يستند هذا التقرير إلى ما يُعرف بوثائق “أبوت آباد” وهي بريد أسامة بن لادن مع مجموعة من الوثائق التي كانت بحوزته في مقر إقامته الأخير قبل اغتياله في مجمع “وزيرستان هافيلي” داخل المدينة الباكستانية “أبوت آباد”، بالإضافة إلى اعتماد التقرير على وثائق صادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية.
هذا وقد عمد الدكتور “أساف موغدام” إلى دراستها وتحليلها لكشف أسرار العلاقة التي تربط تنظيم القاعدة بإيران، وأصدر موغدام تقريره في الرابع عشر من شهر نيسان لعام 2017 بعنوان: “زواج المصلحة: تطور التعاون التكتيكي ما بين القاعدة وإيران”.
زيارة الظواهري السرية إلى إيران
في شهر نيسان لعام 1991 زار أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الحالي، إيران طالبًا من الإيرانيين تقديم الدعم لجماعته “جماعة الجهاد الإسلامي المصرية” لإسقاط الحكم في مصر، ووفقًا لعلي محمد المدرب السابق في تنظيم القاعدة فإن الإيرانيين ضمنوا مطالب الظواهري وبدأوا بتدريب جماعته داخل الأراضي الإيرانية والسودانية، كما منحت إيران دعمًا ماليًا للجماعة بمليوني دولار.
استطاع الظواهري الالتقاء بالقيادي العسكري الأبرز في حزب الله “عماد مغنية”، فأثمر اللقاء عن ترتيب تدريبات لأعضاء من جماعة الجهاد الإسلامي المصرية في لبنان
في هذه الزيارة استطاع الظواهري الالتقاء بالقيادي العسكري الأبرز في حزب الله “عماد مغنية”، فأثمر اللقاء عن ترتيب تدريبات لأعضاء من جماعة الجهاد الإسلامي المصرية في لبنان.
في أواخر عام 1991 أو عام 1992 بدأت الاجتماعات ما بين الإيرانيين والظواهري تذهب باتجاه عقد اتفاق غير رسمي بين القاعدة وإيران بتقديم الدعم للقاعدة ولو اقتصر ذلك على التدريب فقط مبدئيًا لتنفيذ عمليات تستهدف في المقام الأول الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني.
بعد الخروج من السودان
بعد عودة القاعدة إلى أفغانستان عام 1996، ساهمت إيران في تقديم الدعم اللوجستي وتدريب أعضاء من القاعدة لتسهيل إنشاء شبكة لها في اليمن، وكثيرًا ما منح المسؤولون الإيرانيون أذونات الدخول لأعضاء من القاعدة في أثناء خروجهم ودخولهم إلى أفغانستان باعتبار إيران معبر تنقلهم إلى العالم، حتى إن سيف العدل أحد كبار قيادات القاعدة، كتب في توثيقه لسيرة الزرقاوي أن القاعدة اقترحت إقامة بيوت ضيافة في مدينتي طهران ومشهد لتسهيل وصول المقاتلين إلى معسكرات التدريب التابعة للزرقاوي، وكان المقاتلون يعبرون الحدود الإيرانية دون ختم جوازاتهم بتعليمات عُليا صادرة إلى حرس الحدود.
ومما يؤكد على حقيقة استيطان الجهاديين السلفيين لأراضٍ إيرانية بالتنسيق مع السلطات الإيرانية، ما جاء في اعترافات سليمان أبو غيث الناطق الرسمي باسم تنظيم القاعدة في أثناء التحقيق معه من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي، حيث أقر بوجود مئات الجهاديين السلفيين في إيران من تنظيم القاعدة وغيرهم وكان من بينهم أبو مصعب الزرقاوي وأبو مصعب السوري.
التحالف ما بين تنظيم القاعدة وكبار مؤسسي ومنظري السلفية الجهادية على مستوى العالم وإيران داخل الأراضي الإيرانية في حقبة التسعينيات وبعد فرض حركة “طالبان” سيطرتها على أفغانستان الحركة المتصالحة مع السلفية الجهادية، ينفي مزاعم تسويغ ذلك التحالف بالغزو الأمريكي على أفغانستان
ما يستوقفنا هنا بأن هذا التحالف ما بين تنظيم القاعدة وكبار مؤسسي ومنظري السلفية الجهادية على مستوى العالم وإيران داخل الأراضي الإيرانية في حقبة التسعينيات وبعد فرض حركة “طالبان” سيطرتها على أفغانستان الحركة المتصالحة مع السلفية الجهادية، ينفي مزاعم تسويغ ذلك التحالف بالغزو الأمريكي على أفغانستان عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وبأن الوجود كان ضرورة بسبب الظروف القاسية التي حاصرت أعضاء القاعدة والمقاتلين المتحالفين مع التنظيم، حيث يظهر لدينا أن تحالف السلفية الجهادية مع إيران قديم وليس متعلقًا بظرف قاهر خلقته الهجمة الأمريكية.
فمنذ عام 1996 أعلنت طالبان إمارتها الإسلامية في أفغانستان وفرضت سيطرتها فلماذا لم ينته ذلك التحالف آنذاك! وحتى قبل هذا التاريخ كانت الأراضي الأفغانية محضن الوجود السلفي الجهادي على أراضيها وانتشرت فيها مخيمات التدريب العسكرية التابعة للقاعدة وغيرها ممن تبنوا السلفية الجهادية حول العالم، وامتد وجود السلفية الجهادية بعد ذلك إلى داخل الأراضي الشيشانية، فأي دواعٍ مُلزمة اقتضتها الحاجة للتحالف مع إيران!
توزيع وجود قيادات وأعضاء السلفية الجهادية في إيران
رفع أبو أنس الليبي في رسالة وجهها إلى ابن لادن تقريرًا بعنوان “أوضاع الإخوة في إيران”، جاء فيه أن الإخوة العرب – وقصد بهم أعضاء تنظيم القاعدة وأعضاء الجماعة الليبية المقاتلة – انقسموا إلى أربع مجموعات مستقرة في إيران:
– المجموعة الأولى: شملت كبار مسؤولي تنظيم القاعدة بمن فيهم أبو غيث، سيف العدل، أبو محمد المصري، محمد الإسلامبولي، في مدينة شيراز.
– المجموعة الثانية: شملت أعضاء من الجماعة الليبية المقاتلة في مدينة طهران.
– المجموعة الثالثة: شملت أبا حفص الموريتاني الرجل الثالث في القاعدة ومفتيها الأسبق ومقاتلين برفقته في مدينة كرج.
– المجموعة الرابعة: شملت المقاتلين الموجودين في مدينة مشهد.
كما توجد مجموعات وأعضاء فرادى كانوا يقطنون مناطق مختلفة على الأراضي الإيرانية ومنهم مع كان برفقة عائلته.
مجلس إدارة للقاعدة في إيران
أتاحت مساحة الحرية العالية التي منحتها إيران لقيادات تنظيم القاعدة في إيران الفرصة لإنشاء “مجلس إدارة عُليا” في عام 2002 لرفد القيادة في باكستان بالدعم الاستراتيجي، وضم المجلس سيف العدل، أبو الخير المصري، أبو غيث، أبو محمد المصري، أبو حفص الموريتاني، سعد بن لادن نجل أسامة بن لادن.
ذكر الليبي في رسالته إلى ابن لادن هذا المخيم وأوضح أن السلطات الإيرانية سمحت لعائلات الموجودين فيه وزوجاتهم بالانضمام إليهم، وبعد ستة أشهر تم نقلهم إلى موقع ثالث وهو سكن لا يحوي أي نوافذ يتبع للمجمع العسكري الإيراني حيث قضوا هنالك أربع سنوات وانضمت إليهم عائلة أسامة بن لادن لاحقًا
وفي الثالث والعشرين من شهر نيسان لعام 2003 نقلت القوات الإيرانية أبو غيث وسيف العدل وأبو محمد المصري وأبو الخير المصري من شيراز إلى مبنى تابع للاستخبارات الإيرانية لمدة 20 شهرًا، ثم تم نقلهم إلى مخيم عسكري أقرب ما يكون إلى منطقة استراحة للجنود وفقًا لاعترافات أبي غيث.
وقد ذكر الليبي في رسالته إلى ابن لادن هذا المخيم وأوضح أن السلطات الإيرانية سمحت لعائلات الموجودين فيه وزوجاتهم بالانضمام إليهم، وبعد ستة أشهر تم نقلهم إلى موقع ثالث وهو سكن لا يحوي أي نوافذ يتبع للمجمع العسكري الإيراني حيث قضوا هنالك أربع سنوات وانضمت إليهم عائلة أسامة بن لادن لاحقًا، وفي إحدى رسائل ابن لادن إلى عائلته هناك يحذرهم من الموافقة على تلقي أي نوع من الحقن العلاجية على يد الأطباء الإيرانيين خشية أن تحوي تلك الحقن على وسيلة لتعقبهم فيما بعد للوصول إلى إليه.
حُرمة استهداف إيران في صفقة القاعدة
عقد عز الدين عبد العزيز خليل وشهرته ياسين السوري كبير مسيري ومنسق نشاطات تنظيم القاعدة والرجل المقيم في إيران صفقة مع السلطات الإيرانية كمفوض عن تنظيم القاعدة، بأن تمتنع القاعدة بشكل تام عن تنفيذ عمليات تستهدف إيران كما تمتنع عن تجنيد أي عناصر لها داخل إيران مع ضرورة إبقاء السلطات الإيرانية على علم بنشاطات التنظيم كافة.
العلاقة بين تنظيم القاعدة وإيران جزم بحقيقتها ومدى عمقها أبو محمد العدناني الناطق الرسمي باسم تنظيم داعش
وفي المقابل منحت السلطات الإيرانية حرية تسيير وتشغيل شبكة القاعدة العالمية من خلال مقرها في إيران، بالإضافة إلى منح تنظيم القاعدة الحرية المطلقة للسفر عبر أراضيها لتنظيم القاعدة ويشمل ذلك عائلاتهم أيضًا والمتحالفين مع التنظيم أو المقربين منه.
هذه العلاقة بين تنظيم القاعدة وإيران جزم بحقيقتها ومدى عمقها أبو محمد العدناني الناطق الرسمي باسم تنظيم داعش والذي قُتل في شهر آب لعام 2016، ففي تسجيل صوتي للعدناني تحدث بصراحة عن سبب امتناع داعش توجيه أي ضربات لإيران وذلك “امتثالًا لأمر القاعدة للحفاظ على مصالحها وخطوط إمدادها في إيران” على حد تعبيره، وبهذا التصريح نهجت داعش ما ورثته عن رحم أمها القاعدة في تحالفها مع إيران.
نقطة نظام
أي عقيدة ولاء وبراء قد ترسخت في صدور مؤسسي السلفية الجهادية التي رأت في المتحالفين مع إيران داخل العراق كفارًا يُعد قتلهم أعلى مراتب البذل الجهادي في الوقت الذي ترغدُ فيه قياداتهم في ظلال العمائم والحسينيات؟ أولئك الذين خرقوا رؤوسنا بفهمهم الخاص لعقيدة “الولاء والبراء” وفرزوا المسلمين إلى كافر ومؤمن وفقًا للعلاقة مع إيران، كيف غمضت جفونهم على وثير فراش أسرة الإيرانيين يحتضنون أبناءهم، وأما أبناء العراق وسوريا شقق الصخر الملتهب ظهورهم لا تدري أغزا الشيب رؤوسهم أم هو تراب أنقاض منازلهم المتفجرة فوقهم!
وعن أي حرب على الإرهاب تتحدث إيران وتسوغ تدخلها السافر في العمق العراقي وهي التي تصدر جسور الأكفان إلى المزارات والمساجد الشيعية العراقية لتوفر الذريعة للمليشيات الشيعية للانقضاض على المناطق السنية؟ وماذا عن آلة القتل الأمريكية التي جعلت من جثث الأفغانيين أكوامًا من الرماد ونسفت أفغانستان في محرقة إبادة جماعية بحجة رفض طالبان لتسليم قيادات القاعدة، وتعلم أمريكا يقينًا بأن مَنْ ادعتهم خصومها يقطنون طهران؟
عن أولئك “المعذورين بالجهل” و”الشباب المُغرر بهم” ما عدتُ أومن بالمصطلحات الأسطورية، قد لا نستطيع رؤية الصورة بوضوح وقد يختلط على مسامعنا منطق الحرف، لكن للدم رائحة غلبت على الهواء حولنا كيف لنا ألا نشتمها!
أما حزب الله الجاثم على صدور الضحايا في سوريا فكيف الحال بكم وأنتم تحاربون اليوم من لقمتموهم في الأمس القريب بارود الموت وفخختموهم بسرطان الذبح؟
علت الأصوات وتداخلت الصيحات فجميعهم للإسلام حماة، قالوا هي معركة ما بين النواصب والروافض، بين المنافحين عن عرض أمنا أم المؤمنين عائشة عليها السلام والذائدين عن رفاة السيدة زينب عليها السلام، قالوا هي معركة العقيدة وصنفوا المسلمين بين موالٍ وسلفي، قالوا هي الغيرة على سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ونهج السلف الصالح فأجابوا بل كلنا لآل البيت فداء، رُفعت الأعلام على متون الأحزمة الناسفة وعلى الهامش سالت أنهار الدماء، تعاقد الشيطان مع مافيا الطائفية والفاتورة باهظة لحساب لا ينضب، وعن أولئك “المعذورين بالجهل” و”الشباب المُغرر بهم” ما عدتُ أومن بالمصطلحات الأسطورية، قد لا نستطيع رؤية الصورة بوضوح وقد يختلط على مسامعنا منطق الحرف، لكن للدم رائحة غلبت على الهواء حولنا كيف لنا ألا نشتمها!