ترجمة حفصة جودة
قد يبدو الأمر وكأنه مشهد لإحدى لوحات جون مارتن المروعة، أو جزء من أفلام الكوارث الحديثة، لكنه ليس افتراضيًا، فجبل إيفرست قد يبدأ في الانهيار بالفعل تحت وطأة أوزان المستكشفين أو هكذا يبدو، حيث تفيد التقارير أن الانفجار الصخري عند درج “هيلاري” (المسمى باسم السير إدوارد هيلاري الذي تسلق الجبل عام 1953 مع تنزنج نورجاي) قد يكون تدمر في أثناء زلزال نيبال عام 2015 (رغم أن البعض يقولون إنه اختفى فقط تحت الثلوج).
هذا الأمر يدل على رغبتنا البشرية في توسيع هيمنتنا على الأشياء، فحتى التسميات تشير إلى رغبتنا في السيطرة على الطبيعة وتصنيفها، لذا يبدو أن هذا هو رد الأرض علينا.
لكن بعض المتسلقين يخشون من أن اختفاء هذا الدرج شبه العمودي – التحدي الأخير أمام المتسلقين – سيجعل من السهل تسلق الجبل وبذلك تبدأ مرحلة جديدة، ويتساءل البعض إذا كان الوقت قد حان لفرض بعض القيود – أو الحظر – على البعثات التي أصبحت شائعة جدًا، الأمر الذي يؤثر على مواصفات المكان.
ينطوي الأمر على سياسات معقدة، فهناك اقتصادات محلية قائمة على زيارة المهووسين من الغرب لتحدي هذه المرتفعات الشاهقة، كان هناك الكثير من الأبطال والكثير من التضحيات، لكن لتحقيق تلك الغاية أصبح الجبل عبارة عن كومة واحدة كبيرة من القمامة، حتى موتانا لا نأخذهم بعيدًا عن المكان ناهيك عن القمامة، لقد أصبح الجبل مقبرة لطموحاتنا.
قد يبدو جيدًا أن نعلن الآن أن إيفرست وغيرها من القمم الشعبية “محميات طبيعية”، ربما بنفس الطريقة التي طلبوا بها من زوار “صخرة أولورو” (المعروفة أيضًا بآيرس روك) في إقليم أستراليا الشمالي عدم تسلق الموقع المقدس لقبيلة “الأناغو”.
وعلى الرغم من حتمية الأمر، فإن بعض المتسلقين لا يمكنهم المقاومة، والحسابات الأخيرة للمتسلقين في أولورو تؤكد على حساسية هذه القضايا والتضارب في مفهوم الملكية مقابل إحدى العجائب.
هذه إحدى المفارقات العظيمة، البشرية الهشة مقابل العظمة الراسخة ولا يمكن التوفيق بينها، يرى المؤرخ كينيث كلارك – في أواخر القرن الـ18 – أنه لم يحلم أحد بتسلق جبل لأجل مصلحته الخاصة.
لكن حركة التنوير جاءت بحب استطلاع جديد ودين جديد وتبجيل الطبيعة، وما لاحظناه دمرناه أيضًا، كان تيرنر وروسكين ينظران إلى جبال الألب ومنطقة البحيرات بشعور من السامية، وفي القرن الـ21 سعى كتاب الطبيعة الجدد إلى إعادة الطبيعة إلى مسارها لتصبح برية مرة أخرى، وفي كتابه “المعالم” كتب روبرت ماكفارلين قائمة بأكثر من 200 اسم وصفة قديمة وضائعة مرتبطة بالجبال، لكن مثلما كان بروميثيوس مربوطًا بالسلاسل في إحدى الجبال لسرقة النار الإلهية، فقد فات الأوان.
لعبت الصناعة دورها كذلك بدور مباشر أو غير مباشر، فحتى القرن العشرين، كانت صخرة “بيري هيد” الواقعة على الشاطئ جنوب تورباي تقف في فخر وهدوء أمام البحر، بعد ذلك بدأ استغلالها في استخراج الجير الكلس واستخدامه في معالجة الصلب، هذه البقعة الجميلة التي تغنى بجمالها الرومانسيون وشعراء العصر الفيكتوري تفجرت إلى نصفين وتحولت إلى أنقاض، تم تحميلها على السفن ثم نقلها بالسيارات إلى دانجهام لصناعة سيارات الفورد.
إنه الفضول البشري الذي يرى السلم والشجرة والتل ويتسلقهم بشكل غريزي للحصول على رؤية أفضل، كما لو أننا سنحصل على رؤية جديدة ومسار جديد واتجاه جديد، لكن ما نراه حقًا هو أنفسنا، لقد أخفقت في محاولة تسلق السفح الخشبي لجبال البرانس في كاتالونيا العام الماضي وأوشكت على الوقوع، أدركت مدى تهوري وتراجعت مرة أخرى متمسكًا بالفرع تلو الآخر، كان يجب عليّ أن اعترف بالهزيمة، حلقت غربان “الكورب” (غربان سوداء) فوق رأسي وهي تنعق مطالبها المشروعة.
نحن بحاجة لأن نشعر بالخوف مرة أخرى ونحذف هذا الهدف من قائمة طموحاتنا، نحن لا نملك هذه الأماكن مهما أطلقنا عليها من الأسماء، الحقيقة أن أحدهم قام بوضع علم على قمة جبل ما، هذه هي الحقيقة وليس لها معنى أكبر، ما المعنى من نزول 3 رجال فقط لعمق المحيط (من بينهم المخرج جميس كاميرون والذي أجد تفاصيل قصته كئيبة نوعًا ما)، أو من وضع العلم الروسي في قاع البحر بالقطب الشمالي أو رفع العلم الأمريكي على سطح القمر؟
نحن نتنافس بضعفنا البشري على نطاق الأشياء كما لو أن المعرفة البائسة في النهاية أننا لا نعني شيئًا، وعندما ينتهي الجنس البشري سوف نصبح مجرد طبقة جيولوجية أخرى، وسيتمثل كامل وجودنا في طبقة أقل سمكًا من ورقة السجائر، لذا لا بد أن نتواضع من الآن.
المصدر: الغارديان