تمكّنت كتائب الشهيد عز الدين القسام خلال عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، من تأسر أكثر من 200 إسرائيلي، لينضموا إلى أربعة آخرين، استطاعت أسرهم في معركة العصف المأكول 2014 وبعدها، وهم: هدار جولدن وشؤول آرون وإبراهام منغستو وهشام السيد.
وعلى الرغم من مرور أكثر من شهر ونصف على المعركة، ما زال الاحتلال عاجزًا عن تحرير أي من الأسرى أو الوصول إليهم، كما فشل لـ9 سنوات في تحرير شاؤول آرون ورفاقه، وكما فشل سابقًا في تحرير جلعاد شاليط، الذي أسر عام 2006 قبل أن يخرج في صفقة تبادل أسرى “وفاء الأحرار” عام 2011.
وبينما تقسم كتائب القسام عناصرها إلى ألوية ووحدات، بين الهندسة والمظليين والضفادع البحرية والمدفعية والمقاتلين والعمل الفدائي، تفرد وحدة خاصة لتأمين أسرى الاحتلال، بعيدًا عن استخبارات الاحتلال وعملائهم على الأرض، حتى تعطيهم قيادة المقاومة الإشارة للإفراج عنهم في سبيل صفقة تبادل أسرى أو تحقيق إنجازات للمقاومة الفلسطينية، عرفت باسم: وحدة الظل القسامية.
النشأة والتأسيس
في يناير/كانون الثاني 2016، أي بعد 10 سنوات من اعتقال جلعاد شاليط، كشفت كتائب القسام عن إحدى أهم وأكثر وحداتها الأمنية السرية “وحدة الظل” التي يسند إليها تأمين أسرى العدو، وعن شهداء شاركوا في عملية احتجاز الجندي شاليط وهم: سامي الحمايدة وعبد الله علي لبد وخالد أبو بكرة ومحمد رشيد داود وعبد الرحمن المباشر.
ومع إعلان الكشف عنها، قالت القسام على لسان ناطقها العسكري أبو عبيدة، إن هذه الوحدة هي إحدى وحدات المهام الخاصة في القسام، “وجاء تأسيسها لاعتبارات عملياتية في إطار مهمة كسر القيود”، مشيرًا إلى أن هذه الوحدة – بضباطها وجنودها – “بمثابة حلقة مفقودة، ومهمتها أن تبقى دومًا كذلك”.
وأوضحت القسام أن اختيار مجاهدي هذه الوحدة يتم من كل الألوية والتشكيلات القتالية وفق معايير دقيقة، ويتم إخضاعهم لاختبارات عديدة مباشرة وغير مباشرة، وأشارت إلى أن من أبرز مهامها تأمين أسرى العدو الذين يقعون في أسر الكتائب، بالإضافة إلى معاملة أسرى العدو بكرامة واحترام وفق أحكام الإسلام وتوفير الرعاية التامة لهم (المادية والمعنوية)، مع الأخذ بعين الاعتبار معاملة الاحتلال للأسرى الفلسطينيين.
بدأ عمل الوحدة القسامية، عام 2006، مع عملية “الوهم المتبدد” التي أسرت فيها كتائب القسام شاليط، ثم أوكلت لها مهمة احتجاز 4 أسرى إسرائيليين منذ عام 2014، بينهما جنديان أسرتهما خلال معركة العصف المأكول على غزة عام 2014، إضافة إلى اثنين آخرين دخلا غزة في ظروف غامضة ووقعا في قبضة القسام.
وأوكل القائد العام للقسام محمد الضيف للوحدة مهمة تأمين أسرى العدو الذين يقعون في أسر الكتائب، وإبقائهم في دائرة المجهول، وإحباط جهود الاحتلال للوصول إليهم، أو تنفيذ إجراء “هنيبعال” أو الأرض المحروقة، الذي يتبعه الاحتلال لقتل الأسرى وآسريهم.
وتقول كتائب القسام إن عمل هذه الوحدة، التي أسست في الأصل لاعتبارات عملياتية في إطار مهمة كسر قيود الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، سينتهي فقط بعد تبييض السجون من الأسرى جميعًا.
في عام 2021، كشف نائب القائد العام للقسام مروان عيسى، عن المؤسس الحقيقي لوحدة الظل القسامية، وهو الشهيد باسم عيسى، قائد لواء غزة في كتائب القسام الذي استشهد خلال معركة “سيف القدس”، بعد استهدافه من الاحتلال الإسرائيلي، مضيفًا، أن الشهيد عيسى كان له الدور البارز في الحفاظ على الجندي شاليط، الذي أطلق سراحه بعد الإفراج عن 1027 أسيرًا من سجون الاحتلال.
وباسم عيسى، عضو المجلس العسكري لكتائب القسام، وتقلد مواقع قيادية في القسام وصولًا إلى ترأسه لواء غزة في الكتائب، وشارك الشهيد القائد عماد عقل أول عملية قتل فيها جنود إسرائيليون من مسافة صفر، كما عمل مع أبرز قادة القسام ومؤسسيها أهمهم الشهيد المهندس يحيى عياش والقائد محمد الضيف.
https://www.youtube.com/watch?v=oCgM61RmL2U
اعتقله الاحتلال فترة بسيطة، ثم ظل يطارده، وأصابه جهاز المخابرات التابع للسلطة الفلسطينية بإصابة حرجة فترة التسعينيات خلال محاولتهم اعتقال يحيى عياش، وكان من أبرز مطاردي كتائب القسام الأوائل منذ الانتفاضة الأولى، ومن الرعيل الأول لشرارة الانتفاضة الأولى، أطلق عليه المقاومون لقب “التستري” لدوره البارع في عملية التصنيع، واعتقله الاحتلال.
ولم يسمع أحد شيئًا عن هذه الوحدة حتى أعلن أبو عبيدة نهاية يوليو/تموز 2022 استشهاد أحد أعضاء “وحدة الظل” وإصابة 3 آخرين جراء استهداف الاحتلال لأحد أماكن احتجاز جندي إسرائيلي أسير خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في مايو/أيار 2021.
“الظل”: الإنجازات التي هزت الجبهة الداخلية للاحتلال
الوحدة التي استطاعت أن تخفي جلعاد شاليط لـ6 سنوات، قبل أن تحقق صفقة تبادل الأسرى “وفاء الأحرار” وتسعد بيوتًا فلسطينية، وتجلب خزيًا لبنيامين نتنياهو – رئيس وزراء الاحتلال حينها – لأنه “أفرج عن إرهابيين فلسطينيين مقابل جندي واحد”، عادت لتجلب سوء الحظ من جديد لنتنياهو عام 2014، بإضافة 4 أسرى إلى كوابيسه، ولم يتوعد كما جلعاد بالإفراج عنهم بل سارع بالإعلان عن مقتلهم لجمهوره، وهو ما أفسدته عليه وحدة الظل بنشر صورٍ ومقاطع فيديو تثبت أنهم أحياء، ويزيدون فوق ضغط نتنياهو ضغطًا آخر.
إلا أن الصفعة التي وجهتها وحدة الظل لنتنياهو كانت عام 2016، بعد الكشف عنها، حين أظهرت مقاطع فيديو وصور نشرتها كتائب القسام، جلعاد شاليط على شاطئ بحر غزة برفقة المقاومين يتناولون الطعام، وهو ما وجه ضربة لكل استخبارات الاحتلال التي كانت تتحجج بأن القسام تخفي الجنود في أنفاق تحت الأرض، بعيدًا عن وصول العملاء لهم.
وعام 2022، كشفت كتائب القسام عن مقطعٍ آخر، ليؤجج الغضب الداخلي في جبهة الاحتلال – سيما الدروز منهم – ضد الحكومة، عندما أظهر مقطعًا مصورًا لإبراهام منغسيو، الذي لم تسأل عنه حكومته أو تعره أي انتباه، وقد ظهر المقطع وهو يتلقى العلاج بعد تدهور حالته الصحية.
مؤخرًا، مع عملية طوفان الأقصى عام 2023، لعبت وحدة الظل القسامية دورين مهمين، بدءًا بمهمتها الأساسية في حفظ أكثر من 200 أسير بعيدًا عن متناول الاحتلال وطائراته وجنوده واستخباراته، وبات هدف نتنياهو من الحرب “تحرير الأسرى” ضربًا من وهم، وليس انتهاءً بممارستها الحرب النفسية على الجبهة الداخلية للاحتلال.
فبثت كتائب القسام، خلال الطوفان، مقطع فيديو لأسيرة تعالجها كتائب القسام بعد إصابتها بكسرٍ في يدها، وبثت مقطعًا آخر لـ3 أسيرات يصرخن في نتنياهو، ويتهمنه بالفشل في تحريرهن لأجل مكاسب سياسية، وأنه شخص فاسد يحاول أن يهرب من السجن بتعريضهن للخطر تحت القصف الإسرائيلي.
لكن المقطع الأبرز، الذي انتشر صداه عالميًا، هو مقطع الإفراج عن محتجزتين كبيرتين بالسن، لدواعٍ إنسانية، حيث قالت يوخباد ليفشيتس، الأسيرة الإسرائيلية المفرج عنها، إنها لقيت والأسرى الآخرين معاملة جيدة، وكان هناك ممرض يعالج المصابين، وطبيب يأتي كل يومين لفحص الأسرى، وأضافت أنه كانت هناك نساء يعتنين بالأسيرات لأنهن أعرف بحاجاتهن، وأن كتائب القسام اهتمت جيدًا بالنظافة وبصحة الأسرى، كما تعمدت القسام أن تنشر مشاهد الإفراج عنها، وهي ترفض المغادرة قبل أن تسلم على عنصر القسام وتقول له “سلام سلام”.
وإلى جانب ذلك كله، نشرت وحدة الظل وكتائب القسام، مقطعي فيديو لأسيرة وأسير إسرائيليين قبل وبعد وفاتهما بسبب القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، وقد وجهت الأسيرة – من أصل مغربي – قبل مقتلها، رسالة إلى حكومتها للإفراج عنها، بينما أظهر المقطع الآخر اهتمام القسام ومعالجة الأسير الكبير في السن لديها، والذي قتل بنوبة هلع بعد قصفٍ إسرائيلي.