قرر البنك المركزي المصري أمس الأحد رفع سعر الفائدة الرئيسية بواقع 200 نقطة أساس أي بنسبة 2%، وهو ما جاء مناقضًا لتوقعات المحللين الاقتصاديين ومفاجئًا للسوق في الوقت نفسه، إذ إن معظم إن لم تكن كل التوقعات أشارت إلى إبقاء المركزي على سعر الفائدة، فيما توقع البعض أن يرفعها المركزي بواقع 50 نقطة أساس على الأكثر، وأشار البنك المركزي أن هذه الرفعة لكبح جماح معدل التضخم وتعزيز معدلات النمو الاقتصادي.
رفع الفائدة 2% دفعة واحدة
زاد البنك المركزي المصري خلال اجتماع للجنة السياسة النقدية التابعة له سعر الفائدة على الودائع لأجل ليلة واحدة إلى 16.75% من 14.75% ورفع سعر فائدة الإقراض لليلة واحدة إلى 17.75% من 15.75% وتعتبر هذه الزيادة الأولى بعد رفع الفائدة 300 نقطة أساس أي 3% بعد تعويم الجنيه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
حسب محللين فإن ما قام به البنك المركزي من رفع سعر الفائدة يأتي بهدف احتواء معدل التضخم الذي قفز معدله السنوي في المدن إلى أعلى مستوى له في ثلاثة عقود بعد تعويم الجنيه وسجل 31.5% في أبريل/نيسان، فبعد تأكد المركزي أن السياسات الحكومية الحالية لن تخفض معدل التضخم، لجأ لآليات وأدوات السياسة النقدية، والتي من أبرزها زيادة سعر الفائدة بهدف سحب السيولة الزائدة من السوق، والتي ستعمل على خفض معدلات السيولة النقدية وتقليص الطلب على السلع.
رفع الفائدة على الإيداع والاقتراض في مصر بالوضع الحالي يقضي على الاستثمارات
وكان معدل التضخم بدأ رحلة ارتفاع لم تتوقف حتى الآن بعد تحرير سعر صرف الجنيه في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي الذي أفقد الجنيه نحو نصف قيمته ليستقر عند نحو 18 جنيهًا للدولار مؤخرًا، وعقب رفع الفائدة أعلن البنك المركزي في بيان له “يتم استخدام أدوات السياسة النقدية للسيطرة على توقعات التضخم واحتواء الضغوط التضخمية والآثار الثانوية لصدمات العرض التي قد تؤدى إلى انحراف عن معدلات التضخم المستهدفة”.
ويستهدف البنك المركزي، الوصول بمعدل التضخم العام السنوي إلى مستوى 13% في الربع الأخير من عام 2018، فيما أسهمت سياسات البنك المركزي المتبعة بزيادة أسعار الفائدة بنحو 3%، في امتصاص فائض السيولة قصيرة الأجل وتحسن التضخم الشهري، ومن أجل تحقيق أهداف المركزي لخفض التضخم، قرر المركزي زيادة أخرى في أسعار الفائدة الأساسية للبنك، في خطوة من شأنها احتواء الضغوط التضخمية والآثار الثانوية لصدمات العرض، التي قد تؤدي لانحراف معدلات التضخم المستهدفة.
الموجة التضخمية ليست مدفوعة بالطلب المتزايد على السوق، ولكنها ناجمة عن زيادة مفاجئة في التكاليف
لكن اقتصاديين رأوا أن ارتفاعات الأسعار المرتبطة بصدمات غير متكررة مثل تعويم العملة، لا يمكن تصحيحها برفع أسعار الفائدة الذي قد يضعف النمو الاقتصادي عن طريق تقليص الاستثمارات الجديدة، وكان القرار صادمًا للأسواق المالية والمحللين، فـ13 خبيرًا من بين 14 خبيرًا اقتصاديًا استطلعت رويترز آراءهم الأسبوع الماضي توقعوا أن يُبقي البنك على أسعار الفائدة دون تغيير وتوقع اقتصادي واحد رفع السعر 50 نقطة أساس.
وحسب المحللين، فإن سلاح رفع سعر الفائدة لم يعد العلاج الناجح لاحتواء التضخم، ذلك لأن التضخم القائم يأتي بسبب زيادة تكلفة الاستيراد من الخارج، وزيادة سعر الدولار مقابل الجنيه، ورفع الحكومة أسعار المنتجات البترولية، وليس بسبب زيادة السيولة النقدية، أما عن تداعيات قرار البنك المركزي، فأكد عاملون في البنوك المصرية، أن له تأثيرات كبيرة على عجز الموازنة العامة وزيادة الدين العام الحكومي، والتأثير سلبًا على مناخ الاستثمار ورفع تكلفة الأموال.
وقالت مذكرة بحثية من أرقام كابيتال “نعتقد أن رفع أسعار الفائدة الرئيسية للبنك المركزي المصري قد لا يكون الأداة المناسبة لكبح التضخم إذ سيجعل الاستثمار غير منطقي عند مثل هذه التكلفة المرتفعة لأسعار الدين”، ولا يتوقع الاقتصاديون خفض أسعار الفائدة في المستقبل إلا بعد تراجع التضخم وربما بعد تطبيق زيادات أخرى في أسعار الطاقة وإجراء المزيد من التغييرات في السياسة الاقتصادية.
رفع الفائدة في مصر سيحدث ركودًا في الأسواق نظرًا للاتجاه إلى الادخار بالبنوك بفائدة مرتفعة دون مخاطر
وكانت وكالة بلومبيرغ الاقتصادية ذكرت أيضًا أن 6 من كل 7 اقتصاديين يتوقعون أن يحافظ البنك المركزي على سعر الفائدة الأساسي عند 14.75%، وبهذا خالف قرار المركزي توقعات المحللين والوكالات الاقتصادية كافة.
ولا يعد قرار تعويم الجنيه نابعًا من رغبة المركزي نفسه بل كان ضمن روشتة من الإصلاحات الاقتصادية قدمها صندوق النقد الدولي لمصر مقابل الحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، وتشمل الإصلاحات أيضًا رفع أسعار الطاقة ورفع الدعم عن السلع والخدمات وفرض ضرائب جديدة من بينها ضريبة القيمة المضافة، وبالمحصلة فإن قرارات المركزي تخضع لضغط كبير من صندوق النقد الدولي لتنفيذ روشتة الإصلاحات وإلا لن تحصل على المبالغ المتبقية من القرض.
حيث سبق لكريس جارفيس رئيس بعثة صندوق النقد لدى مصر تشديده في تصريحات تليفزيونية الأسبوع الماضي على ضرورة كبح التضخم قائلاً “هناك الكثير من الآليات التي يمكن للبنك المركزي المصري أن يستخدمها.. يأتي سعر الفائدة كأحد هذه الأدوات”.
تداعيات رفع الفائدة
يؤدي ارتفاع سعر الفائدة في الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه مصر إلى صعوبة التنسيق بين مكونات السياسة الاقتصادية، فالسياسة المالية تعاني من ارتفاع قيمة الدين العام وزيادة أعبائه، والسياسة الاستثمارية تعاني من ضعف الإنتاح وتراجع معدلاته، والسياسة التجارية تعاني من تراجع معدلات التصدير، وسياسة التوظيف تعاني من ارتفاع معدلات البطالة، والسياسة الاجتماعية تواجه شبح الفقر.
ارتفاع سعر الفائدة في مصر لا يصب في صالح المنتجين المحليين
وفي السياق أكد خبراء أن رفع أسعار الفائدة في هذا التوقيت، دعوة للمستثمرين لتحويل جزء من استثماراتهم إلى أوعية ذات دخل ثابت، مما سيؤثر على حجم الاستثمارات بالسوق المصري، كما أن هذا القرار سيؤثر على البورصة بشكل سلبي، وقد ينشأ عنه موجات بيعية لتسييل أجزاء من الاستثمارات بالبورصة، خلال الفترة القصيرة المقبلة، فرفع الفائدة على الإيداع والاقتراض يقضي على الاستثمارات، فضلاً عن تأثيره السلبي على المؤشرات الاقتصادية كافة، مما يتسبب في ركود كل القطاعات كالبورصة والاستثمار العقاري وغيرها.
ورأى البعض أن رفع الفائدة، سيحدث ركودًا في الأسواق نظرًا للاتجاه إلى الادخار بالبنوك بفائدة مرتفعة دون مخاطر، وهذا يخالف هدف البنك المركزي الذي يهدف إلى رفع معدلات النمو وتحقيق التشغيل العام.
ولفت محللون أنه من الواضح أن هذه الموجة التضخمية ليست مدفوعة بالطلب المتزايد على السوق، ولكنها ناجمة عن زيادة مفاجئة في التكاليف، وهذا يعني أن ارتفاع أسعار الفائدة لن يفعل شيئًا يُذكر لاحتواء تلك الموجة، ورأى خبير الاقتصاد عبد الحافظ الصاوي نه في ظل الأوضاع الحالية بمصر، فإن ارتفاع سعر الفائدة لا يصب في صالح المنتجين المحليين، خاصة أن الحكومة تستهدف ترشيد الاستيراد، واتباع سياسة إحلال الصادرات محل الواردات.
يدفع ارتفاع سعر الفائدة إلى زيادة فاتورة أعباء الدين العام، مما يقلص من حرية الحركة لصانع السياسة المالية
وأضاف الصاوي ولكن وصول أسعار الفائدة لتقترب من 16% بالبنوك، يجعل تكلفة التمويل أحد معوقات ممارسة النشاط الإنتاجي، والمنافسة في السوق المحلية، فضلًا عن العجز عن المنافسة في السوق الدولية.
كذلك يدفع ارتفاع سعر الفائدة إلى زيادة فاتورة أعباء الدين العام، مما يقلص من حرية الحركة لصانع السياسة المالية، فيما يخص تخصيص الإنفاق العام لتلبية القصور الشديد في المرافق والبنية الأساسية، وكذلك زيادة مخصصات التعليم والصحة، كما يحد من زيادة حجم الاستثمارات العامة بالموازنة، والتي تقلصت بشكل كبير، حيث لا تزيد مخصصات الاستثمارات العامة بالموازنة على 8–9% سنويًا، وبشكل عام، لا تذهب المخصصات الكافية للصيانة مما يعرض الكثير من الأصول الرأسمالية للدولة المصرية للإتلاف وقصر عمرها الافتراضي بحسب مصادر إعلامية.
ماذا يعني سعر الفائدة؟
سعر الفائدة أداة رئيسية للبنوك المركزية لضبط السياسة النقدية للبلاد، والمقصود بها تحديد “سعر الأموال”، فالفائدة عبارة عن تأمين لعدم رد الأموال إذا اقترضها شخص أو شركة ويتحدد هذا التأمين بنسبة الفائدة.
تحدد البنوك المركزية سعر الفائدة الأساسية، وهو كلفة الاقتراض ما بين البنوك، وتقوم البنوك والمؤسسات المالية بتحديد سعر فائدة على القروض والمدخرات استنادًا إلى سعر الفائدة الأساسية هذا.
يرفع البنك المركزي الفائدة عندما ترتفع نسبة التضخم في الاقتصاد، وبالتالي يجعل سعر الأموال غاليًا فيتراجع الاقتراض للأشخاص والأعمال ويقل الإنفاق والطلب على الاستهلاك فينخفض التضخم، ويخفض البنك المركزي الفائدة في حالة الركود الاقتصادي فيجعل سعر الأموال رخيصًا فيزيد الاقتراض وبالتالي الإنفاق الاستهلاكي وينتعش الاقتصاد فيخرج من الركود.
عند رفع سعر الفائدة يصبح الاقتراض مكلفًا، فتخفض الأعمال استثماراتها ويقلل الأفراد من إنفاقهم الاستهلاكي، فمثلا يصبح قرض السيارة أو البيت أغلى أقساطًا فيتردد الفرد في الشراء، ويصبح تمويل المشروعات أعلى كلفة فتقلل الأعمال الأجور والوظائف، والعكس صحيح عند خفض أسعار الفائدة، ومن التأثيرات غير المباشرة أن رفع الفائدة يؤدي إلى ارتفاع سعر صرف العملة المحلية، مما يؤثر على اتجاه المستثمرين بعيدًا عن أسواق الأسهم والسلع إلى أسواق العملات، والعكس صحيح أيضًا.