ترجمة وتحرير: نون بوست
يوم الثلاثاء، نشرت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون مقال رأي في مجلة “الأتلانتيك” تحت عنوان “حماس يجب أن ترحل”. لماذا تعتقد هذا؟ يوضح العنوان الفرعي: “لقد أثبتت الجماعة الإرهابية مرارًا وتكرارًا أنها ستخرب أي جهود لتحقيق سلام دائم”.
المقال هو الفصل الأخير من جولة هيلاري كلينتون الصحفية في أعقاب هجمات حماس “الإرهابية” في 7 تشرين الأول/أكتوبر، بما في ذلك ظهورها في البرنامج الحواري النهاري “ذا فيو”. وفي كل من مجلة “الأتلانتيك” وفي “ذا فيو”، أوضحت هيلاري كلينتون لماذا يعتبر وقف إطلاق النار في الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة خطأً فادحًا.
كل ما قالته هيلاري كلينتون هو جزء من نوع غريب من الدعاية “الليبرالية” المنهكة للذات حول موضوع إسرائيل وفلسطين، فهيلاري كلينتون عقلانية ومطلعة وتفهم، كما كتبت في مجلة الأتلانتيك، أن “الطريقة الوحيدة لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية آمنة وديمقراطية هي تحقيق دولتين لشعبين.. ليس هناك خيار آخر”.
ومع ذلك؛ فهي لا تستطيع الاعتراف بالأحداث التاريخية التي أدت إلى الوضع الحالي، والتي تُظْهِر بوضوح أن العقبة الأساسية أمام حل الدولتين ليست أي فصيل فلسطيني: بل حكومة إسرائيل.
وهي تزعم مرارًا وتكرارًا أن الفلسطينيين هم الذين وقفوا في طريق أي نوع من السلام الدائم. وبطبيعة الحال؛ فإن هذا يجعل دعوتها إلى حل الدولتين تبدو وكأنها أسوأ أنواع السذاجة الليبرالية، وبالتالي فهي هدية ضخمة لأمريكا واليمين الإسرائيلي. ففي نهاية المطاف؛ إذا كانت هيلاري كلينتون الليبرالية المتطرفة تعترف بأن الفلسطينيين لا يريدون السلام، فلماذا يتعين على إسرائيل أن تحاول ذلك؟
إن الدرجة التي امتلأت بها مقالة كلينتون في مجلة الأتلانتيك بالمغالطات التاريخية كانت مذهلة، وخاصة في ضوء أنها تتفاخر “بعقود من الخبرة التي اكتسبتها في المنطقة”. يبدأ المقال بقصة أنها في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 طرقت باب غرفة فندق الرئيس باراك أوباما في الصباح الباكر أثناء زيارة لكمبوديا، وكتبت كلينتون: “آنذاك، كما هو الحال الآن، أثارت جماعة حماس الإرهابية الإسلامية المتطرفة أزمة من خلال مهاجمة المدنيين الإسرائيليين بشكل عشوائي”، وناقشت هي وأوباما ما إذا كان ينبغي لها السفر إلى الشرق الأوسط ومحاولة التوسط لوقف إطلاق النار فيما أطلقت عليه إسرائيل اسم عملية عامود السحاب.
وكتبت أن هذا كان قرارًا صعبًا، لأنها وأوباما “عرفا أن حماس لديها تاريخ في خرق الاتفاقات ولا يمكن الوثوق بها”، ومع ذلك، قررا أنها يجب أن تذهب. ونجحت في التفاوض على وقف الصراع، بعد مقتل نحو 100 فلسطيني ومدنييْن إسرائيلييْن اثنيْن، إلى جانب عسكريين من الجانبين.
وتقول كلينتون إنها شعرت بعدم الارتياح، وكتبت: “شعرت بالقلق من أن كل ما تمكنا من فعله حقًا هو وضع غطاء على مرجل يغلي من المحتمل أن يغلي مرة أخرى في المستقبل”، وأضافت: “لسوء الحظ، ثبت أن هذا الخوف كان صحيحا. ففي عام 2014، انتهكت حماس وقف إطلاق النار وبدأت حربًا أخرى”؛ وهذا قريب من عكس ما حدث في الواقع.
إثارة الصراع
لقد فرضت إسرائيل، بالتعاون مع مصر، حصارًا وحشيًّا على غزة منذ عام 2007، ويمكن القول إن الحصار هو من أعمال الحرب، وأحد الأماكن التي يمكنك أن تجد فيها هذا الجدل حول هذا التعريف هو الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الإسرائيلية: “الحصار هو بحكم تعريفه” عمل من أعمال الحرب، تم فرضه وتنفيذه من خلال العنف. لم يسبق في التاريخ أن تواجد الحصار والسلام جنبًا إلى جنب”.
هذا مقتطف من خطاب ألقاه في يونيو 1967 أبا إيبان، سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، مباشرة بعد انتهاء حرب الأيام الستة، وكان إيبان يشرح لماذا لا يعتبر أن إسرائيل هي التي بدأت الحرب، على الرغم من أنها ضربت مصر أولاً، وقال إيبان إنه نظرًا لأن مصر فرضت حصارًا على مضيق تيران في الشهر السابق، فإن مصر هي المسؤولة فعليًا عن الحرب.
في السنوات التي سبقت عملية عمود السحاب، قال قادة حماس مرارًا وتكرارًا إنهم على استعداد، على الأقل، لقبول هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل. وحتى المعهد الأمريكي للسلام، وهو مركز أبحاث تموله الحكومة الفيدرالية، اعترف بأن حماس “أرسلت إشارات متكررة بأنها قد تكون مستعدة لبدء عملية تعايش مع إسرائيل”.
وهذا لم يثر اهتمام الحكومة الإسرائيلية. وفي 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، اغتالت إسرائيل أحمد الجعبري، رئيس الجناح العسكري لحركة حماس. وكان غيرشون باسكن، ناشط السلام الإسرائيلي، على اتصال بالجعبري قبل فترة طويلة من الاغتيال. وبحسب باسكن؛ فقد أصبح الجعبري يعتقد أنه من مصلحة الفلسطينيين أن تتفاوض حماس على هدنة طويلة الأمد، وأكد باسكن أن الجعبري عمل في عدة مناسبات على منع حماس من إطلاق الصواريخ على إسرائيل. وبحسب رواية باسكن؛ قبل الاغتيال مباشرة، قدم الجعبري مسودة اقتراح لمثل هذه الهدنة لمراجعتها والموافقة عليها، ووافق باسكن ونائب وزير خارجية حماس على المسودة، وقال باسكن أيضًا إنه عرضها سابقًا على إيهود باراك، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك.
بعد أن اغتالت إسرائيل الجعبري، نشر روفين بيداتزور، المحلل العسكري لصحيفة هآرتس الإسرائيلية تقريرًا قال فيه: “وكان صناع القرار لدينا، بما في ذلك وزير الدفاع وربما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أيضًا، على علم بدور الجعبري في دفع اتفاق وقف إطلاق النار الدائم. … وهكذا فإن قرار قتل الجعبري يظهر أن صناع القرار لدينا قرروا أن وقف إطلاق النار سيكون غير مرغوب فيه بالنسبة لإسرائيل في هذا الوقت، وأن مهاجمة حماس ستكون أفضل”.
روى باسكن بنفسه القصة في عمود لصحيفة نيويورك تايمز، وكتب: “لقد استخدمت إسرائيل عمليات القتل المستهدف، والاجتياحات البرية، والطائرات بدون طيار، وطائرات إف-16، والحصار الاقتصادي، والمقاطعة السياسية”، مضيفًا: “الشيء الوحيد الذي لم تجربه وتختبره هو التوصل إلى اتفاق (من خلال أطراف ثالثة) لوقف إطلاق النار المتبادل طويل الأمد”.
وعلى الرغم من وقوع هجمات انتقامية؛ إلا أن اغتيال إسرائيل للجعبري يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره السبب المباشر لاندلاع أعمال العنف التي استمرت ثمانية أيام في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وهو الأمر الذي تركت هيلاري كلينتون كمبوديا للتعامل معه.
كسر وقف إطلاق النار
إن ادعاء كلينتون بأن “حماس انتهكت وقف إطلاق النار وبدأت حربًا أخرى” في حزيران/يونيو 2014 هو أيضًا ادعاء مضلل للغاية.
تم تقديم الفترة من تشرين الثاني/نوفمبر 2012 إلى حزيران/يونيو 2014 بشكل عام في وسائل الإعلام الأمريكية على أنها فترة هدوء في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لأنه في هذا الوقت قُتل سبعة إسرائيليين فقط؛ ثلاثة جنود وأربعة مدنيين، منهم ثلاثة مستوطنين في الضفة الغربية على يد الفلسطينيين. وخلال نفس الفترة من العام ونصف العام، قُتل أكثر من 60 فلسطينيًا في كل من الضفة الغربية وغزة على يد الإسرائيليين، ومن بين القتلى مراهقيْن فلسطينييْن أطلقت عليهما القوات الإسرائيلية النار في 15 مايو/أيار 2014، أثناء إحياء ذكرى النكبة في الضفة الغربية، وهي عملية التهجير والطرد الجماعي للفلسطينيين عام 1948 عند تأسيس إسرائيل. ثم في يونيو/حزيران، اختطف فلسطينيون ثلاثة مراهقين إسرائيليين من مستوطنة في الضفة الغربية.
وحتى يومنا هذا، ليس من الواضح ما هي علاقة حماس، إن وجدت، بعملية الاختطاف. وفي ذلك الوقت؛ ادعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن “حماس هي المسؤولة، وحماس ستدفع”. ومع ذلك، قال ضابط مخابرات إسرائيلي، رفض الكشف عن هويته، إنه لا يوجد دليل على ذلك، و”توصلنا إلى استنتاج مفاده أن هؤلاء الرجال كانوا يتصرفون من تلقاء أنفسهم”.
اقترحت حماس وقفًا لإطلاق النار لمدة 10 سنوات، وقد تجاهلت إسرائيل هذا الاقتراح عمدًا، واستمرت في قتل أكثر من 2000 شخص في غزة.
ردًّا على عملية الاختطاف؛ أطلقت إسرائيل عملية “حارس الأخ”، والتي اعتقلت خلالها مئات الفلسطينيين في الضفة الغربية – معظمهم أعضاء في حماس – وقامت بتعذيب العديد منهم، كما قتل سبعة مدنيين. كان كل ذلك هباءً: فقد تم العثور على المراهقين ميتين بعد عدة أسابيع من اختطافهم.
وتلا ذلك التصعيد، حيث أطلقت حماس الصواريخ، ولم تحدث أضرارًا تذكر، حتى شنت إسرائيل عملية الجرف الصامد، وهي قصف وغزو آخر لغزة، في الثامن من تموز/يوليو.
وبعد عدة أيام اقترحت حماس وقفًا لإطلاق النار لمدة عشر سنوات، بشرط أن تفرج إسرائيل عن السجناء الفلسطينيين، وأن يتم رفع الحصار المفروض على غزة في البحر الأبيض المتوسط وعلى طول حدودها مع مصر. وتجاهلت إسرائيل هذا الاقتراح عمدًا، واستمرت في قتل أكثر من 2000 شخص في غزة، حوالي ثلثيهم من المدنيين، وقُتِلَ 72 إسرائيليًّا خلال العملية، معظمهم تقريبًا من الجنود.
العملية التجميلية
كان ظهور هيلاري كلينتون في برنامج “ذا فيو” الأسبوع الماضي بمثابة حملة دعائية بكل الطرق، مع قدر إضافي من الهراء فيما يتعلق بتورط الرئيس بيل كلينتون في الصراع. فوفقًا لهيلاري كلينتون: “عرض زوجي والحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت في عام 2000 على الفلسطينيين دولة فلسطينية يديرها [رئيس السلطة الفلسطينية آنذاك ياسر] عرفات. … عرفات رفض ذلك”، وأضافت: “كان من الممكن أن تكون هناك دولة فلسطينية الآن لمدة 23 عامًا لو لم يرفضها”.
في الواقع؛ كانت إسرائيل هي التي أفلتت من أفضل فرصة على الإطلاق لحل الصراع، فلقد اقترح بيل كلينتون في كانون الأول/ديسمبر 2000 ما أسماه معايير حل الدولتين. وفي أوائل كانون الثاني/يناير 2001، وقبل أقل من شهر من انتهاء رئاسته، أعلن كلينتون أن “رئيس الوزراء باراك والرئيس عرفات قد قبلا الآن هذه المعايير، كأساس لمزيد من الجهود، وقد أعرب كلاهما عن بعض التحفظات”.
واستمرت المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين في وقت لاحق من ذلك الشهر في طابا بمصر، لكن باراك أنهى هذه الاتفاقيات في 27 كانون الثاني/يناير، قبل الانتخابات التي كانت مقبلة في إسرائيل، وأصدر المفاوضون بيانا مشتركا مفاده أن الجانبين “لم يقتربا قط من التوصل إلى اتفاق، وبالتالي فإن اعتقادنا المشترك أنه يمكن سد الفجوات المتبقية من خلال استئناف المفاوضات”.
وخسر باراك أمام أرييل شارون الذي عارض حل الدولتين ولم يستأنف المحادثات، وأصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بيانًا قالت فيه إن معايير كلينتون “ليست ملزمة للحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها في إسرائيل”.
منذ ذلك الحين كذب بيل كلينتون مرارًا وتكرارًا حول ما حدث، مخالفاً كلامه حينها، مدعيًا أن عرفات هو من رفض التسوية.
هناك الكثير من التفاصيل حول هذه القصة بالطبع؛ لكن هيلاري وبيل كلينتون معًا ألحقا قدرًا غير عادي من الضرر بأي أمل في السلام في إسرائيل وفلسطين، فإذا كانا يهتمان حقًّا بحياة الإسرائيليين والفلسطينيين، فينبغي عليهم أن يصححا أسلوبهما في الخداع؛ أو على أقل تقدير، أن يتوقفا عن الحديث.
المصدر: الإنترسبت