروف التي مررت بها قبلًا أو تمر بها الآن وتساوي في بشاعتها معتقل الاعتقال والإبادة النازي.
ليس هناك متعة في القتال، وإنما المتعة كلها في الفوز؛ ولتفوز في الحياة يجب عليك امتلاك مقومات الفوز. مقومات الفوز والنجاح توجد في عقلك، مقومات الفوز والنجاح هي أفكارك الإيجابية. النجاح ليس له أسرار، عليك فقط بالتفكير بإيجابية مهما كانت الطريق حالكًا وشائِكًا، ولا تجعل العوائق توقف مسيرة نجاحك.