رغم الوعود المتكررة التي ما فتئت الحكومات التونسية المتعاقبة على حكم البلاد منذ 14 من يناير2011 إلى الآن، تقدّمها للشعب التونسي بعد كل احتجاجات تشهدها مختلف جهات البلاد، فإن هذه الاحتجاجات لم تهدأ بعد ولم تتوقف.
الأسباب التي دفعت للثورة لم توفّ إلى الآن
نعم نجحت الثورة التونسية في تحقيق بعض الاستحقاقات السياسية والمدنية والحريات الخاصة والعامة، حتى أصبحت نموذجًا عربيًا يحتذى به، لكنها بالمقابل لم تكن منصفة للمطالب الاجتماعية والاقتصادية الملحة، فذات المطالب الاجتماعية والاقتصادية التي نادت بها حناجر الشباب الذي ثار، ما زالت لم تراوح مكانها، حيث عجزت الحكومات المتعاقبة عن تحويل “الثورة” إلى” ثروة“، فتواصلت الاحتجاجات في عدد من المناطق التي تعد أقل حظًا في التنمية في الشمال الغربي والوسط الغربي والجنوب.
لم يتمكن حكام تونس، رغم التسهيلات التي وفروها والحوافز التي قدموها، في كسب ثقة المستثمر الأجنبي والمحلي
فحكام تونس عجزوا خلال السنوات التي تلت ثورة الياسمين على تخطي عتبة نسبة 1% في النمو الاقتصادي للبلاد وتقليص عدد العاطلين عن العمل لا سيما من فئة الشباب حاملي الشهادات الجامعية العليا التي فاقت نسبتها 15.3% والتحكم في تدهور سعر صرف الدينار في الأسواق العالمية، حيث يبلغ سعر اليورو حاليًا 2.7 دينار تونسي، ويعتقد خبراء أن ترك الدينار حرًا سيجعله تحت رحمة واقع التوازنات الاقتصادية الحالية إلى أن يصل إلى نقطة التوازن في السعر الحقيقي.
كما لم يتمكن حكام تونس، رغم التسهيلات التي وفروها والحوافز التي قدموها، في كسب ثقة المستثمر الأجنبي والمحلي، حيث تراجعت الاستثمارات الأجنبية في تونس بشكل حاد في السنوات الماضية نتيجة خروج عدد من المستثمرين وتزايد الإضرابات والصراع السياسي والقلق الأمني، لتصل إلى نحو تسعمئة مليون دولار سنة 2015 بعد أن كانت تقدر بنحو 1.58 مليار دولار سنة 2010.
تراجع المقدرة الشرائية للتونسيين
إلى جانب ذلك، ارتفع مستوى التضخم مع تراجع قيمة الدينار التونسي في الآونة الأخيرة، وقالت وكالة الإحصاءات الحكومية التونسية إن معدل التضخم السنوي في تونس ارتفع إلى 5% في أبريل الماضي، بعد أن كان 4.4 %طوال سنة 2010.
وارتفعت نسبة الدين الخارجي بشكل مفزع قارب الـ62% من إجمالي الناتج المحلي منذ 2011 إلى 2016، أي بارتفاع بنحو 2% مقارنة بالمستوى الذي كانت عليه في العام 2014، حيث أكدت الحكومة السابقة حينها أن حجم الديون الخارجية بلغ 21.3 مليار دولار وهو حجم ديون قياسي مقلق نتيجة تضخم الأجور وتراجع الانتاج في العديد من القطاعات الحيوية، وكان حجم الدين الخارجي لتونس في 2010 عند مستوى 13.4 مليار دولار لكنه سرعان ما ارتفع إلى 21.3 مليار دولار في 2014 مع نسق تصاعدي في 2015 و2016.
خيبة أمل تجاه السياسيين
كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى مزيد من تردي الأوضاع الاجتماعية واهتراء الطبقة الوسطى على خلفية الزيادات في الضرائب، وتدهور القدرة الشرائية للتونسيين، وهو ما أدّى بدوره إلى تواصل الاحتجاجات وإن توقفت بين الفينة والأخرى، مطالبة بالتنمية والتشغيل وحفظ كرامة الإنسان، الأمر الذي يستدعي ضرورة التدخل العاجل ووضع منوال تنموي يرتقي بمختلف المحافظات التونسية ويساهم في تقليص البطالة ويحد من تدهور المقدرة الشرائية للتونسيين.
فحكام تونس بعد الثورة لم يفلحوا في كسب ثقة المواطنين ونشر الطمأنينة في صفوفهم، فالأسباب التي دفعت إلى ثورة 14 يناير لم تنتف إلى الآن وما زال سكان المناطق التي شهدت الانتفاضات الأولى بانتظار تحقيق قدر من التنمية وتوفير فرص العمل وتطوير البنية التحتية.
رغم الزيارات المتكررة والوعود الكثيرة لمسؤولين في الدولة والحكومات السابقة، ما زالت معدلات البطالة في هذه المناطق تشهد ارتفاعا متواصلا
فالمناطق التي كانت مهدى الثورة التونسية التي انطلقت في شتاء 2010، لا تزال على حالها بل ازداد الوضع عقيدًا، فلا الوعود الانتخابية تحققت ولا السياسيين ألقوا لها بالاً بعد الانتخابات، حتى عمّ الغضب والسخط تجاه أغلبهم خاصة المشرفين على الشأن العام في البلاد.
فرغم الزيارات المتكررة والوعود الكثيرة لمسؤولين في الدولة والحكومات السابقة، ما زالت معدلات البطالة في هذه المناطق تشهد ارتفاعًا متواصلاً، والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية زادت أكثر، أما البنية التحتية فتعاني، وهو ما زاد من خيبة أمل التونسيين من معظم السياسيين.
تواصل معاناة التونسيين رغم الثورة
وسبق أن أقر رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد بأن الحكومات المتعاقبة على تونس منذ 2011 فشلت في تحقيق التنمية الاقتصادية التي طالب بها الشعب خلال الثورة، وقال الشاهد: “إذا أردنا أن تصبح هذه الديمقراطية صلبة وقوية (..) يجب أن تحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للثورة وهي الكرامة والتشغيل، وهنا لم ننجح لأن البطالة زادت والفوارق الاجتماعية زادت والجهات (المناطق) المهمشة لا تزال مهمشة“، إلا أن حكومته لم تنجح هي الأخرى في ذلك.
إزاء تواصل هذه الاحتجاجات، لا بدّ من الماسكين بالسلطة أن يبدعوا ويركّزوا على العمل ويتّخذوا إجراءات فورية جادة لفائدة المناطق الداخلية وتحويل وجهة التمويل العمومي نحو مفاصل الفقر والبطالة ومقاومة الفساد خصوصًا في هذه الجهات المحرومة، فما تحقق من إنجازات سياسية لن يخفي الأعباء الاجتماعية والاقتصادية التي ما زلت تعرفها البلاد.