جاءت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية بالتزامن مع فوز الرئيس الإيراني حسن روحاني بولاية رئاسية ثانية لتلقي بظلالها على المشهد الإيراني برمته، وتزيد ملامحه تعقيدًا.
الاتفاق المبرم بين واشنطن وحلفائها الجدد من العرب والمسلمين بشأن اتهام إيران بالمسؤولية عن عدم الاستقرار في المنطقة وأنها رأس حربة الإرهاب والتطرف في العالم، وضرورة التوحد من أجل التصدي لها، أضفى مزيدًا من التحديات أمام الرئيس الإيراني في مستهل ولايته الجديدة.
العديد من التساؤلات تفرض نفسها عن طبيعة التهديدات الأمريكية السعودية العربية الإسلامية ضد إيران، ومستقبل ترجمتها على أرض الواقع في ظل ما يتعرض له الرئيس الأمريكي من ضغوط داخلية وخارجية ربما تطيح به في أي وقت، وهو ما يضع السعوديين في ورطة خاصة بعد الفاتورة الباهظة التي دفعتها الرياض ثمنًا لزيارة ترامب والتي بلغت قرابة 460 مليار دولار قيمة 34 صفقة موقعة بين الجانبين.
تحديات في مواجهة روحاني
يستقبل الرئيس الإيراني حسن روحاني ولايته الثانية بحزمة من التحديات تفوق في صعوبتها من حيث الكم والحجم ما واجهه في فترة رئاسته الأولى خاصة في ظل ما تحياه بلاده من حالة انقسام داخلي واضح بلغ ذروته إبان الحملات الانتخابية الرئاسية.
وتنقسم التحديات التي من المتوقع أن يتعرض لها روحاني إلى قسمين:
الأول: التحديات الداخلية.. هناك مجموعة من الملفات التي تشكل عبئًا على إدارة الرئيس الإيراني، أبرزها ملف الحريات الاجتماعية، ومدى التزامه بالشعارات التي تفوه بها روحاني خلال حملته الانتخابية عن الانفتاح ورفع القيود وتحسين أوضاع المرأة ومواجهة التمييز وحقوق القوميات غير الفارسية ومواجهة أزمة البطالة والانفتاح على الاستثمار الأجنبي والداخلي فضلاً عن مواصلة العمل على مواجهة الأزمة البيئية.
كذلك ما تعهد به بشأن رفع منسوب الحريات في مجال الإنترنت ووسائل الإعلام بشتى أنواعها، فضلاً عن تعزيز أوضاع حقوق الإنسان، وهو ما ساهم بشكل كبير في دعم نشطاء المجتمع المدني له، مما كان له أبلغ الأثر في ترجيح كفته الانتخابية.
ومن بين التحديات الحساسة التي من المفترض أن يواجهها حسن روحاني قضية الإقامة الجبرية المفروضة على الزعيمين الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي منذ فبراير/ شباط 2011، حيث تعهد الرجل منذ انتخابات 2013 بالعمل من أجل إنهاء الحصار المفروض عليهما وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
وتتصدر التحديات الداخلية التي تواجه الرئيس الإيراني في ولايته الثانية الأزمة مع القضاء، وذلك بعد تصاعد وتيرة التوتر بينهما خلال الأسبوعين الماضيين، حين اتهم روحاني مؤسسة القضاء بالفساد والإهمال في التصدي للفاسدين في المنظومة الاقتصادية والحقوقية.
الثاني: التحديات الخارجية.. خلال السنوات العشرة الماضية واجهت طهران حزمة من التحديات الخارجية تمثلت في توتر العلاقات مع دول الخليج عامة والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، في إطار صراع النفوذ بين الكتلتين، السنية والشيعية، تجسدت بصورة أوضح في الحرب الباردة بينهما في اليمن وسوريا.
ورغم نجاح طهران في التوصل إلى اتفاق دولي بشأن برنامجها النووي في 2015 بفضل الجهود الدبلوماسية المتواصلة التي قام بها روحاني بصفته المسؤول عن هذا الملف سابقًا، فإن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب كان لها رأي آخر، وهو ما عبر عنه الرئيس الأمريكي أكثر من مرة بالتهديد بنسف الاتفاق ومناهضة النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو ما يضع إيران أمام تحدٍ جديد.
العديد من التحديات التي تواجه روحاني في ولايته الثانية أبرزها ملف الحريات الاجتماعية، ومدى التزامه بالشعارات التي تفوه بها خلال حملته الانتخابية عن الانفتاح ورفع القيود
الاتفاق النووي الإيراني ما بين التفاؤل والحذر
الانفتاح على المجتمع الدولي
“إن نتيجة الانتخابات الرئاسية أوضحت استعداد الجمهورية الإسلامية للتفاعل مع المجتمع الدولي”، بهذه الكلمات علق الرئيس الإيراني حسن روحاني على فوزه في الانتخابات الرئاسية، ملفتًا أن التصويت الذي جرى الجمعة الماضية أوضح رفض الإيرانيين لدعوات من منافسيه المحافظين بوقف الإصلاحات.
روحاني البالغ من العمر 68 عامًا والفائز بولاية ثانية بعد أن حصل على 23.5 مليون صوت بنحو 57% من الأصوات، في مقابل 15.8 مليونًا بنحو 38.3% لمنافسه إبراهيم رئيسي، رجل الدين المحافظ القريب من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، أوضح أن نتيجة هذا الاستحقاق الانتخابي تؤكد أن الشعب الإيراني اختار “طريق التوافق مع العالم” رغم المنافسة الشديدة التي واجهها من قبل المحافظين.
الرئيس الإيراني اختتم تصريحاته التي علق بها على الانتخابات برسالة وجهها للعالم قال فيها إن شعبه يرغب في العيش بسلام وصداقة مع بقية العالم، ولكنه لا يقبل بأي تهديد أو إذلال.
أوروبا ترحب
بعد ساعات قليلة من إعلان فوز روحاني بولاية رئاسية ثانية، وما تلاها من تصريحات مطمئنة للمجتمع الدولي – في ظاهرها على الأقل – أعلن الاتحاد الأوروبي ترحيبه الكامل بهذا الفوز، كما جاء على لسان وزيرة خارجيته فيديريكا موغيريني.
موغيريني في تغريدة لها تعهدت باستمرار العمل والتعاون المشترك بين طهران ودول أوروبا، مضيفة أن “الاتحاد الأوروبي مستعد للعمل من أجل التطبيق الكامل للاتفاق النووي، والعلاقات الثنائية والأمن الإقليمي وتحقيق تطلعات الإيرانيين”.
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فأعرب عن أمله في زيارة التعاون الاقتصادي والعلمي والثقافي بين بلاده وإيران، مطالبًا طهران بالمساهمة في حل النزاعات في منطقة الشرق الأوسط.
من جانبه هنأ وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، روحاني، بعد فوزه بولايته الثانية، بعد حملة نشطة شارك فيه الشعب الإيراني بأعداد كثيفة”، قائلاً: “خلال الولاية الأولى لروحاني أحرزنا تقدمًا جيدًا في تحسين العلاقات البريطانية الإيرانية بما يشمل رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية، وأرحب بمواصلة التزامه بالاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015”.
روسيًا.. دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى علاقات وثيقة أكثر بين موسكو وطهران، مؤكدًا في برقية إلى روحاني “استعداد بلاده لمواصلة العمل المشترك من أجل تطوير الشراكة والتعاون بين روسيا وإيران”.
موسكو تعهدت من خلال برقية رئيسها بمواصلة التعاون مع طهران من أجل الحفاظ على الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط وفي العالم بشكل عام، وأن الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال زيارة روحاني لموسكو سيتم تطبيقها.
وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي تقول في تغريدة لها بمناسبة فوز روحاني: “الاتحاد الأوروبي مستعد للعمل من أجل التطبيق الكامل للاتفاق النووي، والعلاقات الثنائية والأمن الإقليمي وتحقيق تطلعات الإيرانيين”
“إيران رأس حربة الإرهاب”
تمحورت زيارة الرئيس الأمريكي للسعودية حول الملف الإيراني في المقام الأول، حيث عزفت القمم الثلاثة التي عقدت على هامش الزيارة مع (القادة السعوديين – زعماء دول الخليج – ممثلي 55 دولة عربية وإسلامية) على وتر واحد في الغالب وهو مكافحة التطرف والإرهاب، وتصدرت إيران قائمة الدول التي يجب مواجهتها، حسبما أشارت تصريحات ترامب والقادة السعوديين.
فمن جانبه دعا الرئيس الأمريكي في افتتاح أعمال القمة الإسلامية الأمريكية التي عقدت أول أمس إلى “عزل إيران إذا واصلت سياساتها المسؤولة عن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط”، مضيفًا أنها تدرب وتسلح المليشيات في المنطقة وكانت لعقود ترفع شعارات الموت لأمريكا وتتدخل في سوريا، داعيا إلى وضع حزب الله على قائمة التنظيمات الإرهابية.
بينما اتهم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إيران بأنها رأس حربة الإرهاب العالمي، مضيفًا أن الإرهاب يتمثل فيما تقوم به إيران وحزب الله والحوثيين والقاعدة في لبنان واليمن والشرق الأوسط.
ترامب يقول إنه يجب أن تعزل إيران عن العالم إذا واصلت سياساتها المسؤولة عن عدم الاستقرار في المنطقة
460 مليار دولار فاتورة زيارة ترامب للسعودية
طهران ترد
وفي أول رد فعل إيراني على القمة الأمريكية السعودية، اعتبر الرئيس حسن روحاني أن قمة الرياض التي جمعت الولايات المتحدة ودولاً عربية وإسلامية ووجهت خلالها انتقادات شديدة للجمهورية الإسلامية كانت “استعراضًا دون أي قيمة سياسية”.
وأضاف روحاني في مؤتمر صحفي له عقب فوزه في الانتخابات أن مثل هذه الاجتماعات لن تتمخض عن أفعال وممارسات على أرض الواقع، فهي لا تخرج عن كونها “عروضًا دعائية”، قائلاً: “لقد سبق أن نظمت السعودية مثل هذه العروض في السابق”.
من جانبه انتقد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بسبب إبرامه صفقات أسلحة واستثمارات أخرى بمئات المليارات من الدولارات مع السعودية خصم طهران اللدود في الشرق الأوسط.
وكتب ظريف على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” قائلاً: “إيران التي أنهت للتو انتخابات حقيقية تتعرض لهجوم من رئيس الولايات المتحدة في معقل الديمقراطية والاعتدال، هل هي سياسة خارجية أم استخلاص 480 مليار دولار من السعودية ببساطة”؟
هل تفعلها واشنطن؟
السؤال الأكثر إلحاحًا الآن: هل يستطيع دونالد ترامب تنفيذ وعوده بشأن فسخ الاتفاق النووي مع إيران؟ وهل ينجح في ترجمة تعهداته لحلفائه الجدد في الشرق الأوسط وعلى رأسها السعودية بشأن محاصرة طهران والتصدي لها وتقويض نفوذها في اليمن وسوريا ولبنان؟
البعض يرى أن واشنطن بإمكانها فرض المزيد من العقوبات ضد طهران خاصة في ظل ما تؤكده إدارة البيت الأبيض بشأن تورط إيران في أعمال إرهابية في اليمن من خلال دعم الحوثيين أو ضد الكيان الإسرائيلي عبر حزب الله ومليشياته العسكرية.
أنصار هذا الرأي يرون أن دعم الإدارة الأمريكية لتوجهات السعودية في التصدي لإيران سيتواصل خلال الفترة القادمة لحين الانتهاء من تنفيذ الاتفاقيات المبرمة بينهما في الرياض منذ يومين، والتي يستغرق بعضها عشر سنوات كما في صفقات التسليح، حتى وإن لم تتورط واشنطن في أي أعمال عسكرية مباشرة ضدها.
فريق آخر يرى أن مسألة تنفيذ ترامب لوعوده بشأن نسف الاتفاق النووي المبرم بين إيران ودول أوروبا بجانب الولايات المتحدة في 2015 محل شك وريبة وتتضاءل فرص تنفيذه بصورة متسارعة، وذلك لسببين:
أولاً: احتمالية عزله من منصبه
يواجه ترامب حملة داخلية غير مسبوقة، فصدامه مع مؤسسات الدولة منذ قدومه في يناير الماضي يبدو أنه يسير إلى طريق مسدود، وبات مصير ريتشارد نيكسون وفضيحته الشهيرة في 1972 يطارد ترامب أينما حل أو رحل.
قناة “سي إن إن” الأمريكية نقلت عن حقوقيين في البيت الأبيض بدء إعداد دراسة عن احتمال عزل ترامب من منصبه الفترة المقبلة.
وتعود هذه الخطوة إلى الفضيحة المحتمل تورط ترامب فيها بشأن التنسيق بين حملته الانتخابية وموسكو في الانتخابات الرئاسية الماضية، والسماح لروسيا بالتأثير على نتائج الانتخابات، إضافة إلى الحملة التي يتعرض لها من قبل اللوبي الصهيوني بسبب كشفه عن أحد العملاء الصهاينة المجندين داخل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وهو ما دفع تل أبيب إلى التهديد بعدم التعاون مرة أخرى مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
ورغم الدعم الذي ما زال يحظى به ترامب من قبل الجمهوريين داخل الكونجرس، فإن هذه الحملة تمثل عبئًا وضغطًا قد يدفعه إلى إعادة النظر في بعض توجهاته التي أعلنها قبل ذلك كعلاقته القوية بروسيا والتعهد بحظر دخول المسلمين والعرب إلى الولايات المتحدة والإساءة لحلف الناتو وبعض قادة أوروبا.
فريق آخر يرى أن مسألة تنفيذ ترامب لوعوده بشأن نسف الاتفاق النووي المبرم بين إيران ودول أوروبا بجانب الولايات المتحدة في 2015 محل شك
ثانيًا: الرضوخ للضغوط الداخلية والخارجية
يتعرض الرئيس الأمريكي منذ دخوله البيت الأبيض إلى ضغوط داخلية وخارجية، تدور في معظمها بخصوص مسألة الدفاع عن مصالح أمريكا العليا في مواجهة أهواء ترامب الشخصية، فما يصرح به ترامب بشأن مواقفه حيال بعض الملفات الداخلية والخارجية ربما يصطدم بمصالح بلاده وهو ما يدفع مؤسسات الدولة السيادية إلى التصدي له وبقوة.
الضغوط الداخلية التي مورست على ترامب دفعته إلى التخلص من أقرب رجاله داخل البيت الأبيض، بدءًا بإجبار مايكل فلين، مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي، على تقديم استقالته فبراير الماضي بعد إعلان تسريبات استخباراتية كشفت عن نقاشات جرت بينه وبين السفير الروسي في واشنطن، تتعلق بالعقوبات الأمريكية على روسيا، ثم التخلص من كبير المستشارين، الخبير الاستراتيجي ستيف بانون، وذلك بعزله من منصبه كعضو بمجلس الأمن القومي، وهو الذي كان يلقب بـ”ظل ترامب”، وصولاً إلى إقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، جيمس كومي من منصبه بداية مايو الحالي.
وهنا تساؤل يفرض نفسه: إذا ما تعرض ترامب لضغوط داخلية وأوروبية بشأن الاتفاق النووي مع إيران والموقع من قبل أمريكا وخمس دول أوروبية هل من الممكن أن يتمسك الرئيس بموقفه الداعم لفسخ هذا الاتفاق ويعرض مصالح بلاده للخطر داخليًا وخارجيًا؟ الإجابة بالقطع لا، إذا ما هو الحل: لن يكون أكثر من فرض المزيد من الضغوط الاقتصادية التي استطاعت طهران أن تتعامل معها طيلة العشر سنوات الماضية من خلال تقوية علاقتها بحلفائها الجدد وعلى رأسهم روسيا والصين، وماذا لو كانت الإجابة نعم؟ هنا قد يتعرض ترامب لحملة تقصيه خارج البيت الأبيض وهو ما يعيه جيدًا ومن ثم لن يفكر في خوض مثل هذه المغامرة.
وهكذا، فإن زيارة ترامب للسعودية وإن نجحت في تصدير طهران العدو الأبرز للعرب والمسلمين بمباركة أمريكية وضرورة التصدي لنفوذها الإقليمي، فإن تهديدات الرئيس الأمريكي لها أو التلويح بفسخ الاتفاق النووي معها سيظل محل شك ودراسة في ظل الضغوط التي يواجهها الرجل داخليًا وخارجيًا، وهو ما أبداه البعض في صورة تخوفات بشأن أن تكون تلك الزيارة “رمزية ” أكثر منها قرارات على أرض الواقع، وهو ما لا يتناسب مطلقًا مع الفاتورة المقدمة من الرياض.