ترجمة وتحرير: نون بوست
يواجه البيت الأبيض معضلة؛ إذ يمتلك القدرة على وقف الموت والدمار في غزة في أي وقت يختاره، لكنه اختار ألا يفعل ذلك.
والولايات المتحدة عازمة على دعم الدولة التابعة لها إلى أقصى حد، مما يمنح إسرائيل الترخيص لتدمير القطاع الساحلي الصغير، مهما كانت التكلفة على ما يبدو في أرواح الفلسطينيين.
لكن المشهد ـ وهذا هو كل ما يهم واشنطن ـ كارثي.
وأظهرت صور تلفزيونية مئات الآلاف من الفلسطينيين وهم يفرون من منازلهم المدمرة، على نطاق لم يسبق له مثيل منذ عمليات التطهير العرقي الجماعية السابقة التي قامت بها إسرائيل في سنتي 1948 و1967.
وحتى وسائل الإعلام الغربية تكافح من أجل إخفاء الجبل الحقيقي من الجثث المحطمة والنازفة في غزة. وقد تجاوز عدد القتلى المعروف الآن 11 ألف شخص، مع فقدان آلاف آخرين تحت الأنقاض. ويواجه الناجون سياسة الإبادة الجماعية، مما يؤدي إلى حرمانهم من الغذاء والماء والكهرباء.
وبحلول نهاية الأسبوع، تحولت الحرب الإسرائيلية المعلنة على حماس إلى حرب مفتوحة على مستشفيات غزة، فقد ذكرت منظمة أطباء بلا حدود أن مستشفى الشفاء في مدينة غزة تعرض للقصف بشكل متكرر وانقطعت الكهرباء عنه، مع مشاهد مروعة لأطفال مبتسرين يموتون بعد أن توقفت حاضناتهم عن العمل. وتم إطلاق النار على الموظفين الذين حاولوا الإخلاء، كما أمرتهم إسرائيل، وتكررت مشاهد مماثلة في مستشفى الرنتيسي.
ويتزايد غضب الرأي العام الغربي؛ حيث اجتذبت المسيرات الاحتجاجية أعدادًا لم تشهدها البلاد منذ المظاهرات الحاشدة ضد حرب العراق قبل 20 سنة.
ويجد الحلفاء الغربيون صعوبة أكبر في إخفاء وتبرير تواطؤهم في الجرائم الإسرائيلية ضد الإنسانية التي لا جدال فيها، فقد تغير موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في نهاية الأسبوع، ولخصت هيئة الإذاعة البريطانية رسالته بصراحة على النحو التالي: “ماكرون يدعو إسرائيل إلى التوقف عن قتل النساء والأطفال في غزة”.
وفي السر، يناشد حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط الولايات المتحدة أن تستخدم نفوذها لكبح جماح إسرائيل.
وفي الوقت نفسه؛ تدرك واشنطن تمام الإدراك مدى السرعة التي يمكن بها جر خصوم إسرائيل الإقليميين إلى الصراع، مما يؤدي إلى توسيع الصراع وتصعيده بشكل خطير.
وكان ردها الفوري محبطًا وغير معقول، من خلال التوقف المؤقت لتخفيف الانتقادات، بما في ذلك من 500 موظف في الإدارة قدموا رسالة إلى بايدن يوم الثلاثاء احتجاجًا على دعم البيت الأبيض الشامل لإسرائيل.
وتضمنت هذه الإجراءات دعوة الرئيس إلى “إجراءات أقل تدخلاً” من جانب إسرائيل تجاه المستشفيات، قبل وقت قصير من ورود أنباء عن اقتحام القوات الإسرائيلية لمشفى الشفاء، وشائعات مفادها أن توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق الذي انضم إلى الهجوم الأمريكي على العراق سنة 2003 في انتهاك للقانون الدولي، قد يقوم بدور “منسق الشؤون الإنسانية” للغرب في غزة.
احتلال لا ينتهي
لكن ما تحتاجه إدارة بايدن حقًا هو رواية للتغطية على تبرير حقيقة استمرارها في توفير الأسلحة والتمويل الذي تحتاجه إسرائيل لتنفيذ جرائمها في وضح النهار.
لقد بدأ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن رحلته الأسبوع الماضي في قمة مجموعة السبع، وكان الهدف هو تحويل التركيز بعيدًا عن سياسات الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة ودعم واشنطن لها، إلى مناقشة نظرية بحتة حول ما يمكن أن يحدث بعد انتهاء القتال.
وقال بلينكن، وهو يوضح “رؤيته” لغزة ما بعد الحرب: “من الواضح أيضًا أن إسرائيل لا تستطيع احتلال غزة. الآن، الحقيقة هي أنه قد تكون هناك حاجة لفترة انتقالية ما في نهاية الصراع… لا نرى إعادة احتلال وما سمعته من القادة الإسرائيليين هو أنه ليس لديهم أي نية لإعادة احتلال غزة”.
وكرر جيمس كليفرلي، وزير الخارجية البريطاني السابق، ما قاله نظيره الأمريكي؛ حيث أصر على أن السلطة في غزة سيتم تسليمها إلى “قيادة فلسطينية محبة للسلام”.
ويبدو أن كلاهما يفضل سيطرة محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، على غزة أو ما تبقى منها.
إن هذه المناورة بسوء النية خارجة عن المخططات، حتى وفقًا للمعايير الكاذبة المعتادة للزوج. وتريد الولايات المتحدة وبريطانيا أن نصدق، على الأقل بينما يُذبح الفلسطينيون يوماً بعد يوم، أنهما جادان في إحياء جثة حل الدولتين التي ظلت باردة لفترة طويلة.
إن طبقات الخداع كثيرة جدًا بحيث يجب إزالتها واحدة تلو الأخرى.
الخداع الصارخ الأول هو إصرار واشنطن على أن تتجنب إسرائيل “إعادة احتلال” غزة، ويريد بلينكن أن نصدق أن احتلال القطاع قد انتهى منذ فترة طويلة، عندما فككت إسرائيل مستعمراتها اليهودية في سنة 2005 وسحبت الجنود الذين كانوا يحمون المستوطنين.
ولكن إذا لم تكن غزة محتلة فعليًا قبل الغزو البري الإسرائيلي الحالي، فكيف تفسر واشنطن الحصار الإسرائيلي للقطاع الصغير على مدى السنوات الستة عشر الماضية؟ وكيف تمكنت إسرائيل من إغلاق الحدود البرية لغزة، ومنع الوصول إلى المياه الإقليمية لغزة، ومراقبة سماء غزة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع؟
والحقيقة هي أن غزة لم تشهد يومًا خاليًا من الاحتلال الإسرائيلي منذ سنة 1967. وكل ما فعلته إسرائيل قبل ثمانية عشر سنة عندما سحبت مستوطنيها اليهود، كان إدارة الاحتلال عن بعد، مستغلة التطورات الجديدة في الأسلحة وتكنولوجيات المراقبة.
لقد قامت إسرائيل بتطوير وصقل احتلال متطور للغاية، باستخدام مراهقين إسرائيليين يحملون عصي التحكم في مواقع بعيدة ليلعبوا دور الرب بحياة 2.3 مليون فلسطيني مسجون.
إسرائيل ليست في خطر “إعادة احتلال” غزة، فهي لم تتوقف عن احتلالها.
المواجهة التخيلية
والخداع الآخر هو الانطباع الذي يتعمد بلينكن خلقه بأن الولايات المتحدة تستعد لمواجهة مع إسرائيل حول مستقبل غزة.
أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه ليس في مزاج يسمح له بالجلوس مع القادة الفلسطينيين، حتى من النوع “المحب للسلام”. وفي نهاية الأسبوع، أعلن مرة أخرى أن إسرائيل ستتولى “السيطرة الأمنية” على القطاع بمجرد رحيل حماس.
وقال للإسرائيليين مساء السبت: “لن تكون هناك حماس. ولن تكون هناك سلطة مدنية تعلم أطفالها كراهية إسرائيل وقتل الإسرائيليين وتدمير دولة إسرائيل”.
وأضاف أن القوات الإسرائيلية ستكون قادرة على “الدخول [إلى غزة] وقتما نشاء لقتل الإرهابيين”.
ومن المؤكد أن القادة العسكريين الإسرائيليين يأخذون هذه الرسالة على محمل الجد، ويتعهدون بالعودة إلى غزة إلى الأبد.
لكن القول بأن إسرائيل وواشنطن ليسا على نفس الصفحة هو محض خداع، ويعد “الخلاف” معقّد بالكامل ومصممًا لجعل الأمر يبدو كما لو أن إدارة بايدن، في سبيل الدفع نحو المفاوضات، تقف إلى جانب الفلسطينيين ضد إسرائيل، وهو الأمر الأبعد عن الحقيقة.
إن الإدعاء نعمة لكلا الجانبين؛ حيث تريد الولايات المتحدة أن تبدو ذات يوم – بعد تدمير كل منازل غزة وتطهير سكانها عرقيًا – وكأنها ستجر نتنياهو إلى طاولة المفاوضات وهي ترفس وتصرخ.
وفي الوقت نفسه، فإن نتنياهو المحاصَر قادر على تسجيل نقاط شعبية لدى اليمين الإسرائيلي من خلال اتخاذ مواقف متحدية ضد إدارة بايدن.
إنها مسرحية صرفة؛ حيث إن المواجهة لن تتحقق أبدًا و”الرؤية” الأميركية ليست أكثر من مجرد وهم.
حل اللادولة
والحقيقة هي أن واشنطن تخلت رسميًا عن ما يسمى بحل الدولتين منذ سنوات، مدركة أن إسرائيل لن تسمح أبدًا حتى بالدولة الفلسطينية الأكثر تقييدًا.
على مدى العقود الثلاثة الماضية، انتقلت إسرائيل من التظاهر – الذي استمر خلال عملية أوسلو – بأنها قد تتنازل ذات يوم عن دولة فلسطينية صورية منزوعة السلاح، معزولة عن بقية الشرق الأوسط، إلى الرفض الصريح للدولة الفلسطينية بأي شروط على الإطلاق.
وبالعودة إلى تموز/يوليو الماضي، قبل هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، فقد تردد على نطاق واسع أن نتنياهو قال في اجتماع برلماني إسرائيلي مغلق إن آمال الفلسطينيين في إقامة دولة ذات سيادة “يجب القضاء عليها”.
فهل ستكون إسرائيل نفسها التي رفضت تأييد قيام دولة تحت قيادة عباس، الزعيم الفلسطيني الذي وصف التنسيق الأمني مع إسرائيل بأنه “مقدس”، مستعدة حقًّا لتسليم مفاتيح المملكة بعد هيجانها الأخير؟
وتذكروا أن نتنياهو هو الذي أوضح لحزبه الليكود الحاكم في عام 2019 أن “دعم حماس وتحويل الأموال إلى حماس” هما أفضل وسيلة لإسرائيل “لإحباط إقامة دولة فلسطينية”.
لم يكن هذا موقفًا شاذًا، بل كان مشترَكًا بين المؤسسات العسكرية والأمنية، وقد تم تحقيق هذه الإستراتيجية من خلال السياسات الإسرائيلية المصممة للتقسيم الدائم، ماديًّا وسياسيًّا، بين المكونين الإقليميين الرئيسيين لأي دولة فلسطينية مستقبلية: الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأصبح التنقل بين الاثنين مستحيلًا تقريبا، فقامت إسرائيل بزراعة قيادات محلية مختلفة ومعادية في كل إقليم بحيث لا يستطيع أي منهما الادعاء بتمثيل الشعب الفلسطيني.
وفي الجلسة البرلمانية التي انعقدت في شهر تموز/يوليو، أصر نتنياهو أيضًا على أن من المصلحة الإسرائيلية الحيوية أن يتم دعم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
وفي الوقت نفسه، تم عزل القدس، العاصمة الضرورية للدولة الفلسطينية، فعليًّا عن كلا المنطقتين، وتم تجريدها من أي تمثيل سياسي فلسطيني.
وكما تعلم إدارة بايدن جيدًا، فإن إسرائيل لن تسمح أبدًا بتأسيس قيادة فلسطينية “معتدلة” في غزة، وتوحدها مع الضفة الغربية وتعزز قضية إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
لكن الحديث عن إحياء حل الدولتين أصبح وسيلة مفيدة لصرف الانتباه عن الحل الفعلي الذي تنفذه إسرائيل على مرأى ومسمع من الجميع.
التصرفات الإسرائيلية تحكي هذه القصة؛ إن قصف أنقاض منازل غزة والبنية التحتية المدنية من المستشفيات، والمدارس، ومجمعات الأمم المتحدة، والمخابز، والمساجد، والكنائس، وكل ما كان ضروريًّا لدعم واحدة من أكثر الأماكن اكتظاظاً بالسكان على وجه الأرض.
لقد تم تهجير السكان في شمال غزة قسرًا لإنشاء حظيرة احتجاز أصغر حجمًا وأكثر اكتظاظًا في جنوب غزة، مما يضمن أن يكون الجيب “مكانًا لا يستطيع أي إنسان التواجد فيه”، على حد تعبير جيورا إيلاند، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق.
والهدف واضح: طرد سكان غزة إلى الأراضي المصرية المجاورة في سيناء، ونظرًا لتكوين إسرائيل السابق، فإن الاستنتاج المعقول الوحيد الذي يمكن استخلاصه هو أن عائلات اللاجئين في غزة – وبعضهم على وشك أن يُنفى من قبل إسرائيل للمرة الثانية أو الثالثة – لن يُسمح لهم أبداً بالعودة إلى الأنقاض.
يمكن لإدارة بايدن أن تدَّعي أنها تعمل على إحياء حل الدولتين غير الموجود، لكن الحقيقة هي أن إسرائيل كانت تضع خطة طرد كهذه ـ والتي تسمى “خطة غزة الكبرى” ـ على طاولة التخطيط منذ عقود من الزمن.
ووفقا للتقارير، فقد وقعت واشنطن على إنشاء جيب فلسطيني في سيناء منذ عام 2007 على الأقل.
عباس العاجز
وعلى افتراض أن أي شيء في غزة سينجو من الهجوم الحالي، فإن خدعة بلينكن التالية هي الإيحاء بأن عباس والسلطة الفلسطينية قادران أو راغبان في أخذ مكان حماس.
هناك بطبيعة الحال مسألة بسيطة تتعلق بالكيفية التي قد يتمكن بها عباس من حكم شعب قد فقد مصداقيته معه في الماضي من خلال التسامح مع جرائم إسرائيل إلى ما لا نهاية، ففي نهاية المطاف، تم طرد فتح التي يتزعمها من غزة في عام 2006 بعد هزيمته في الانتخابات التشريعية الفلسطينية.
لكن عباس بدأ يفقد المزيد من مصداقيته لدى الفلسطينيين بينما يجلس بشكل سلبي وسط الفظائع التي تتكشف في غزة، وكما أشار السفير البريطاني السابق كريج موراي، مع كون فلسطين عضوًا في الأمم المتحدة، يستطيع عباس تفعيل اتفاقية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل.
وهذا بدوره يتطلب من محكمة العدل الدولية إصدار حكم، ومن شأنه أن يضع إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة في موقف دفاعي قوي، ولكن عباس ضحى مرة أخرى بشعبه لتجنب إثارة غضب الولايات المتحدة.
والأمر الأكثر سخافة هو فكرة أن تسمح إسرائيل للسلطة الفلسطينية بحكم غزة في حين لا يُسمح لنفس السلطة الفلسطينية بأن تكون مسؤولة عن الضفة الغربية.
ولا يتمتع عباس بأي سيطرة من أي نوع على 62 بالمائة من الضفة الغربية التي وضعتها اتفاقيات أوسلو – مؤقتًا – تحت الحكم الإسرائيلي الكامل، الذي يفرضه الجيش الإسرائيلي وميليشيات المستوطنين اليهود، إن ما قصدت أوسلو أن يكون مؤقتًا، جعلته إسرائيل دائمًا منذ زمن طويل.
وفي ربع آخر من الضفة الغربية، لم تعد السلطة الفلسطينية أكثر من سلطة محلية مبجلة، تدير المدارس وتفرغ صناديق القمامة.
وفي الخُمس المتبقي من الأراضي، وخاصة المناطق المبنية، يتمتع عباس بسلطات محدودة للغاية، ولا تملك السلطة الفلسطينية سيطرة على الحدود أو الحركة الداخلية أو المجال الجوي أو الترددات الإلكترونية أو العملة أو سجل السكان.
ليس لعباس سوى قوة شُرطية في هذه المدن، تعمل كمقاول أمني محلي للجيش الإسرائيلي، وعندما يقرر الجيش الإسرائيلي القيام بهذه المهمة بنفسه، ويقتحم إحدى مدن الضفة الغربية دون سابق إنذار، تختفي قوات عباس في الظل.
إن فكرة أن يتمكن عباس من تولي مسؤولية غزة عندما يكون عاجزًا في “معقله” في الضفة الغربية هي فكرة خيالية.
لن يُقضى على حماس
ولكن ربما تكون أكثر خدع البيت الأبيض خداعًا واحتيالًا هو الافتراض بأن حماس ـ وبالتالي كل المقاومة الفلسطينية ـ يمكن استئصالها من غزة.
إن المقاتلين الفلسطينيين ليسوا قوة غريبة غزت القطاع؛ فهم ليسوا محتلين، على الرغم من أن هذه هي الطريقة التي تصورهم بها كل الحكومات ووسائل الإعلام الغربية.
لقد خرجوا بشكل طبيعي من رحم شعب عانى عقودًا من الانتهاكات العسكرية والقمع من قبل إسرائيل. وتعتبر حماس هي إرث تلك المعاناة.
إن سياسات الإبادة الجماعية التي تنتهجها إسرائيل ـ ما لم تكن تنوي إبادة كل فلسطيني في غزة ـ لن تؤدي إلى تهدئة دافع المقاومة، وسوف تؤدي إسرائيل بكل بساطة إلى تأجيج المزيد من الغضب والاستياء، وخلق دافع أقوى للانتقام.
وحتى لو تم القضاء على حماس؛ فإن جماعة مقاومة أخرى، ربما أكثر يأسًا وشراسة، ستظهر لتحل محلها.
إن معظم الأطفال الفلسطينيين الذين يتعرضون الآن للقصف والترهيب، ويصبحون بلا مأوى مع عائلاتهم، ويشهدون مقتل أحبائهم، لن يكبروا خلال السنوات القليلة المقبلة ليصبحوا سفراء سلام شباب، وسيكون حقهم الطبيعي هو البندقية والصاروخ، وسيكون طموحهم هو الانتقام لعائلاتهم واستعادة شرفهم.
وإسرائيل والولايات المتحدة تعرفان كل هذا أيضًا، والتاريخ مكتظ بمثل هذه الدروس التي تعلمها المستعمرون والمحتلون الجشعون والمتغطرسون.
لكن هدفهم – مهما زعموا – ليس الحل أو القرار. إنها الحرب الدائمة، التي تؤدي إلى إدامة “دوامة العنف”، فهي تعمل على تشحيم خطى الدبابات لآلة الحرب الغربية المربحة من خلال إنتاج نفس الأعداء الذين يقال للشعوب الغربية إنهم بحاجة إلى الحماية منهم.
وسواء أُعيد الفلسطينيون إلى العصر الحجري في غزة، كما رغب القادة العسكريون الإسرائيليون منذ فترة طويلة، أو طُردوا للعيش في مخيمات اللاجئين في سيناء، فإنهم لن يقبلوا مصيراً يُعاملون فيه باعتبارهم “حيوانات بشرية”، وسوف تستمر معركتهم، وسيتعين على إسرائيل وواشنطن أن تستمرا في اختراع قصص جديدة وأكثر خيالية لمحاولة إقناعنا بأن أيدي الغرب نظيفة.
المصدر: ميدل إيست آي