في أعنف هجوم مسلح تشهده بريطانيا منذ مقتل 52 شخصًا في تفجيرات انتحارية استهدفت شبكات النقل في لندن في يوليو 2005، سقط 22 قتيلاً وعشرات الجرحى في انفجار استهدف حفلاً فنيًا تتعامل معه الشرطة باعتباره هجوم إرهابي إلى أن يثبت العكس.
22 قتيلاً وعشرات الجرحى
ارتفع عدد ضحايا الانفجار الذي استهدف حفلاً للمغنية الأمريكية أريانا جراندي في مدينة مانشستر بشمال إنجلترا مساء أمس الإثنين إلى 22 قتيلاً و59 جريحًا، حسب قائد شرطة مدينة مانشستر لان هوبكنز، بعد أن كان العدد 19 قتيلاً، ووقع الانفجار في قاعة مانشستر أرينا وهي أكبر قاعة احتفالات مغلقة في أوروبا وافتتحت عام 1995 وتستضيف حفلات موسيقية وأحداثًا رياضية.
وذكر قائد شرطة مانشستر لان هوبكنز في تصريح صحفي أن الشرطة تعتقد بأن رجلاً نفذ الهجوم أمس ليلاً وأصبح من بين القتلى، مضيفًا “نعطي الأولوية لمعرفة ما إذا كان قد تصرف بمفرده أم ضمن شبكة، يمكنني أن أؤكد أن المهاجم لقي حتفه في قاعة مانشستر أرينا للاحتفالات، وأنه كان يحمل عبوة ناسفة فجرها ليتسبب في هذا العمل الوحشي.”
تفاصيل الهجوم
عند الساعة 10:45 مساء الإثنين بالتوقيت المحلي (09:45 مساء بتوقيت غرينتش)، وقع الانفجار في قاعة الحفلات “مانشستر أرينا” حيث كان يقام حفل للمطربة الأمريكية أريانا غراندي التي أكد المتحدث باسمها أنها “بخير”، وقالت الشرطة إن فرق التعامل مع المتفجرات تمسح المكان.
وقال شهود إنهم سمعوا دوي انفجار قوي بينما كانوا يهمون بالخروج من القاعة، وأظهر فيديو نشر على موقع يوتيوب أفرادًا من الجمهور يصرخون ويركضون في مكان الحادث، وهرعت سيارات الإسعاف إلى المكان، وأكد الشهود أن الانفجار وقع خارج قاعة الاحتفالات لا داخلها، مع اقتراب الحفل من نهايته، حين كان الحضور يغادرون المكان.
حالة ذعر كبيرة في مانشستر بعد الهجوم
وقالت كاثرين ماكفارلين التي حضرت الحفل لرويترز: “كنا نمضي في طريقنا وعندما وصلنا إلى الباب وقع انفجار هائل وبدأ الجميع يصرخون”، وأضافت “كان انفجارًا ضخمًا، وكان المشهد فوضويًا، الجميع كانوا يركضون ويصرخون ويحاولون الخروج.”
وأظهر فيديو نشر على تويتر أفرادًا من الجمهور يصرخون ويركضون خارجين في المكان، وبحث عشرات الآباء عن أبنائهم في ذعر ونشروا صورًا لهم على مواقع التواصل الاجتماعي سعيًا للحصول على معلومات عنهم.
لاحقًا أشارت الشرطة إلى أنها ستقوم بعملية تفجير في حديقة الكاتدرائية القريبة من قاعة الحفلات وسط المدينة، لكنها أوضحت فيما بعد أنّ الأمر كان يتعلّق بـ”ملابس متروكة، وليس بجسم مشبوه”، كما أعلنت سلطات مدينة مانشستر وقف حركة القطارات طول اليوم الثلاثاء، لا سيما أن محطة فيكتوريا الرئيسية تقع تحت القاعة التي شهدت التفجير.
هجوم “إرهابي”؟
وصفت وزيرة الداخلية البريطانية أمبر راد هجوم مانشستر بالبربري، وطالبت مواطنيها بأخذ التأهب دون انزعاج، وذلك بعد أن قالت الشرطة البريطانية إنها تتعامل مع الانفجار باعتباره هجوم إرهابي إلى أن يثبت العكس، وتعتقد الشرطة بأن المهاجم كان يحمل قنبلة ناسفة فجرها داخل الحفل وهو ما تسبب هذه الحصيلة من الضحايا.
من جهتها، قالت رئيسة الوزراء تيريزا ماي إن السلطات تتعامل مع الحادث باعتباره “هجوم إرهابي”، ورفعت بريطانيا منذ أغسطس 2014 مستوى الإنذار من تهديد إرهابي إلى الدرجة الرابعة على سلم من خمس درجات، مما يشير إلى أن وقوع اعتداء أمر مرجح.
من المنتظر أن تترأس رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي اجتماعًا طارئًا للجنة الاستجابة للطوارئ
ويأتي الهجوم في وقت تشهد فيه بريطانيا تعزيزات أمنية كبيرة، عبر نشر قوات شرطة إضافية عالية التسليح والتدريب على خلفية تنامي الأعمال الإرهابية في أوروبا، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها على الفور لكن مسؤولين أمريكيين قارنوا الحادث بالهجمات المنسقة التي نفذها متشددون إسلاميون في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 على قاعة باتاكلان للحفلات ومواقع أخرى في باريس والتي أودت بحياة نحو 130 شخصًا.
في غضون ذلك من المنتظر أن تترأس رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي اجتماعًا طارئًا للجنة الاستجابة للطوارئ بمشاركة وزراء ومسؤولي الأجهزة الأمنية والمخابرات، حسب ما أفادت به تقارير إعلامية.
إدانة دولية
في أثناء ذلك، نددت عديد من العواصم العالمية بالهجوم وتضامنها مع لندن، حيث أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن صدمته وحزنه الشديد بعد الاعتداء الدامي، وأعلن أنه سيجري محادثات مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ،وقالت الرئاسة الفرنسية: “الرئيس إيمانويل ماكرون يعرب عن صدمته وحزنه الشديد للاعتداء الدامي الذي استهدف حفلاً موسيقيًا أمس”، بينما ندد رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب بـ”العمل الإرهابي الجبان” الذي استهدف “خصوصًا وتحديدًا” شبانًا صغار.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
بدوره أعلن المتحدث الصحفي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، اليوم، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعرب عن تعازيه لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في الهجوم الإرهابي في مانشستر، مؤكدًا استعداد روسيا للتعاون مع الشركاء البريطانيين في مجال محاربة الإرهاب.
من جانبها أعربت دولة قطر عن إدانتها واستنكارها الشديدين للانفجار، وأكدت وزارة الخارجية القطرية، في بيان لها الثلاثاء، “موقف دولة قطر الثابت من نبذ العنف والإرهاب أيا كان مصدره، ومهما كانت الدوافع والأسباب”، وأكد البيان رفض قطر لكل الأعمال الإجرامية التي تروع الأبرياء والآمنين وتتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية”
تراجع الأسهم الأوروبية
نتيجة هذا الهجوم المسلّح، سجلت الأسهم الأوروبية عند الافتتاح اليوم تراجعًا، حيث انخفضت مؤشرات ستوكس الأوروبي وفايننشال تايمز البريطاني وكاك الفرنسي عند الافتتاح 0.1% وداكس الألماني نزل 0.2%، ونزل المؤشر توبكس الأوسع نطاقًا 0.2% إلى 1565.22 نقطة وانخفض المؤشر جيه. بي. إكس نيكي بنسبة مماثلة إلى 13973.43 نقطة.
سجل سعر صرف الجنيه الإسترليني (العملة البريطانية) في الأسواق والتعاملات الصباحية المبكرة في آسيا تراجعًا مقابل العملات الرئيسية بنسبة 0.1 %
كما هوى مؤشر نيكي القياسي عند الإغلاق، مما أدى إلى ارتفاع الين الذي يعد ملاذًا آمنًا، في حين انخفض عدد من أسهم الشركات المصدرة في بورصة طوكيو للأوراق المالية اليوم الثلاثاء، وتراجع نيكي 0.3% مسجلاً 19613.28 نقطة.
بدوره سجل سعر صرف الجنيه الإسترليني (العملة البريطانية) في الأسواق التعاملات الصباحية المبكرة في آسيا تراجعًا مقابل العملات الرئيسية بنسبة 0.1% ليصل سعره إلى 1.299 دولار، وكان سعر صرف الإسترليني تحسن مؤخرًا ليصل إلى حاجز 1.3 دولار الذي لم يصل إليه منذ تدهور قيمته مع الاضطراب الاقتصادي المصاحب لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
مَنْ المستفيد؟
هذا الهجوم المسلّح جاء قبل أيام من إجراء الانتخابات المبكرة التي دعت إليها رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي في الثامن من يونيو القادم، وفي أول تداعيات لهذا الهجوم، اتفقت الأحزاب السياسية في بريطانيا على تعليق الحملات الانتخابية حتى إشعار آخر، وقال جيريمي كوربين زعيم حزب العمال المعارض في بيان إنه تحدث إلى رئيسة الوزراء تيريزا ماي واتفقا على تعليق جميع الحملات الانتخابية.
رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي
ويؤكّد خبراء أن هذا الهجوم لا يصبّ في صالح ماي التي تسعى للفوز بأغلبية مريحة في الانتخابات البرلمانية القادمة حتى تعزز القرار المتخذ في الاستفتاء وضمان عدم حدوث تراجع، وترفع من قدرتها على التوصل إلى اتفاق جيد مع الاتحاد الأوروبي.
ويتوقّع متابعون تراجع نسبة الناخبين في هذه الانتخابات خاصة مع شعور فئة كبيرة منهم بعدم الاستقرار والأمن، مع إمكانية عدم تصويت جزء كبير منهم لحزب المحافظين الذي تتزعمه ماي، وعلى أقل تقدير قد يمتنعون عن التصويت.