ترجمة وتحرير نون بوست
ما نعرفه هو أن الأردن أفلت. نقطة، من أول السطر! بالنسبة لإجابات الأسئلة لماذا وكيف خرجت البلاد “سالمة” من الربيع العربي، فهناك نظريات لا تُعد ولا تحصى بخصوص هذا الأمر: بداية من “نضج” الشعب الأردني، والدعم المالي الغربي، وإدارة الأمم المتحدة ومراقبتها لتدفق اللاجئين السوريين، وأخيرا وليس آخرا، سيطرة السلطات على الإنترنت في المملكة.
يمكن القول إن جميع تلك الأسباب ساعدت البلد الصغير على التهرب من الوعد بالتغيير، أو التهديد به، الذي كان يتوقع الجميع أن يحدث في نهاية المطاف على الرغم من مقاومة النظام لأي تغيير داخلي. لكن بدلا من ذلك التغيير، حصلنا على الاستقرار!
كان ثمن الاستقرار هو ما يمكن وصفه “استمرارية الإبقاء على الوضع الراهن”، واستمرار سيطرة الجهاز الأمني على مقدرات الأمور وإحكام قبضته على الحكومة.
هناك حادثة حدثت مؤخرا في الأردن، موسيقي أردني شاب كان يعزف مع فرقته في مسرح ما، وبين إحدى أغانيه والأخرى ألقى نكتة ساخرة عن تعامل الحكومة مع العاصفة الثلجية التي هبت مؤخرا على المملكة. حارس أمن في المسرح المملوك للدولة شعر بالإهانة، تبادلا كلمات ثم تبادلا الشجار، ثم أحضر الحارس تعزيزات للتعامل مع الموسيقي الشاب.
المئات طالبوا باستقالة مدير المسرح، لكن لا أحد يتوقع أن تتم إقالة الرجل والجميع متأكدون أنه سيفلت من العقاب.
الحادثة، ورغم أن الشباب يستمرون في المطالبة في إقالة مدير المسرح عبدالهادي راجي المجالي، وهو كاتب معروف، استُخدمت كمثال لتحذير الشباب بشكل عام من عبور ذلك الخط غير المرئي من انتقاد السلطة حتى لو عن طريق المزاح.
كما أن القصة تثبت أيضا الشعور بالضيق لدى الشباب من المسؤولين ذوي العلاقات الوثيقة أو المصالح المشتركة مع النظام ما يجعلهم يتمتعون بالقدرة على الإقلات من العقاب، الحكومة التي تتشدق دوما بالإصلاح، أكدت بسياساتها استمرار الأساليب القمعية القديمة.
هذه الحادثة وحوادث مشابهة كثيرة لا تعني أنه لا توجد عواقب لسوء الإدارة في الأردن، ففي حين أن المسؤولين قد يكونوا قادرين على الهروب من الإجراءات العقابية التي قد تُتخذ ضدهم في القضاء، لكن في محكمة الرأي العام، وعند المواطنين العاديين، ووسائط الإعلام الاجتماعي والجمعيات والنقابات المهنية والناشطين السياسيين يختلف الأمر!
الأدوات القانونية أو القوانين الفزاعة كما يحب بعض المحللين أن يسميها متوفرة بكثرة لضمان إعادة أي شخص يحلق بفكره بعيدا في نقد الحكومة، إعادته إلى أرض الواقع من جديد.
من بين أهم تلك الأدوات هو قانون الصحافة والمطبوعات، الذي سمح للحكومة الأردن بإغلاق أكثر من 200 موقع إخباري ادعوا أنهم لم يكونوا مسجلين بشكل صحيح.
حينها أدرك النشطاء أن الصنبور يمكن أن يُغلق في أي وقت، ورغم شعورهم بحرية “الفضاء الإلكتروني”، إلا أنهم أدركوا أن تلك المساحة من الحرية في يد السلطة أيضا.
الحكومة استخدمت كذلك محاكم أمن الدولة لمحاكمة المدنيين المشاركين في احتجاجات سلمية، وقامت السلطات باعتقال المئات من بينهم شاب أحرق ملصقا للملك عام 2012 و 13 ناشطا آخرين اتُهموا بإهانة الملك و 100 آخرين جُلبوا إلى محاكم أمن الدولة بدون الحق في استئناف الحكم أو الطعن عليه.
في الأردن، تسيطر السلطة على المشهد بمهارة شديدة إذا عبر عدة تكتيكات:
- الجهاز الأمني الذي يحمل مفاتيح كل شيء في الدولة
- الحكومة التي تستطيع تحريك الناس وإدارة توجهاتهم عن طريق وسائل الإعلام التي تسير كلها في اتجاه واحد
- تكتيكات الفزع التي تذكر الناس بمخاطر الخروج عن الخط المرسوم مسبقا
خلاصة القول أن سكان الأردن صامتون بشكل مشروط لحماية الوضع القائم الذي يشعرون فيه بالاستقرار خوفا من المجهول وعدم الاستقرار الذي قد يترتب على غضبهم.
ويمكن القول كذلك إن الأردن لم يكن أبدا بمعزل عن الدم الذي يحيط به في مصر وسوريا ولبنان والعراق! لكنه استغل تلك الفوضى الإقليمية لضمان استقراره.