لطالما استخدمت دول عديد حول العالم سياسة “العصا والجزرة” لإلحاق الأذى بدول أخرى بعد نشوب خلاف بين الدولتين، فهناك دول تحظر استيراد المنتجات الزراعية والأعذية والأدوية وخدمات..إلخ. ولكن ظهر في الفترة القريبة الماضية حظر من نوع آخر وهو، حظر السياح، حيث تقوم الدولة المطبقة للحظر بمنع مواطنيها من السفر إلى الدولة المعنية كوسيلة ضغط عليها. مع علمها المسبق أن هذه الخطوة ستضر بمصالح الدولة الأخرى وتضرب أعمال المواطنين والاستثمارات الأجنبية فيها، وهو ما قد يضغط على الحكومة ويجبرها للتراجع عن خطوات قامت بها لإعادة الأمور لطبيعتها، ورفع الحظر بالمحصلة.
حظر السياح سلاح اقتصادي جديد
بعد إسقاط سلاح الجو التركي طائرة السوخوي الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 فرضت روسيا جملة من العقوبات على تركيا كعقوبة على إسقاطها الطائرة، وكان من بين تلك العقوبات حظر السياح الروس من السفر إلى تركيا حتى تقدم تركيا اعتذار رسمي عن إسقاط الطائرة. ففي تصريح لوزير الخارجية الروسي لافرورف حذر فيه الروس من السفر إلى تركيا معتبرًا أنَّ السفر إلى هناك يمثل “خطر الإرهاب” ومع توقيع الرئيس الروسي بوتين على مرسوم فرض القيود على السياحة إلى تركيا حرم بهذا عوائد السياحة الروسية لتركيا.
تسهم السياحة الروسية في تركيا بضخ 6 مليار دولار سنويًا في السوق التركي ممثلةً بالتسوق والإقامة ومصاريف أخرى يصرفها السائح الروسي وهذا يمثل 8% من الناتج القومي التركي
تركيا تعد الوجهة الأكثر شعبية للسياحة الروسية؛ حيث أظهرت الإحصائيات من وزارة السياحة والثقافة التركية أن عدد السيّاح الروس خلال التسع أشهر الأولى العام 2015 بلغ 3.3 مليون سائح ما يجعلهم يمثلون 10% من عدد السيّاح الإجمالي في تركيا. وتسهم السياحة الروسية في تركيا بضخ 6 مليار دولار سنويًا في السوق التركي ممثلةً بالتسوق والإقامة ومصاريف أخرى يصرفها السائح الروسي وهذا يمثل 8% من الناتج القومي التركي. وحسب الترتيب العالمي في استقبال السياح فإن تركيا تحتل المرتبة السادسة عالميًا حيث استقبلت 39.8 مليون سائح في العام 2015.
وبسبب الحظر تراجع عدد السياح القادمين إلى تركيا بشكل كبير، أدى إلى آثار سلبية طال النشاطات الاقتصادية المتعلقة بالسياحة وأجبر الحكومة التركية بالمحصلة لتقديم اعتذار لروسيا عن إسقاط الطائرة.
وفي مصر، منذ سقوط الطائرة الروسية في سيناء في 31 أكتوبر/تشرين الأول عام 2015 والتي أدت لمقتل 224 راكب روسي ممن كانوا على متن الطائرة، حظرت روسيا على مواطنيها السفر إلى مصر بقصد السياحة، وتصر روسيا لرفع الحظر التزام مصر باتفاقية أمن الطيران، وبهذا حرمت مصر عائدات السياحة الروسية.
علمًا أن مصر تعتبر على السياحة بشكل كبير في اقتصادها الذي يدر على الخزينة عملة صعبة، إذ تعد السياحة مورد كبير للعملة الصبة بعد إيرادات الصادرات وتحويلات العاملين في الخارج، حيث تدخل السياحة على مصر نحو 6 مليارات دولار سنويًا وتستقبل سنويًا ما يقرب من 8 مليون سائح من بلدان العالم جميعها، وبفرض الحظر على السياح الروس فقدت مصر ما يقرب من 3 ملايين سائح روسي يأتون إلى مصر سنويًا وفقدت معها عوائدهم.
تدخل السياحة على مصر نحو 6 مليارات دولار سنويًا وتستقبل سنويًا ما يقرب من 8 مليون سائح من بلدان العالم
كما حظرت الإمارات على رعاياها السفر إلى تونس بعد سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي وفترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة الإسلامية في عامي 2012 و 2013 لأسباب سياسية غير معلنة وتم رفع الحظر لاحقًا في يناير/كانون الثاني الماضي. يُذكر أن تونس تعتمد على السياحة وعوائدها بشكل كبير حيث يمثل 7% من الناتج المحلي الإجمالي وتراجعت السياحة التونسية عمّا قبل الثورة بنسبة 70% عن سنوات ما قبل الثورة، ويؤثر تراجع عوائد السياحة سلبًا على الميزان التجاري والعجز التجاري.
كذلك منعت الصين الرحلات السياحية الصينية من التوجه إلى كوريا الجنوبية، مستهدفة أسواقها السياحية ومناطق السوق الحرة التابعة لمجموعة “لوتي” التجارية العملاقة، بعد تركيب كوريا الجنوبية منظومة أمريكية مضادة للصواريخ التي تعتبرها بكين تهديدًا لقدراتها العسكرية. وحسب مؤسس مجموعة دراسات أسواق الصين في شنغهاي يقول “إذا لم تنفذ ما يطلبه منك القادة السياسيون في بكين فإنهم سيعاقبوك اقتصاديًا” وأضاف “إنهم يضعون السياسيين حول العالم بين فكي كماشة اقتصادية، ويتبعون هذا الأسلوب منذ سنوات، انه يعطي نتيجة”.
وبسبب هذا الحظر أعلنت “شركة السياحة الكورية الصينية الدولية” ومقرها سيول عن تراجع عدد سياحها بنسبة 85%، وأرجع مؤسسها ذلك إلى غضب الصين ازاء منظومة صواريخ الأمريكية. وتستقبل الشركة عادة 4000 سائح في الشهر معظمهم من الصينيين، لكن الرقم انخفض إلى نحو 500 شخص، بعد أن حذرت الصين سياحها من مخاطر السفر إلى كوريا الجنوبية، وأمرت شركات السياحة الصينية بوقف ارسال المجموعات السياحية إلى هناك.
منعت الصين الرحلات السياحية الصينية من التوجه إلى كوريا الجنوبية، مستهدفة أسواقها السياحية بعد تركيب كوريا الجنوبية منظومة أمريكية مضادة للصواريخ التي تعتبرها بكين تهديدًا لقدراتها العسكرية
كما انخفضت أعداد السياح الصينيين إلى تايوان بشكل كبير بعد أن ساءت العلاقات على جانبي المضيق، وأعلنت مؤسسة تايبيه للفنادق عن تراجع في عدد الزوار الصينيين في الأشهر الأخيرة بنسبة 50%، وحذرت من ان “الوضع قد يزداد سوءًا” إذا استمر هذا الحظر.
تدرك الدول التي تطبق هذا النوع من الحظر حجم الضرر الذي سيخلفه على اقتصاد الدولة المحظور عليها، وما قد يؤدي إليه من استنزاف في الموارد المالية بسبب غياب مورد مالي هام للعملات الصعبة كان يدر على الخزينة بفضل السياح القادمين إليها، ومن هذا المنطلق تعرف تلك الدول أن هذا السلاح حاد بما فيه الكفاية لرجوع الدولة عن السبب الذي تم الحظر لأجله، وتقديم اعتذار للدولة الأخرى لرفع الحظر وإعادة المياه لمجاريها.