أكثر من ست سنوات ونصف على الثورة التونسية، ولم تكد الاحتجاجات تتوقف يومًا في مختلف مناطق البلاد للمطالبة بالتشغيل والتنمية وتحسين ظروف عيش المواطنين التي ما انفكت تتراجع، والمطالبة بحق بعض الجهات في ثروات بلادهم “المنهوبة” حسب قولهم، إلا أن الحكومات المتعاقبة عادة ما تواجههم بالحلّ الأمني أو بعض الوعود التي لا تتحقق.
استعمال الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين وسقوط أول قتيل
رغم الوعود الحكومية ومحاولة امتصاص غضبهم والتخفيف من حدة الاحتقان، تتواصل احتجاجات أهالي محافظتي تطاوين وقبلي جنوب تونس، للشهر الثاني على التوالي، للمطالبة بالتنمية وتوفير مواطن شغل ونصيبهم في ثروات بلادهم من النفط والغاز.
وفي إجراء “خطير”، أطلقت وحدات الحرس الوطني صباح اليوم قنابل الغاز المسيل للدموع بمحيط محطة الضخ في منطقة الكامور من محافظة تطاوين لتفريق المحتجين وفك الاعتصام هناك، ما أدّى إلى سقوط قتيل في صفوف المحتجين وتسجيل حالات اختناق عديدة في صفوفهم وحرق خيام المعتصمين، كما قامت قوات الأمن أيضًا بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع أمام مقر المحافظة لتفريق آلاف المحتجين.
بالتوازي مع فك اعتصام الكامور، شوهد انتشار أمني كبير أمام السفارة الفرنسية بالعاصمة والمسرح البلدي وفي كامل شارع الحبيب بورقيبة تحسبا لردة فعل الشارع التونسي وخروج مسيرات منددة بالذي حصل في تطاوين
أعادت قوات الجيش فتح محطة ضخ النفط في الكامور، حيث تعمل شركتا إيني الإيطالية وأو.إم.في النمساوية، بعد أن أغلقها محتجون لمدة يوم واحد
وليلة أمس، أعاد المحتجون إغلاق الطرقات تضامنًا مع مئات المعتصمين في صحراء الكامور، بعد ورود أنباء عن إمكانية التدخل الأمني والعسكري لفض اعتصامهم، وتحوّل عشرات السيارات الأمنية لمكان الاعتصام الذي تقول الحكومة إنه يحول دون تواصل عمل الشركات النفطية بنسقها الطبيعي ويعطل الإنتاج.
وكانت قوات الجيش قد أعادت فتح محطة ضخ النفط في الكامور، حيث تعمل شركتا إيني الإيطالية وأو.إم.في النمساوية، بعد أن أغلقها محتجون لمدة يوم واحد، وذلك للضغط على الحكومة، بعد أن رفضوا اقتراحًا منها تضمن إجراءات حكومية لتحسين الأوضاع بالمحافظة.
عجز حكومي
لم تفلح الإجراءات التنموية التي أعلنها رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد في أثناء زيارته لتطاوين الشهر الماضي في التخفيف من حدة الاحتقان، إذ رفض المحتجون هذه الإجراءات، وشددوا على ضرورة تخصيص خُمس عائدات النفط المستخرج بالمحافظة لتمويل التنمية فيها، وهو ما أدّى برئيس تونس الباجي قائد السبسي إلى إعطاء أمر للجيش بالانتشار لحماية منشآت إنتاج الغاز والفوسفات والنفط.
يوسف الشاهد في زيارة لتطاوين
وكانت الحكومة اقترحت توفير ألف وظيفة لشباب المنطقة في الشركات البترولية العام الحاليّ، وخمسمئة وظيفة العام المقبل و2000 موطن شغل في شركة البيئة والبستنة، وتخصيص 50 مليون دينار لصندوق التنمية بالجهة.
في المقابل، طالب شباب تطاوين بإنشاء صندوق للتنمية الجهوية في الولاية، بالإضافة إلى نقل المقرات الرئيسية للشركات البترولية إلى تطاوين، وإحداث ثلاثة آلاف وظيفة في شركات البستنة وتشغيل فرد من كل عائلة في الشركات البترولية، وهي مطالب وصفتها السلطات بأنها “تعجيزية”.
“الفوار” تصعد من احتجاجاتها
من جهة أخرى، تشهد معتمدية الفوار من محافظة قبلي المتاخمة لتطاوين، إضرابًا عامًا، حيث أغلقت المحلات التجارية والمرافق الإدارية، فيما وقع استثناء المؤسسات التربوية والصحية والمخابز، ويأتي هذا الإضراب على خلفية انتهاء المهلة التي أعطاها المعتصمون للحكومة لإرسال وفد وزاري للمنطقة للتفاوض مع الأهالي بشأن جملة من المطالب.
وأقدم المحتجون في الفوار، في حركة تصعيدية، على غلق محطة الضخ في الفوار حيث تعمل شركة النفط الفرنسية “بيرينكو”، ويطالب الشباب المحتجون بنصيب الجهة الغنية بالنفط في التنمية وتشغيل العاطلين عن العمل في الشركات النفطية، ودعم برنامج المسؤولية المجتمعية للشركات البترولية الموجودة بهذه الربوع.
يشتكي أهالي قبلي مما يعدّونه مفارقة صارخة، فمنطقتهم تحتوي على ثروات نفطية مهمة لكنها من المناطق المهمشة
وهذه ثاني محطة للضخ يغلقها المحتجون في الولايات الجنوبية، حيث تنظم مجموعات من الرجال العاطلين منذ أسابيع اعتصامات وتهدد بإيقاف إنتاج النفط والغاز للمطالبة بمزيد من الحقوق لولاياتهم المهمشة، وكان مسؤولون في الشركة الفرنسية، قد قالوا في وقت سابق من الشهر الحاليّ إن إنتاج الشركة توقف في حقلي بأقل وطرفة اللذين ينتجان الغاز والمكثفات، ويشتكي أهالي قبلي مما يعدّونه مفارقة صارخة، فمنطقتهم تحتوي على ثروات نفطية مهمة لكنها من المناطق المهمشة، حيث تقترب نسبة البطالة فيها من 30%.
وزارة الدفاع “تحذّر”
أمام تواصل الاحتجاجات قرب الأبار البترولية، حذرت وزارة الدفاع في بيان غير مسبوق كل المواطنين من التبعات العدلية نتيجة التصادم مع الوحدات العسكرية والأمنية والأضرار البدنية التي يمكن أن تلحقهم في صورة التدرج في استعمال القوة مع كل من يحاول الاعتداء على أفرادها أو منعهم من أداء مهامهم أو من يحاول الولوج عنوة إلى داخل المنشآت التي يقومون بحمايتها.
وصدر هذا البيان عقب اجتماع بين رئيس الوزراء يوسف الشاهد ووزيري الدفاع والداخلية إثر غلق محطتين للنفط لأول مرة، ويحمي الجيش منشآت الطاقة في ولايتي تطاوين وقبلي في الجنوب وكذلك عمليات الفوسفات التي تديرها الدولة، وهي أيضًا مصدر رئيسي للإيرادات الحكومية سبق أن استهدفته الاحتجاجات.
السبسي يستدعي الجيش إلى مناطق الثروات التونسية التي تشهد احتجاجات
من جهته، شدّد رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد على أن حكومته لن تتوانى عن التصدي للتحركات الاحتجاجية التي تقطع الطرقات وتعيق الإنتاج في المنشآت الحيوية والعمومية، وقال الشاهد، في افتتاح الندوة الدورية للولاة (المحافظين) أمس الأحد: “الحكومة تتفهّم التحركات الاحتجاجية السلمية، لكنها لا يمكن أن تتقبل الاحتجاجات التي تغلق منشآت الإنتاج الحيوية وتقطع الطرقات، وستتصدى لها.”
تراجع الإنتاج والعائدات
في تصريحات سابقة، قالت وزيرة الطاقة هالة شيخ روحو، إن إجمالي إنتاج البلاد من النفط هبط إلى 44 ألف برميل يوميًا من 100 ألف برميل يوميًا في 2010 بسبب الاحتجاجات وضعف الاستثمارات، مضيفة أن الإيرادات النفطية تراجعت من ثلاثة مليارات دينار تونسي (1.24 مليار دولار) في 2010 إلى مليار دينار (413.96 مليون دولار) في 2016، إلا أن عديد من الخبراء يشككون في هذه الأرقام.
وأكدت شيخ روحه أن نسبة تغطية الحاجيات الداخلية من الطاقة تراجعت من 90% خلال سنة 2010 إلى حدود 56% حاليًا، بفعل تقلص الموارد وتراجع نشاط الاستكشاف والبحث والتطوير، مقابل تطور الاستهلاك، وأضافت الوزيرة أن عدد التراخيص الممنوحة للشركات المختصة تراجع من 50 رخصة قبل سنة 2012 إلى 26 رخصة سنة 2016، و24 رخصة حاليًا، الأمر الذي ترتب عليه تقلص في عدد الآبار الاستكشافية والاكتشافات”.
يعيش الاقتصاد التونسي وضعًا صعبًا للغاية، إذ لا توجد، حسب عديدمن المتابعين، قرارات اقتصادية ولا برامج إصلاحات حقيقية على أرض الواقع لتحسين مناخ الأعمال
وكان الشاهد، قد قرر منذ أيام إنشاء لجنة وطنية تنظر في ملف البترول والطاقة عمومًا وتضم مستقلين متخصصين في شؤون الطاقة، وتتمثل مهمتها في تقديم تقرير شفاف عن كل الموارد التونسية تنهي هذا الجدل المستمر منذ سنوات.
ويعيش الاقتصاد التونسي وضعًا صعبًا للغاية، إذ لا توجد، حسب عديد من المتابعين، قرارات اقتصادية ولا برامج إصلاحات حقيقية على أرض الواقع لتحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمار وتسريع إنجاز المشاريع الحكومية المبرمجة في الجهات.