ترجمة وتحرير نون بوست
تخيل أن بحوزتك جهاز بحجم الثلاجة لا يولد الطاقة ويخزنها فحسب وإنما يسخن ويبرد المنزل وينتج الأكسجين والهيدروجين الذي يمكن إما استخدامه أو بيعه. في الواقع، قام بتطوير هذا الجهاز فريق من جامعة نيوكاسل وشركة إنفريتش الأسترالية. وفي هذا التقرير، حاور فريق “نيو أتلاس” اثنين من الباحثين الذي سهروا على تطوير هذا الجهاز المتعدد الاستخدامات والذين يطلقون عليه اسم “السكين السويسري”.
عموما، أطلق الفريق على هذا الجهاز اسم “نظام الحلقات الكيميائية لتوفير الطاقة عند الطلب” وقد تبنى الفريق عند تطويرهم لهذا النظام فكرة البروفيسور، بهداد موغتاديري من جامعة نيوكاسل. وقد انضمت شركة إنفريتش في عملية تطوير هذا الجهاز منذ البداية وذلك تحت إشراف الرئيس التنفيذي، راجيش نيلور، الذي شارك أيضا في وضع خطط لتسويقه.
وفي أوائل نيسان/ ابريل، كُشف النقاب عن هذا الجهاز في مصنع بنيوكاسل، أستراليا الذي صمم ليلبي حاجات مستشفى، دور للمسنين أو مبنى تجاري. في الحقيقة، لن يقوم “نظام الحلقات الكيميائية لتوفير الطاقة عند الطلب” بتوليد الطاقة فحسب، بل سيساعد على تدفئة المنزل، وتبريد وتسخين الماء، وإنتاج الأوكسيجين والهيدروجين الذي يمكن إستعماله أو بيعه.
الدكتور راجيش نيلور (على اليسار)، الرئيس التنفيذي لشركة إنفريتش للصناعات وبهداد موغتاديري (على اليمين)، أستاذ في جامعة نيوكاسل
بعبارة أخرى، يعد “نظام الحلقات الكيميائية لتوفير الطاقة عند الطلب” مزيجا بين المولد والبطارية، إذ بإمكانه استخدام الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء لتشغيل مبنى، أو أخذ الطاقة الكهربائية من الشبكة الرئيسية أو مصادر الطاقة المتجددة وتخزينها لاستخدامها لاحقا. ويقوم هذا النظام بالأساس على تفاعلات أكسدة-اختزال أو أكسدة-الإرجاع مع جهاز لامتصاص بخار الهيدروكربون الذي يقوم بشكل دوري بخسارة الإلكترونات. وعندما تتأكسد تلك الجسيمات، فإنها تسخن، وتبعث البخار الذي يدفع التوربينات لتوليد الكهرباء. ثم عندما ينخفض مستوى عمل هذه اجسيمات، تطلق الأكسجين الذي يمكن جمعه بعد ذلك.
وفي هذا الصدد، قال موغتاديري إن “تفاعلات أكسدة-اختزال هو تفاعل يمتصّ للحرارة. وبالتالي، أنت تستخدم الطاقة بهدف الحصول على هذه الأكسدة في حين أنها عملية طاردة للحرارة، أي أنك تنتج الكثير من الحرارة من خلال التفاعلات”. كما أضاف موغتاديري قائلا: “من خلال إدارة هذه الدورة، نوفر الطاقة بمستويات أدنى من خلال استخدام مصدر الطاقة، التي يمكن أن تكون إما غازا طبيعيا أو من مصادر الطاقة المتجددة على غرار الطاقة الشمسية أو الرياح”.
علاوة على توليد الطاقة والأوكسجين، يستخدم هذا الجهاز الحرارة الزائدة التي ينتجها لتسخين المباني وتوفير الماء الساخن أو الماء البارد فقط من خلال استعمال نظام منفصل. ولتحسين عمل هذا الجهاز، يمكن إجراء تعديلات عليه ليقوم باستخدام الهيدروجين المجمع.
في الحقيقة، يوجد خليط الجسيمات في قلب النظام بطريقة مخفية، بيد أن الفريق يقول إن النظام يولد الجسيمات بطريقة “طبيعية” مما يجعلها متاحة بسهولة وبسعر منخفض. وفي هذا السياق، يقول المخترعون إن سعر الطن الواحد يبلغ حوالي 150 دولار أسترالي (112 دولارا أمريكيا)، في حين أن الجهاز لا يحتاج سوى لكمية صغيرة منه. والجدير بالذكر أن هذا الخليط سوف يكون معبأ داخل لفيفة، مصممة خصيصا لتعمل من خلال تفاعلات أكسدة-اختزال. عموما، من الضروري تغيير اللفيفة، على الرغم من أنها من الممكن أن تدوم لفترة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين. كما أكد الفريق أن غيارات هذا الجهاز ستتوفر بأسعار تنافسية.
وضعية مزدوجة
في الحقيقة، أطلق مطورو هذا الجهاز عليه اسم “السكين السويسري”، ما يدلّ على أنه يمكن تشغيله في وضع تخزين الطاقة على غرار بطارية كبيرة، إذ يمكن للجهاز أن يحول الطاقة من الشبكة الكهربائية أو مصادر الطاقة المتجددة على غرار الألواح الشمسية، وتخزينها إلى حين الحاجة إليها. وفي الحقيقة، يمكن أن يساهم ذلك في الحد من إنقطاع الكهرباء والاستفادة من رسومه المنخفضة خارج أوقات الذروة. فضلا عن ذلك، سيتمكّن سكان المباني من الاستفادة من هذه الطاقة الشمسية المخزّنة خلال الليل.
وفي شأن ذي صلة، صرّح نيلور قائلا: “يمكنك تشغيله اعتمادا على نظام تخزين الطاقة النموذجي، وهو ما يعني أنه يتم شحن الجسيمات خارج أوقات الذروة، التي سيتم استخدامها خلال ساعات الذروة”. كما أضاف نيلور أن “هذا النظام سيمكّنك من الحصول على المنتجات، بما في ذلك الكهرباء، والأكسجين، والماء الساخن، والتدفئة، والتبريد، خلال اليوم”.
أما الوضع الثاني الذي سيتم من خلاله تشغيل جهاز “السكين السويسري” هو ما يسميه الفريق “الطاقة عند الطلب”، إذ سيتم تغذية الوحدة باستمرار بالطاقة عن طريق الغاز الطبيعي وذلك بهدف ضمان اشتغال دورة الأكسدة، وتوليد ما يكفي من الطاقة وذلك لخدمة احتياجات المبنى. وتتمثل المزايا الرئيسية لهذا الوضع في أنه يساعد المنشأة على الحد من اعتمادها على شبكة الكهرباء الرئيسية واستخدام الغاز الطبيعي بدلا من ذلك، وهو ما يعدّ عادة أرخص ويولد فقط حوالي ثلث الانبعاثات.
وفي هذا الصدد، قال موغتاديري “نتحدث خلال عملية توليد الطاقة الموزعة، بدلا من وجود شبكة مركزية ضخمة، عن شبكة كهربائية أصغر بكثير. وقد تم تصميم هذا النظام، في وضع الطاقة على الطلب، لاستخدام الشبكات الصغيرة. وبالتالي، في حال كان هذا الجهاز يستعمل في دور للمسنين ويستند بالأساس على الغاز الطبيعي، فستكون هذه الدور ستكون مستقلة تماما عن شبكة الكهرباء الوطنية، ويمكنها إنتاج الطاقة اللازمة بنفسها على مدار 24 ساعة كامل أيام الأسبوع”.
في هذا الوضع، يُحول جهاز “نظام الطاقة الكيميائية عند الطلب” الغاز الطبيعي إلى كهرباء مع كفاءة تضاهي 45 في المائة.، وهو ما يعدّ ضمن نطاق تصنيفات الكفاءة التي تستخدم التوربينات والتي تعمل بالغاز الطبيعي. في المقابل، أفاد موغتاديري أن هذه النسبة آخذة في الارتفاع لتبلغ 90 في المائة وذلك عند الأخذ بعين الإعتبار أن الطاقة المهدرة في شكل حرارة يتم استغلالها.
استرجاع الأموال
من الناحية النظرية، لا يُمكّن “نظام الحلقات الكيميائية لتوفير الطاقة عند الطلب” الشركات أو المنازل من توفير المال من خلال إلغاء فواتير الطاقة فقط، بل يرجح أيضا أنه يتيح للمستخدمين فرصة بيع المنتجات الثانوية المتأتية من الأكسجين والهيدروجين، مما يوفر لهم دخلا إضافيا. وعندما يقوم النظام بإنتاج معدل 120 كيلوجرام (أي ما يعادل 265 رطلا) من الأكسجين يوميا، فسيعزز ذلك من مداخيل المستخدمين.
في المقابل، يبقى السؤال الذي يطرح في هذا الصدد هو كيفية دخول الشخص العادي سوق إعادة بيع الأكسجين. وبغرض جعل الأمور أكثر بساطة، قام الفريق المطور لهذا النظام بتصميم وحدة يمكنها تخزين وضغط الأكسجين، الذي تم إنتاجه، داخل الأنابيب المخصصة لبيع الأكسجين. وفي هذا السياق، أقر الباحثون أن هذا السوق فضلا عن البنية التحتية لم يتم تطويرها بعد. في المقابل، يرى هؤلاء الباحثون أن هذا القطاع سيشهد في نهاية المطاف ازدهارا في حال تم توفير كمية كافية من فائض الأكسجين للمستخدمين لديهم.
وفي هذا الإطار، أفاد موغتاديري أنه في حالة تجسد هذا الأمر على أرض الواقع، فإن شركات الغاز لن تحتاج في المستقبل إلى توفير منشآت لإنتاج الأكسجين شديد النقاوة، حيث أنها ستعتمد على ما ستنتجه المباني السكنية وبذلك سيقتصر دورها على تجميع الأكسجين فقط بدلا من إنتاجه.
أما بالنسبة للاستخدام العادي، يمكن توزيع كميات صغيرة من الأكسجين داخل المبنى بهدف تجديد الهواء. لكن، بحسب ما أفاد به مبتكرو هذا النظام، يقوم “نظام الحلقات الكيميائية لتوفير الطاقة عند الطلب” بإنتاج كمية من الأكسجين تزيد عن حاجة المستخدم. وبالتالي، ستتوفر كمية يمكن تخصيصها للبيع. من جانب آخر، يمكن تخزين الأكسجين ليُستعمل من قبل المرضى أوالمقيمين بالمستشفيات أو دور المسنين.
فيما يتعلق بالهيدروجين يعتبر الأمر معقدا نوعا ما على عكس الأكسجين وذلك نظرا لطبيعته حيث أنه شديد الإشتعال، كما أنه يشكل خطرا بالنسبة لإنتاجه وتخزينه على الأشخاص العاديين. وتجدر الإشارة إلى أن النظام يقوم بإنتاج الأكسجين باستمرار ضمن عمله العادي، إلا أن إنتاج الهيدروجين يكون حسب الطلب. وفي الوقت الحاضر، لن تحتاج الأسر إلى إنتاج الهيدروجين الخاص بها، غير أن هذا الوضع يمكن أن يتغير نوعا ما في المستقبل مع انتشار السيارات التي تعمل بوقود الهيدروجين.
وفي هذا الصدد، أفاد نيلور قائلا “يعتبر الأكسجين مُنتجا ثانويا، لكنه يعدّ بمثابة سلعة قيمة للغاية”. كما أضاف أنه لن يسمح أبدا بإنتاج وتخزين الهيدروجين في البيئة السكنية والتجارية. من جهة أخرى، لن يمثل المنتج الثانوي للهيدروجين قيمة كبيرة في هذه البيئة إلا في حال تم استخدام السيارات التي تعمل بوقود الهيدروجين أو في حال تم إنشاء مرفق لتصنيع الهيدروجين.
منشأة مجهزة من أعلى طراز في مدينة نيوكاسل في أستراليا، التي تم تشغيلها في نيوكاسل في أستراليا والتي باستطاعتها إنتاج 30 كيلوواط من الطاقة
التقليص
بهدف عرض “نظام الحلقات الكيميائية لتوفير الطاقة عند الطلب”، قامت المجموعة ببناء منشأة مرجعية شاملة في مدينة نيوكاسل في أستراليا. ويقدر هذا النظام، بحجم حاوية شحن تقريبا، قادرة حاليا على إنتاج قرابة 720 كيلوواط في الساعة في اليوم الواحد. ووفقا لفريق العمل، تكفي هذه الكمية لتشغيل حوالي 30 أو 40 منزلا ومستشفى صغير أو دار للمسنين، كما يمكنها توفير الطاقة لمستشفى ميداني عسكري.
والجدير بالذكر أنه يمكن جعل هذا النظام قياسيا، أي أنه يمكن ترفيع طاقته لتشغيل منشآت تجارية أكبر. في المقابل، يعكف فريق العمل في الوقت الحالي على تخفيض طاقته ليتلاءم مع المنشآت السكنية. وفي هذا السياق، أفاد موغتاديري أن فريقه بصدد العمل على نسخة مصغرة من النظام لملائمة المباني السكنية صغيرة الحجم. وفي هذا الصدد، قال موغتاديري “نحن نحاول بالأساس العمل على تطوير النظام بطريقة تمكن من إدماجه في جميع المنشآت على غرار السفن والآلات الناقلة وحتى الثلاجات صغيرة الحجم”.
في الواقع، من الواضح أن منزلا واحدا لن يستهلك طاقة تفوق تلك التي يستهلكها مستشفى أو مركز تسوق، حيث يقدر أن ينتج المنزل الواحد حوالي 24 كيلو واط في اليوم. وعلى هذا الأساس، لن تكون تكون تكلفة شراء هذا النظام باهظة جدا. وعلى الرغم من تردد الفريق حول تحديد سعره، إلا أنه صرح أن “نظام الحلقات الكيميائية لتوفير الطاقة عند الطلب” سيكون منافسا لأنظمة البطاريات المنزلية الأخرى على صعيد السعر والطاقة.
من جانب آخر، صرح موغتاديري أن الفريق يعتقد أن تصميم نسخة مصغرة من النظام تلائم المباني السكنية مشروع جيد قد يتفوق على أنظمة شركة تيسلا. كما أفاد أن السعر المتوقع لهذا النظام يقارب 75 بالمائة من سعر وحدات شركات تسلا. وعلى ضوء هذه المعطيات، يرجح أن تصل تكلفة وضع النسخة المنزلية من “نظام الحلقات الكيميائية لتوفير الطاقة عند الطلب” في ملعب بايسبول إلى حوالي 4.500 دولار، نظرا إلى أن سعر تسلا بويروال، الذي لا يمتلك ميزة إنتاج الأكسجين، يقدر حاليا بحوالي 6.000 دولار. وفي نهاية المطاف، مهما كانت تكلفة هذا النظام فإن الفريق على ثقة تامة بنجاح هذا المشروع.
عرض يوضح ما قد تبدو عليه وحدة سكنية “لنظام الحلقات الكيميائية لتوفير الطاقة عند الطلب” المخطط لها
المضي قدما
تعتزم كل من شركة إنفراتش وجامعة نيوكاسل طرح هذا النظام في نسخته الحالية خلال النصف الثاني من سنة 2017. كما أنه من المقرر أن يتم عرض وتشغيل تكنولوجيا “نظام الحلقات الكيميائية لتوفير الطاقة عند الطلب” في مستشفي لطب الأسنان في سيدني في تموز/يوليو أو آب/أغسطس. وفي حال نجاح هذا الأمر، سيتم طرح وحدات تجارية من هذا النظام للبيع ستكون موجهة إلى المرافق من نفس حجم المستشفى الآنف ذكره، وذلك بحلول نهاية العام الحالي.
أما بالنسبة لأولئك الذين يتطلعون لاستخدام هذا النظام، سوف يتوجب عليهم انتظار النسخة المنزلية المصغرة لفترة أطول، أي حوالي 18 شهرا من الآن. ومع ذلك، يتطلع المخترعون إلى مستقبل مفعم بالأمل فيما يتعلق بإنتاج الطاقة المحلية. وفي هذا الشأن، علق موغتاديري قائلا “لنفترض أنك عدت إلى منزلك، فقمت بشحن جهاز حاسوبك وهاتفك الجوال باستخدام الطاقة الخاصة بمنزلك. في نفس الوقت، يمكنك القيام بشحن سيارتك باستخدام الهيدروجين الذي أنتجته بنفسك. وفي الأثناء، يمكنك توزيع بعض الأكسجين داخل منزلك أو مجرد تخزينه وبيعه”.
المصدر: نيو أتلاس