العربية وسكاي نيوز: سقوط إعلامي مدوٍ مع سبق الإصرار

untitle33333d-1

في وقت متأخر من ليلة أمس الثلاثاء، نشرت كل من قناتي “العربية” المدعومة من السعودية، و”سكاي نيوز” المدعومة من الإمارات، أخبارًا ملفّقةً منسوبة إلى وكالة الأنباء القطرية “قنا”.

حيث تم نشر أخبار على لسان أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، يهاجم فيها دولًا خليجية، ويدعو لاحترام مكانة إيران كدولة إسلامية، متناولًا الموقف من ترامب وحماس وجماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من التصريحات المثيرة للجدل.

هذه الأخبار المريبة، لم تدع كلًا من العربية وسكاي نيوز للتحقق منها قبل نشرها، بحسّ الصحفي الذي يميّز المعقول أو غير المعقول من الأنباء، فليس من المنطق أو المتعارف عليه أن يخرج أمير قطر بمثل هذه التصريحات، وذلك بعيد قمّة جمعت دولًا عربية وإسلامية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل 3 أيام.

المريب والمثير في الأمر، أن كلًا من القناتين نشرت هذه التصريحات مباشرة وفي نفس اللحظات التي نُشرت فيها على وكالة “قنا”، حيث نقلت القناتان وعبر حسابات تويتر التابعة لهما، التصريحات، وفي الوقت نفسه لم ينشرها أي أحد سواهما، حتى حساب وكالة “قنا” نفسه على تويتر لم ينشر هذه الأنباء التي تم نشرها على موقع الوكالة، وبعد ذلك بدقائق، كانت مواقع كبيرة ووكالات وصحف، قد تناقلت هذه الأنباء بالاعتماد على ما تم نشره بسرعة كبيرة ومريبة عبر “العربية” و”سكاي نيوز”.

بعد ساعات قليلة من القمة الخليجية الأمريكية التي جمعت الرئيس الأمريكي بزعماء دول مجلس التعاون الخليجي، تتعرض قطر إلى حملة شعواء من قبل دول خليجية، وها هو أميرها يتهم ببث الفتنة وزعزعة الاستقرار في المنطقة، وها هي قناة الجزيرة تحجب وموقعها من دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية.

ليلة ملبدة بغيوم الفوضى والجدل عاشتها العواصم الخليجية، اتهامات هنا وهناك، وتجاهل لردود الفعل، واستباق للأحداث، والصراع من أجل إثبات موقف ما ضد دولة بعينها، ومحاولة خلق أزمة دبلوماسية ربما تعصف بوحدة الخليج بأكمله، فضلاً عما يمكن أن تلعبه من دور في إعادة رسم خارطة المنطقة سياسيًا، إذًا ما الذي حدث؟

الدوحة تنفي

بعد دقائق من بث الوكالة القطرية لتلك التصريحات، خرج مدير مكتب الاتصال الحكومي الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني ليؤكد أن ما تم نشره ليس له أي أساس من الصحة، قائلاً: “الموقع تم اختراقه من قبل جهة غير معروفة إلى الآن وتم نسب تصريح مفبرك لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى”.

وأضاف مدير مكتب الاتصال الحكومي: “الجهات القطرية المختصة ستباشر التحقيق في الأمر لبيان ومحاسبة كل من قام بهذا الفعل المشين”، كما نفى مصدر دبلوماسي قطري في تصريح لوكالة الأناضول صحة التصريحات المنسوبة للأمير تميم وتناقلتها العديد من وسائل الإعلام نقلاً عن وكالة الأنباء القطرية الرسمية.

الوكالة القطرية دعت وسائل الإعلام إلى تجاهل ما ورد من تصريحات مغلوطة نسبت لأمير البلاد، ليبقى السؤال هل استجابت وسائل الإعلام لدعوة “قنا” بعد تأكيد اختراق موقعها الإلكتروني؟

سقوط مهني مع سبق الإصرار

في تطور غامض وغير مفهوم للأحداث سارعت وسائل الإعلام الخليجية لا سيما الإماراتية والسعودية بنقل التصريحات التي بثتها الوكالة القطرية متجاهلة تمامًا دعوتها والتأكيد على أنها “مفبركة” وهو ما وضع العديد من التساؤلات.

البداية كانت مع دولة الإمارات حيث تم حظر قناة الجزيرة وموقعها، فضلاً عما شنه سياسيون وإعلاميون إماراتيون من هجوم حاد ضد قطر وقياداتها وحكومتها.

من جانبه شنّ ضاحي خلفان، نائب مدير شرطة دبي السابق، هجومًا ضد قناة الجزيرة وقطر، متهمًا إياها بتفضيل إيران والإخوان على السعودية ودول الخليج، حيث كتب في تغريدة له على حسابه الشخصي على “تويتر”: “تفضيل قطر تنظيم الإخوان وإيران على السعودية والإمارات والكويت والبحرين كارثة سياسية”.

وفي تغريدة أخرى يتهم قطر بمحاولة شق الصف الخليجي

الإعلام السعودي كان له النصيب الأكبر من هذا الهجوم، إذ سارعت قناة العربية إلى بث تغطية شاملة معتمدة على التصريحات المنسوبة لأمير قطر ووزير خارجيته، متهمة الدوحة بمحاولة بث روح الفتنة وشق الصف.

جريدة الوطن السعودية فندت عبر حسابها على “تويتر” مزاعم الدوحة بشأن اختراق موقع وكالة أنباءها الرسمية، حيث قالت: “نشر التصريحات على كل منصات وكالة الأنباء القطرية يبعد حجة الاختراق”.

وهو ما عزفت عليه أيضًا صحيفة الاقتصادية السعودية، حين كتبت على حسابها الشخصي على “تويتر”: “قطر تزعم بوجود اختراق لكن الحقيقة أن أمير قطر قد انقلب من خلال تصريحات مستفزة ومستغربة”.

تجاهل الإعلام السعودي والإماراتي لاحتمالية تعرض وكالة الأنباء القطرية لعملية قرصنة أو اختراق إلكتروني والمسارعة من أجل بث تلك التصريحات التي من شأنها تأجيج الخلاف والشقاق الخليجي، يضع العديد من علامات الاستفهام عن الهدف من ورائها، وهو ما يقود إلى التساؤل: هل هناك نية مبيته لإشعال الموقف هكذا أم أنه مجرد سبق صحفي لا أكثر؟

هنا، وبعد نفي هذه التصريحات والتأكيد على اختراق موقع الوكالة القطرية، لم تتوقف كل من “العربية” و”سكاي نيوز” عن إعادة نشر هذه التصريحات الملفقة، بل إن صحفًا سعودية وإماراتية ومواقع إلكترونية دخلت على الخط، وشنّت هجومًا غير مسبوق على قطر، دولة وأميرًا، مما أثار جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي استمر حتى صباح اليوم.

بل إن هذه القنوات – العربية وسكاي نيوز والحدثة – بادرت بفتح تغطية مباشرة على الهواء لتتناول هذه التصريحات المنسوبة للأمير تميم دون الرجوع لأي مصدر قطري، أو الأخذ بالنفي الرسمي القطري لصحتها.

هذا الهجوم غير المسبوق، وهذا التعمّد في التلفيق، أثار حفيظة وغضب الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اتهم الكثيرون هذه القنوات بتعمّدها نشر هذه الأنباء، وذلك ليس من باب إعلام الناس بالخبر فقط، بل من باب التشهير والتلفيق المتعمد، مؤكدين في الوقت نفسه سقوط المهنية الإعلامية لدى هذه القنوات التي لم تعتذر عن هذا الخطأ الفادح، والذي سيتضّح لاحقًا أسبابه ومن يقف وراءه.

حجب “الجزيرة نت” وصحف قطرية في الإمارات والسعودية

الأمر هنا لم يتوقف عند هجوم هذه القنوات والصحف والمواقع السعودية والإماراتية، بل تعدى ذلك إلى إعلان كل من السعودية والإمارات في وقت متأخر من الليل، حجبهما لموقع “الجزيرة نت” ولصحف قطرية أخرى، في أمر مستهجن من قبل قطر التي ما زالت تؤكد عدم صحة هذه التصريحات الملفّقة.

هذا الأمر فتح مجالًا واسعًا من الجدل وتبادل الاتهامات من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ظهر المبررون والشامتون في دولة قطر وقناة الجزيرة، إلا أن صحفيين عرب وخليجيين اعتبروا أن هذه الليلة، ليلة السقوط المدوي للمهنية الإعلامية وأخلاقيات المهنة لعدة وسائل إعلام إماراتية وسعودية وعلى رأسها العربية وسكاي نيوز.

هذه الليلة، تذكرنا تمامًا بليلة محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، في الـ15 من تموز الماضي، حيث نشرت القناتان – العربية وسكاي نيوز – أخبارًا ملفقة وكاذبة عن طلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اللجوء إلى ألمانيا بعد نجاح الانقلاب العسكري

مؤكدين في الوقت نفسه أن ما جرى يثبت بشكل قاطع تورط هذه القنوات  في هجمة مدروسة ومنظمة، قائمة على الكذب والتلفيق والفبركة الإعلامية، حيث بدأت هذه الحملة باختراق موقع وكالة الأنباء القطرية ونشر أخبار مزيفة مع التجهيز المسبق لحملة إعلامية هجومية ضد قطر بناءً على الأخبار المزيفة المنشورة، ثم تم وبكل “وقاحة” تجاهل الإعلان الرسمي القطري عن الاختراق والتعامل معه وكأنه لم يحدث.

هذه الليلة، تذكرنا تمامًا بليلة محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، في الـ15 من تموز الماضي، حين نشرت القناتان – العربية وسكاي نيوز – أخبارًا ملفقة وكاذبة عن طلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اللجوء إلى ألمانيا بعد نجاح الانقلاب العسكري، حيث نشرت القناتان عبر حسابات تويتر التابعة لها أن الجيش أصبح المسيطر الوحيد على الدولة التركية، وأركان الدولة على رأسهم الرئيس أردوغان باتوا يبحثون عن ملجأ لهم من هذا الانقلاب.

وهذا يعود بنا للذكر بأن هذه ليست المرة الأولى لهذه القنوات التي تفجّر فيها حالة من الجدل بشأن مهنيتها الإعلامية والصحفية، فهناك الكثير من المآخذ لدى الجمهور العربي بشكل عام، ولعموم الصحفيين العرب على هذه القنوات، التي دائمًا ما تبرر وتنشر الكثير من الأخبار غير الدقيقة والحساسة في العالم العربي، فكانتا أولى القنوات التي هاجمت الربيع العربي بأسلوب مباشر وغير مباشر، منذ ان انطلق قبل نحو 7 أعوام.

أمر مدبر أم سبق إعلامي؟

الصحفي القطري جابر الحرمي، استنكر التغطية الإعلامية السعودية والإماراتية على وجه الخصوص لتلك التصريحات “المفبركة” مشككًا في كونها سبقًا صحفيًا تسعى وسائل الإعلام للحصول عليه.

الصحفي القطري ألمح في تغريدات له على حسابه الشخصي على “تويتر” أن العملية “مدبرة” حيث كتب يقول: “حتى نعرف أن الأمر دبّر بليل، قامت #سكاي_نيوز و #العربية بحشد محللين للحديث عن تصريحات منسوبة لـ #أمير_قطر.. أليس من الأولى استضافة قطري”؟!

واتهم وسائل الإعلام التي تعاملت مع تلك التصريحات بسوء نية بأنها “مرتزقة”: “لا تحسبوه شر لكم، بل هو خير لكم، أؤمن بأن ما حدث خير لـ #قطر.. سقطت ورقة التوت عن عورة كثيرين.. قنوات.. مواقع.. رؤساء تحرير.. مرتزقة”.

وهو ما أشار إليه أيضًا الرئيس التنفيذي للمؤسسة القطرية للإعلام، عبد الرحمن بن حمد، في تغريدته التي قال فيها: “الواضح أن بعض الوسائل الإعلامية متبنية فلسفة غوبلز وزير الدعاية النازي “اكذب اكذب حتى يصدقك الناس”.

حالة من الجدل والغموض تنتاب المشهد برمته، فقطر صاحبة العلاقات القوية والراسخة مع الدول الخليجية خاصة السعودية والإمارات حين تتعرض لمثل هذا الهجوم خاصة بعد نفيها لتلك التصريحات وتأكيدها على اختراق موقع وكالتها الرسمية وهو شيء معتاد ومكرر في مختلف الدول والحكومات، فلا بد أن هناك أسباب تدفع لذلك.. ما هي؟

لماذا قطر؟ ولماذا الآن؟

بداية لا بد من التأكيد أن ما حدث يعكس وبصورة واضحة هشاشة العلاقات السياسية بين دول الخليج، حتى وإن بدت متماسكة في صورتها الخارجية، إلا أنه ومع أي موقف عارض تسقط ورقة التوت وتتكشف التفاصيل الخفية التي تعكس توتر العلاقات بين بعض العواصم الخليجية.

البعض ذهب في تفسيره لما حدث ضد قطر والآن بالذات إلى بعض الخطوات السياسية والعسكرية الملموسة التي اتخذتها الدوحة مؤخرًا على عكس هوى بعض دول الخليج الراغبة في الزعامة أو التي تعزف على وتر رضى البيت الأبيض، ومن أبرز تلك الخطوات:

ما حدث بالأمس وردود الفعل الإعلامية والسياسية حياله يعكس الصراع الدائر بين بعض دول الخليج والرغبة الملحة التي تسيطر على البعض في التصيد في الماء العكر، فضلاً عما يعكسه من محاولات واضحة لتقليم أظافر بعض العواصم التي ربما تغرد خارج السرب الخليجي قليلاً

أولاً: إعلان قطر بناء قاعدة عسكرية تركية فوق أراضيها في إطار اتفاقية شراكة عسكرية بين الدوحة وأنقرة وهو ما قد يثير غضب الإمارات على وجه الخصوص.

ثانيًا: إعلان الميثاق الجديد لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” من الدوحة في الوقت الذي سعت بعض العواصم والحكومات للحيلولة دون ظهوره، مما تسبب في قلق الدول التي تحتضن بعض الأسماء أو التوجهات المعارضة لحماس.

ثالثًا: تصدي الجزيرة لمشروع تقسيم اليمن وتدشين حملة إعلامية ضده وهو ما لم يلق قبولاً لدى بعض دول الخليج.

ومن ثم يمكن القول إن ما حدث بالأمس وردود الفعل الإعلامية والسياسية حياله يعكس الصراع الدائر بين بعض دول الخليج والرغبة الملحة التي تسيطر على البعض في التصيد في الماء العكر، فضلاً عما يعكسه من محاولات واضحة لتقليم أظافر بعض العواصم التي ربما تغرد خارج السرب الخليجي قليلاً، إلا أن تطورات الأحداث التي ستهدأ بما لا يدع مجالاً للشك تشي بتصاعد التوتر الدفين بين بعض الدول الخليجية حتى وإن لم يتم الإفصاح عنه.