تردمة وتحرير: نون بوست
بعد مرور سنتين على الحرب التي قتلت ما لا يقل عن 10 آلاف شخص، تعكس الأحداث الدرامية الأخيرة في جنوب اليمن الحلقة المفرغة التي تدور فيها البلاد، فضلا عن أنها تكشف النقاب عن الصراع الذي يدور بين الرئيس عبد ربه منصور هادي وداعميه الإماراتيين والسعوديين.
في أواخر أبريل/نيسان، أصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قراراً جمهورياً بإعفاء وزير الدولة هاني بن بريك من منصبه. فضلا عن ذلك، قام بإقالة حاكم عدن، عيدروس الزبيدي، وذلك بسبب التوتر الذي جمعه مع عدد من داعميه من الإمارات. وردا على ذلك، احتج عشرات الآلاف من الناس في عدن، في مطلع شهر أيار/مايو، وانفجرت حركة الانفصاليين الجنوبيين فجأة من خلال فتح آفاق الاستقلال من جديد، في خضم الحرب التي تعيشها البلاد.
يكشف توقيت تحرك الجنوبيين غير المناسب، مدى ضعف حركتهم، علاوة على التغيرات السياسية الطارئة على هذه الحركة منذ تأسيسها. أما بعد انتفاضة اليمن سنة 2011، شُنت حملة عنيفة ضد قادة الحراك، حيث أنه تم استهدافها بالعديد من الاغتيالات، مما أدى إلى مزيد إضعاف الجناح السياسي للحركة
وفي 11 أيار / مايو، أعلن الزبيدي أنه قام بالتعاون مع مسؤولين آخرين من أجل تشكيل هيئة مستقلة أو ما يعرف باسم “المجلس السياسي الجنوبي” الذي سوف يقوم بإدارة المقاطعات الجنوبية لليمن وتمثيلها محليا ودوليا. في الحقيقة، كان الجنوبيون يقومون بحملات من أجل الاستقلال منذ سنوات. وتعود شكاواهم إلى سنوات التسعينات، عندما توحّد شمال وجنوب اليمن، ثم قاتلوا بعضهم البعض خلال الحرب الأهلية التي اندلعت سنة 1994.
الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي يخطب أثناء الدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، خلال شهر أيلول/سبتمبر سنة 2016
بعد الحرب، اتهم الجنوبيون الحكومة اليمنية الموحدة، التي يقع مقرها في مدينة صنعاء الشمالية، بالفساد، والتزوير الانتخابي، فضلا عن الاستيلاء على أراضيهم الغنية بالنفط والغاز. وفي سنة 2007، قاموا بتكوين حركة جنوبية، تنشط اليوم تحت اسم “الحراك الجنوبي”. علاوة على ذلك، من غير المرجح أن يؤدي إنشاء المجلس الجديد وحتى الاحتجاجات التي تلت ذلك، حدوث الانفصال الذي ينتظره الكثير من الجنوبيين، نظرا لأن محاولة الانشقاق التي تحاول القيام بها هذه الحركة هي كمحاولة بناء منزل أثناء إعصار.
خسارة ماء الوجه
يكشف توقيت تحرك الجنوبيين غير المناسب، مدى ضعف حركتهم، علاوة على التغيرات السياسية الطارئة على هذه الحركة منذ تأسيسها. أما بعد انتفاضة اليمن سنة 2011، شُنت حملة عنيفة ضد قادة الحراك، حيث أنه تم استهدافها بالعديد من الاغتيالات، مما أدى إلى مزيد إضعاف الجناح السياسي للحركة.
وتجدر الإشارة إلى أن زعماء الحراك الباقين يعيشون، في الوقت الراهن، خارج البلاد، حيث يقيم العديد منهم في دول الخليج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة أو في الإمارات. ونظرا لمعارضة هادي لإعلان كل من بن زايد والزبيدي، ستتأثر الحركة تتأثر بشدة، اليوم، بما يريده السعوديون والإماراتيون. وفي هذا الصدد، قال الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح في وقت سابق من هذا الشهر، إن “الأحداث التي تعيشها مدينة عدن ليست سوى مسرحية، وأن القرار لن يكون سوى في يد الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود”.
لكن السؤال الذي يبقى مطروحا في الوقت الراهن هو هل تريد دول الخليج حقا التأثير على هذا القرار؟. والجدير بالذكر أن مجلس التعاون الخليجي أصدر بيانا، في وقت سابق من هذا الشهر، يعارض تشكيل المجلس السياسي الجنوبي في عدن، لأنه يرفض قطعا انفصال الجنوب عن الشمال.
في الحقيقة، إن مصير الحراك يعتمد بالأساس على موافقة مجلس التعاون الخليجي من عدمها. فلقد علّمنا التاريخ “نحن اليمنيين” أن اليمن سوف يكون دائما تحت سيطرة دول الخليج
أما بالنسبة للجنوب، سوف يساهم بناء دولة داخل دولة هشة في ليّ ذراع دول الخليج، وهو ما جعل مجلس التعاون الخليجي رافضا تماما لفكرة الانقسام. والجدير بالذكر أن دول مجلس التعاون الخليجي توجّهت نحو الحرب في اليمن بغية استكمال ما بدأته بعد انتفاضة اليمن لسنة 2011. بمعنى آخر، تسعى هذه الدول إلى تطبيق خطتها السياسية التي تنضوي تحت ما يسمّى “بمبادرة مجلس التعاون الخليجي”، والتي رفضت من خلالها بشدة تقسيم اليمن. بالإضافة إلى ذلك، أفادت هذه الدول أنها لن تنسحب من اليمن حتى تحقق أهداف خطتها.
ومع تغير ديناميات الحرب، لن يعني الانفصال الجنوبي الذي تنادي به حركة الحراك الجنوبي سوى الانشقاق عن مبادرة مجلس التعاون الخليجي. لذلك، لن يكون انفصالا عن الدولة، باعتبار أن الشمال لم يعد يملك حكومة فعالة، على عكس الجزء الجنوبي الذي تسيره حكومة الرياض عن بعد.
العامل الحاسم
باعتباري يمنية أرى أن بلدي أصبح دولة فاشلة، وأعتقد أنه إذا كان هناك أي مفهوم لليمن كدولة، فيجدر تعريفها على أنها دولة تسيطر عليها دول مجلس التعاون الخليج. لذلك، في حال كان الجنوب يخطط للانفصال، فيجب عليه أن يعيد التفكير، في الأطراف التي من شأنها أن تسيطر، في الوقت الحالي، على سيادة اليمن. في الواقع، غيّرت حرب اليمن بشكل جذري قواعد اللعبة، بالإضافة إلى تغييرها من طبيعة منافسة حركة الحراك الجنوبي. ففي السابق، كان الجنوبيون يواجهون سيطرة الشمال، ولكنهم يخضعون، اليوم، لسيطرة جيرانهم.
من جهة أخرى، يعتقد البعض أن المجتمع الدولي لا يدعم الحراك، نظرا لأن مصيرها محكوم بالفشل، لكنني لا أوافق ذلك. في الحقيقة، إن مصير الحراك يعتمد بالأساس على موافقة مجلس التعاون الخليجي من عدمها. فلقد علّمنا التاريخ “نحن اليمنيين” أن اليمن سوف يكون دائما تحت سيطرة دول الخليج.
البلد الذي مزقته الحرب، والذي سقط فيه الآلاف بين قتيل وجريح، بسبب مؤسسات حكومية عرجاء، قد خربته اليوم أزمة إنسانية كارثية. وفي الوقت الراهن، تعدّ رغبة الانفصاليين في إقامة دولة إلى جانب استمرار الحرب في اليمن، رهينة قرارات الدول الإقليمية المعنية بالأمر
في هذا السياق، أكد بعض الناشطون الجنوبيون الذين تحدثت إليهم مؤخرا أن حلم انفصال الجنوب سيتحقق، وذلك بفضل الدعم الذي سوف تتلقاه هذه الحركة من البلدان المجاورة. في الإطار ذاته، قال لي أحد الناشطين الانفصاليين: “على الرغم من كل العيوب التي تشوب الحركة، إلا أن تشكيل المجلس هو بمثابة خطوة نحو الاتجاه الصحيح. ونحن نعمل على إقناع السعوديين والإمارات بأهدافنا، خاصة وأن دولة الإمارات كانت دائما أكثر تفهما لقضيتنا”.
قبل الحرب وحتى قبل انتفاضة سنة 2011، كانت المظالم الجنوبية واضحة المعالم وفريدة من نوعها. أما اليوم، فقد أصبحت دائرتها أوسع، فضلا عن أنها اتخذت منحى جديدا. فالبلد الذي مزقته الحرب، والذي سقط فيه الآلاف بين قتيل وجريح، بسبب مؤسسات حكومية عرجاء، قد خربته اليوم أزمة إنسانية كارثية. وفي الوقت الراهن، تعدّ رغبة الانفصاليين في إقامة دولة إلى جانب استمرار الحرب في اليمن، رهينة قرارات الدول الإقليمية المعنية بالأمر.
المصدر: ميدل إيست آي