ترجمة وتحرير نون بوست
ينادي الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الذي فاز بولاية جديدة خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بالانفتاح على الغرب، لوكن الحرس الثوري الإيراني سيحول دون تحقيق ذلك. في المقابل، كشف حوار أجرته الصحيفة مع أحد أفراد هذه الميليشيات مدى براغماتية الحرس الثوري.
في واقع الأمر، يتكون الحرس الثوري الإيراني من قوات التعبئة العامة التي تعرف باسم “الباسيج” والتي قمعت المظاهرات التي اندلعت سنة 2009، احتجاجا على فوز الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، بولاية ثانية. وفي هذا السياق، قمنا بإجراء حوار مع أحد أفراد الحرس الثوري الإيراني، الذي يدعى علي.
أثناء حديثه عن الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، وضع محدثنا يده على صدره، قائلا “من يقبل الظهور على شاشة التلفاز، لا يمكن اعتباره شخصا متشددا”. وأضاف علي: “قال الإمام جعفر الصادق إن مساعدة الآخرين تعادل 9000 صلاة. أنا أعتقد أن نجاد أراد أن يحقق جملة من الإنجازات لصالح بلاده ولكن أفعاله لم تعكس ذلك، حيث اتخذ قرارات عمقت داخلنا الشعور بالعار والإهانة”.
وتجدر الإشارة إلى أن علي ينتمي إلى قوات الباسيج، كما شارك في قمع المظاهرات التي خرجت للتنديد بتزوير الانتخابات والدعوة لإرساء الحرية في سنة 2009. في ذلك الوقت، كان علي يدين بالولاء للرئيس نجاد، لكن اليوم تغيرت الكثير من المعطيات وتغيرت معها نظرة الحرس الثوري الإيراني تجاه القضايا السياسية.
في الحقيقة، تعتبر وسائل الإعلام الغربية إيران بمثابة إمبراطورية يحكمها المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، ويحرسها الحرس الثوري الإيراني. في المقابل، يحتل المعسكر الإصلاحي الذي يتزعمه الرئيس حسن روحاني، الذي يحظى بمساندة الشباب الذي يعشق الموسيقى وينادي بالمساواة، مكانة بارزة على الساحة السياسية الإيرانية.
في الوقت الراهن، تعيش إيران صراعا محتدما بين المعسكر المتشدد والإصلاحي. وقد زادت حدة هذا الصراع خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي توجت بفوز روحاني بولاية جديدة بنسبة 57 بالمائة من الأصوات. وعقب الإعلان عن النتائج، احتفل أنصار روحاني بفوز مرشحهم المبين. من جهة أخرى، يعتقد المعسكر المتشدد أن دواليب الحكم لا تزال بين يدي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية. والجدير بالذكر أن الحرس الثوري الإيراني سيحول دون تنفيذ الإصلاحات التي يعتزم الرئيس الجديد المضي قدما في إرسائها نظرا للنفوذ الذي تتمتع به هذه الميليشيات.
لن يحاول روحاني إجراء أي تعديل على هياكل الدولة
عموما، لا يمكن القول أن الرئيس روحاني إصلاحي في مختلف الجوانب، نظرا لأنه لا ينوي إجراء أي تغيير على مستوى هياكل الدولة. ففي الواقع، يعد روحاني محافظا معتدلا يسعى إلى منح المواطنين هامشا من الحرية. من ناحية أخرى، لا يمكن اعتبار جميع خصومه متشددين، حيث يضم الحرس الثوري الإيراني في صفوفه أفرادا يحملون توجهات مختلفة. فضلا عن ذلك، شهدت هذه المنظمة العديد من التغييرات على جميع الأصعدة.
في الحقيقة، يجد الصحافيون صعوبة في التواصل مع أفراد هذه الميليشيات وإجراء حوار معهم نظرا لأن معظمهم يأبون الكشف عن أسمائهم الحقيقية. ويعزى ذلك بالأساس إلى طبيعة عملهم الذي يقتضي السرية التامة. على العموم، يتكون الحرس الثوري الإيراني من حوالي 150 ألف عنصر مجهزين بأكثر الأسلحة تطورا مقارنة بالجيش الإيراني. وتضم هذه الميليشيات قوات برية وجوية وبحرية، بالإضافة إلى جهازي استخبارات.
فضلا عن ذلك، يدعم أفراد الحرس الثوري بقية الميليشيات في بلدان أخرى، على غرار حزب الله اللبناني الذي يدعم النظام السوري. ويمتلك الحرس الثوري الإيراني مؤسسات اقتصادية تسيطر على ثلث الاقتصاد الإيراني. بالإضافة إلى ذلك، تضم هذه الميليشيات قوات الباسيج التي تعمل جاهدة للدفاع على النظام الإيراني.
ومن المثير للاهتمام أن هذه الميليشيات تعد بمثابة مجتمع موازي أكثر تشددا يحمل توجهات سياسية مختلفة. وفي هذا السياق، قال حسين، وهو سياسي شاب يبلغ من العمر 38 سنة: “بسم الله الرحمن الرحيم. في الواقع، لم أنتخب روحاني علما وأنني قد انتخبته منذ أربع سنوات. في سنة 1997، أدليت بصوتي لأول مرة لصالح المرشح الإصلاحي، محمد خاتمي”.
الرئيس روحاني يزور إحدى مكاتب الاقتراع. لا يعتبر هذا المرشح إصلاحيا ثوريا، بل محافظا معتدلا
وأردف هذا السياسي الشاب متحدثا عن انتخابات سنة 2009، “حقيقة لا أريد أن أكذب، لذلك لن أفصح عن هوية المرشح الذي انتخبته”. وأضاف حسين قائلا: “لا ينضوي الحرس الثوري الإيراني تحت راية أي حزب. عموما، تتكون هذه الميليشيات من أفراد منتمين للمعسكر الإصلاحي وآخرين منحازين للشق المتشدد. وفي الأثناء، يجمعنا هدف واحد ألا وهو الدفاع عن الثورة الإيرانية”.
وفي سياق متصل، صرح هذا السياسي الشاب أنه “في السابق، انتخبت محمد خاتمي الذي يعتبر الأب الروحي للإصلاحيين والذي كان ينادي خلال التسعينات بالانفتاح على الغرب وحرية التعبير، فضلا عن المساواة، إلا أنه تقاعس عن الدفاع عن استقلالية بلادنا. وقد سار روحاني على خطاه،حيث قام بتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال إبرام الاتفاق النووي”. وأردف حسين قائلا: “أين الاستثمارات ومواطن الشغل التي وعد بها روحاني؟ حتى العقوبات الاقتصادية مازالت قائمة”.
من جانب آخر، أفاد حسين أن “إبراهيم رئيسي قطع مع هذه السياسة ورفض توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية. في المقابل، دعا رئيسي للدخول في علاقات تجارية مع الصين وروسيا والهند، إلى جانب الاتحاد الأوروبي”. على الرغم من أن حسين لم ينتخب روحاني، إلا أنه يساند توجهاته الاقتصادية القائمة على دعم نمو الاقتصاد الإيراني.
وفي شأن ذي صلة، أوضح حسين أن “زعيم الثورة الإيرانية ديمقراطي نظرا لأنه أيد ترشح روحاني للانتخابات الرئاسية الإيرانية”. وطيلة حملته الانتخابية، انتقد روحاني امتداد نفوذ الحرس الثوري الإيراني في كل دواليب الحكم. في المقابل، كان خامنئي يعارض دعوات الرئيس الإيراني للانفتاح على الدول الغرب. في الوقت ذاته، أفاد الكثير من المراقبين أن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية كان يدعم منذ البداية ترشح روحاني نظرا لحاجة البلاد الماسة لنهضة اقتصادية.
إلى جانب ذلك، كان خامنئي متيقنا من أن روحاني لن يجرؤ على تجاوز سلطته وعدم الانصياع لأوامره. وفي هذا الصدد، صرح أستاذ العلوم السياسية، أمير محبيان أن “أفراد الحرس الثوري الإيراني يعرفون جيدا أن رجال الدين يتمتعون بنفوذ واسع في صلب الحياة السياسية الإيرانية. وفي الوقت ذاته، من الممكن أن يتبنى الحرس الثوري نهجا أكثر براغماتية”. وأردف، محبيان، وهو أستاذ محافظ ينشر مقالاته على موقع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية أن “الحرس الثوري الإيراني كان بإمكانه الوقوف في وجه روحاني والتصدي له، ولكن لا يمكن أن ننسى أنه يمثل جزءا من المجتمع الإيراني، خاصة وأن عناصره ينتمون إلى مختلف التيارات السياسية”.
حرس ثوري واع
على العموم، يعتبر الحرس الثوري الإيراني أكثر جهة محافظة ومتشددة في إيران، إلا أنه يتميز، في الوقت نفسه، بوعيه البليغ بحجم التحديات والصعاب التي تواجهها إيران على الساحة السياسية . وفي هذا الصدد، قال مهرزاد، القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني “ينبغي علينا أن ندافع على بلدنا وثورتنا. انضممت للحرس الثوري الإيراني عندما كنت شابا. وفي الوقت الراهن، لن أتوانى عن الدفاع عن بلدي متى استوجب الأمر ذلك. ومن المؤكد أن أبنائي الثلاثة سينضمون للحرس الثوري“.
في المقابل، أقر مهرزاد بأن “الحرس الثوري الإيراني قد حاد عن هدفه الرئيسي. ينبغي على الحرس الثوري أن ينأى بنفسه عن التجاذبات السياسية. وقد سعى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، خلال التسعينات، إلى عزل ميليشياته عن الحياة السياسية، لكن جهوده باءت بالفشل”. واستدرك محدثنا قائلا: “أنا رائد متقاعد، ولكن من المهم أن نحافظ على مبدأ الحياد فيما يتعلق بالتوجهات السياسية. وفي الأثناء، لا بد أن يقرر الإيرانيون مصيرهم بأنفسهم. نحن في حاجة ملحة لإرساء مبادئ الديمقراطية”.
المصدر: فيلت