قبل نحو 4 سنوات من الآن، وافق المغرب على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لينضم بذلك إلى ركب التطبيع خلف الإمارات والبحرين والسودان، وبرّر الملك محمد السادس وحاشيته حينها التطبيع بأنه مقدمة لسلام شامل في المنطقة وأنه يخدم الفلسطينيين وقضيتهم العادلة.
كان هذا التبرير مجرد كلام للاستهلاك الداخلي ليس أكثر، إذ أثبتت العديد من المناسبات أن النظام في المغرب بعيد كلّ البعد عن تبني القضية الفلسطينية، رغم أن الملك يرأس “لجنة القدس” التي أُسست خصيصًا للتصدي للمحاولات الإسرائيلية الرامية إلى طمس الطابع العربي الإسلامي للقدس.
صمت مريب
يتواصل العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة لليوم الـ41 على التوالي، مخلفًا 11500 شهيد، بينهم 4710 أطفال و3160 امرأةً، فضلًا عن إصابة 29800 فلسطيني، نحو 70% منهم من الأطفال والنساء، فيما بلغت عدد المقرات الحكومية المدمرة 95، والمدارس 255، منها 63 خرجت عن الخدمة، أما عدد المساجد المدمرة تدميرًا كليًا وصل 74 مسجدًا، و162 مسجدًا تعرض للتدمير الجزئي، إضافة إلى استهداف 3 كنائس.
لم يكتف الكيان الإسرائيلي بهذا الدمار الذي أحدثه في غزة، فها هو يواصل همجيته في ظل صمت القادة العرب والمجتمع الدولي، ما يمنحه الضوء الأخضر للمضي قدمًا في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، خيل إلينا لوهلة أننا قطعنا العهد معها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والقضاء على النازيين.
في الأثناء، ثمّة قائد عربي يطل علينا بين الفينة والأخرى للتعبير عن دعمه اللامشروط للقضية الفلسطينية، التي وضعها في مرتبة قضيته الوطنية الأولى وجعلها من ثوابت سياسته الخارجية، وفق قول الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال.
مشاهد صادمة لم تحرك الملك محمد السادس، وفي المقابل انتفض الشعب المغربي دعمًا لأخوته الفلسطينيين
زمن السلم يتحدث ملك المغرب محمد السادس عن دعم القضية الفلسطينية، لكن ما إن يتأزم الوضع، حتى يصمت صمت القبور، ويستسلم لسبات عميق خشية أن يُغضب حلفاءه الإسرائيليين، وقد عاينا هذا الأمر مجددًا خلال العدوان الإسرائيلي الأخير ضدّ قطاع غزة والضفة الغربية.
منذ أكثر من شهر، لم نسمع لملك المغرب صوتًا، فحتى أشد المتخاذلين أعلنوا مواقفًا، ولو لفظية، لكن محمد السادس حتى هذا الدعم اللفظي لم نسمعه منه، إذ يبدو أن له مشاغل أخرى أهم من الوجع الفلسطيني.
الذي يعرف ملك المغرب جيدًا لا يستغرب هذا الصمت المطبق، فدائمًا ما لازم محمد السادس الصمت تجاه الاعتداءات الصهيونية ضد أهلنا في فلسطين المحتلة، فعلاقاته مع الإسرائيليين أهم وأقوى، وهو ما يفسر تشجيعه الدائم للمغاربة، خاصة الشركات، على إقامة علاقات مع الإسرائيليين، بحجة أن العديد منهم أصلهم مغربي، فضلًا عن فتح أبواب المغرب للإسرائيليين.
لم يُعرف عن ملك المغرب منذ توليه الحكم في يوليو/تموز 1999، أي دعم فاعل للقضية الفلسطينية رغم أنه يرأس لجنة القدس، إذ يكتفي كغيره من قادة العرب ببيانات الإدانة والاستنكار، وفي أفضل الأحيان يرسل مساعدات غذائية وطبية في بعض المناسبات، لرفع العتب أمام الرأي العام المحلي والعربي والإسلامي.
التطبيع أهم عند الملك من مناصرة الفلسطينيين
للمغرب أدوات ضغط كثيرة يمكن أن يمارسها على الاسرائيليين إن أراد ذلك، لكن الملك لا يرى في فلسطين قضية مركزية تقتضي أن يضحي بمصالحه لخدمتها، عكس ما يحاول ترويجه بين أبناء شعبه الغيورين على قضايا الأمة.
يتكلم زمن السلم ويغيب زمن الحرب، ذلك هو عهد ملك المغرب، فحتى لجنة القدس التي يرأسها غائبة عن دائرة الفعل منذ عقود، إذ لم تجتمع خلال الـ20 سنة الماضية سوى مرتين آخرهما سنة 2014.
في بعض الأحيان، يطل علينا محمد السادس للحديث عن “جهوده” لدعم القضية الفلسطينية، لكنها جهود لا يراها إلا هو، كما يدعو أحيانًا لاجتماعات عربية وإسلامية عاجلة لا تُعقد إلا في مخيلته، فكلامه لا يتجاوز حنجرته.
يبدو جليًا أن ملك المغرب لا يهمّه دعم القضية الفلسطينية بقدر ما يهمّه التسويق لصورته وكسب مزيد من الامتيازات من وراء تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، خاصة أن هذا الكيان اعترف قبل أشهر من الآن بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها.
محمد السادس ملك المغرب
بتاع إفتحوا الحدود يا مصاروة باش نحرر القدس
طلع مرسوم ملكي بيقول
بتعليمات سامية من ملك المغرب يمنع منعا باتا تناول اي خبر يخص غز🕊️ة او فلسطين فى المساجد او المملكة كلها
بعد كدا اي حد من المغرب الشقيق لما يقولك إفتحوا الحدود يا مصاروة يبقا حط المرسوم ده ف😂 pic.twitter.com/x8eSVMC5nN
— OMAR HASHISH (@OmarMohamed9213) November 9, 2023
يأمل المغرب حاليًّا أن يفتح الكيان الإسرائيلي قنصلية له بمدينة الداخلة، تكريسًا للقرار، وتعتقد الرباط أن الاعتراف الإسرائيلي سيساهم في تغيير موازين القوى الدولية إزاء النزاع المتواصل منذ نحو 50 سنة.
لا يهم رئيس لجنة القدس القضية الفلسطينية ولا أوجاع الفلسطينيين، بقدر ما يطمع بتواصل الدعم الصهيوني لحكمه، كيف لا ومستشاره الأول هو أندري أزُولَايْ، الذي يعتبر همزة وصل بين المخزن واللوبي اليهودي وعراب التطبيع.
وشمل التطبيع المغربي الإسرائيلي كل المجالات، ما مكّن “إسرائيل” من التغلغل في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وحتى الثقافية والرياضية في المغرب، وهو ما تجلى في تصويت المملكة لصالح “إسرائيل” لرئاسة اللجنة القانونية بالأمم المتحدة.
فيما يوجد في “إسرائيل” عشرات الساسة أصولهم مغربية، أبرزهم: عمير بيرتز وزير دفاع إسرائيلي سابق، بالإضافة إلى وزيري الخارجية السابقين شلومو بن عامي وديفيد ليفي، فيما تحتضن المغرب نحو 70 ألف مغربي من أصول يهودية.
تضامن شعبي واسع مع فلسطين
لم تحرك صور ومشاهد أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ المترامية هنا وهناك والمكدسة بعضها فوق بعض، ولا الأجساد الممزقة والمقطعة، والجماجم المهشمة، ملك المغرب وحاشيته. لم يحركهم أيضًا مشاهد العائلات النازحة والمشردة بين الخيام، ولا الوحدات السكانية التي تحولت إلى ركام.
مشاهد صادمة لم تحرك الملك محمد السادس، وفي المقابل انتفض الشعب المغربي دعمًا لإخوتهم الفلسطينيين، رغم أن النظام حاول في البداية الحد من الدعم الشعبي للفلسطينيين والتضييق على المظاهرات التي خرجت في أغلب المدن والقرى المغربية.
لم ينتصر الملك محمد السادس لفلسطين وقضيتها العادلة، وهو ما سيكون له وقع قوي على شرعية حكمه
منذ بداية العدوان الصهيوني ضد غزة، انطلقت فعاليات تضامنية شعبية مختلفة مع الفلسطينيين، وتوزعت هذه المظاهر ما بين وقفات ومسيرات تضامنية نظمتها عدة هيئات غير حكومية مثل الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة والجبهة المغربية لدعم فلسطين، ورسم أفكار وقضايا حول فلسطين من طرف العديد من المؤلفين والباحثين.
وكان للرياضة نصيب في هذا الدعم، من خلال “أسود الأطلس” الذين عبروا عن تضامنهم المطلق مع الفلسطينيين، والجمهور الذي يردد هتافات داعمة، فضلًا عن مواصلة التدوين عن القضية رغم حظر الحسابات بمنصات التواصل الاجتماعي.
ارتدادات حرب غزة على الملك وحكمه
في السنوات الثلاثة الأخيرة، خفّض المغرب علاقاته الدبلوماسية مع 3 من أبرز الدول الأوروبية، ونعني بذلك ألمانيا وفرنسا وإسبانيا، لدفع هذه الدول لتغيير موقفها من قضية الصحراء الغربية المتنازع عليها بين الرباط وجبهة البوليساريو، لكنه لم يحرك ساكنًا تجاه ما يحصل في غزة.
يعني ذلك أن المغرب له أن يتحرك ويضغط إن أراد ذلك، فله من نقاط القوة ما يكفي لنصرة الفلسطينيين، لكن الملك محمد السادس يأبى إلا أن يسجل اسمه بالبند العريض في قائمة العار.
يا للعار يا للعار ..#محمد_السادس باع غزة بالدولار !!
يحدث في #المغرب 🇲🇦
استمرار المظاهرات في شوارع عدة مدن مغربية تطالب بإلغاء اتفاقيات التطبيع وطرد #اندريه_أزولاي المستشار الإسرائيلي في القصر الملكي المغربي #غزة_تنزف #غزه_تباد_بدعم_اماراتي #فلسطين pic.twitter.com/4gA586BzVp
— أحمد حفصي || HAFSI AHMED (@ahafsidz) November 15, 2023
لم ينتصر الملك محمد السادس لفلسطين وقضيتها العادلة، وهو ما قد ينعكس على شرعيته وشعبيته المحتملة لدى المغاربة، فالشعب المغربي الذي أطاح بحزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة بسبب مواقفه المخزية من التطبيع، وتوقيع أمينه العام سعد الدين العثماني على وثيقة التطبيع، يمكن أن يعلنها ثورة على الملك أيضًا.