ترجمة وتحرير: نون بوست
يمثّل الأسرى المحتجزين الآن في قطاع غزة القضية الأكثر حساسية في إسرائيل. مرّ أكثر من شهر منذ أن أسر المقاتلون الفلسطينيون حوالي 240 شخصًا خلال الهجوم الذي قادته حماس على المستوطنات الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة.
لكن لا أحد يعرف حقيقة ما يجري في المفاوضات لإطلاق سراحهم. أشارت تقارير إعلامية مختلفة، بما في ذلك موقع ميدل إيست آي، إلى أن عمليات تبادل السجناء الفلسطينيين الذين تحتجزهم إسرائيل أصبحت قريبة. كانت حماس منفتحة نسبيا بشأن هذه القضية، واقترحت إطلاق سراح حفنة من الأسرى المدنيين مقابل وقف الأعمال العدائية، يليه إطلاق سراح حوالي 100 آخرين مقابل النساء والقاصرين الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية.
مع ذلك، تواصل إسرائيل هجومها على غزة، الذي أسفر حتى الآن عن مقتل أكثر من 12 ألف فلسطيني، من بينهم 5000 طفل. عثر الجنود هذا الأسبوع على جثتي أسيرين إسرائيليين، يعاني أحدهما من السرطان والآخر جندي قالت حماس إنه قُتل في غارة إسرائيلية، لكن من غير المعروف على وجه اليقين كيف ماتا. والسؤال المطروح بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي اليوم هو: ما هو نوع الالتزام الذي يتعين على الدولة تقديمه لإعادة هؤلاء الرهائن على قيد الحياة؟
هذا تطور مثير للاهتمام، لأنه في الماضي كان هناك افتراض غير معلن بأن إسرائيل ستبذل كل ما في وسعها لتحرير مواطنيها المحتجزين كرهائن. لم نر هذا العدد الكبير من الأسرى الإسرائيليين منذ حرب 1973، وكان العديد من هؤلاء جنودًا أُسقطت طائراتهم في الأراضي السورية والمصرية. واليوم، غالبية أسرى حماس هم من المدنيين، ويُعتقد أن حوالي 35 منهم فقط جنود، لذا فالوضع مختلف تمامًا عما رأيناه في الماضي.
لقد دفعت إسرائيل في السابق ثمنا باهظا مقابل الإفراج عن الأسرى من جنودها، آخرها في سنة 2011 عندما تم إطلاق سراح 1027 سجين فلسطيني مقابل تسليم جلعاد شاليط، الجندي الإسرائيلي الذي احتجزته حماس. كان هناك دائمًا نوع من العقد الاجتماعي في إسرائيل: يقبل المواطنون تجنيد أبنائهم وبناتهم للجيش، وفي المقابل تبذل الدولة كل ما في وسعها لإعادتهم إلى الوطن، حتى لو قُتلوا أثناء القتال.
الآن تغير هذا الأمر مع صعود اليمين الديني في المجتمع الإسرائيلي وأيضا في الجيش نفسه، فقد أصبح عدد الضباط من الرتب المتوسطة والعالية من اليمين الديني في الجيش أكبر من أي وقت مضى، بينما يُهيمن المستوطنون اليمينيون المتطرفون على الحكومة نفسها. أدى ذلك إلى نوع جديد من التفكير، حيث يُتوقع من الإسرائيليين أن يضحوا بأنفسهم من أجل وطنهم، وليس على الدولة أي التزام بإعادتهم.
ليس هناك إجماع شديد حول هذه المسألة، ولكن هناك أصوات عالية الآن تقول إن قضية الدولة اليهودية مهمة للغاية بحيث لا ينبغي القيام بأي شيء من شأنه أن يعرقلها أو يلحق بها الضرر أو يعيقها – مثل إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين مقابل أسرى إسرائيليين.
كان التغيير تدريجيًا، وهو يعكس الاحتكاك بين وجه إسرائيل الأقدم والأكثر ليبرالية – الذي يعتقد أن حياة الإنسان مهمة وكل فرد مهم – والجانب الأكثر أصولية الذي يقول إن هذا هو الثمن الذي يتعين علينا أن ندفعه.
يتجلى هذا الاحتكاك بين الإسرائيليين من ناحية في الحملة التي تقودها عائلات الأسرى، والعديد منهم من مجتمعات الكيبوتسات ذات الميول اليسارية، والحكومة من ناحية أخرى التي يهيمن عليها الأصوليون الصهاينة المتدينون الذين يعتبرون أن الفوز في الحرب له الأولوية على كل شيء.
بدأت حرب إسرائيل على غزة في أعقاب خسارة فادحة في الأرواح الإسرائيلية، حيث قُتل نحو 1200 شخص في الهجوم الذي قادته حماس، أغلبهم من المدنيين. ومع وجود هذا العدد الكبير من القتلى، هناك تفكير داخل الدوائر اليمينية بأن خسارة بضع مئات آخرين لن تكون فظيعة للغاية إذا كان ذلك يعني سحق حماس بالكامل.
أصبحت الرغبة في الانتصار في الحرب من أجل إسقاط حماس قضية وجودية تقريبًا إذ يرى الإسرائيليون أن مصير الشعب اليهودي على المحك. وإذا كان إطلاق سراح الأسرى يعني منح حماس فترة توقف في القتال تسمح لها بالوقت الكافي للتعافي ـ وبالتالي تقليص فرص تحقيق النصر الإسرائيلي الكامل ـ فإن هذا يعتبر غير مقبول في نظر العديد من قادة البلاد وقسم كبير من عامة الناس. وفجأة، أصبحت حياة 240 شخصًا ثمنًا غير باهظ مقابل النصر.
انقسام إسرائيل
إن حقيقة انتماء العديد من الأسرى إلى الجانب الأكثر ليبرالية في إسرائيل تعني أن القضية بدأت تعكس الوضع السياسي قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر. فقبل أشهر من الهجوم، كان مئات الآلاف من الإسرائيليين ينظّمون مظاهرات أسبوعية ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته، وكان الإسرائيليون يتصارعون حول معركة أخرى تعتبر وجودية: الإصلاحات القضائية التي قام بها نتنياهو وتجويف الديمقراطية الإسرائيلية.
ما لا يقل عن نصف الجمهور الإسرائيلي لم يكن لديه ثقة في رئيس وزرائهم قبل الحرب، ومنذ ذلك الحين، لم يفعل نتنياهو أي شيء لإقناعهم بأنه الرجل المناسب لإعادة الأسرى إلى الوطن أيضًا. وينظم آلاف الأشخاص حاليا مسيرة إلى مكتب رئيس الوزراء في القدس مطالبين الحكومة بتأمين حرية الأسرى، وهي قضية تبناها العديد من قادة الحركة الاحتجاجية السابقة.
لم تكن شعبية نتنياهو أقل في أي وقت مضى من الآن حيث أظهر استطلاع للرأي نشر يوم الخميس الماضي أن حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء سيحصل على 17 مقعدا فقط من مقاعد البرلمان البالغ عددها 120 مقعدا إذا أجريت الانتخابات الآن، وهذا يمثل نصف عدد مقاعد حزب الوحدة الوطنية الذي يتزعمه منافسه من يمين الوسط، بيني غانتس.
وأظهر استطلاع آخر هذا الأسبوع أن أقل من 4 بالمائة من اليهود الإسرائيليين يعتقدون أن نتنياهو مصدر موثوق للمعلومات حول الحرب، بينما أظهر استطلاع ثالث نُشر في 3 تشرين الثاني/نوفمبر أن 76 بالمائة من الإسرائيليين يريدون استقالة رئيس الوزراء.
يعد البقاء السياسي بالغ الأهمية بالنسبة لنتنياهو، ومن المرجح أن أول شيء يفعله في الصباح هو قراءة آخر استطلاعات الرأي، حتى قبل أن يتلقى الأخبار من ساحة المعركة. لذلك تحوم شكوك في أنه يريد إطالة أمد الحرب حيث سيكون من الصعب للغاية إزاحته خلالها، وإذا كان التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح بعض أو كل الأسرى قد لا يبشر بنهاية الحرب، إلا أنه قد يكون بداية النهاية.
لنفترض أن هناك هدنة لمدة خمسة أيام حيث تذهب وسائل الإعلام الدولية إلى غزة وتستطيع أن ترى بنفسها مشاهد الدمار الشامل، وفي هذه الأثناء، تستطيع حماس أن تتعافي قليلاً، وتتفاءل بأنها نجت من الهجوم الأولي. لذلك تعتقد عائلات الأسرى والمعلقين الآخرين أن نتنياهو ليس في عجلة من أمره لوقف القتال من أجل تحرير المحتجزين في غزة.
في الواقع، هو بالكاد يتحدث إلى عائلات الأسرى واستغرق شهرين للقاء بعض ممثليهم مما جعلهم يشعرون أنه تم التخلي عنهم. إنها حالة حساسة، وقد تبنت وسائل الإعلام السائدة رواية الجيش بأن الضغط العسكري على حماس من شأنه أن يرغمها على التنازل وتقديم صفقة أفضل من أجل الأسرى.
لكن ليس هناك ما يشير إلى أن هذا هو الحال بالفعل؛ حيث ويبدو أن الصفقة التي تعرضها حماس اليوم لا تختلف عن تلك التي سبقت بدء إسرائيل غزوها البري في 30 تشرين الأول/أكتوبر، فقد أُطلق سراح أربعة أسرى حتى قبل بدء العمليات البرية، ولم يتم إطلاق سراح أي منهم منذ ذلك الحين.
من المحتمل أن نعرف النتيجة خلال شهر أو شهرين: إما أن يتحرر الأسرى أو يموتون. وإذا حدث الاحتمال الأخير، فإن تأثيره على التماسك الاجتماعي في إسرائيل سيكون هائلاً، وإذا فشلت إسرائيل في إنقاذ عشرات المواطنين عندما أتيحت لها الفرصة، فإن العقد الاجتماعي بين الجمهور والدولة والجيش سوف ينكسر أكثر فأكثر.
ستكون هذه صدمة يصعب التعافي منها، فهل تستطيع إسرائيل الليبرالية وإسرائيل اليمينية الدينية الاستمرار في العيش جنباً إلى جنب؟ إن نتنياهو، على الرغم من كل تهكمه، يدرك هذا المنعطف الذي لا يتعلق فقط بالحرب نفسها، بل بالمجتمع الإسرائيلي ككل.
المصدر: ميدل إيست آي