حمل “إعلان الرياض” وما توصل إليه القادة العرب والمسلمين بحضور الرئيس الأمريكي ترامب، تساؤلات مهمة عن إمكانية تطبيق ما تم التوصل إليه وإمكانية تحقيق خروقات في الملفات الملتهبة في المنطقة وعلى رأسها الأزمة السورية.
تضمن الإعلان اتفاق قادة الدول على التصدي للجذور الفكرية للإرهاب وتجفيف مصادر تمويله، مع الإشادة بتبادل المعلومات بشأن المقاتلين الأجانب وتحركات التنظيمات الإرهابية، والأهم من كل هذا تشكيل “ناتو عربي” وذلك بتوفير 34 ألف جندي كقوة احتياط من دول العالم العربي والإسلامي لدعم العمليات ضد الإرهاب في العراق وسوريا.
يأتي هذا مع إعلان ترامب أن أمريكا مستعدة للوقوف مع الدول العربية والإسلامية لكنها في نفس الوقت لن تقوم بسحق العدو نيابة عنهم، لذا فعلى تلك الدول أخذ الدور الريادي في مكافحة الإرهاب، وأعلن افتتاح مركز مكافحة التطرف في الرياض وتشكيل اتحاد لحل أزمات الشرق الأوسط والعالم.
فكرة الناتو العربي
فكرة تأسيس ناتو عربي جاءت منذ سنوات حيث تؤيده السعودية وبشدة منذ ذلك الوقت، حيث تحظى هذه الفكرة بدعم قوي منها، في الوقت الذي كان تلقى اعتراضًا من قبل إدارة البيت الأبيض السابقة حتى جاء ترامب إلى السلطة وتكاملت هذه الخطة مع أولوياته وسياساته في المنطقة.
أولى أهداف زيارة ترامب إلى الرياض هي تحقيق الغرض الاقتصادي منها، وذلك من خلال العمل وفق شعار ترامب الذي دخل فيه إلى البيت الأبيض وهو “أمريكا أولا” والذي يحمل في طياته التخلي عن الأعباء المالية التي تتحملها واشنطن في حراسة مصالحها في المنطقة وحماية حلفاءها، وتسليم المسؤولية الأمنية إلى الدول الموجودة عبر آلية معينة، بحيث تتحمل دول المنطقة الأعباء المالية وتقوم واشنطن بدور الرقيب وتزويدها بالسلاح، بما يضمن إنعاش سوق السلاح والاقتصاد الأمريكي.
المعارضة السورية ترحب بمخرجات قمة الرياض وإعلانها تشكيل ناتو عربي للقضاء على الإرهاب والتصدي لإيران
وثاني أهداف الزيارة يتعلق بالقضاء على تمدد إيران في المنطقة وداعش والإرهاب عمومًا، فسياسة ترامب وقفت ضد إيران وهددت بإلغاء الاتفاق النووي المعقود مع الإدارة السابقة لأوباما، وحسب البيت الأبيض فإن إيران تجاوزت الحد المسموح به لإنتاج المياه الثقيلة خلافًا للاتفاق النووي معها، وطورت بشكل غير قانوني صواريخ بالستية، ولها اعتداءات متكررة على دول المنطقة الحليفة لواشنطن.
وقد خرج القادة وترامب في القمة الإسلامية على توافق ضد إيران والدور الذي تلعبه في المنطقة في تحقيق عدم الاستقرار ونشر العنف من خلال مليشياتها المنتشرة في سوريا والعراق واليمن.
إذ أدان قادة الدول الـ56 تدخل إيران في الشأن الداخلي للدول وأكدوا رفضهم الكامل لممارسات النظام الإيراني المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، ولاستمرار دعمه للإرهاب والتطرف، كما أكّدوا التزامهم مواجهة نشاطات إيران التخريبية والهدامة بكل حزم وصرامة داخل دولهم وعبر التنسيق المشترك”، محذرين من خطورة برنامج إيران للصواريخ الباليستية، وحمّل خطاب ترامب الذي ألقاه في القمة، النظام الإيراني، مسؤولية “الإرهاب العالمي”.
وقال الملك سلمان في كلمة له: “إيران ضربت عرض الحائط بالقوانين الدولية، وأنّ النظام الإيراني يشكل رأس حربة للإرهاب، منذ ثورة الخميني وحتى اليوم”، وأضاف “النظام الإيراني وحزب الله والحوثيين وداعش والقاعدة متشابهون”.
أي تدخل في سوريا لن يكون لصالح إنهاء الصراع بل استدامة للواقع الراهن المتردي والمتشظي بين العديد من الفواعل الإقليمية والدولية التي تعمل في جو متناقض لا يمكن الوصول معه إلى حل
فيما يخص الهدف الأول الذي جاء لأجله ترامب، فقد حظي الاقتصاد الأمريكي بأهمية بالغة في زيارة ترامب، حيث ظهر هذا في خطابه أمام القادة بتركيزه على الاقتصاد الأمريكي وما ستفضي إليه الاتفاقيات الموقعة مع السعودية بخلق مئات آلاف الفرص في الولايات المتحدة، حيث حصد ترامب في زيارته صفقات بلغت قيمتها قرابة نصف ترليون دولار سيتم صرفها على مدى السنوات المقبلة.
جزء كبير من تلك الاتفاقيات كان لبيع الأسلحة، حيث عقدت المملكة طلبيات أسلحة ومنتجات تحتاج من الشركات الأمريكية شهورًا وسنوات لتنفيذها وتتطلب توظيف الآلاف من الموظفين، وهذا سينعش الاقتصاد الأمريكي بالمحصلة ويحقق بالتالي أهداف ترامب الاقتصادية، وستحصل السعودية حسب الصفقة المعلنة على أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار سيتم توريدها بشكل مباشر فيما سيكون هناك مذكرات تفاهم وتحديثات للجيش السعودي وإنشاء مصانع خلال السنوات المقبلة بعشرات المليارات.
مصانع السلاح الأمريكية
وتشمل المبيعات تحديثات ضخمة للجيش والبحرية السعودية مثل سفن قتال ساحلية وأنظمة دفاع صاروخية من طراز “ثاد” وناقلات جند مصفحة وصواريخ وقنابل وذخائر ذكية، كما سيتم إنشاء معامل للإنتاج الحربي من قبل شركات أمريكية بحيث تتم عمليات الإنتاج والتجميع في السعودية لتوطين الصناعات الدفاعية كما يسعى ولي ولي العهد محمد بن سلمان تحقيقه ضمن رؤية 2030.
حظي الاقتصاد الأمريكي بأهمية بالغة في زيارة ترامب، من خلال عقد اتفاقيات وصفقات مع السعودية قاربت النصف ترليون دولار
حتى الآن يمكن القول إن ترامب ومن خلال تأسيس “حلف ناتو عربي” يهدف لبناء تحالف سني إسلامي للقضاء على المعسكر الشيعي ولمحاربة التطرف والإرهاب، وهذه الخطوة والتي تنطعت السعودية للإعلانها من الرياض، ستشكل برأي مراقبين فصلاً مهمًا في سياسة ترامب المستقبلية للشرق الأوسط، وهو ما يعني أن نظامًا إقليميًا جديدًا آخذ بالتشكل والتبلور بدأ بتشكيل حلف عربي بقيادة أمريكية.
ماذا لو تدخل التحالف العربي في سوريا؟
يهدف الحلف إلى محاربة التطرف والإرهاب المنتشر في المنطقة، وتعتبر كل من سوريا والعراق بيئة خصبة لتدخل الحلف بسبب انتشار المليشيات المدعومة من إيران والتي تقاتل إلى جانب النظام السوري، إلا أن الهدف الضمني لواشنطن سيكون قطع التمدد الإيراني في المنطقة وطردها منها.
فواشنطن حتى الآن غير راضية عن اتفاق أستانة 4 الذي أقر مناطق خفض التصعيد بضمانة من تركيا وروسيا وإيران، حيث تحفظ البيت الأبيض على وجود إيران كضامن في الاتفاق، ولإيران رأي آخر في “التحالف العربي” إذ عبر الرئيس الإيراني روحاني في مؤتمره الصحفي الأول بعد انتخابه لولاية ثانية، بأن قمة الرياض ما جاءت إلا بغرض الاستعراض ولن تخرج بنتائج عملية فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب، واعتبر أن الشعوب في كل من سوريا والعراق ولبنان وقعت عمليًا ضد الإرهاب ودعمتها إيران بالمستشارين العسكريين وعبر قنواتها الدبلوماسية.
واشنطن قد تعطي الضوء الأخضر للحلف العربي للدخول إلى سوريا انطلاقًا من الجنوب حيث الحدود مع الأردن
لكن واشنطن وبرعايتها للتحالف العربي انتهجت نهجًا علنيًا وصريحًا ضد إيران، وستقود التحالف لضرب مصالحها في كل من سوريا والعراق ومناطق أخرى، فقد يعطي البيت الأبيض الضوء الأخضر للدخول إلى سوريا انطلاقًا من الجنوب حيث الحدود مع الأردن، وبالأخص من منطقة “التنف” التي تشهد توترًا متصاعدًا في الأيام السابقة، حيث تواصل طهران مساعيها لربط طريق بري يمتد من الأراضي الإيرانية مرورًا بالأراضي العراقية بالبادية السورية وصولًا إلى الحدود اللبنانية وإلى مياه البحر المتوسط.
فصائل المعارضة السورية المدعومة من قبل الأردن
وهو ما يثير حنق الأردن الرافض رفضًا قطعيًا لأي وجود إيراني أو لأي من مليشياتها المدعومة على حدودها مع سوريا، والأردن من خلال دعمها وتدريبها لفصائل من المعارضة السورية مستعدة للدخول بحرب بالوكالة في سوريا لمنع طهران من التواجد على حدودها، والعلاقات ساءت مؤخرًا بين طهران وعمان، وهنا يظهر دور التحالف العربي.
يُذكر أن الأردن أنهى منذ أيام بمشاركة دول عديدة عربية وأجنبية مناورات “الأسد المتأهب” على الحدود مع سوريا، كما توجد قاعدة عسكرية على المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق في منطقة “التنف”، تقوم فيها قوات أمريكية وبريطانية بتدريب قوات للمعارضة السورية في حربها ضد داعش.
وعلى الرغم من تلقي قوات سوريا ومليشيات مدعومة من إيران لضربة جوية أمريكية من طائرات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن يوم الخميس الماضي، اعتبرتها واشنطن ضربة “دفاعية” تحذريرية، فإن قوات النظام والميليشيات لا تزال تحاول التقدم باتجاه معبر التنف، وقد تمكنت من السيطرة على مساحات إضافية على الطريق الممتد من حاجز ظاظا في البادية السورية، ووصلت إلى منطقة الزركا على الطريق نحو معبر التنف، علمًا أنها لا تزال بعيدة بواقع 50 كيلومترًا عن التنف التي تعد من الخطوط الحمراء التي رسمتها الغارة الأمريكية السابقة على الرتل العسكري.
تواصل طهران مساعيها لربط طريق بري يمتد من الأراضي الإيرانية مرورًا بالأراضي العراقية بالبادية السورية وصولًا إلى الحدود اللبنانية وإلى مياه البحر المتوسط
ومن شأن دخول قوات “التحالف العربي” إلى سوريا بقيادة واشنطن وبتنفيذ من قوات الدول التي أكدت استعدادها المشاركة في قوام جيش يبلغ تعداده 34 ألف جندي، أن يغير من الموازين على الأرض في سوريا، وأولى تلك الموازين ردع إيران من الحصول على طريق عبر البادية السورية وبالتالي الحصول على الطريق الذي يوصل أراضيها بمياه البحر المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان.
ومن جهة أخرى طرد أي وجود لمليشيات إيران وقوات النظام من المنطقة الجنوبية التي تضم درعا والقنيطرة والسويداء، ويُذكر أن ذريعة التدخل جاهزة وهي القضاء على قوات داعش المتواجدة في درعا حيث يوجد جيش “خالد بن الوليد” المبايع لتنظيم داعش في بلدات “تسيل” و”عدوان” و”سحم الجولان” ومناطق أخرى من درعا.
مناورات الأسد المتأهب في الأردن على الحدود مع سوريا
لكن دخول التحالف إلى سوريا لا يعني حل الأزمة السورية، بل يعني تحقيق أهداف واشنطن والتحالف العربي في قطع نفوذ طهران أو عرقلته على الأقل وضمان إبقائها في مستنقع يستنزف قواتها واقتصادها، بالإضافة إلى ضمان وجود قناة لشراء السلاح الأمريكي من قبل التحالف العربي. وما قد يسهل مهمة التحالف العربي وواشنطن في الوقوف ضد طهران في سوريا، هي موسكو وخلافها مع طهران في سوريا، فموسكو ليست على توافق تام مع طهران هناك.
فهناك خلافات في الرؤى بين الطرفين من حيث التدخل في سوريا، فموسكو تحتاج مخرج للأزمة السورية وعدم الدخول في مستنقع يستنزفها ومن ثم جني ثمار تدخلها هناك، وتمسكها بالأسد نابع من تأمين مصالحها، فيما تدخل طهران في سوريا يحمل طابع إيدولوجي لحماية محور الممانعة ومشروعها الشيعي في المنطقة وهي متمسكة بالأسد إلى أبعد الحدود.
وبالنسبة للمعارضة السورية فهي تتماهي مع طرح “التحالف العربي” والتدخل في سوريا ضد إيران ومليشياتها المدافعة عن النظام السوري، فقد رحب كل من “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، والهيئة العليا للمفاوضات، أمس الإثنين، بـ”إعلان الرياض”، وأكّد الائتلاف على دور إيران في قتل مئات آلاف السوريين.
موسكو تحتاج مخرج للأزمة السورية وعدم الدخول في مستنقع يستنزفها ومن ثم جني ثمار تدخلها هناك، وتمسكها بالأسد نابع من تأمين مصالحها
وقال رئيس الائتلاف، رياض سيف: “إيران تقف وراء نشوء التنظيمات الإرهابية في المنطقة، وذلك بدعمها لنظام الأسد والمليشيات الطائفية”، مشيرًا إلى أنّ “الدور الذي لعبته طهران في سورية تسبب بمقتل مئات الآلاف من المدنيين، وتشريد الملايين في بلدان اللجوء”، وأكّد سيف على ضرورة محاربة التطرف والإرهاب، وفِي مقدمة ذلك تنظيمات الدولة الإسلامية داعش وحزب الله والقاعدة ونظام الأسد والمليشيات الإيرانية.
إلا أن خروج إيران من سوريا ليس بالأمر اليسير، ولا يتم بين ليلة وضحاها، كما أن أي تدخل في سوريا أيًا كان لن يكون لصالح إنهاء الصراع بل هو استدامة للواقع الراهن المتردي والمتشظي بين العديد من الفواعل الإقليمية والدولية التي تعمل في جو متناقض لا يمكن الوصول معه إلى حل.