ترجمة وتحرير: نون بوست
حصل روحاني، بصفته المبعوث النووي الإيراني، على لقب “الشيخ الدبلوماسي” عندما توصل المفاوضون سنة 2004 إلى اتفاق يفضي بوقف إيران لمخطط تخصيب اليورانيوم. وبعد مرور أكثر من 10 سنوات، سيضطر روحاني، كرئيس للمرة الثانية، للتفاوض مع القوى العالمية من أجل الحد مرة أخرى من برنامج إيران النووي، مما يظهر براغماتية رجل الدين في الانخراط ببطء مع الغرب.
في الواقع، لا يمثل البرنامج النووي المتنازع عليه إلا جزءا واحدا من الإنجازات التي حققها الرئيس البالغ من العمر 68 عاما، والذي فاز يوم السبت بولاية ثانية. ولقد عارض روحاني حكم الشاه الإيراني وسيطرة حاشية مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني، على مناصب الدفاع الحساسة خلال حرب 1980 طويلة الأمد مع العراق. وعلى ضوء هذه المعطيات، تدعي حاشية مؤسس الجمهورية الإسلامية أن روحاني آنذاك خدم مع لجنة استهدفت معارضي الحكومة في الخارج.
على الرغم من انفتاح روحاني على العالم، إلا أنه يبقى جزءا لا يتجزأ من هيكل السلطة المضيق التي يحكمها رجال الدين. من جانب آخر، لم يتمكن روحاني خلال فترة ولايته من إحداث تغييرات جذرية واسعة النطاق في البلاد، إلا أنه ما فتئ يوجه انتقادات لاذعة للمتشددين، مما يدل على رغبته في تحقيق التوازن بين مختلف القوى المتنافسة داخل إيران. وخير شاهد على ذلك، التصريح الذي أدلى به خلال حملته الرئاسية الأولى في سنة 2013، “لقد قلت سابقا أنه من الجيد أن يظل جهاز الطرد المركزي يعمل ولكن من المهم أيضا أن تعمل البلاد وأن تدور عجلة الصناعة”.
في صغره، التحق روحاني بالمدرسة الفقهية وسرعان ما وقع هناك تحت تأثير الخميني، حيث أصبح في سن السادسة عشر، المتحدث باسم رجل الدين المنفي
عموما، ولد روحاني في 12 من تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 1948، في بلدة سرخه، وهي بلدة صغيرة تقع في مقاطعة سمنان شمالي إيران. كان والده، الذي ساند العائلة الشيعية من خلال الأرباح التي يكسبها من متجر التوابل الصغير الذي يملكه، أول من ذهب من أهل بلدته لأداء مناسك الحج، وهي فريضة يؤديها كل مسلم مرة واحدة في حياته إن استطاع إليه سبيلا.
في صغره، التحق روحاني بالمدرسة الفقهية وسرعان ما وقع هناك تحت تأثير الخميني، حيث أصبح في سن السادسة عشر، المتحدث باسم رجل الدين المنفي. ثم قرر روحاني الالتحاق بكلية الحقوق بجامعة طهران، ليسافر فيما بعد إلى المملكة المتحدة ويعيش فترة لا بأس بها في لندن قبل أن يعود إلى إيران، ويُحكم قبضته على الثورة الإسلامية لخميني. عقب ذلك، تقلد روحاني العديد من المناصب الحكومية، حيث تولى منصب المُشرّع، وأشرف على إعادة تنظيم الجيش، وإدارة هيئة إذاعة جمهورية إيران الإسلامية، كما يعتبر بوقا لقيم الخميني.
خلال حرب العراق وإيران، التي اندلعت سنة 1980، شغل روحاني عدة مناصب في الدفاع، بما في ذلك منصب رئيس قيادة الدفاع الجوي الإيراني. وانضم بعد ذلك إلى المجلس الأعلى للأمن القومي، وهي هيئة قوية تُشرف على قضايا الدفاع والأمن، وتقدم تقارير مباشرة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي. كما عمل روحاني مستشارا للأمن القومي للرئيس أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي يحاكي موقفه الحقيقي تجاه العالم موقف روحاني في الوقت الراهن.
في تلك الفترة، زعمت منظمات حقوقية أن روحاني خدم في لجنة خارج الدستور، التي تُتهم بالتخطيط لاغتيال المعارضين والمنفيين في الخارج. آنذاك، ذكر روحاني لصحيفة إيرانية أن البلاد “لن تتردد في تدمير أنشطة الجماعات المعادية للثورة في الخارج”، ولكنه لم يتطرق بشكل مباشر إلى تلك الادعاءات.
سنة 2002، وصف الرئيس الأمريكي، جورج بوش إيران بأنها “محور الشر” تزامنا مع كشف حركة مجاهدي خلق الإيرانية عن تفاصيل البرنامج النووي الإيراني. وسرعان ما أصبح روحاني أكبر مفاوض نووي في إيران بفضل توصله إلى اتفاق مع الدول الأوروبية لتعليق تخصيب اليورانيوم.
في المقابل، أدخل انتخاب الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد هذه المفاوضات في حالة من الفوضى، وبعد حوار عقيم تتعدد فيه الأخذ والرّد، قرر روحاني الاستقالة من منصبه كمفاوض. لذلك، استأنف أحمدي نجاد البرنامج بمفرده مما أدى إلى تسليط سلسلة من العقوبات الدولية على طهران.
وفي ظل تدهور سير المفاوضات، اغتنم روحاني هذه الفرصة. وفي أيلول/ سبتمبر 2013، جمعت مكالمة هاتفية بين روحاني وأوباما، وهو أعلى مستوى تبادل بين البلدين منذ أن تم الاستيلاء على السفارة الأمريكية سنة 1979 وأزمة الرهائن في طهران
في الواقع، بعد أن منعت السلطات رفسنجاني من الترشح للرئاسة في سنة 2013، أصبح روحاني مُمثله، وسجل انتصارا في الجولة الأولى. وقد وصل إلى منصبه في لحظة ميمونة، حيث وافق الرئيس الأمريكي باراك أوباما على إجراء محادثات سرية مع المسؤولين الإيرانيين في عمان لمعرفة ما إذا كانت المفاوضات ممكنة.
وفي ظل تدهور سير المفاوضات، اغتنم روحاني هذه الفرصة. وفي أيلول/ سبتمبر 2013، جمعت مكالمة هاتفية بين روحاني وأوباما، وهو أعلى مستوى تبادل بين البلدين منذ أن تم الاستيلاء على السفارة الأمريكية سنة 1979 وأزمة الرهائن في طهران. بحلول سنة 2015، استطاع روحاني التوصل إلى اتفاق مع القوى العالمية. وفي حديثه في وقت لاحق من ذلك العام في الأمم المتحدة، قال روحاني إنه يرى أن الصفقة “ليست الهدف النهائي وإنما يمكن أن تمثل أساسا لمزيد من الإنجازات القادمة”.
علاوة على ذلك، قال روحاني، “أقول لجميع الدول والحكومات: لن ننسى الماضي لكننا لا نرغب في العيش فيه، كما لن ننسى الحرب والعقوبات لكننا نتطلع إلى السلام والتنمية”. وبالتالي، أدى الاتفاق النووي إلى توقيع شركة إيرباص وشركة “بوينغ”، ومقرها واشنطن، صفقات طائرات بقيمة مليارات الدولارات مع إيران، وإرسال النفط الخام الإيراني إلى العديد من الأسواق. بيد أن ضعف الاقتصاد الإيراني وارتفاع معدلات البطالة ظلت على حالها وذلك يوعز إلى خوف الشركات الأجنبية من دخول إيران.
وفي الوقت نفسه، واصل المتشددون والحرس الثوري، من خلال حملة اعتقال شرسة طالت المواطنين حاملي الجنسية المزدوجة، استهداف الأصوات المعارضة من الفنانين والصحفيين وغيرهم. بالإضافة إلى تلك التحركات، أطلق الحرس الثوري صواريخ باليستية باتجاه إسرائيل، التي كُتب على اثنين منها باللغة العبرية “إسرائيل يجب أن تمحى”.
كانت البراغماتية بمثابة طريقة حياة روحاني، إذ أنه خدم كجندي عسكري تحت الشاه رغم معارضته له
خلال حملة إعادة انتخابه، بدأ روحاني ينتقد المتشددين في خطاباته بلهجة أكثر حدة مما كان عليه في فترة ولايته الأولى. والجدير بالذكر أن الحشود التي خرجت في مسيرات “التحرك الأخضر” سنة 2009 التي تحدّت إعادة انتخاب أحمدي نجاد، طالبت بإطلاق سراح القادة المحتجزين. ومن بين الوعود التي قطعها روحاني آنذاك؛ إطلاق سراحهم فور فوزه في الانتخابات لكنه لم يفِ بوعوده إلى الآن.
في الحقيقة، كانت البراغماتية بمثابة طريقة حياة روحاني، إذ أنه خدم كجندي عسكري تحت الشاه رغم معارضته له. وفي جزء من مذكراته، سرد روحاني قصة تسلله إلى العراق في سن الثامنة عشرة لزيارة الخميني في المنفى. وقد طلب منه الشخص الذي سيتكفل بإدخاله إلى العراق بأن يتظاهر بأنه مختل عقليا، ولم يتوانى روحاني عن الإقدام على هذه الخطوة رغم أن رجال الدين الآخرين ما كانوا ليرضوا بذلك. ولكن روحاني لم يخجل وذكر هذه الحادثة في مذكراته، حيث قال “لقد وصلنا سالمين وهذا كل ما يهمنا”.
المصدر: واشنطن بوست