شرعت هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (İHH) في التجهيز لقافلة مساعدات جديدة لقطاع غزة المنكوب، الذي يشهد عدوانًا وغزوًا إسرائيليًا منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بالتزامن مع جهود دولية لـ”فتح ممرات إنسانية والتوصل إلى هدنة إنسانية في غزة”.
وتتميز هيئة الإغاثة التركية بسمعة عالمية في ضوء أنشطتها المتشعّبة، ودورها في ملف حملة كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، قبل أن تتوسّع أنشطتها في العمل الإنساني الإقليمي والدولي.
وقال إيمره كايا، نائب رئيس الهيئة ومسؤول العلاقات الخارجية، لـ”نون بوست”، إنه “يجري التجهيز للقافلة عبر التعاون مع الهلال الأحمر التركي، حيث يتم بحث الإجراءات اللوجستية المتعلقة بالسفينة، وننتظر منهم خبرًا حول آخر التطورات”.
وأضاف كايا: “هم يقومون الآن بالترتيبات، وينتظرون الإذن من السلطات المصرية، بعدما بادروا بإرسال المستشفى الميداني من تركيا إلى مصر ومنها إلى قطاع غزة، وبصدد حسم ملف إيصال المساعدات المقدمة من الجمعيات التركية”.
ونبّه كايا إلى أن “الهيئة يوجد لديها أنشطة داخل غزة منذ فترة، وأنها توزع سلّات غذائية ووجبات ساخنة ومياهًا للشرب وأدوات نظافة، بالتعاون مع مؤسسات محلية في قطاع غزة، فيما تدخل الشاحنات التركية تباعًا عبر معبر رفح”.
وكشف كايا عن المعاناة التي تواجهها المساعدات التي تدخل قطاع غزة من الجانب الفلسطيني، بسبب “عمليات التفتيش المشددة من القوات الإسرائيلية، عبر العديد من نقاط التفتيش المنتشرة في قطاع غزة”.
يأتي هذا فيما يواصل جيش الاحتلال قصف المدنيين والمدارس والمساجد والكنائس والمستشفيات والجامعات في غزة، وتفاقمت حصيلة الضحايا (تجاوز عدد الشهداء والمصابين الـ 50 ألف شخص) مع تشريد أكثر من مليون و500 ألف بالقطاع.
مظلة شاملة
لا ترتبط جهود هيئة الإغاثة التركية، ككل المنظمات الإغاثية والإنسانية، الرسمية والأهلية، بالعدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة، حيث تقدم منذ سنوات مساعدات للقطاع ضمن جهود الإغاثة الطارئة، مع استمرار أعمالها الخيرية في غزة.
وسبق أن قدمت الهيئة لمستشفيات القطاع الدعم بالأدوية والمعدّات الطبية، إلى جانب توزيع المساعدات والطرود الغذائية، والمساعدات النقدية، والمستلزمات الأساسية، لدعم العوائل المتضررة من الحصار.
وتقدم هيئة الإغاثة الدولية دعمًا لعائلات الأيتام في إطار مشروع الإغاثة التركية، لإضاءة منازل الأيتام في قطاع غزة من خلال معدّات إضاءة وعربات “توك توك”، ضمن خطط مدّ يد العون للمحتاجين.
وتشكّل المساعدات الإنسانية أحد أهم عناصر الدبلوماسية الإنسانية التركية، وفلسطين ضمن الدول الأكثر استفادة من التضامن التركي، عبر تكثيف جهود المؤسسات الحكومية ومنظمات الإغاثة التركية خلال الـ 10 سنوات الماضية.
وتتصدر فلسطين مناطق العالم الأكثر استفادة من المساعدات الإنسانية التركية والإنمائية، والمساعدات الرسمية الثنائية، وتسهم في الجهود نفسها جمعية الهلال الأحمر التركي وجهات أهلية أخرى.
في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، نظّمت الهيئة مسيرة رمزية تضامنية مع قطاع غزة، انطلقت إلى قاعدة إنجرليك التي تضم أفرادًا من القوات الجوية الأمريكية، للفت أنظار العالم إلى عمليات الإبادة الجماعية التي تقوم بها “إسرائيل” في قطاع غزة.
انطلقت المسيرة من منطقة كوجالي بمشاركة آلاف الأشخاص من جميع الأعمار، وتمحورت المطالب حول وقف الحرب على غزة وفتح الممرات الإنسانية وفك الحصار.
🇵🇸
قافلة الحرية من أجل فلسطين قاعدة إنجرليك!https://t.co/HDt0XqxcUJ
— هيئة الإغاثة (@IHHar) November 5, 2023
وأظهرت المسيرة التي نظمتها هيئة الإغاثة التركية، تزايُد المشاعر المعادية للدعم الغربي لـ”إسرائيل” بعد العملية العسكرية الغاشمة ضد قطاع غزة، خاصة مع مشاهد الدمار الشامل في عدة مناطق من القطاع.
جهود ناجحة
في عام 2009، نجحت هيئة الإغاثة التركية في صناعة حالة اصطفاف دولي، عندما انضمّ مئات المتطوعين إلى القافلة التي انطلقت من لندن لكسر الحصار الذي تفرضه “إسرائيل” على فلسطين، حيث دخلت إلى غزة عبر معبر رفح المصري.
ويؤكد رئيس الهيئة، بولنت يلدريم، أنه “وفقًا للاتفاقيات الإنسانية الدولية، لدينا الحق في إرسال سفن إلى مناطق النزاع، وإرسال المساعدات إلى قطاع غزة. لا بدَّ أن يعامَل أهالي غزة بشكل عادل، فهم يدافعون عن حقوقهم المشروعة”.
🇵🇸 نواصل في تقديم المساعدات الغذائية على الأسر المتضررة في قطاع #غزة.
🌐 التبرع الإلكتروني: https://t.co/HeyjebpVDf pic.twitter.com/5AsxgrSRrq
— هيئة الإغاثة (@IHHar) November 12, 2023
ويتابع: “تضع الهيئة بعين الاعتبار الحصار والصعوبات الاقتصادية التي يعانيها الشعب الفلسطيني”، والتي “تفاقمت في ظل الهجمات الإسرائيلية التي تستهدف المناطق السكنية ومخيمات اللاجئين والمستشفيات والمدنيين”.
ويحذّر رئيس الهيئة من “تداعيات تهجير أكثر من مليون و500 ألف شخص من شمال غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتعمد “إسرائيل” تعطيل المرافق والخدمات، لا سيما قطع الكهرباء والاتصالات، وعرقلة الاحتياجات الأساسية خاصة الغذاء”.
ونجحت مظلة الهيئة حتى الآن في “توصيل مظلة الدعم الإنساني لأكثر من 20 ألف شخص في قطاع غزة، وبعدما قصفت “إسرائيل” سيارات الإسعاف لإرهاب سكان غزة، قررنا إرسال سيارات إسعاف تلبية للحاجة العاجلة هناك”.
مجزرة “أسطول الحرية”
تعيد الجهود الإغاثية للهيئة حاليًّا التذكير بما حدث في مايو/ أيار 2010، عندما أرسلت سفينة الإغاثة “مافي مرمرة” التي استهدفتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في منطقة بحر غزة، ما تسبّب في أزمة دبلوماسية استمرت سنوات بين تركيا و”إسرائيل”.
ولم ترسُ السفينة التركية “مافي مرمرة” آنذاك على شواطئ غزة، لكنها رست في قلوب الفلسطينيين الذين ثمّنوا الخطوة الإنسانية التي قامت بها هيئة الإغاثة التركية لكسر الحصار عن غزة، قبل الهجوم الدموي الإسرائيلي.
حينها، لم تستجب السفن المشاركة في “أسطول الحرية” للتهديدات الإسرائيلية، واتجهت إلى ميناء غزة، لكن مع ساعات الفجر قامت قوات بحرية وجوية بإطلاق النار على سفن المتضامنين الدوليين مع القطاع.
وكانت السفينة “مافي مرمرة” التي تقود “أسطول الحرية” المشارك في كسر الحصار الذي تفرضه “إسرائيل” على قطاع غزة، الأكثر تضررًا، بعدما زُعم أنها “دخلت منطقة عسكرية مغلقة”، حيث استشهد 10 أتراك وأُصيب أكثر من 30 آخرين.
ورغم جريمة الاعتداء الإسرائيلية، لم تتوقف محاولات كسر حصار غزة في أعوام 2013 و2015 و2018، بمشاركة ناشطين وإعلاميين وشخصيات عامة، لكن الاحتلال أصرَّ على الحصار الذي يعدّ جريمة حرب.
مسيرة إغاثية
ومنذ تأسيسها عام 1992، تواصل هيئة الإغاثة التركية “العمل في مناطق الحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية حول العالم، لإغاثة الضحايا والمضطهدين، وتقديم المساعدات للمحتاجين والمشردين دون تمييز”.
وتنطلق جهود هيئة الإغاثة التركية (بدأت تطوعية وأصبحت مؤسسة عام 1995) من “مبدأ نشر وحماية حقوق الإنسان وحرياته، وكجسر إنساني بين تركيا وحوالي 123 دولة”، بحسب رئيس الهيئة بولنت يلدريم.
وهيئة الإغاثة التركية أول مؤسسة مدنية تخرق الحصار الذي كان مفروضًا على العاصمة البوسنية سراييفو، خلال الحرب التي شهدتها البلاد، وأول مؤسسة مدنية تدخل قطاع غزة في مارس/ آذار 2008، ونظمت حملات إغاثة لدعم القطاع.
تتعدد أولويات عمل الهيئة من مناطق الحروب والكوارث الطبيعية وتداعياتها إلى المناطق الفقيرة عالميًّا، حيث يتم “تقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين والمضطهدين، وتوفير الحياة الكريمة لهم، ودعم حماية حقوق الإنسان”.
تنسيق دولي
تتبنّى الهيئة “إيجاد الحلول، وبناء مشاريع التنمية المستدامة، ومكافحة الفقر، ونشر العدالة الاجتماعية، مدعومة بعضويتها في المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، والمنتدى الإنساني”، وكيانات أخرى دولية.
وتتسق عمليات الهيئة مع نصوص التشريعات التي تعمل بموجبها الأمم المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لا سيما “تحقيق التعاون الدولي في تنسيق عمليات الإغاثة الإنسانية، المترتبة عن الكوارث الطبيعية أو من صنع الإنسان”.
يتم ذلك تحت إشراف مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) التابع للأمانة العامة للأمم المتحدة، كونه المسؤول عن تنسيق الاستجابة لحالات الطوارئ من خلال الوكالات المعنية، عبر الاستجابة السريعة في الأزمات.
وتتعدد كيانات الأمم المتحدة المسؤولة بشكل أساسي عن تقديم المساعدات الإنسانية، منها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ووكالة الأمم المتحدة للاجئين، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة، وبرنامج الغذاء العالمي، ومنظمة الصحة العالمية.
وينبّه بولنت يلدريم إلى أن “الرئيس رجب طيب أردوغان يبذل جهودًا كبيرة من أجل غزة، لكننا نطالبه بالمزيد من الدعم وأوجُه المساعدة. لا بدَّ من سرعة فتح ممر دائم لإيصال مواد الإغاثة الإنسانية إلى أهالي القطاع، حتى ولو بالقوة الدولية”.
دعم رسمي
وصلت سفينة مساعدات تركية تحمل مستشفيات ميدانية لقطاع غزة إلى ميناء العريش المصري، وأكدت وزارة الصحة التركية أن “السفينة تحمل معدّات وتجهيزات وسيارات إسعاف لإقامة 8 مستشفيات ميدانية”.
وتواصل تركيا إرسال مئات الأطنان من المساعدات إلى مطار العريش المصري، تمهيدًا لدخولها غزة من خلال “التعاون مع الأشقاء المصريين” وفق تأكيدات أردوغان، مع “التحضيرات لإرسال سفينتَي مساعدات إنسانية إلى المنطقة”.
وعززت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التنسيق التركي المصري، سواء على الصعيد الدبلوماسي (وزير الخارجية هاكان فيدان، ونظيره المصري سامح شكري) أو على مستوى القيادة السياسية (أردوغان، ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي).
وأصبحت هناك عدة خطوط لبحث ملف “إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وضرورة الوقف الفوري للقصف المستمر والعمليات العسكرية في قطاع غزة، لتجنُّب تعريض المدنيين للمزيد من المخاطر وإزهاق الأرواح”.
وأشاد أردوغان، خلال قمة الرياض، بالدور المصري في دعم قطاع غزة، ما يشير إلى جهود أكثر فاعلية بحكم علاقة القاهرة وأنقرة الاستراتيجية شرقًا وغربًا، في مواجهة مخطط “إسرائيل” لترحيل 2 مليون فلسطيني من قطاع غزة.
ومع بدء العدوان على غزة، أكّدت تركيا دعمها السياسي والإنساني للفلسطينيين عامة وسكان القطاع بشكل خاص، وأعلنت وزارة الصحة التركية نيّتها إنشاء 20 مستشفى ميدانيًّا، وإرسال مستشفى عائم، و40 سيارة إسعاف ومستلزمات طبية للقطاع.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية، زكي آكتورك، إن “القوات التركية مستعدة للمشاركة في عمليات إيصال المساعدات الإنسانية والإجلاء، في ضوء خبرتها في مجالَي الإخلاء والدعم الصحي”.
وتواصل أنقرة نقل مئات المرضى، لا سيما مصابو السرطان، عبر معبر رفح المصري، إلى تركيا لتلقّي الرعاية اللازمة، فيما تعمل طواقم تركية في الميدان لتقديم يد العون لأهالي غزة، جرّاء الظروف المعيشية الصعبة هناك.