إن صراع الإرادات والمصالح بين القوى المحلية والإقليمية والدولية على مرحلة ما بعد داعش في الموصل، له مُعطيات وخصائص وقوى مختلفة تمامًا عن المدن الأخرى في العراق والتي تُعد جزءًا لا يتجزأ من المشهد العراقي المعقد، وتتعامل وتشترك في عملية استعادة وتدمير المدينة ومشروع ما بعده عدد من القوى والشركات ذات المصالح والرؤى المتناقضة والتي تؤجل بعض خلافاتها لمرحلة لاحقة.
فالمدينة تقع على حدود إقليم كردستان وتضم أقضية تسمى “مناطق متنازع عليها”، كما أن للإقليم مشاكل مع المركز فيما يخص الصلاحيات الإدارية والنفطية والعلاقات الخارجية ومن ضمنها الحدود الإدارية لمحافظة نينوى التي أصبح جزء منها تحت سيطرة الإقليم بعد استعادته أجزاء منها عن طريق البيشمركة الكردية.
ناهيك عن وجود خلافات مؤجلة بين مدينة الموصل وإقليم كردستان على ذات الموضوع، وجميع تلك الخلافات كانت حاضرة في أثناء التحضير لمعركة الموصل وخلالها، وستستمر مع القوى والشركات على مواضيع إعادة الإعمار وتقديم الخدمات وتوفير الأمن.
تعمل الإرادة التركية الجديدة في صراع الإرادات في الموصل على عدد من المواضيع التي تشكل محاور ضغط عليها وعلى مستقبل مصالحها في العراق
في ظل رؤية الولايات المتحدة الجديدة للمنطقة بقيادتها من الأمام بدلاً من قيادتها من الخلف والمشاركة مع الدول وإشراكها في حلحلة قضايا المنطقة كما كان في عهد أوباما، تعمل الإرادة التركية الجديدة في صراع الإرادات في الموصل على عدد من المواضيع التي تشكل محاور ضغط عليها وعلى مستقبل مصالحها في العراق خاصة في مناطق التركمان في “كركوك” و”تلعفر” ووجود الـ”بي كي كي” في سنجار وتفعيل خط جيهان التركي وتصدير النفط العراقي إلى أوروبا عبر تركيا كدولة ممر، إضافة إلى قاعدة “بعشيقة” العسكرية.
وقد أخذ الوجود العسكري والدور التركي جدلاً سياسيًا واسعًا في الفترة الماضية وزخمًا إعلاميًا كبيرًا منذ بدايته عن السيادة العراقية وإذن الموافقة في الدخول والمشاركة في معركة الموصل أو الاضطلاع بدور الإسناد والتدريب لقوات البيشمركة الكردية والحشد الوطني المُشكل من أبناء مدينة الموصل والذي من المفترض أن يعطي دور “مسك الأرض” أو إدراة الملف الأمني بعد اكتمال استعادتها.
الدور التركي دور متأخر جدًا في العراق، لكن يبقى دورًا إيجابيًا مهمًا لخلق حالة من التوازن مع إيران في الشمال، رغم أنه سيبقى توازنًا مختلاً مقارنة بالدور الإيراني الممتد
إن الدور التركي دور متأخر جدًا في العراق، لكن يبقى دورًا إيجابيًا مهمًا لخلق حالة من التوازن مع إيران في الشمال، رغم أنه سيبقى توازنًا مختلًا مقارنة بالدور الإيراني الممتد شرقًا وغربًا وتعمل برؤية واحدة وإن بدأ يتفكك ويتشظى ويضعف مقابل تحالفات الدول الإسلامية.
فالدور التركي والوجود العسكري جزء من المحور الإقليمي الذي أخذ على عاتقه “مواجهة” الإرهاب والنفوذ الإيراني في العراق والمنطقة وبكل المستويات السياسية والعسكرية والدبلوماسية وبمظلة أمريكية وعدت بدعم هذا المحور مقابل المحور الإيراني الصلب بتحالفاته وبمظلة روسية لا تتخلى عن حلفائها بسهولة.
إن الدور التركي في شمال العراق وقرب الموصل يتم بتنسيق مع أطراف داخلية وإقليمية ودولية ، فالولايات المتحدة على علم مسبق بالوجود العسكري التركي وتم بالتنسيق معها ومع التحالف الدولي الذي ضم تركيا إليه في محاربة داعش، مما أدى إلى حصول تركيا على موافقة ضمنية بحرية الحركة والوجود الجوي والبري في سوريا والعراق لمواجهة التنظيمات الإرهابية المصنفة لديها، خاصة بعد الحرج من “غياب المُبررالمنطقي المُقنع” بالنسبة لقوى داخل الحكومة العراقية من الدور والوجود العسكري التركي.
يبقى التناقض الأمريكي وحتى العراقي في الأفعال والأقوال والمواقف المتلونة من الوجود التركي الذي يؤكد غياب الاتفاق على مشروع ما بعد داعش
لكن يبقى التناقض الأمريكي وحتى العراقي في الأفعال والأقوال والمواقف المتلونة من الوجود التركي الذي يؤكد غياب الاتفاق على مشروع ما بعد داعش والمصالح الكبيرة المرتبطة به بين القوى الإقليمية والدولية والذي سيفتح أزمات جديدة بصيغ مختلفة لا تقل خطورة عن محاربة داعش.